نشر النص الأصلي لهذه المادة في كتاب المسبار الشهري: الإخوان المسلمون في الصومال، يونيو(حزيران) 2010.
منذ سقوط الحكومة المركزية في الصومال في بداية العام 1991، وما تلا ذلك من حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، دخلت الصومال في مرحلة خطيرة من الفوضى والاضطراب، ونشأ عن ذلك فراغ أمني وسياسي، لم تتمكن حركات المعارضة التي أسقطت الحكومة من ملئه، بسبب كونها قائمة على أسس قبلية وليست وطنية، ولم يكن لديها مشروع سياسي-اقتصادي وطني قادر على إخراج البلاد من أزمتها الوطنية مما جعلها هي نفسها طرفاً في الفتنة الأهلية.
منذ سقوط الحكومة المركزية في الصومال في بداية العام 1991، وما تلا ذلك من حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، دخلت الصومال في مرحلة خطيرة من الفوضى والاضطراب، ونشأ عن ذلك فراغ أمني وسياسي، لم تتمكن حركات المعارضة التي أسقطت الحكومة من ملئه، بسبب كونها قائمة على أسس قبلية وليست وطنية، ولم يكن لديها مشروع سياسي-اقتصادي وطني قادر على إخراج البلاد من أزمتها الوطنية مما جعلها هي نفسها طرفاً في الفتنة الأهلية.
بما أن الحكومة المركزية في الصومال كانت مستبدة شمولية، فقد تركت وراءها بعد سقوطها مجتمعاً هشاً وضعيفاً، غير قادر على إنقاذ المؤسسات والمرافق العامة للدولة.
هذا الفراغ الأمني والسياسي، وعدم وجود مجتمع مدني حديث، أتاح فرصة ثمينة للحركات الإسلامية بمختلف تياراتها، وأحيا حلمها بإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية. وجميع هذه التيارات متفقة على إقامة هذه الدولة، ولكنها مختلفة فيما عدا ذلك من الأفكار والأهداف والوسائل، التي يُتوصل بها إلى هذه الغاية. فمنهم من أخذ السلاح، ومنهم من اكتفي بالدعوة، ومنهم من فتح المدارس والجامعات وقدم الخدمات الاجتماعية الضرورية.
وانتشرت في البلاد هيئات إسلامية معظمها من الخليج، تقوم بأعمال إغاثة، وتمول المشاريع الخيرية التي يديرها الإسلاميون. كل ذلك جعل الإسلاميين قوة لا يستهان بها في جميع المجالات الإجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ونحن في هذا المدخل لا نرىد أن نفصل القول في هذا الأمر، ولكن غاية ما نبغيه من ذلك هو إلقاء الضوء على المشهد العام، الذي آلت إليه الأحوال في البلاد بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال، ومعرفة الظروف والسياق الذي ظهرت فيه المحاكم الإسلامية، فهي كانت جزءاً من مشروع أسلمة المجتمع الذي دشنته الحركات الإسلامية، قبل أسلمة الدولة كتطبيق عملي على شمولية الإسلام وتنظيمه جميع نواحي الحياة المختلفة.
وإذا كان سقوط الحكومة المركزية، وسيادة الفوضى في البلاد، قد فتح آفاقا جديدة لنشاطات الإسلاميين، ومكنهم من التمدد والانتشار، ورفع عنهم الحظر والقيود المفروضة عليهم من قبل الحكومة السابقة، فإن الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة استشعر الخوف من هذا الفراغ، الذي رأوه يمثل تهديداً أمنياً للنظام العالمي.
وقد تأكد هذا الهاجس بعد التفجيرين اللذين استهدفا السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، وما تلا ذلك من صدور تقارير استخباراتية تفيد بأن خلايا تابعة لشبكة القاعدة في القرن الأفريقي تسللت من وإلى الصومال ونفذت العملية. ازداد هذا القلق بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وما تناقلته وسائل الإعلام من أن مقاتلي القاعدة يفرون من القصف الأميركي في أفغانستان إلى الصومال، الذي أصبح مأوى آمناً للإرهابيين.
نشأة المحاكم الإسلامية
فكرة نشوء المحاكم الإسلامية بدأت في العام 1991، وذلك بعد شهور فقط من سقوط الحكومة المركزية، حيث اجتمع جمع من العلماء برئاسة الشيخ محمد معلم (ت 2000)، الأب الروحي لمعظم الحركات الإسلامية في الصومال، واتفقوا على تأسيس محكمة إسلامية تسمى محكمة هرسيد (الطليعة) لوضع حد للفوضي وحفظ ما يمكن حفظه من الممتلكات والمرافق العامة للدولة التي تعرضت للنهب، إلا أن زعيم الحرب القوي الجنرال عيديد لم يكن ليسمح بظهور قوة أخرى قد تنافسه النفوذ في المستقبل، واستشعر منها الخوف وقتلها في مهدها[1].
محاكم القبيلة
بدأت المحاكم الإسلامية في أول أمرها كمحاكم تستجيب لحاجات القبيلة، التي أنشأتها في تثبيت أمن منطقتها، ونجحت فى تحسين الأوضاع الأمنية في المناطق التي عملت فيها، ولعب كل من زعماء العشائر والعلماء التقليديين الدور الأبرز في مراحلها الأولى. ولكن بعد عام 1999 بدأ دور زعماء العشائر والعلماء التقليديين يتضاءل، بعد توحيد المحاكم ودمج مليشياتها في طريقها إلى إعطاء نفسها دوراً سياسياً منافساً لنفوذ زعماء الحرب. وتزامن تسييس نظام المحاكم مع تغلغل الجهاديين في نظامها بتأسيس محكمة خاصة لهم. وقد مرت المحاكم بمراحل مختلفة منذ نشأتها حتى انتهى بها الأمر إلى أن تصبح أكبر قوة سياسية وعسكرية في البلاد في عام 2006.
وفي السطور التالية نعرض لأهم المراحل التي مرت بها المحاكم الإسلامية، والقوى التي شاركت في تأسيسها وترسيخها، وأسباب صعودها وسقوطها المفاجئ، والسياق الذي تشكل فيه هذا التحالف الذي انتهى إلى الشقاق والنزاع والتناحر.
محكمة شمال مقديشو (قبيلة أبغال)
بدأت منذ عام 1993 حدة القتال تخف بين الجنرال عيديد في جنوب مقديشو والرئيس علي مهدي في شمال مقديشو، واستتبع ذلك ضعف نفوذ علي مهدي الذي أدى بدوره إلى إشاعة الفوضى في شمال مقديشو. عندها اجتمع وجهاء وأعيان أبغال واتفقوا على إنشاء محكمة إسلامية في عام 1994 لاستعادة الأمن في أحيائها برئاسة الشيخ علي (طيري)، الذي اشتهر بتطبيقاته الصارمة للحدود في الإسلام.
ومع أن معظم القائمين على هذه المحكمة كانوا من العلماء التقليديين، مثل رئيس مجلس الشورى الشيخ شريف محيي الدين، الذين لا يحبذون مثل هذه التطبيقات الصارمة للحدود، إلا أن رئيس اللجنة التنفيذية الشيخ على طيري -تقليدي أيضاً ولكن له ميول سلفية- يُعتقد أنه كان له الدور الأبرز في إصدار الأحكام وتنفيذها.
عظم نفوذ هذه المحكمة وذاع صيتها، واستطاعت –ولو بعقوبات قاسية– فرض الأمن والنظام على شمال مقديشو التي تقطنها قبائل أبغال، وأغرى ذلك الشيخ علي طيري بالتفكير في توسيع نفوذه والطموح إلى الزعامة السياسية، مما أدى إلى حدوث الشقاق بين القبيلة، ودب الخلاف أيضا بين القائمين على المحكمة، واستغل زعيم الحرب علي مهدي ذلك وقام بحل المحكمة عام 1997[2].
