انتشر الفيروس التاجي “كورونا” (كوفيد 19) في أكثر من (110) دول حتى 16 مارس (آذار) 2020، وفي حين أن اللقاحات قيد التطوير والعلاجات الأولية تُظهر بعض علامات النجاح، يتزايد التأثير البشري المحتمل للمرض. وإلى جانب هذا التأثير البشري، فإن الفيروس التاجي لديه أيضاً القدرة على إثارة أزمة اقتصادية عالمية. ويُتوقع حاليًا رؤية تأثير سلبي على العديد من قطاعات الاقتصاد العالمي، بسبب الاختناقات في اللوجستيات وإغلاق المصانع والركود في الاستثمارات التجارية وإنفاق المستهلكين.
وسبق أن رجحت التوقعات المستقبلية لعام 2020 حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي، وكان متوقعاً أيضاً أن يكون الاقتصاد الصيني أكبر المتأثرين بهذا التباطؤ؛ بسبب انخفاض الطلب العالمي على السلع المصنعة، لكن ما لم يكن متوقعاً هو الذعر العالمي الحالي وسط انتشار الفيروس التاجي “كورونا”، ولا سيما اضطراب الاقتصاد الصيني. فما كان متوقعاً هو أن يتعطل الاقتصاد الصيني نتيجة لانخفاض الطلب العالمي، وسيعقب ذلك انخفاض في أسعار النفط، على أن تكون النتيجة بالنهاية هي زيادة الضغط السياسي العالمي، وخاصة على منتجي النفط.
وإثر انتشار فيروس “كورونا” (كوڤيد -١٩)، توقف الاقتصاد الصيني عن العمل بشكل شبه تام، حيث انخفضت مبيعات السيارات بنسبة (80٪)، وانخفضت حركة الركاب بنسبة (85٪) عن المستويات العادية، ووصلت مسوح الأعمال إلى مستويات قياسية. وتُقدر بلومبرج إيكونوميكس أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2020 قد تباطأ إلى (1.2٪) على أساس سنوي -وهو الأضعف على الإطلاق- وذلك إذا لم تستأنف الصين مسيرتها بسرعة خلال مارس (آذار) الجاري. وبدوره يؤثر الأمر على بقية دول العالم، ذلك لأن الصين مهمة كمصدر للطلب العالمي، ومصدر للعرض أيضاً، ومحور اهتمام الأسواق المالية.
فحتى فبراير (شباط) الماضي، بدا أن الوباء محصور -إلى حد كبير- في الصين، حيث تعاني الاقتصادات الأخرى من آثار الضربة القاضية، ولكن ليس من حالات انتشار الوباء بها. وفي أوائل مارس (آذار) الجاري، مع وجود أكثر من (6000) حالة في كوريا الجنوبية، و(4000) حالة في إيطاليا، والمئات في اليابان وألمانيا وفرنسا، والمخاوف المتزايدة في الولايات المتحدة، فقد بدا الأمر أكثر صعوبة على المستوى العالمي.
وسبق أن انتشرت الصدمات الصينية عبر الأسواق المالية العالمية من قبل، بما في ذلك ما حدث أثناء تخفيض قيمة العملة المفاجئ لليوان عام 2015. والآن يتكرر الأمر مع انتشار فيروس كورونا، ولكن الأمر الآن يحدث على نطاق أوسع، حيث تنخفض الأسهم في جميع أنحاء العالم، وتوجه ضربات قوية لثروة الأُسر وثقة الأعمال. وبالتالي إذا تمكنت الصين من السيطرة بشكل سريع على انتشار الوباء، وعادت للانتعاش في الربع الثاني من 2020، فيمكن احتواء التأثيرات السلبية على بقية الاقتصاد العالمي.
- كم يُكلف فيروس كورونا الاقتصاد الصيني؟
عانت الصين من تراجع اقتصادي حاد في الربع الأول من 2020. وتعتبر أرقام النقل هي الأكثر دلالة -كان هناك عدد أقل من الرحلات بنسبة (82٪) في الأيام الـ(25) التي تلت السنة القمرية الجديدة عام 2020 مقارنة بعام 2019، وهي إشارة مبكرة إلى أن العمال لم يعودوا من الريف. وكذلك انخفض استهلاك الفحم من قبل أكبر ست محطات للطاقة في الصين أكثر من (40٪). وكانت مبيعات العقارات في المدن الكبرى قريبة من الصفر حتى فبراير (شباط) 2020. فيما سجلت الصناعات التحويلية والخدمات انكماشات كبيرة وفقًا للمسوحات الحكومية والخاصة.
