تاريخ النشر: الكتاب 75، مارس 2013
أثارت هجمات 13 و 14 مايو (أيار) في إندونيسيا قلقًا عميقًا حول مستقبل أدوات الإرهاب ودخول شبكاته الاجتماعية في مرحلة جديدة، باستغلال البناء الاجتماعي الأسري، إذ قامت عائلة في مدينة سورابايا الإندونيسية بمهاجمة كنائس عدة، وبعدها بيوم وقع الحادث الثاني من قبل أسرة أخرى. وشاع في الأخبار أن جماعة أنصار الدولة مسؤولة عن هذه الهجمات، وتكررت الإشارة إلى صلتها بداعش.
يعتبر كثيرون الإسلام الإندونيسي واحدًا من الخيارات المطروحة للدراسة في تسامحه وتساهله، وحينما حطت قدما الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في العام 2017 في البلاد، أبدى إعجابه العظيم بتاريخ التسامح العريق في إندونيسيا، واعتبرها بعض الخبراء دليلاً لكل المجتمعات المسلمة، بل مضى البعض إلى الإقرار بأنها من النماذج القليلة التي أجابت عن أسئلة الهوية والمساواة وغيرها. ولكن هناك من يرى أن الأمر على الأرض يفيد بأنّ ثمة من المشاكل ما يجب العمل عليه، خصوصاً وأن هناك قلق تاريخي حول العرقيات والدين. ومؤخرًا، انعقدت مؤتمرات متتالية لبحث تثبيط مسرعات الأدلجة والعنف. ولطالما أعلن مسؤولون في دول الجوار خصوصاً (سنغافورة) توجسهم من تمدد التطرف من إندونيسيا وماليزيا إليها.
في أعقاب سقوط دولة داعش في العراق، تسرب المقاتلون منها إلى جهاتٍ آسيوية، ورُصد خلال العام الماضي مجموعة من رسائل الخطاب التكفيري بلغات تخاطب المسلمين في الفلبين وإندونيسيا عوضًا عن ماليزيا والايغور. الجديد في هذه المقطوعات أنها تنقل أزمات الشرق الأوسط وصراعاته إلى تلك المناطق، ولا تحط من قدر أزمات الروهينجا وغيرها، ولكن تضيف إليها الرؤية العربية، وتؤكد ضرورة توحد مشاعر المسلمين ضد التهديدات. وتلاقي نجاحها ربما بسبب التركيبة الاجتماعية للإسلام في إندونيسيا وغيرها.
ولكن لا يمكن الجزم بأنّ سبب التطرف هو دخول داعش إلى إندونيسيا، بل يجب الانتباه إلى أنّ بيئة حاضنة للتطرف كانت موجودة، وما حدث لا يعدو أن يكون تحريكها. فالتربة الأصولية الخصبة موجودة، وثمة تعقيدات بالغة تجعل التفريق بينها وبين الإسلام التقليدي صعب للغاية. لقد حمل البعض هجومه على مدارس «سانترن» التي تقوم على تدريس الأطفال منذ الصغر وتلقنهم مبادئ التطرف والتشدد، الأمر الذي سبق طرحه عقب تفجيرات بالي الشهيرة عام 2000.
من هنا يأتي الوقوف على مباني ذاكرة الإرهاب في إندونيسيا مهمًا، بغية استعادة نماذج التجربة الإندونيسية في سبيل المزيد من البحث.
في هذا الملف المفتوح، توجد مجموعة من الأسئلة المطروحة، ربما تساعدنا الأحداث على الإجابة عنها:
- هل دخل التطرف إلى إندونيسيا مع داعش؟
- هل نجاح الدولة الإندونيسية في تجاوز مأزق الهوية الدينية، دليل يؤشر على نجاح المجتمع، أم أنه خطوة تأسيسية يجب أن تتبع بما هو بعدها؟
- هل تمّ تصوير أزمات الشرق الأوسط على أنها أزمات للإسلام؟
- هل تم تصدير أفكار عداء الدولة من أفكار مرتبطة بسياق التطرف العربي ثم نقلت إلى غيرهم؟ أم هي أفكار مترسخة في التفكير المحلي، ومرحلة ضرورية في البناء المعرفي للمسلمين في شرق آسيا؟
- عداء الآخر الديني في إندونيسيا المتسامحة، ماهي الخلفية المكونة له؟ هل هي خلفية دينية أم لديه ارتباط بانتشار الإسلام في عرقيات بعينها. أم يأتي منقولاً هو الآخر من صراعات في دولٍ أخرى؟
- ماهو مدلول تحوّل العمليات الإرهابية إلى عمل أسري، هل هذه الدلالة مرتبطة باستراتيجية داعشية، أم أنها ترتبط بنمط إندونيسي؟
تفتح هذه الأسئلة باباً جديداً للنقاش حول قضايا أساسية على علاقة بأشكال العمليات الإرهابية وأنماطها وكيفية فهمها على نطاق متعدد الجوانب من قبل أهل الاختصاص.
في مارس (آذار) 2013 أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه (75) تحت عنوان “إندونيسيا: الإسلاميون، الشيعة، الصوفية” تناول فيه قضايا أساسية حول الحراك الإسلاموي، مقدماً الخلفيات التاريخية الضرورية حول جذور الإرهاب في هذا البلاد الآسيوي. وينشر موقع مركز “المسبار” هذه الدراسة للباحث لؤي عبد الباقي، عن “شبكة الإسلام الليبرالي” في إندونيسيا، متناولا تاريخها، ونشأتها، وانتشارها، ومدى تأثيرها، ومستقبل هذا النوع من الأفكار الجديدة.