وفي عام 1996 حدث أمران مهمان، كان لهما تأثيرهما القوي على مجريات الأحداث في الساحة الصومالية بصفة عامة، وعلى تطور المحاكم ونشاطات الإسلاميين بصفة خاصة، وهما وفاة عيديد، وهزيمة إثيوبيا لحركة الاتحاد.
كان الجنرال عيديد الرجل الأقوى عسكرياً، ليس في جنوب مقديشو فحسب، بل في جنوب ووسط الصومال كله، وبوجوده لم يكن ممكناً التفكير في إنشاء محكمة إسلامية في مناطق نفوذه، فالرجل كان حجر عثرة في سبيل طموحات الإسلاميين للسيطرة على البلاد. وفي عام 1991 حصلت أول مواجهة بين مليشيات عيديد ومليشيات تابعة للاتحاد الإسلامي من قبيلة دارود في مدينة كسمايو، وبوفاته وجد الإسلاميون حرية أكبر للتحرك.
وبعد وفاة عيديد بقليل، توغلت القوات الأثيوبية فى الأراضي الصومالية، ووجهت ضربة قاضية لمليشيات الاتحاد الإسلامي، التي أعلنت إمارة إسلامية لها في منطقة غدو. وتعد تلك الضربة مرحلة فاصلة في تاريخ هذه الحركة، إذ أنها شكلت نكسة قوية لطموح الحركة في إقامة دولة إسلامية بالقوة، وذهب أتباعها بعد ذلك شذراً، ورجع أعضاؤها كل منهم إلى المنطقة التي يتحدر منها، منخرطاً في أنشطة مجالات الحياة العامة المختلفة[3].
حركة الاتحاد الإسلامي
هي حركة سلفية جهادية ظهرت في الستينيات من القرن الماضي، وازداد أتباعها في نهاية السبعينيات بعد عودة الطلبة الذين تخرجوا من الجامعات الإسلامية في السعودية، ثم اتسع انتشارها في الثمانينيات إلى أن بلغت أوجها في نهايته وبداية التسعينيات. وبعد أسبوعين فقط من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، أصدرت السلطات الأميركية قائمة بالمنظمات التي تتهمها بالإرهاب، وكانت حركة الاتحاد الإسلامي من ضمن هذه القائمة[4].
وفي عام 1991، وبعد سقوط الحكومة المركزية، كانت الحركة الإسلامية الوحيدة التي رفعت السلاح لإقامة الدولة الإسلامية عن طريق القوة. وفي عام 1993 عرفت الحركة أول انشقاق في صفوفها، بعد أن عارضت مجموعة قرار الحركة بأخذ السلاح الذي رأته يؤدي إلى الفتنة، وعرفت هذه المجموعة بالسلفية الجديدة[5].
أقامت الحركة إمارات إسلامية في التسعينيات في مناطق مختلفة من البلاد، وأدى ذلك إلى خوض معارك عنيفة هُزمت فيها جميعاً أمام زعماء الحرب وإثيوبيا. وبهزيمة مليشيات الاتحاد الإسلامي في منطقة جدو، على يد القوات الإثيوبية، خسروا آخر وأطول إماراتهم عمراً. وبعد تلك الهزائم المتتالية قرر مسؤولو الاتحاد تفكيك معسكراتهم وتسريح مليشياتهم ريثما تتهيأ لهم ظروف أخرى مواتية، وغيرت الحركة اسمها إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة.
ويبدو أن هذا الاسم لم يكتب له الذيوع والانتشار، إذ لم يزل الاسم الأول (الاتحاد) متداولاً في الأوساط الشعبية والأكاديمية. وحسب تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية عن الصومال بعنوان “الإسلاميون في الصومال” أنه منذ أن غير الاتحاد اسمه إلى جماعة الاعتصام، انهار التنظيم الإداري والعسكري القوي للحركة. وتكشف رسائل تبادلها أعضاء من قادة الاتحاد مدى اليأس والإحباط الذي أصابهم جراء الهزيمة الأليمة التي ألحقتها القوات الإثيوبية بميليشياتهم[6].
القاعدة والحركة
تعود علاقة حركة الاتحاد بالقاعدة إلى أوائل التسعينيات، خاصة عند ما استولت الحركة على مدينة لوق فى منطقة غدو 1992 -1996 وأعلنتها إمارة إسلامية. وكان للقاعدة معسكرات تدريب فى مدينة لوق، حسبما كشفت الوثائق السرية، التي بثتها مواقع تابعة للبنتاغون، ونشرتها جريدة الشرق الأوسط. ومن هذه المراسلات رسالة كتبها أبو حفص المصري المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة الذي قتل في قندهار 2001 وموجهة إلى أبي عبد الله أسامة بن لادن، يتحدث فيها عن إمكانية الاتصال بمعسكرات التدريب في الصومال والسودان. ويتحدث أبو حفص أيضاً عن زيارته لمدينة لوق. وهناك رسالة أخرى من صالح عبد الواحد موجهة إلى أبي حفص، يتحدث فيها عن استراتيجية المجاهدين في الصومال، ويتطرق إلى لقائه مع الشيخ حسن طاهر وعبد الله سهل من زعامات حركة الاتحاد[7].
وفي تقرير آخر مرفوع إلى أسامة بن لادن كتبه سيف العدل، يتحدث عن ما سماه برحلة الثواب أو “عملية المسك”، في إشارة إلى رحلة قام بها تسعة من أعضاء القاعدة إلى مدينة لوق عام 1993[8]، ويعتقد أن هذه المعسكرات قد تم تدميرها بعد أن شنت القوات الإثيوبية هجوما عنيفا على مدينة لوق عام 1996.
محاكم جنوب مقديشو “قبيلة هبرغدر”
منذ عام 1996 وبُعيد وفاة الجنرال عيديد، تأسست سلسلة من المحاكم الإسلامية في جنوب مقديشو معظمها لقبيلة هبرغدر. مع ملاحظة أن ظهور المحاكم واختفاءها يرتبط بتغير ميزان القوى في المنطقة. فكلما قوي نفوذ زعيم حربٍ في منطقة ما لايمكن إنشاء محكمة فيها. وكلما ضعفت أوتراخت قبضته تقوى المحاكم، ويتغاضى زعيم الحرب عن ذلك حتى يستعيد قوته ويغلق أبوابها مرةً أخرى، كما رأينا في حالة محكمة شمال مقديشو بين علي مهدي والشيخ علي طيري. وهنا في جنوب مقديشو ارتبطت نشأة المحاكم بتعيين الابن حسين عيديد الضعيف خلفاً لأبيه الجنرال القوي.
وبعد هزيمة مليشيات الاتحاد في مدينة لوق عام 1996 وإدركهم صعوبة -إن لم يكن استحالة- طموحاتهم في إقامة الدولة الإسلامية عن طريق القوة، غيروا استراتيجيتهم، واتخذوا إستراتيجية أخرى بديلة قائمة على التغلغل في المؤسسات الإجتماعية القائمة للتأثير فيها، ومن ثم توجيهها الوجهة التي تحقق لهم أهدافهم. وهنا اكتشف الإسلاميون أهمية المحاكم، وعقدوا العزم على استغلالها لمشروعهم السياسي، وقرروا ركوب هذا الحصان عن طريق إنشاء محكمة إسلامية تابعة لهم[9].
وفي عام 1998 دشن الشيخ حسن طاهر أويس، أبو الحركات الإسلامية المسلحة في الصومال، أول محكمة تابعة له، وهي محكمة (إفك حلني)، ويعد ذلك أول اختراق مباشر من جانب الجهاديين لنظام المحاكم، وبعدها فتح أويس محاكم أخرى في إقليم شبيلي السفلي وإقليم غلغدود[10].