ويعتبر تفشي الفيروس التاجي الجديد بالنسبة للصين بمثابة عامل ضغط إضافي على الاقتصاد الذي يُعاني فعلياً من تباطؤ في النمو، ويمكن أن يغرق انتشار الفيروس اقتصاد البلاد في أول انكماش له منذ السبعينيات. وانخفض النشاط الاقتصادي بشكل حاد في جميع المجالات في فبراير (شباط) 2020، حيث تكافح الشركات لإعادة فتح أبواب العمل. فيما انخفض مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص إلى (26.5) في فبراير (شباط) من قراءة (51.8) في يناير (كانون الثاني) السابق -وهو أدنى رقم سجله المسح منذ بدئه عام 2005. وتشير القراءة الأقل من (50) إلى الانكماش[1].
وكانت المرة الأخيرة التي انكمش بها الاقتصاد الصيني هي بنسبة (1.6٪) عام 1976، عندما أنهت وفاة زعيم الحزب الشيوعي ماو تسي تونغ فترة طويلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في البلاد. ومنذ ذلك الحين، ازدهرت الصين، حيث نمت بمعدل سنوي متوسط قدره (9.4٪) بين عامي 1978 و2018 بعد أن شرعت في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية. وفي أفضل السيناريوهات، تتزايد التوقعات بانخفاض النمو الصيني إلى ما دون (5٪) خلال 2020، بانخفاض عن (6.1٪) خلال 2019- والذي كان بالفعل أضعف معدل نمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ (30) عاماً تقريباً.
- لماذا يتأزم الاقتصاد العالمي بمرض الاقتصاد الصيني؟
يبدو العالم مختلفاً عن آخر انتشار عالمي للفيروسات عام 2003، عندما تفشى فيروس السارس. فالنمو العالمي بطيء بالفعل، والأسواق المالية لديها بالفعل أسعار فائدة منخفضة جدًا، مما يعني أن البنوك المركزية في كل بلد رئيس تقريبًا ليس لديها احتياطات لتخفيف أي تداعيات اقتصادية محتملة. وهذا يفرض ضغوطاً أكبر على الحكومات لاستخدام أموالها لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن كورونا.
وأحدثت إجراءات العزل غير المسبوقة المُتخذة من قبل الصين، ألمًا اقتصاديًا قصير المدى في جانب العرض والطلب؛ مما يجبر آلاف الشركات على إغلاق مصانع التجميع والتصنيع مؤقتًا في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا سيعطل مرة أخرى سلاسل التوريد العالمية، وكذلك الطلب على السلع والخدمات في الاقتصادات المتضررة. وتجعل هذه الاضطرابات من الصعب على الشركات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى إحضار سلعها إلى العملاء، وستخفض هذه الشركات الصادرات من الولايات المتحدة إلى بقية العالم في الأشهر القادمة.
وتُشير التقديرات إلى أن وباء السارس لعام 2003 قد قلص (0.5%) إلى (1%) من نمو الصين في ذلك العام، وكلف الاقتصاد العالمي حوالي (40) مليار دولار. لكن الأمر قد يكون أشد صعوبة مع فيروس كورونا، حيث استحوذ الاقتصاد الصيني على ما يقرب من (4%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2003؛ في حين تُسيطر الصين الآن على (16.3%) من الاقتصاد العالمي. وإذا كان لفيروس كورونا تأثير مماثل على الصين مثل السارس، فإن التأثير على النمو العالمي سيكون أسوأ.
علاوة على ذلك، فإن نمو الصين أضعف مما كان عليه في 2003 -بعد سنوات من التطور الاقتصادي السريع، بلغ نمو الصين (6%)، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1990. وحتى قبل الوباء، كان مؤشر مديري المشتريات في الصين يظهر بالفعل علامات الانكماش. وتباطأت قراءة فبراير (شباط) من (50) إلى (35.7)، وهو مستوى يتماشى مع ما شهدته الصين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 خلال الأزمة المالية العالمية. وبالتالي يمكن أن تؤدي التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا إلى زعزعة الاقتصاد الصيني بشكل أكبر ومن ثم تثبيط النمو العالمي.
وقالت وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، في تقريرها الصادر خلال مارس (آذار) الجاري: إنه إلى جانب العواقب البشرية المأساوية لوباء فيروس كورونا، فإن عدم اليقين الاقتصادي الذي أحدثته الصين سيكلف الاقتصاد العالمي -على الأرجح- تريليون دولار في 2020، مع توقعات بتباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى أقل من (2%) للعام الجاري؛ تزامناً مع هبوط الأسواق المالية العالمية بسبب المخاوف بشأن انقطاع سلسلة التوريد من الصين، وعدم اليقين بشأن أسعار النفط بين المنتجين الرئيسين.
