ارتبط التعدد داخل دول الشرق الأوسط بالتنافس العرقي والديني الذي قُدم في شكل ثنائية ما عُرف بالأقليّة والأكثرية. ونتج عن ذلك سيادة التصوّرات النمطية المنسوبة للأكثرية الحقيقية أو الأكثرية السلطوية عن الدين واللغة والقومية. إن أبرز هذ الأقليات التي ظلمتها السرديات الرسمية هي الأقليّة الكردية التي ظلّت مغيّبة عن البحث المعمّق.
قام مركز المسبار للدراسات والبحوث في إصداراته الشهرية السابقة بدراسة التعدد الإثني والعرقي في دول المنطقة، ويركز في كتابه «الإسلام في كردستان: السنة، الشيعة، الخورشيديون» (الكتاب الخامس والثلاثون بعد المئة، مارس (آذار) 2018) على التنوع المذهبي عند المسلمين في إقليم كردستان العراق، ساعياً إلى استكمال تغطيته للمشهد الإسلامي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والتي استهلها برصد الحركة الإسلامية هناك بأجنحتها المختلفة، وتابعها بإصدار عن السلفية الكردية، وقد أتى هذا العدد لفهم المجال الأوسع لاستقبال الكرد للإسلام وتفاعلهم معه من نواحٍ عقائدية وفقهية وسياسية.
تبحث دراسات الكتاب في الإسلام السني بشقيه الحنفي والشافعي، والإسلام الشيعي في صيغته الكردية وتأثره بمحيطه الجغرافي، كما تنظر للتصوف، دون أن تغفل عن سطوة العادات والتقاليد الكردية التي أخذت من الأديان . وراقبت الدراسات تحولات القبيلة والعشيرة وفق تغير المكان والزمان؛ واضعة كل ذلك أمام تحديات الإرهاب التي فرضت طرح أسئلة جديدة حول الدين والوطن والهوية والتطرف.
تناول الكتاب إشكالية العلاقة بين الانتماء العرقي والهويّات الدينية والوطنية، وتتبعت إحدى دراساته ذلك من خلال تشكل المذاهب تبعاً للمرحلة التاريخية الخاصة بكل واحدة منها، منذ العهد العباسي الذي ساد فيه المذهب الحنفي، إذ استطاع الأكراد حينها أن يبزوا الآخرين في مهاراتهم القتالية ووفائهم، قبل أن ينزوي مجتمعهم على مدارس ونظم تختلف فيما بينها. ثم تكاملت لاحقاً داخل المجتمع الكردي الطرق الصوفية التي أدت وظيفة الأداة اللاحمة بين الدين والتقاليد.
يشكل الشيعة جزءاً كبيراً من النسيج العراقي عموماً، وفي الحالة الكردية لهم وجود نوعي، درس الكتاب المكوّنات الأصيلة «الفيلية والشبك والأركوازية» والمتحولين من السنة منهم المعروفين باسم المستبصرين، والتوزع الجغرافي للفيلية، ورموزهم المعاصرين، وتاريخهم. عالج-أيضاً- أصل الشبك ومناطق سكناهم وتعدادهم، والصراع على الهوية الشبكية. وكيف تعاطت داعش مع هذا المكوِّن الكردي، واختلفت ردة فعلهم عن بقية الأكراد بانضمامهم للحشد الشعبي.
يصر العلويون الكرد على تقديم أنفسهم متمايزين عن فرق دينية تشاركهم الاسم سواء العلوية النصيرية السورية، أو القزلباش. فحص الكتاب جدل الديني/ المذهبي في تمايز العلوية عن الطريقة الصوفية المعروفة بالبكتاشية، وما تفرضه من نقاش؛ لأن العلوية تسعى لرسم فكرتها لتكون كهوية قومية، آخذاً بالاعتبار المنظور الديني والفلسفي للعلويين في كردستان، وتأثيرهم السياسي.
من ملامح التعدد داخل المجال الكردي أيضاً، حركة حقة، التي قُدمت على أنها تؤكد أنّ التقاليد عصيّة على الكسر، كما فتح الكتاب ملف الخورشیدیين المبهم.
راهن الكتاب على ضرورة اقتصار دراساته على أقلام الباحثين الكرد، ليقدموا رؤية كردية صرفة، توثق اختلاف استقبال الإسلام في التاريخ الكردي القديم والمعاصر، كاشفاً عن أهمية هذه التعددية الإسلامية الثرية داخل هذا المجتمع الذي يحاول التقدم ليشكل حالة سياسية جديدة.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لجميع المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل ابراهیم صادق ملازاده الذي نسق العدد، ونأمل أن يرضيكم ثمرة جهده وفريق العمل.
رئيس التحرير
مارس (آذار) 2018