وفي عام 2005 تمكن الجهاديون من ترسيخ وجودهم داخل المحاكم وفي مراكز القرار -كما سنرى- بعد أن عين آدم عيرو المسؤول العسكري للشباب رئيساً لمليشيات محكمة (إفك حلني)[11]. وسوف نرى أنه منذ ذلك الاختراق ستنحو المحاكم منحى آخر يبعدها تدريجياً عن الأهداف الأساسية من تأسيسها كمحاكم قبلية تعنى بتحسين أمن مناطق القبيلة، وتحولت إلى واجهة لماعة يستخدمها كل من له طمع أو طموح سياسي.
الاتحاد الأول: اتحاد محاكم جنوب مقديشو
منذ العام 1999 بدأت محاكم جنوب مقديشو تنسق فيما بينها، بعد أن بسطت نفوذها على معظم مناطق الجنوب، ونجحت في إعادة الهدوء والأمن النسبيين إليها، ونالت بسبب ذلك ثقة الشعب واحترامه. وبعد ذلك رأوا أن التنسيق وحده لا يكفي، ومن هنا جاءت فكرة تشكيل إدارة موحدة لمحاكم جنوب مقديشو برئاسة الشيخ حسن محمد عدي، ابن عم الشيخ حسن طاهر أويس، وعين الشيخ طاهر حسن غوتالي نائبه الأول، والشيخ حسن عينتي نائبه الثاني[12].
وبحلول عام 2000 كانت المحاكم قد أثبتت وجودها، وأصبحت قوة كبيرة منافسة لدور زعماء الحرب، الذين ساورهم القلق من الانتشار الواسع للمحاكم في مناطق نفوذهم، والتأييد الشعبي الكبير الذي يتمتعون به، وقد تأكدت هذه المخاوف بعد الإعلان في صيف عام 2000 عن مؤتمر المصالحة الصومالية في جيبوتي بدون دعوة زعماء الحرب للمشاركة فيه، وذلك كان بمثابة أول تحد حقيقي لنفوذهم.
في هذا المؤتمر لم يقتصر الإقصاء على أمراء الحرب وحدهم، وإنما شمل كذلك حليفتهم إثيوبيا، التي قطعت على نفسها وعداً بقطع الطريق على هذه الحكومة، وبذلت جهوداً جبارة لإجهاض مؤتمر جيبوتي، وإسقاط حكومة عبد قاسم، التي كانت تشم منه رائحة التحالف مع الإسلاميين.
لعبت المحاكم الإسلامية دوراً بارزاً في هذا المؤتمر، وكان لها ممثلون في البرلمان. وكان لحركة الإصلاح الإخوانية أيضا أعضاء فى هذا البرلمان. ويذكر أن الإسلاميين كانوا وراء ترشيح وانتخاب الرئيس عبد قاسم، وذلك ما أثار مخاوف إثيوبيا والولايات المتحدة، وطرح علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه الحكومة وعلاقتها بالإسلاميين[13].
وبعد فترة قصيرة من عودة حكومة عبد القاسم إلى الصومال في بداية عام 2001، حدثت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، التي غيرت سياسة الولايات المتحدة حين أعلنت حربها على الإرهاب، وأصبحت الصومال بؤرة إهتمام العالم مرة أخرى، خاصة بعد التقارير الاستخباراتية الأميركية، التي أفادت بفرار مقاتلي القاعدة إلى الصومال جراء القصف الأميركي في أفغانستان، ووجهت وسائل الإعلام العالمي أنظارها إلى الصومال للتأكد من صحة هذه التقارير.
وقع الرئيس عبد قاسم فى موقف حرج، فهو بين أمرين أحلاهما مر، إما أن يستمر في تحالفه مع الإسلاميين ومحاكمهم الإسلامية ويستوجب سخط أميركا وعقابها، وإما أن يرضي الولايات المتحدة ويخسر تأييد الإسلاميين، فاختار الأول على الثاني. وحتى يثبت عدم تورطه أي علاقة مع المحاكم الإسلامية، طلب من مسؤولي المحاكم تفكيكها وتسريح مليشياتها، أو الانضمام لقوات الأمن والجيش الحكوميين[14].
وافقت المحاكم على ذلك، ولكن يبدو أنها لم تفكك ولم تسرح جنودها، وإنما جمدت أعمالها حتى تهدأ عواصف الحادي عشر من سبتمبر وتمر بسلام. وبتجميد المحاكم أو تفكيكها تجمدت حكومة عبد قاسم، ولم تخط خطوة واحدة إلى الأمام، فهو بذلك خسر ود المحاكم، ولم يكسب دعم الأميركيين.
مؤتمر نيروبي وإقصاء المحاكم
وبعد أن أوشكت ولاية حكومة عبد قاسم على النهاية، وفشلت في بسط سيطرتها على البلاد، تم الإعلان عن عقد مؤتمر مصالحة في نيروبى برعاية وإشراف دول إيغاد، خاصة إثيوبيا وكينيا. هذا المؤتمر كان -على العكس من مؤتمر جيبوتى الذي سبقه- محصوراً في زعماء الحرب، واستبعدت المحاكم والإسلاميين بصفة عامة، وبذلك تكون دول إيغاد، وعلى رأسها إثيوبيا قد ثأرت لنفسها، وردت الاعتبار إليها باستعادة الملف الصومالي، بعد أن خرج أو كاد من أيديهم في مؤتمر جيبوتي.
وفي عام 2004 تم انتخاب حكومة انتقالية برئاسة الكولونيل عبد الله يوسف أحمد، الخصم اللدود للإسلاميين، الذي هزم قوات الاتحاد الإسلامي بعد حروب دامية دارت رحاها بينهم في عام 1992 في مناطق بونت لاند شمال شرق الصومال.
وكان انتخاب الرئيس عبد الله يوسف، ووراءه حليفته إثيوبيا، قد دق جرس الخطر في آذان الجماعات الإسلامية الصومالية المسلحة. لم يستشعر الإسلاميون وحدهم هذا الخطر، بل سائر قبائل الهوية شاركتهم في التوجس من نوايا العقيد عبد الله من قبيلة دارود منافستها على الزعامة السياسية في البلاد[15].
والملاحظ هنا نلاحظ أهمية العامل القبلي في الصراع السياسي الصومالي، وتقاطع مصالح العشائر مع الإسلامين، فالرئيس عبد الله يوسف كان من أشد المناوئين لحكومة الرئيس السابق عبد قاسم من قبيلة هوية فرع هبرغدر.
تحالف إسلاميي الهوية وحروبهم
وفي عام 2005 عادت حكومة عبد الله يوسف من المنفى، ليس إلى العاصمة وإنما إلى مدينة جوهر القريبة، حتى يستتب الأمن في مقديشو. ومع أن زعماء الحرب من قبيلة هوية كلهم كانوا أعضاء في البرلمان ووزراء في حكومة يوسف، إلا أنهم عارضوه. وفي العام نفسه وفي مدينة بلعد معقل زعيم الحرب موسى يلحو، اجتمع زعماء عشائر وأمراء حرب قبيلة هوية ومسؤولون من المحاكم الإسلامية برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس، واتفقوا على معارضة حكومة يوسف.