ويؤثر فيروس كورونا على جانبي الاقتصاد العالمي: العرض والطلب. فمن جانب هناك ضعف إمدادات السلع والخدمات بسبب إغلاق المصانع والمكاتب وانخفاض الإنتاج. وينخفض الطلب أيضًا لأن المستهلكين يبقون في منازلهم ويتوقفون عن الإنفاق، وكذلك يتوقف الاستثمار من قبل الشركات.
وتتوقع منظمة التعاون والتنمية التي تتخذ من باريس مقراً لها -والتي تمثل الاقتصادات الـ(36) الأكثر تقدمًا في العالم- انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2020 إلى (1.5٪) خلال 2020، أي ما يقرب من نصف المعدل الذي كانت تتوقعه قبل (2.9٪) قبل تفشي الفيروس. وعلى خلفية نمو الناتج المحلي الإجمالي الضعيف، قد تنزلق اقتصادات رئيسة كُبرى كاليابان ومنطقة اليورو إلى الركود.
- هل يقع العالم في ركود اقتصادي؟
يُثير الفيروس التاجي الجديد، “كورونا” حالة من عدم اليقين الرئيسة في الاقتصاد العالمي، مع احتمال أن يشهد العالم ركودًا متدرجًا مع انتشار المرض إلى مناطق مختلفة. ولا تعتمد تلك التوقعات القاتمة للاقتصاد العالمي على أن توقعات مستقبل الفيروسات التاجية معروفة بدقة عالية، ولكن تعتمد على القرارات التي تتخذها الشركات بشكل سريع ومُتجدد بناءً على التوقعات الاقتصادية. وحتى مارس (آذار) الجاري تظل توقعات الركود هي الأكثر احتمالاً، ولكنها قد تتغير مع ظهور معلومات جديدة[2].
كذلك من المحتمل حدوث تباطؤ اقتصادي -على المدى القصير- في كل بلد متضرر، وإن كان ذلك على خطوط زمنية مختلفة. فعلى جانب الطلب، سيتم خفض الإنفاق حيث يتجنب الناس مراكز التسوق والمسارح والمطاعم، كما تُفرض قيود مختلفة (الحجر الصحي، قيود السفر، وما إلى ذلك) لاحتواء الفيروس. أما على جانب العرض، فلا تستطيع العديد من الشركات الحصول على واردات من الصين، وبالمثل من قاعدة التصنيع الإيطالية[3]. ومن ثم تُضاف آثار سلسلة التوريد السلبية كقيود إضافية على العرض، بالإضافة إلى تخفيضات معززة في الطلب.
ولا يزال هناك الكثير من الأمور غير المعروفة عن “كورونا”، مما يجعل التداعيات الاقتصادية المحتملة غير مؤكدة للغاية، لكل من الصين وبقية العالم. لذا من الصعب التكهن بمدى أي تداعيات اقتصادية أو استمرارها أو انتشارها. ولكن من الواضح من مدى رد فعل الأسواق، ومن ردود الحكومات –بدءًا من مارس (آذار) الجاري- وأهمها خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة إلى الصفر، أن العالم يستعد للانكماش المحتمل المرتبط بفيروس كورونا.
ولكن هل يقع الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من الركود؟ يُعرف الركود عموماً بأنه ربعان متعاقبان للنمو الاقتصادي السلبي، وعادة ما يتم قياسه من خلال الناتج المحلي الإجمالي، أي القيمة الإجمالية للسلع والخدمات النهائية المنتجة خلال فترة معينة (في هذه الحالة، عادةً ربع عام). وهنا تتزايد التوقعات بأن الناتج المحلي الإجمالي للصين ربما سيعاني بشكل سيئ جدًا في الربع الأول من العام الجاري، وبما أنه يشكل حوالي (17%) من الاقتصاد العالمي، فسيكون لذلك آثار متتالية على بقية العالم. وعلى سبيل المثال؛ تستعد دول منطقة اليورو للنمو السلبي خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (0.1%) فقط في نهاية 2019، لذا فإن أي صدمة جديدة يمكن أن تدفعها نحو النمو السلبي[4].
ومن ثم إذا لم يتم احتواء الفيروس التاجي واستمر في الانتشار، فإن احتمال حدوث ركود عالمي يزداد. علماً أن الفيروس هو عامل واحد فقط من العوامل الضاغطة على نمو الاقتصاد العالمي، مما قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط الأخرى على الاقتصاد العالمي، مثل الحروب التجارية، وانهيار أسعار النفط العالمية، وتباطؤ الطلب العالمي في كافة القطاعات. ولكن في حال استجابت الحكومات بشكل مناسب، وكان لديها القدرة على احتواء الانتشار، فمن المحتمل تجنب السيناريو الأسوأ. وهذا لا يعني أنه سيتم تجنبه بالتساوي في جميع أنحاء العالم، أو حتى في جميع الصناعات أو القوى العاملة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي، فستكون النتيجة النهائية تباطؤاً في النمو وليس حدوث ركود عالمي كما هو متوقع.
- هل يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي حماية اقتصاداتهم؟
كان من المفترض أن يتمتع اقتصاد أوروبا بنوع من التعافي عام 2020، وسط إنتاج المصانع في منطقة اليورو -التي تضم (19) دولة- بقوة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد هدنة مؤقتة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وتوقعت المفوضية الأوروبية في 13 فبراير (شباط) الماضي، أن يُحقق الاقتصاد الأوروبي “نموًا مطردًا ومعتدلًا”، لكن سُرعان ما تلاشى التفاؤل وتحول إلى مزيد من القلق الأوروبي بسبب تفشي الفيروس التاجي. وأعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها من تعرض الاقتصادات الأوروبية لـ”صدمة كبرى” في ظل التداعيات السلبية لتفشي الفيروس على الاقتصاد العالمي.
وكان الارتفاع الحاد في عدد الحالات التي تم الإبلاغ عنها في إيطاليا منذ 22 فبراير (شباط) الماضي هو العامل الذي أدى إلى حدوث واحدة من أكثر حالات سوق الأسهم حدة في التاريخ الحديث -مع تراجع مؤشر Eurostoxx (50) بأكثر من (25٪) منذ ذروته في 19 فبراير (شباط) 2020. وفي الوقت نفسه، تراجعت عائدات السندات العالمية إلى مستويات تاريخية منخفضة، في حين يظهر ارتفاع الائتمان والديون السيادية أن مخاوف المستثمرين بشأن الركود العالمي قد عادت مُجدداً[5].
وفي فرنسا، تُحذر الحكومة من عواقب “وخيمة” على الاقتصاد. يعد التفشي ضربة أخرى، بعد أن أدت موجة من الإضرابات عام 2019 إلى تقويض النمو الاقتصادي. وهو ما دفع البنك المركزي الفرنسي لخفض توقعاته للنمو في الربع الأول إلى (0.1٪)، منخفضًا من التقديرات السابقة عند (0.3٪)، محذرًا من تباطؤ “حاد ولكنه مؤقت”[6]. وبالرغم من أن ألمانيا لا تتأثر بشدة بالفيروس مثل إيطاليا وفرنسا، لكن اقتصادها الذي تقوده الصادرات كان أول من شعر بتأثير التباطؤ الصيني. لذلك، يُتوقع انكماش نمو منطقة اليورو بنسبة (0.1٪) عام 2020، وذلك اعتماداً على افتراض أن انتشار الفيروس التاجي وتدابير الاحتواء الخاصة به لا تتبع النمط المُتبع نفسه في الصين.
- تحولات اقتصادية واجتماعية عالمية
في غضون أسابيع فقط، اعتاد الناس في المناطق المتضررة على ارتداء الأقنعة، وتخزين الضروريات، وإلغاء التجمعات الاجتماعية والتجارية، وإلغاء خطط السفر والعمل من المنزل. حتى البلدان التي لديها حالات قليلة نسبيًا تتخذ العديد من تلك الاحتياطات. ويتوقع استمرار آثار مثل هذه العادات لفترة طويلة بعد أن يتم السيطرة على الفيروس والقضاء عليه. على جانب العرض، يضطر المصنعون الدوليون إلى إعادة التفكير في مكان شراء سلعهم وإنتاجها، مما يسرع التحول بعد أن كشفت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عن مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للمكونات.
وقد يؤدي انتشار الفيروس إلى تحويل مسارات الاقتصاد العالمي بطرق أكثر دقة. فمن جانب كشف تفشي الفيروس عن نقاط ضعف للشركات، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على الصين في سلاسل التوريد والمنتجات. وقد يجبر هذا الشركات على قطع جزء من اعتمادها على الصين، وهو أمر بدأ بالفعل بسبب الحرب التجارية التي تخوضها الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي قد يخلق انتشار فيروس “كورونا” تحولاً عالمياً نحو تنويع سلاسل التوريد لتوفير حماية أفضل ضد الأزمات الكبرى، التي تؤثر بشكل كبير على دولة واحدة أو منطقة واحدة أكثر من غيرها.