تحول أعداء الأمس بين عشية وضحاها إلى أصدقاء متحالفين ضد عدو واحد. تحالف إسلاميو قبائل الهوية مع زعماء حربهم لمواجهة عدو مشترك من قبيلة أخرى، يذكرنا بحادثة أخرى وقعت 1991 عند ما تحالف إسلاميو قبيلة دارود مع زعماء حربهم في كسمايو للدفاع عن المدينة من مليشيات عيديد من قبيلة هوية الزاحفة للسيطرة عليها. وفي عام 1993 تحالف زعيم الحرب الجنرال عيديد مع مليشيات الاتحاد الإسلامي ومقاتلي القاعدة ضد القوات الأميركية عندما بدأت تطارده لإلقاء القبض عليه.
الحرب بالوكالة
في عام 2004 يعتقد أن زعماء الحرب في مقديشو وقعوا اتفاقاً سرياً مع المخابرات المركزية الأميركية للقبض على عناصر تشتبه أميركا بعلاقتهم مع تنظيم القاعدة مقابل مبالغ مالية ضخمة. ورأى زعماء الحرب ذلك بمثابة رمي عصفورين بحجر واحد، فهم من جهة يجمعون أموالاً هائلة، ومن جهة أخرى يتخلصون من منافسيهم الإسلاميين على النفوذ في البلاد، وبذلك بدأوا يلقون القبض على كل من له علاقة بالجماعات الإسلامية، وشملت حملات الاعتقالات والاختطاف عناصر من قيادات مليشيات المحاكم الإسلامية[16].
ومن هنا ظهرت حاجة المحاكم إلى الشباب الذين بدأوا بتنفيذ حملة اغتيالات واسعة مضادة، استهدفت كل من يشتبه بعلاقته مع الغرب من خبراء عسكريين وأكاديميين ومسؤولي هيئات الإغاثة العالمية، وهكذا عم الرعب والخوف سكان مدينة مقديشو، وأصبحت العاصمة مسرحا لتصفيات متبادلة بين أطراف محلية تعمل لجهات خارجية. حرب سرية بالوكالة يخوضها كل من الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة في مقديشو بحلفاء محليين[17]، وهنا لمع نجم آدم حاشي عيرو، المسؤول العسكري لجماعة الشباب الجهادية في الصومال، والذي -كما رأينا- عين عام 2005 قائد مليشيات محكمة إفك حلني.
من هم الشباب!
“الشباب”، جماعة سلفية جهادية، خرجت من رحم حركة الاتحاد الإسلامي الذي -كما أشرنا آنفاً- قرر عام 1996 إلقاء السلاح مؤقتاً، وذلك بعد الهزائم المتتالية التي منيت بها، غير أن عناصر من الاتحاد -معظمها من الشباب- لم تقنع بهذا القرار، ورفضت الانصياع إليه، وقررت مواصلة الجهاد المسلح، وعرفت فيما بعد بجماعة الشباب. وعلى الرغم من أن الجماعتين -الاتحاد والشباب- من السلفية الجهادية، إلا أن الأولى تريد أن تكون مستقلة عن حركات الجهاد العالمي، بينما الثانية جزء من هذه الحركات، ولها ارتباط تنظيمي بحركة القاعدة.
وفي شهر فبراير 2010 اعترف، ولأول مرة، مسؤول كبير من حركة الشباب أن حركته تابعة لتنظيم القاعدة. وقد حسم بذلك تكهنات وغموضاً كبيرين كانا يحيطان بطبيعة علاقة الحركة مع القاعدة. وقالت الحركة في بيان أصدرته: “إن الجهاد في القرن الأفريقي يجب أن يكون جزءاً من الجهاد الذي يخوضه مجاهدو تنظيم القاعدة على المستوى العالمي”[18].
وفي مقال نشرته صحيفة الحياة بعنوان “حركة الشباب بين عجز الشيوخ وحماسة الشباب” يتحدث الكاتب أن فكرة تأسيس حركة تابعة للقاعدة في الصومال تعود إلى عام 2001 بعد اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر، وكان أول ظهور علني للشباب فى مقديشو عام 2005 عندما استولت على مقبرة للإيطاليين وقامت بنبشها وتحويلها فيما بعد إلى معسكر لتدريب المليشيات التابعة لها. وفي عام 2007 عقد قادة الحركة اجتماعا في مدينة براوة، وتم فيه الإعلان عن إنشاء الحركة رسمياً، واختير أحمد غودوني رئيساً لها وإبراهيم الأفغاني نائبه ومعلم آدم حاشى عيرو مسؤولها الأمني والعسكري[19].
وفي الفترة ما بين عام 2004-2005 شرعت الجماعة في تنفيذ عمليات اغتيال واسعة ضد أشخاص تتهمهم بالعمالة للغرب. وفي عام 2006 خرجت الجماعة عن العزلة ولعبت دوراً بارزاً في المعارك التي خاضتها المحاكم الإسلامية ضد تحالف زعماء الحرب لمكافحة الإرهاب[20]، ومنذ ذلك الوقت ونفوذ الحركة في صعود ملحوظ، حيث نجحت في استقطاب الآلاف من الجهاديين الأجانب في صفوفها، والذين توافدوا على البلاد تلبية لدعوة قادة القاعدة أتباعَهم للتوجه إلى الصومال لمساعدة إخوانهم المجاهدين. ويعترف قادة الشباب بصحة هذا الأمر، مع أنهم لا يقبلون إطلاق لفظ الأجانب عليهم.
القاعدة
يرجع وجود القاعدة في الصومال إلى أوائل التسعينيات، ويظهر من مراسلات القاعدة التي بثتها مواقع إلكترونية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية البنتاغون ونشرتها جريدة الشرق الأوسط اللندنية أن وجود القاعدة في الصومال كان قبل التدخل الأميركي 1992-1994 فيما سمي بعملية إعادة الأمل، التي انتهت إلى انسحاب القوات الأميركية بعد مقتل 18 من جنودها، ويظهر كذلك أن مقاتلي القاعدة شاركوا في ذلك القتال.
يتضح ذلك من الرسالة التي كتبها أبو الوليد المصري مفكر ومنظر القاعدة إلى سيف العدل المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة في ذلك الوقت: “عندما دخلتم الصومال كان الميدان عقيما وغير مُجدٍ، ولكن تغير الأمر بعد تدخل أميركا وفرسان الصليب”[21]، وفي مكان آخر من الرسالة يقول أبو الوليد: “وصولكم المبكر إلى أرض الصومال قبل العدو أميركا أتاح لكم فرصة ممتازة للتعرف على أرض المعركة والتجهيز المبكر لأدوات القتال من أفراد وأسلحة”[22]، ويظهر أن تنظيم القاعدة رأى انسحاب القوات الأميركية من الصومال أول اختبار نجحت فيه، وشجعها على إمكانية منازلة الجيش الأميركي في أماكن أخرى من العالم.
لم يكن للقاعدة نشاط يذكر في القرن الأفريقي بعد الانسحاب الأميركي من الصومال عام 1993 حتى عام 1998، إلى أن قامت عناصر تابعة لها بتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، وأفادت التقارير أن العملية خطط لها في الصومال، وتدعي أميركا أن منفذي العملية تسللوا إلى الصومال. وبعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأميركي لأفغانستان وبعد ترويج تقارير تفيد بتدفق مقاتلي القاعدة إلى الصومال، توافدت وسائل الإعلام الدولية وخبراء عسكريون وضباط من المخابرات الأميركية للتحقق من ذلك، لكنهم لم يعثروا على أي دليل يثبت صحة تلك المعلومات.
سياسة الولايات المتحدة قائمة على الابتعاد عن التدخل المباشر في الصومال منذ فشلها في عملية إعادة الأمل وانسحابها من الصومال عام 1993، وتكتفي بأحد أسلوبين لملاحقة العناصر المطلوبة لديها.
الأول: بالقصف الجوي على مواقع تشتبه فيها بوجود عناصر من القاعدة مطلوبين، كما حدث في يناير/كانون الثاني عام 2007، عند ما شنت الطائرات الأميركية هجوماً على مواقع في جنوب الصومال، تعتقد الولايات المتحدة بهروب عناصر من القاعدة إليها بعد هزيمة المحاكم. وفي عام 2008، قتلت الطائرات الأميركية في غارة جوية في مدينة طوسمريب آدم حاشى عير والمسؤول الأمني والعسكري لحركة الشباب، وفي سبتمبر/أيلول عام 2009 قتلت طائرة أميركية صالح النبهان القائد الميداني لخلايا القاعدة في الصومال.
الثاني: توكيل حلفائها المحليين والإقليميين لتنفيذ هذه المهمة، كما رأينا تعاونها مع زعماء الحرب للقبض على تلك العناصر، وبعد أن اخفقوا أوكلت إثيوبيا لتنفيذ المهمة، وانتهت المحاولتان بالفشل الذريع، بل أفضتا إلى نتائج عكسية، ومكنت لجهاديين من الاختفاء في التيار الإسلامي العام، والقتال تحت مظلة المحاكم الإسلامية.
ويعتقد الباحث المصري ضياء رشوان المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أن للقاعدة اهتماماً كبيراً بالصومال بسبب “أن المنطقة قريبة من اليمن والجزيرة العربية فضلاً عن أنها ذات أهمية استراتيجية، فالوجود الأجنبي فيها مكثف، كما يسود الفقر بين السكان، وتغيب سلطة الدولة… فإن لهذه المنطقة أهمية قديمة للقاعدة، فقد تم فيها التخطيط لضرب السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا في نهاية التسعينيات”[23].
ويبرز هذا الاهتمام أيضاً من خلال التسجيلات الصوتية التي يرسلها قادة القاعدة بين حين وآخر إلى من يسمونهم بالمجاهدين في الصومال، والمجاهدون الذين تخاطبهم القاعدة في تلك التسجيلات ليسوا إلا حركة الشباب المجاهدين التي أعلنت –كما أشرنا آنفا- في فبراير/شباط عام 2010 تبعيتها لتنظيم القاعدة. وتهاجم تلك الرسائل الحكومة الصومالية المؤقتة بقيادة الإسلامي الشيخ شريف الذي يصفه قادة القاعدة بالردة والعمالة. “النزال النزال يا أبطال الصومال” كان آخر خطاب أرسله بن لادن في مارس/آذار عام 2009. وقبله كان خطاب “لا سلام بلا إسلام في الصومال” لأبي يحيي الليبي عام 2008، و”من كابل إلى مقديشو” للرجل الثاني في القاعدة ايمن الظواهري[24].
الاتحاد الثاني: محاكم جنوب وشمال مقديشو
رأينا آنفا اتحاد محاكم جنوب مقديشو عام 1999، وأن المحاكم استأنفت أعمالها بعد تجميد دام ثلاثة أعوام باتفاق مع الرئيس عبد قاسم لإعطاء فرصة لحكومته، وما إن ظهرت أمارات الضعف على حكومة عبد قاسم وتردت الأوضاع الأمنية فى العاصمة حتى بدأت المحاكم إعادة ترتيب صفوفها مرة أخرى، واستطاعت فرض النظام والأمن على مناطق جنوب مقديشو، مما اضطر العصابات المسلحة للفرار إلى شمال مقديشو كآخر معقل لأعمالهم الإجرامية.
وهنا اجتمع سكان شمال مقديشو واتفقوا على تأسيس محاكم إسلامية في أحيائها. وكانت منطقة سيسي هي الأسوأ أمنيا من بين هذه المناطق، ومن هنا ظهر الشيخ شريف شيخ أحمد، الذي سيصبح الشخصية الأبرز للمحاكم والرئيس الحالى للصومال، واقترح تأسيس محكمة إسلامية في هذه المنطقة، وقد تم اختياره رئيساً لها، وأبلي الشيخ شريف بلاء حسناً في قطع دابر تلك العصابات وطردهم من المنطقة، وأمن الناس فى مالهم وأنفسهم، وبذلك أمكن للمحاكم ولأول مرة بسط وجودها على جميع أجزاء العاصمة جنوباً وشمالاً[25].
وبعد أن نجحت المحاكم في التخلص من العصابات المسلحة وبسطت نفوذها على جميع أحياء العاصمة، وفي ظل مشروع زعماء الحرب للقبض على من يشتبه فيه بالإرهاب، الذي كما رأينا استغله زعماء الحرب لتصفية خصومهم الإسلاميين، وتقليص نفوذ المحاكم الإسلامية الذي يزداد يوما بعد يوم، شعرت المحاكم بإلحاح بحاجتها إلى الاتحاد، مستعدة للقاء محتوم مع لوردات الحرب في مقديشو، الذين أيقنوا أيضا أنه وصل الأمر بحيث لا يجتمع دينان في الجزيرة.
وفي 15-06-2005 تم توحيد المحاكم الإسلامية تحت إدارة موحدة، واختير الشيخ شريف من جماعة آل الشيخ رئيساً لها والشيخ عبد القادر علي عمر نائبه الأول والشيخ أحمد حسن إنطغير نائبه الثاني. وبذلك الاتحاد أصبحت المحاكم قوة كبيرة ومعادلة صعبة في ميزان القوى في البلاد. ونحن هنا نلاحظ أن المحاكم يعدون أنفسهم لدور سياسي أكبر من مجرد فرض الأمن على الأحياء، وفض النزاعات بين الخصوم، ولم يبق إلا المنازلة الأخيرة مع زعماء الحرب[26].
آل الشيخ
وهي جماعة إسلامية ذات توجه إخوانى، ويعرف المنتسبون لها بالإخوان المحليين تمييزاً لهم عن حركة الإصلاح المرتبطة بجماعة الإخون المسلمين الأم في مصر. فالشيخ الذي تنتمي إليه الجماعة هو الشيخ محمد معلم الأب الروحي للحركات الإسلامية في الصومال. ومع أنه كان متأثراً بجماعة الإخوان، إلا أنه لم يؤسس حركة ولم ينتسب إليها، وآل الشيخ ليست جماعة بمعنى الكلمة، وإنما تجمع أخلاطاً لا يجمعها إلا الولاء للشيخ محمد معلم (ت 2000).
وعلى الرغم من أنهم يشاركون التيارات الإسلامية الأخرى بضرورة إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة، إلا أن هناك ما يميزهم عنها أكثر، فخطابهم تقليدي يتقاطع مع العلماء التقليديين ومتصالح مع الطرق الصوفية ويعترفون بالمذهب الشافعي ويتبعون العقيدة الأشعرية، وكان الشيخ محمد معلم مهندس فكرة المحاكم الإسلامية في الصومال، وصاحب أول محكمة في مقديشو عام 1991، وكان لأتباعه دور كبير في ترسيخ نظام المحاكم وتطويره.
وفي شهر فبراير/شباط عام 2006 خرجت الحرب السرية بين جماعة الشباب وزعماء الحرب إلى العلن، عندما أعلنت مجموعة من أكابر زعماء الحرب تأسيس ما يسمى بتحالف إعادة السلام ومكافحة الإرهاب. وصار ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وإثر ذلك قاد الإسلاميون تحت مظلة اتحاد المحاكم الإسلامية انتفاضة شعبية، انتهت بهزيمة مذلة لزعماء الحرب فى غضون أربعة أشهر فقط. وفى شهر يونيو/حزيران كانت العاصمة مقديشو ولأول مرة بعد سقوط الحكومة المركزية تحت سيطرة قوة واحدة، وحقق الإسلاميون بذلك نصراً تاريخياً ربما لم يتصوروه حتى في أحلام يقظتهم[27].