ومن جانب آخر قد تدفع الأزمة الراهنة العالم نحو تكثيف الاستثمارات بقطاعات لم تحظ بالأهمية ذاتها التي حصلت عليها تلك القطاعات التي تعرضت لأضرار كبيرة بسبب الانتشار الفيروسي الحالي. كذلك بدأت الكثير من الشركات العالمية تعزيز خيارات العمل عن بعد، مما يؤدي إلى حقبة جديدة، حيث يعد العمل من المنزل جزءًا متزايدًا من الجدول الزمني العادي للأشخاص. وهنا يمكننا التعرف على القطاعات الأكثر تأثراً سلباً وإيجاباً بالأزمة الراهنة.
- القطاعات المتأثرة سلباً:
يختلف تأثير “كورونا” على قطاعات الأعمال المختلفة بسبب الاختلافات في أنماط العرض والطلب. ومن المرجح أن تشهد صناعة السيارات، التي أضعفتها بالفعل معدلات النمو البطيئة في 2019، أكبر تراجع. كذلك تتفاعل صناعة اللوجستيات بشكل حاد مع أي ضعف في التدفقات التجارية، مما يجعل الصناعة عرضة بشكل خاص للتأثر سلباً بانتشار الوباء. ومن ثم ستواجه الصناعة أيضاً مخاطر متزايدة من المزيد من عمليات الإغلاق في المناطق الرئيسة، في حين يظهر التأثير الأكبر في الصين، بسبب إجراءات الحجر الصحي وعزل مقاطعات بأكملها[7].
وتواجه صناعة السياحة صدمة سلبية كبيرة بشكل خاص، حتى في البلدان التي لم تتأثر بانتشار الفيروس بشدة. كذلك تعاني الصناعات المرتبطة بالسفر والسياحة إثر انتشار الفيروس، ومنها شركات الطيران وخطوط الرحلات البحرية والفنادق؛ فجميعهم يواجهون تحديات اقتصادية بسبب حظر السفر والتحذيرات العالمية والمخاوف العامة -سواء كانت حقيقية أو مفرطة- بشأن العدوى.
وفي 5 مارس (آذار) الجاري، ضاعف الاتحاد الدولي للنقل الجوي تأثيره المقدر لخسارة شركات الطيران العالمية لما لا يقل عن (63–113) مليار دولار إذا استمر المرض في الانتشار. وكذلك انخفضت أسعار أسهم شركات الطيران بما يقرب من (25٪) منذ بدء تفشي المرض، أكثر بكثير مما كانت عليه خلال الفترة نفسها من وباء سارس عام 2003، حسب تقرير اتحاد النقل الجوي الدولي[8].
كذلك أدى انخفاض النشاط الاقتصادي العالمي إلى خفض الطلب على النفط، وهبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات. وحدث ذلك حتى قبل أن تسبب خلافاً حول تخفيضات الإنتاج بين أوبك وحلفائها في أحدث انخفاض في أسعار النفط. فانخفاض الطلب على النفط بسبب تفشي الفيروس، والزيادة المتوقعة في العرض هي “ضربة مزدوجة” لأسواق النفط، وذلك علماً بأن الصين، مركز انتشار الفيروس، هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. كذلك انتشار الفيروس في إيطاليا وأجزاء أخرى من أوروبا مقلق بشكل أكبر، ومن المرجح أن يضعف الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على النفط، وبالتالي يدفع إلى مزيد من انخفاض الأسعار الذي يؤدي –بدوره- إلى تخفيض الإنفاق الاستثماري بالصناعة النفطية[9].
ومن المؤكد أن أسواق المال العالمية من أكبر الخاسرين في ظل الأزمة الراهنة؛ فأسواق المال تعكس مدى قلق المستثمرين بشأن التوقعات الاقتصادية لعام 2020 بسبب الفيروس. ويتنبؤون بشكل أساسي بأن الفيروس التاجي سيستمر في الانتشار ويسبب المزيد من الاضطرابات، ويقلل الطلب العالمي، وربما يتسبب في تباطؤ عالمي.
وبالفعل شهد مؤشر فوتسي الأوروبي، ومؤشر داو جونز الصناعي الأمريكي، ونيكي الياباني، انخفاضات حادة منذ بدء تفشي المرض. وفي الأسبوع الثاني من مارس (آذار) الجاري، شهد مؤشر داو جونز الأمريكي أكبر انخفاض له في يوم واحد منذ عام 1987. وشهدت الأسواق بشكل عام تقلبات كبيرة ومُستمرة.