ونحن نرى هنا كيف أن المغامرة الأميركية -بالتعاون مع زعماء الحرب- في حربها ضد الإرهاب، أفضت إلى نتائج معاكسة بل كارثية. فالجماعات الجهادية بلا شك هي الرابح الأكبر من جميع هذه التطورات. فبعد أن كانو يشكلون أقلية جهادية معزولة عن التيار الإسلامي العام في البلاد، ورأيناهم يبحثون في عام 2005 عن موضع قدم لهم في مقديشو، ولا يجدون سوى المقبرة الإيطالية مكاناً لإقامة معسكرهم، فهم الآن -وبسبب السياسات الأميركية الخاطئة- أصبحوا الجناح العسكري الضارب للمحاكم الإسلامية، وأبطالاً وطنيين، يضحون بكل شيء للدفاع عن الوطن والدين.
وبعد أن كان الجهاديون قد انهزموا في جميع المعارك التي خاضوها في التسعينيات مع زعماء الحرب، لأنها كانت تدور بين حزيبن متنافسين على السلطة في البلاد، والشعب فيها كان محايداً، فإنهم الآن نجحوا في تعبئة الرأي العام الشعبي ضد خصومهم، وخاضوا المواجهة الأخيرة وجميع الشعب وراءهم، فلم تعد الحرب بين زعماء الحرب وجماعة سياسية أخرى، بل أصبحت بين الشعب وزعماء الحرب.
الاتحاد الثالث للمحاكم: تحالف الفرقاء
وبعد هزيمة أمراء الحرب تم تأسيس مجلس المحاكم الإسلامية، ويتكون من اثنتي عشرة مجموعة. وانتخب المجلس مجلسين. مجلساً للشورى برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس، ومجلساً تنفيذياً برئاسة الشيخ شريف. وعندما نمعن النظر في الأطراف التي يتكون منها هذا المجلس يتضح لنا أنها تختلف في الرؤى والأفكار والأهداف، ولم يكن يجمعها إلا مواجهة زعماء الحرب، الذين رأوهم يشكلون تهديداً خطيراً لوجودهم جميعاً، ولما زال هذا الخطر ظهر للعيان صعوبة -إن لم يكن استحالة- بقاء هذا التحالف على ما هو عليه من التباين والتضاد بل والتناقض.
وحسب تعبير هارون وسيدرك فى دراسة لهما بعنوان “صعود وسقوط المحاكم الإسلاميةفي مقديشو” أن معظم المراقبين يعتقدون أن اتحاد المحاكم الإسلامية ليس إلا مسجداً كبيراً يجمع أطياف تيارات الإسلام السياسي بمختلف أجنحته المتطرفة منها والمعتدلة[28].
ومن جانبه يعترف الدكتور عمر إيمان أبوبكر، وهو من قياديي المحاكم الإسلامية، ونائب الشيخ حسن طاهر في مجلس شورى المحاكم: “إن الأطراف التي شاركت في الجهاد وتحرير العاصمة من قبضة زعماء الحرب هي أطراف كثيرة، بلغت اثنتي عشرة في بدايتها، ثم دخلت أطراف أخرى، وكل طرف له في حل مشاكل البلاد أجندة تختلف عن أجندة الآخرين، إلا أن الذي جمعهم في هذه المرة هي الحالة الإستثنائية التي كان يمر بها البلد، حيث كان كل طرف مهدداً بالخطر والزوال، فاضطرتهم الظروف إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه العدو المتربص بهم. ومن هنا ندرك أن التوحيد بين تلك الأطراف لم يكن عن دراسة وقناعة، وإنما كان لرفع خطر محدق بالجميع… وحينما زال الخطر عن الجميع تغلبت المحاكم على زعماء الحرب في العاصمة، وشعر الكل بالأمن، أخذ الحنين ببعض تلك الأطراف إلى ما كان عليه الحال من التحيز إلى جماعته، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حاولت بعض تلك الأطراف تنفيذ برامجها الخاصة بها على الجميع بطريقة أو بأخرى، متخطية بذلك كل البنود التي تم الإتفاق عليها، وفي المقابل أحست الأطراف الأخرى بهذا التحيز، وتفاقم الأمر مع مرور الزمن، حتى وصل الأمر إلى التنازع على توزيع السلطات على حسب الأطراف قوة وضعفاً في بعض المرات، بحيث حاولت بعض الأطراف أن تستفيد جماعتها من إنجازات المحاكم الإسلامية، لترجع بأكثر المكاسب من هذا التجمع، فصارت المحاكم جزءاً تتجاذبه أطراف عديدة”[29].
هذا التحالف يحمل في بطنه جميع الإيديولوجيات والتيارات الإسلامية من أقصى اليمين، متمثلة بالسلفية الجهادية العالمية (حركة الشباب)، والقومية (الاتحاد الإسلامي)، ومروراً بتيارات الوسط (الإخوان المسلمون بشقيها العالمي -حركة الإصلاح- والمحلي -التجمع الإسلامي في الصومال أو آل الشيخ-).
أما الطرق الصوفية فلم يكن لها دور يذكر في هذا التحالف، وتقلص دورها وتمثيلها في المحاكم منذ بدء تسييس نظام المحاكم الإسلامية واختطافها من قبل الإسلاميين.
ويؤيد ذلك تقرير مجموعة الأزمات الدولية عن الصومال: “إنه لشدة اختلاف انتماءات أعضاء هذا التحالف وتباين مشارب مؤيديه، فإنه يصعب على أي مراقب إطلاق صفة المتشددين أو المعتدلين عليه، وأن أي محاولة لإلصاق المحاكم الإسلامية بالاعتدال أو بالتطرف أو أي اتجاه آخر ما هي إلا محاولة عديمة الجدوى. في الواقع ليست المحاكم إلا تحالف فرقاء وحدته تلاقي المصالح”[30].
ويكفينا إلقاء نظرة سريعة على أبرز وجوه هذا التحالف لنقف على معرفة مدى الاختلاف الأيديولوجي والفكري الذي يحيط بهذه الخلطة العجيبة.
أولاً: رئيس اللجنة التنفيذية الشيخ شريف شيخ أحمد يمثل الجناح المعتدل في مجلس المحاكم من حركة التجمع الإسلامي (آل الشيخ) ذي التوجه الإخواني المحلي، وله خلفية صوفية ومن أسرة صوفية عريقة.
ثانياً: رئيس مجلس الشورى الشيخ حسن طاهر أويس، في قائمة المتهمين بالإرهاب لدى كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة[31]، يمثل جناح الصقور من حركة الاتحاد الإسلامي ذي التوجه السلفي الجهادي أبو الحركات الإسلامية المسلحة وضابط عسكري سابق، وقائد مليشيات الاتحاد الإسلامي بعد سقوط الحكومة المركزية، ولكن منيت قواته بهزائم متتالية على أيدي زعيمَي الحرب الجنرال عيديد وعبد الله يوسف.
ثالثاً: آدم حاشي عيرو، القائد العسكري للمحاكم، من جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهي في قائمة المتهمين بالإرهاب لدى الولايات المتحدة[32]، تدرب في أفغانستان، قتل في غارة جوية أميركية في منتصف عام 2008.
يبدو أن كلا الجناحين في التحالف كان يظن أن الجناح الآخر يعمل لصالحه، فالجناح المعتدل برئاسة الشيخ شريف رغم اقتناعه باستحالة العمل مع الجانب الآخر، إلا أنه مع ذلك كان يعتقد بحاجة المحاكم الماسة للقوة الضاربة للشباب، وفي المقابل كانت الجماعات الجهادية تعتقد أن هؤلاء المعتدلين يمثلون لهم واجهة جيدة لتلبيس الرأي العام العالمي، وتهدئة مخاوف دول المنطقة والغرب.
وهذا يفسر لنا التصريحات المتناقضة التي كانت تصدر من مجلس المحاكم الإسلامية. فبينما كان شيخ شريف يبذل جهوداً جبارة لتهدئة مخاوف دول الجوار والمجتمع الدولي، كان الجناح المتشدد يصعد الموقف ويصدر تصريحات استفزازية لدول الجوار والمجتمع الدولي.
وفي مقابلة مع إذاعة “هورن أفريك”، نادى الشيخ حسن طاهر أويس بضرورة ضم الأراضي الصومالية التي تحكمها أثيوبيا، وبوجوب تحرير الجماعات الإثنية المسلمة الموجودة فيها من قبضة حكم الأقلية المسيحية. وفي الوقت الذي يردد الشيخ شريف بعدم شن حرب على معقل الحكومة المؤقتة في بيدوا، كانت مليشيات الجهاديين محيطة بمقار هذه الحكومة، وصرح مسؤول أمن المحاكم بنيتهم في إقامة صلاة العيد في أديس أبابا.
ويعتقد كثير من المراقبين أنه لولا التدخل الأثيوبي السريع، لما كان أمام تحالف المحاكم إلا التصدع والانشقاق والصراع على السلطة، ولكن دخول أثيوبيا كان بمثابة هدية مجانية وطوق نجاة، وحد الفرقاء لمواجهة العدو المشترك وتأجيل المواجهة إلى أجل غير مسمي.
دخول القوات الإثيوبية إلى الصومال
وفي 20–12-2006 بدأت المناوشات بين القوات الإثيوبية والحكومية الصومالية من جهة، ومليشيات المحاكم الإسلامية من جهة أخرى، وبعد أسبوعين من المواجهات العنيفة بين الجانبين انهزمت المحاكم، وتفرقت مليشياتها، وبدأت القوات الإثيوبية زحفها إلى العاصمة مقديشو. وفي 28-12-2006 دخلت مع القوات الحكومية إلى مقديشو.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام 2007 شنت طائرات الحرب الأميركية قصفاً جوياً على مواقع نائية في الجنوب الصومالي، فر إليها مسؤولو المحاكم وما تبقي من مليشياتهم. ويعتقد المراقبون أن القصف الأميركي استهدف عناصر من تنظيم القاعدة تختفي في فلول المحاكم الإسلامية، متهمين لديها في الضلوع بتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا.
لم تستطع القوات الإثيوبية والحكومية ملء الفراغ الأمني الذي تركته المحاكم، وشهدت العاصمة انفلاتاً أمنياً خطيراً. ومن جهة أخرى استطاعت المحاكم تجميع صفوفها مرة أخرى، وبدء حرب عصابات شرسة ضد القوات الإثيوبية بالتحالف مع عشائر الهوية، التي كانت متخوفة من التحالف الإثيوبي مع الرئيس عبد الله يوسف، وأخيراً أدركت إثيوبيا ومن ورائها الولايات المتحدة خطورة المستنقع الصومالي الذي هوت إليه، وبدأت البحث عن مخرج من هذا المأزق.
توسيع المحاكم: اجتماع أسمرة
وفي شهر سبتمبر/أيلول عام 2007 عقد في أسمرة مؤتمر شارك فيه جميع المعارضين للحكومة المؤقتة وللوجود الأثيوبي في الصومال، وهنا مرة أخرى تم توسيع المحاكم لتضم بقية المعارضين القوميين والوطنيين تحت اسم تحالف إعادة التحرير. وبدأ يظهر للعلن ما كان مكتوماً أيام المحاكم في مقديشو، وأعلن الشباب مقاطعتهم المؤتمر وخروجهم من التحالف، بادعاء أنه لم يعد تحالفاً إسلامياً بضمه القوميين والعلمانيين.
وفي عام 2008 انقسم التحالف مرة أخرى إلى جناح جيبوتي بقيادة الشيخ شريف، وجناح أسمرة بقيادة الشيخ حسن طاهر، بعد أن بدأ جناح شريف مفاوضات مع الحكومة المؤقتة برعاية الأمم المتحدة. واتهم الشيخ حسن جناح شريف بتقديم تنازلات مجانية مقابل وعود دولية لا يمكن الاطمئنان إليها. ومهما يكن من أمر فإن جناح شيخ شريف واصل المفاوضات إلى أن تم توقيع اتفاقية بين الحكومة المؤقتة وجناح جيبوتي ومن أهم بنوده:
- خروج القوات الإثيوبية في غضون ثلاثة أشهر.
- تشكيل حكومة وحدة وطنية وزيادة أعضاء البرلمان الحالي إلى 275.
وفي الفترة ما بين 30-31 من يناير/كانون الثاني عام 2009 أجريت انتخابات للرئاسة في جيبوتي، وتم فيها انتخاب شيخ شريف رئيساً للصومال، وفي فبراير2009 عاد الشيخ شريف إلى الصومال وواجهه حلفاء الأمس بسيل من الاتهامات، بدءاً بالعمالة والتخوين، وانتهاء بالردة والتكفير.
وبعيد انتخاب الشيخ شريف، أعلنت أربع جماعات تنتمي إلى حركة الاتحاد الإسلامي تحالفا جديدا تحت اسم الحزب الإسلامي، بهدف تشكيل جبهة موحدة لمعارضة حكومة شيخ شريف بقيادة الشيخ عمر إيمان، وعين الشيخ عبد الله حسن تركي نائبا له، ويضم هذا التحالف المحاكم الإسلامية جناح أسمرة، الجبهة الإسلامية، رأس كمبوني ومعسكر عانولي.
وفي شهر مايو/أيار 2009 عاد الشيخ أويس من أسمرة، وتنازل له الدكتور عمر إيمان عن رئاسة الحزب الإسلامي من أجل خبرته العسكرية الطويلة، وبعد مشاورات مكثفة وتنسيق مع جميع الأطراف المعارضة، وضع أويس الخطة العسكرية لمهاجمة مواقع القوات التابعة للحكومة في العاصمة.
وفي 7 مايو 2009 شن الإسلاميون المعارضون هجوماً منظماًعلي مواقع قوات الحكومة، واستطاعوا السيطرة على مناطق كثيرة من العاصمة، ولم يبق في يد حكومة شيخ شريف إلا أحياء معدودة، ومن جانبهم بدأ الشباب سلسلة عمليات انتحارية ضد قوات يونيصوم ومسؤولي الحكومة، متهمة إياهم بالعمالة والردة.
ومن جانبها وقفت حركة الشباب بعيداً عن محاولات الشيخ أويس لضمهم إلى هذا التحالف الجديد بعد فقدان ثقتهم فيه بانضمامه إلى تحالف إعادة التحرير، والذي من أعضائه القوميون والعلمانيون. فكما لا تعترف بحكومة شيخ شريف لا تعترف كذلك بأي حزب معارض غيرها، لذلك طالبت الحزب الإسلامي المعارض بالانضمام إليها أو إلى الحكومة. وقد طردت مليشيات الحزب الإسلامي من مدينة كسمايو الساحلية بعد صراع عنيف على إدارة المدينة. وتعتبر حركة الشباب الأقوى عسكريا في الساحة حالياً، حيث تسيطر على معظم مناطق جنوب ووسط البلاد، وتحارب على ثلاث جبهات مع الحكومة في العاصمة ومع الحزب الإسلامي في أقاليم جوبا، ومع أهل السنة والجماعة في المناطق الوسطى من البلاد.