كما دفعت المخاوف بشأن الانتشار العالمي للفيروس التاجي الجديد المستثمرين إلى رفع أسعار السندات، مما أدى إلى انخفاض العائدات في الاقتصادات الكبرى. وذلك في الوقت الذي تعتبر فيه سندات الخزانة الأمريكية، التي تدعمها الحكومة الأمريكية، أصول ملاذ آمن يميل المستثمرون إلى الفرار إليه في أوقات تقلبات السوق وعدم اليقين. كذلك انخفض العائد على جميع عقود الخزانة الأمريكية إلى أقل من (1٪) في 10 مارس (آذار) الجاري -وهو تطور لم يسبق له مثيل. كما لامس العقد القياسي لمدة (10) سنوات قاعه التاريخي عند حوالي (0.3٪).
- القطاعات الأكثر انتفاعاً:
وجد تحليل أجرته شركة “Bain & Company” أن الصين ستشهد تغييرات فورية واضحة في مجال الرعاية الصحية، حيث يتم إجراء المزيد من الفحوصات والمعاملات الأولية عبر القنوات عبر الإنترنت، لتجنب خطر التلوث في غرف الانتظار والأجنحة المكتظة[10]. وهنا يمكن توسيع منتجات التأمين عبر الإنترنت في العديد من المجالات، بما في ذلك الصحة. وقد يتحايل طلب الإمدادات الطبية عبر الإنترنت على النقص الناجم عن الأزمات. ووفقًا لبحث جديد حول التأثير الاقتصادي الكلي للفيروس الذي نشرته مؤسسة بروكينغز، قد تنفق الحكومات أكثر بكثير على الرعاية الصحية لتجنب التكلفة الهائلة المرتبطة بالأوبئة. وتنطوي هذه التغييرات على فرص متعددة للصناعات المُختلفة[11]، ومنها:
- تظهر نماذج أعمال جديدة، خاصةً في قطاعات مثل الصحة، والخدمات اللوجستية، والإلكترونيات، والمكاتب عبر الإنترنت، والبيع بالتجزئة، والتعليم عن بُعد.
- يُتوقع أن يكون الجيل الجديد من المدن الذكية هو مفتاح الأجندة العامة المستقبلية. فإلى جانب بعض الوظائف الحضرية، ستعزز المدينة الذكية من الجيل الجديد الإدارة العامة بشكل منهجي، من خلال دمج سلاسل التوريد، وحركة المرور، وحالات الطوارئ، والتحذير من الكوارث.
- سيتم استخدام البيانات الضخمة على نطاق أوسع من أجل الرفاهية العامة، خاصة لتتبع وتحليل ودعم اتخاذ القرار العام في الوقت المناسب.
- تبدأ الأعمال التجارية التي تعمل دون اتصال بالإنترنت في التحول عبر الإنترنت، خاصةً في مجال التعليم والترفيه وتجارة التجزئة.
- يتوقع أن يتم توسيع سلاسل القيمة للرعاية الصحية لتشمل الكشف المبكر والوقاية. كذلك ستشمل سيناريوهات التطبيق المستقبلية عدداً أكبر من المشاركين، وتعزز نظاماً بيئياً شاملاً لبرامج الصحة العامة.
ووسط الفوضى الناجمة عن الوباء العالمي، يُمكن أن تستفيد صناعة الأدوية بشكل رائع، حيث تعتبر شركات الأدوية “كورونا” فرصة تجارية في الوقت الحالي. فالعالم يحتاج إلى منتجات صيدلانية بالطبع. بالنسبة لتفشي الفيروس التاجي الجديد، على وجه الخصوص، فالعالم بحاجة إلى العلاجات واللقاحات، التي تتنافس عشرات الشركات الآن على صنعها. وبالتالي قد تكون الأزمة العالمية الراهنة عاملاً إيجابياً للصناعة، من حيث المبيعات والأرباح[12].
ومن الناحية التجارية، هناك بعض الإيجابيات الناجمة عن الأزمة الراهنة. على سبيل المثال، شهدت شركة ريكيت بينكيزر العملاقة للسلع الاستهلاكية زيادة في مبيعات منتجات ديتول ولايسول؛ حيث يُنظر إلى المطهر على أنه يوفر الحماية ضد انتشار المرض. كذلك ارتفع سعر الذهب -الذي يعتبر -في الغالب- “ملاذاً آمناً” في أوقات عدم اليقين، ليصل سعره الفوري أعلى مستوى في سبع سنوات عند (1682.35) دولاراً للأوقية في فبراير (شباط) 2020.