وهكذا دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى والاضطراب، والإسلاميون هم اللاعبون الأساسيون في الجانبين، في الحكومة وفي المعارضة، لم تتغير الحرب ولكن تغير المحاربون، فاستبدل زعماء الحرب القبليين بزعماء الحرب الإسلاميين، هذه الحرب المؤجلة بين الإسلاميين -كما أشرنا- في عام 2006 بسبب التدخل الإثيوبي، اندلعت في عام 2009 بعد أن اتضحت معالمها واكتملت أسبابها.
خاتمة
إن جوهر الأزمة في الصومال سياسية، ويتمثل فى غياب الدولة ومؤسساتها، وما سوى ذلك من انتشار الفوضى وعدم الأمن وظهور المحاكم الإسلامية وتمدد التيارات الجهادية ولجوء عناصر إرهابية إلى الصومال وظهور القراصنة في السواحل الصومالية كل ذلك ليس إلا عوارض تنتهي بانتهاء سببها الأول، الذي هو انهيار الدولة وغياب النظام.
ولكن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لا يرى، أو بالأحرى لا يريد أن يرى الأزمة الصومالية إلا في بعدها الأمني الذي يمس مصالحها. ويتضح ذلك من خلال إرسالهم سفنا وطائرات حربية كثيرة إلى سواحل الصومال للدفاع عن سفنها التجارية من التعرض للاختطاف من قبل القراصنة أو لمراقبة متسللين إرهابيين إلى الأراضي الصومالية. وكذلك قيام الطائرات الأميركية بقصف مواقع في داخل الصومال يشتبه فيها بوجود عناصر مطلوبين لديها، وتعاونها فى حربها مع الإرهاب مع زعماء الحرب وحلفاء إقليميين لها.
فإذا كانت الولايات المتحدة جادة في حربها على الإرهاب، فلا بد من تغيير سياساتها الحالية القائمة على الهاجس الأمني، واتباع استراتيجية أخرى أكثر شمولاً وأنجع فائدة وأقل كلفة لمصالح البلدين. ويتمثل ذلك في السعي الجاد لإيجاد نظام سياسي في الصومال، قادر على العمل والبقاء والمشاركة البناءة في إعادة بناء دولة صومالية قوية، ودعمها دعماً حقيقياً حتى تقوم بواجباتها في حفظ سيادتها الوطنية المستباحة الآن، ليس من العناصر الإرهابية فحسب بل من قوى إقليمية ودولية كثيرة، وفي هذه الحالة فقط تزول الأسباب التي تشجع على استعمال الأراضي الصومالية لتكون ملاذاً آمناً لتخطيط عمليات إرهابية أو اختطاف سفن أجنبية.
إن الإسلاميين في الصومال هم القوة الوحيدة المنظمة التي ظهرت من أنقاض الدولة الصومالية المنهارة، ونشطت في جميع المجالات لملء الفراغ الذي تركته الدولة. معظم تلك التيارات كانت تجنح إلى الاعتدال ونبذ العنف، وكانت حركة الاتحاد الإسلامي ذات الاتجاه السلفى من بين تلك الجماعات، هي الحركة الوحيدة التي أخذت السلاح للوصول إلى أهدافها بالقوة.
ولكن السياسات الخاطئة التي اتبعتها الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، قوت جانب التيارات المتطرفة، وأضعفت في المقابل قدرة التيار الاعتدالي على إنتاج خطاب تسامحي مسالم، يقبل التعايش مع مجتمعه ومع دول الجوار والمنطقة والعالم. فنحن رأينا كيف أن المحاكم الإسلامية التي بدأت على أساس عشائري وبقيادة العلماء التقليديين تحولت إلى حصان طروادة، استغلها الجهاديون بمهارة فائقة، عندما تعاونت أميركا مع زعماء الحرب سيئي السمعة، ورموز البؤس والشقاء لدى المواطن الصومالي العادي للقبض على عناصر مطلوبة لديها. وأعادت الخطأ نفسه مرة أخرى، عندما أعطت القوات الإثيوبية الضوء الأخضر للتدخل في الصومال، مما جعل الشعب يلتف حول الجهاديين الذين ظهروا كأبطال وطنيين، يقفون في وجه الأطماع الإثيوبية لاحتلال الأراضي الصومالية.
فكلما تتأزم الأوضاع، وتنسد الآفاق، وتموت الآمال ويسود اليأس، تجد التيارات المتطرفة بيئة مناسبة للانتشار والاستقطاب، ويصاب التيار المعتدل بالضمور والارتخاء. وفي المقابل كلما تحسنت الأوضاع وشاع السلام وعم الاستقرار، يجد المعتدلون مناخاً ملائماً للنمو والتوسع، ويعشق الشباب الحياة في سبيل الله أكثر مما يرغبون الموت في سبيله.
[1] دكتور عمر إيمان أبو بكر، تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1 2008، ص59-60.
[2]2 المرجع السابق، ص91-98.
[3] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[4] US Dept of State “Executive Order13224” , Sep 23 2001
[5] دكتور عمر إيمان أبوبكر، تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال، دار الفكر العربي – القاهرة – ط1، 2008، صفحة 75.
[6] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[7] جريدة الشرق الأوسط، مراسلات القاعدة السرية، 8/10/2007، العدد:10541.
[8] جريدة الشرق الأوسط، مراسلات القاعدة السرية، 3 أكتوبر 2007، العدد:10536.
[9] Barnes, Cedric and Hassan, Harun (2007) The Raise and Fall of Mogadishu’s Islamic Courts, Journal of Eastern African Studies, 1: 2, 151 160
[10] المصدر السابق.
[11] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[12] دكتور عمر إيمان أبوبكر، مصدر سابق ص101.
[13] Barnes, Cedric and Hassan, Harun (2007) The Raise and Fall of Mogadishu’s Islamic Courts, Journal of Eastern African Studies, 1: 2, 151 160
[14] دكتور عمر إيمان أبوبكر، مرجع سابق، ص108-111.
[15] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[16] Barnes, Cedric and Hassan, Harun (2007) The Raise and Fall of Mogadishu’s Islamic Courts, Journal of Eastern African Studies, 1: 2, 151 160
[17] المصدر السابق نفسه.
[19] محمد الخضر محمد، حركة الشباب الصومالية خرجت من صدام بين حماسة الشباب وعجز الشيوخ، جريدة الحياة، 22/1 ينائر 2010.
[20] Barnes, Cedric and Hassan, Harun (2007) The Raise and Fall of Mogadishu’s Islamic Courts, Journal of Eastern African Studies, 1: 2, 151 160
[21] جريدة الشرق الأوسط، مراسلات القاعدة السرية، 5/10/2007، العدد: 10538.
[22] المصدر السابق.
[23] السيد زايد، مستقبل القاعدة والبحث عن ملاذات آمنة، موقع إسلام أون لاين:
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1252188408298&pagename=Islamyoun%2FIYALayout
[24] السيد زايد، طموحات القاعدة في الصومال والقرن الأفريقي، موقع إسلام أون لاين:
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1258880402787&pagename=Islamyoun%2FIYALayout
[25] دكتور عمر إيمان أبو بكر، مصدر سابق، ص115.
[26] المصدر السابق، ص116-117.
[27] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[28] Barnes, Cedric and Hassan, Harun (2007) The Raise and Fall of Mogadishu’s Islamic Courts, Journal of Eastern African Studies, 1: 2, 151160.
[29] دكتور عمر إيمان أبوبكر ، تجربة المحاكم الإسلامية في الصومال، دار الفكر العربي – القاهرة – ط1، 2008، صفحة 137 138
[30] International Crisis Group “Somalia’s Islamists” Africa Report No 100, 12 Dec 2005
[31] US dept of State “Somalia: Eliminating The Terrorist Threat” Fact Sheet, African Affairs, Jan 24 2007
[32] US dept of State “Somalia: Eliminating The Terrorist Threat” Fact Sheet, African Affairs, Jan 24 2007