- السيناريوهات المُحتملة لاستمرارية الأزمة الاقتصادية
تنعكس الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الفيروس وتزايد عدم اليقين، على انخفاض التقييمات المالية للدول، وزيادة التقلبات في الأسواق المالية. وفي حين أن التأثير الدقيق للفيروس على الاقتصاد العالمي غير مرئي وغير معروف حتى الآن، فمن الواضح أنه يشكل مخاطر هائلة. لذلك يجب على واضعي السياسات اتخاذ عدد من الخطوات على الفور، لمعالجة أي تداعيات اقتصادية ناجمة عن الفيروس.
وتختلف الطُرق التي تلجأ إليها الدول المُختلفة لإعادة اقتصادها للانتعاش مرة أُخرى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، فالحكومة الصينية -على سبيل المثال- من المحتمل أن تقدم “إجراءات توسعية”، أهمها زيادة الإنفاق أو الضرائب والتخفيضات. فيما قد تضطر الولايات المتحدة للاستجابة بطريقة أخرى بخلاف خفض الضرائب وخفض أسعار الفائدة. ولعودة الاقتصاد العالمي إلى المسار الصحيح، ستكون الحكومات بحاجة إلى مزيد من التحفيز المالي، وتبني مزيد من السياسات الاقتصادية الرامية إلى طمأنة الشركات بأن الأمور ستكون على ما يرام إذا ضرب الفيروس قطاعاتهم، وأن الحكومة بإمكانها إصلاح الضرر عند الضرورة. وبناءً على مدى نجاح وفعالية التدابير والإجراءات التي ستتبناها الدول للسيطرة على انتشار الفيروس التاجي، هناك سيناريوهان متوقعان للأزمة الاقتصادية العالمية؛ وهما:
- تفاقم الأزمة:
وهنا نفترض أن الصين تستغرق وقتاً أطول للعودة إلى وضعها الطبيعي. ونفترض أيضًا أن كوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا -الاقتصادات الكبرى بخلاف الصين التي شهدت أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس- قد تلقت ضربة اقتصادية حادة. ومن ثم فذلك من شأنه أن يأخذ الاقتصاد العالمي مرة أخرى إلى توقعات الركود خلال 2020.
ويمكن هنا أن يتسبب تفشي المرض في “سيناريو الدومينو” حيث يتضرر النمو العالمي بشدة عام 2020 بسبب انتشار الفيروس في جميع الاقتصادات المتقدمة عبر نصف الكرة الشمالي. إلى جانب تباطؤ النمو بحوالي (1.4٪) على مدار العام إلى أقل من (1.5٪)[13]، فإن الأسواق المالية حول العالم ستنهار أيضًا بنحو (20٪) في ظل هذا السيناريو.
- التعافي التدريجي:
تُشير التجربة التاريخية مع الصدمات الكبيرة المماثلة إلى أن الأضرار الاقتصادية على المدى القصير قد تكون كبيرة؛ نظرًا لأن المستثمرين يخففون من محافظهم الاستثمارية خشية تقلبات السوق، خاصةً في القطاعات التي تعتبر أكبر تعرض للآثار السلبية لانتشار المرض، مثل السفر والسياحة والسلع الفاخرة والسيارات.
ويعتبر التوسع السريع للاقتصاد الرقمي في الصين أحد مصادر القوة. فما يصل إلى (25%) من جميع مبيعات التجزئة الصينية تحدث الآن عبر الإنترنت؛ وسط انتشار الإنترنت عبر الهاتف النقال بشكل مرتفع. كذلك تعتبر أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول في الصين هي الأكثر تقدمًا في العالم. ونظرًا لأن معظم الأشخاص والشركات متصلون ونشطون عبر الإنترنت، فمن السهل إنشاء كميات كبيرة من البيانات التي، بفضل الذكاء الاصطناعي، توسع على الفور نطاق وفعالية النظم البيئية الرقمية[14].
وهذا من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو تعزيز المرونة الاقتصادية للصين، فالبنية التحتية الرقمية المتقدمة تعني أن العاملين في العديد من الوظائف والصناعات يمكنهم الاستمرار في العمل من المنزل، حتى لو تم عزلهم. وبالمثل، قد تكون المنصات التعليمية المتطورة عبر الإنترنت قادرة على تعويض بعض آثار إغلاق المدارس.
كذلك وجد استطلاع أجرته “Made-in-China.com” -إحدى المنصات الرئيسة التي تربط الموردين الصينيين والمشترين العالميين- أنه بأواخر فبراير (شباط) الماضي، استأنفت (80٪) من شركات التصنيع عملياتها. ويُرجح الاستطلاع أنه بأواخر أبريل (نيسان) المُقبل، ستعود الطاقة الإنتاجية إلى طبيعتها. وإذا حدث ذلك، فإن الصدمة الشديدة التي يواجهها الاقتصاد الصيني في النصف الأول، سيتبعها انتعاش في النصف الثاني من 2020.
وُتشير الأدلة الصينية إلى أن مجالي التصنيع والنقل بدآ في التعافي. وإذا استمر هذا النمط في التعافي، فمن المتوقع أن تستطع الصين تعويض ربع الانخفاض الحالي في النمو -على الأقل- بدءًا من الربع الثاني من 2020. علاوة على ذلك، بالنسبة للشركات التي تواجه تحديات التدفق النقدي ورأس المال العامل، يمكن تمديد الائتمان وتعديل الشروط عن بُعد. وهذا من شأنه أن يقلل من الأضرار طويلة الأجل لقطاع الخدمات الصيني، وخاصةً الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ويشير عدد من التقديرات إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصين يمكن أن ينخفض بنسبة (2-4) نقطة مئوية في الربع الأول حتى يبلغ الفيروس ذروته، ومن ثم يبدأ الاقتصاد في التعافي مُجدداً، ويبقى السؤال: متى ستأتي تلك الذروة؟. تشير التوقعات المتفائلة إلى حدوث انتعاش جزئي في الربع الثاني من 2020، وإن كان الأكثر واقعية توقع حدوث انتعاش في الربع الثالث، مع تأثير مادي على النمو العالمي السنوي. لكن في الوقت نفسه ليس مستبعداً إمكانية حدوث وباء طويل الأمد يتسبب في أضرار واسعة النطاق للاقتصادات العالمية، بسبب إخفاقات الأعمال، وتدني العمالة، وتعثر الاستثمار الخاص.
ومع ذلك، باستثناء حدث “الوباء طويل الأجل”، يشير التاريخ إلى أن الآثار طويلة المدى لتفشي الفيروسات التاجية قد تكون صغيرة إلى حد ما، أو حتى ضئيلة. هذا على الأرجح، لأن الاقتصاد الصيني بعيد عن الضعف أو الانجراف السريع إلى الركود. ففي الواقع، الصين أقل اعتماداً على التجارة مما كانت عليه عام 2003 ، خلال تفشي فيروس تاجي آخر، متلازمة تنفسية حادة شديدة (سارس)، وهي مجهزة أيضاً الآن للارتداد من الصدمات الكبيرة -إلى حد ما- بسرعة.
ومن ثم في أفضل سيناريو، قد يستمر تأثير الفيروس خلال النصف الأول من العام الحالي، ولكن العديد من الاقتصادات يمكن أن تنتعش بحلول نهاية عام 2020. وفي هذا السيناريو الأفضل، سيعاني العالم والصين من ركود قصير وخطير ولكن ليس كارثياً.
[1]– China’s economy could shrink for the first time in decades because of the coronavirus, https://edition.cnn.com, 4/3/2020.
[2]– Opinion: Global tension rises as coronavirus intensifies economic pain from China to the U.S., https://www.marketwatch.com/, 13/3/2020.
[3]– Rolling Recessions Are The Likely Economic Impact Of New Coronavirus And COVID-19, https://www.forbes.com , 10/3/2020.
[4]– Will coronavirus cause a global recession? We still don’t know, https://www.vox.com/, 9/3/2020.
[5] -Coronavirus likely to push Eurozone economy into recession, https://economics.rabobank.com, 12/2020.
[6]– EU leaders divided on how to protect economies after coronavirus, https://www.theguardian.com/, 14/3/2020.
[7]– THREE SCENARIOS FOR HOW CORONAVIRUS MAY AFFECT ECONOMIES AND INDUSTRIES, https://www.rolandberger.com/, 12/3/2020.
[8]– Coronavirus is spreading turbulence in the airline industry, https://qz.com/1814007/what-coronavirus-is-doing-to-the-airline-industry/, 7/3/2020.
[9]– 6 charts show the coronavirus impact on the global economy and markets so far, https://www.cnbc.com, 12/3/2020.
[10]– The worldwide coronavirus pandemic will change the way we shop, travel and work for years to come. History shows us how, https://www.scmp.com, 15/3/2020.
[11]– Coronavirus in China – insights on the impacts and opportunities for change, https://www.weforum.org, 4/3/2020.
[12]– BIG PHARMA PREPARES TO PROFIT FROM THE CORONAVIRUS, https://theintercept.com/, 13/3/2020.
[13]– Coronavirus escalation could cut global economic growth in half – OECD, https://www.theguardian.com/, 2/3/2020.
[14]– Can China’s Economy Withstand the Coronavirus