Russia, Saudi Arabia and the fight against terrorism
Continuous cooperation and coordination and a common vision for the concept of terrorism
Dr. Maghazi Al-Badrawi – Expert in Russia and Central Asia
يرى الخبراء والمراقبون أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية شهدت تطوراً ملحوظاً مع بداية الألفية الثالثة، خاصة في مجالي (النفط ومكافحة الإرهاب)، فكلا المجالين قربا كثيراً المسافات بين الرياض وموسكو، حيث إن البلدين أكبر منتج ومصدر للنفط، كما أنهما أكثر دول العالم اهتماماً بقضية مكافحة الإرهاب باعتبارها قضية ذات اهتمام مشترك بينهما، وذلك نتيجة المتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وترى موسكو أن قضية الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط تمس بشكل مباشر الأمن القومي الروسي، نظراً لاقتراب روسيا من المنطقة، وكذلك معاناة روسيا الكبيرة وتخوفاتها الدائمة من التيارات الدينية المتطرفة والجماعات الإرهابية التي ترفع شعارات دينية، والمنتشرة في روسيا، خاصة في منطقة شمال القوقاز الممتدة بطول الجنوب الروسي، وهذه الجماعات لها امتداد كبير وأذرع كثيرة متشابهة في كل من روسيا وشبه الجزيرة العربية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات القاعدة و”داعش” وغيرهما، ومن هذا المنطلق جاء توجه موسكو إلى ضرورة التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب، باعتبارها الدولة صاحبة الرصيد الأكبر من الخبرة في هذا المجال، وذلك بحكم مواجهتها للكثير من تهديدات هذا الخطر الدولي الرهيب.
وشهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا في بداية الألفية الثالثة بعد استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية في روسيا، وبالتحديد بعد تولي الرئيس فلاديمير بوتين شؤون الحكم في الكرملين، وكانت نقطة الانطلاق في هذه العلاقات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 وتوتر العلاقات بين واشنطن وبلدان العالم الإسلامي بسبب الاتهامات الباطلة من واشنطن وبعض حلفائها الغربيين بمسؤولية بعض البلدان الإسلامية، ومنها المملكة العربية السعودية، في نمو الإرهاب والتطرف الديني وظهور النزعات المعادية للإسلام وللمسلمين والعرب في الولايات المتحدة والغرب، الأمر الذي رفضته السعودية منذ البداية وأيدتها روسيا في رفضها ودعمت موقفها ووجهات نظرها في الإرهاب والتطرف وضرورة فصله عن الدين، وانعكس هذا الدعم في العديد من الفعاليات والمؤتمرات المشتركة التي عقدت في كل من السعودية وروسيا حول هذه القضية.
وكانت الزيارة التاريخية التي قام بها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لروسيا في سبتمبر (أيلول) 2003 (عندما كان ولياً للعهد) وهي الزيارة التي فتحت الآفاق الجديدة للعلاقات بين موسكو والرياض، والتي تم فيها التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، وظهر خلالها تقارب واضح وملموس في توجهات السياسات الخارجية للبلدين حول العديد من القضايا وخاصة قضية مكافحة الإرهاب التي تم حولها، أثناء الزيارة، توقيع اتفاقية متكاملة بين البلدين عكست مدى تطابق مواقفهما ووجهات النظر بينهما، ونتج عن هذه الاتفاقية تشكيل مؤسسات مشتركة بين البلدين لتنسيق التعاون فيما بينهما في مكافحة الإرهاب، وأكد الرئيس الروسي بوتين خلال هذه الزيارة دعم روسيا الكامل لجهود المملكة في هذا المجال، والوقوف بجانبها في التصدي للإرهاب الدولي المتخفي تحت ستار الدين، وكان من الواضح أن كلا من موسكو والرياض ترفضان تماما الاتهامات الباطلة من الغرب للإسلام والمسلمين، حيث اتفق البلدان على العمل عن كثب للتغلب على تهديد الإرهاب، وانعكس هذا بوضوح في المؤتمر الذي عقد في الرياض في فبراير (شباط) 2005 بتنظيم سعودي- روسي مشترك، وبعده مؤتمر آخر عقد في موسكو في مايو (أيار) 2006 نظمته السعودية وروسيا معا تحت عنوان “الإسلام دين السلام”، وهما المؤتمران اللذان عكسا بوضوح وصراحة رفض البلدين معا لتولي جهة أو دولة معينة بمفردها مهمة مكافحة الإرهاب في العالم كله، وضرورة التعاون على مستوى المجتمع الدولي في إطار الأمم المتحدة على مواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الجميع.
وتأتي الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة العربية السعودية عام 2007، والاستقبال الفائق في الحفاوة والترحيب والمودة التي قوبل بها لتعكس مدى القوة والنمو التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين، وتركزت المباحثات خلال الزيارة على ضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب الدولي بإجراءات عملية وفكرية وسياسية مشتركة بين البلدين، وقلد العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرئيس بوتين وشاح الملك عبدالعزيز (أعلى الأوسمة في المملكة)، وقال الملك عبدالله لبوتين: “إن هذا الوسام يمنح فقط لأصدقاء المملكة الحقيقيين”. وأشاد العاهل السعودي بالرئيس بوتين قائلا: “إنه أثبت بالفعل أنه رجل يحب العدل والحق”، وعبر الرئيس بوتين عن سعادته البالغة بالنمو الجذري والسريع للعلاقات بين البلدين لدرجة أنهما في غضون أعوام أربعة فقط أصبحا يتكلمان لغة مشتركة وواحدة في مختلف القضايا، وخاصة قضية الإرهاب التي اتفقت رؤى البلدين على مفاهيمه وجهاته واتجاهاته وضرورة التعاون المشترك للتصدي له.
هكذا كانت البداية العملية، حيث كانت قضية مكافحة الإرهاب هي الشغل الشاغل للبلدين دائماً، باعتبارها التهديد المشترك لكليهما بشكل مباشر ومن مصادر واحدة إلى حد كبير.
وفي منتصف أبريل (نيسان) 2017 قامت رئيس مجلس الاتحاد للجمعية الفيدرالية (البرلمان الأعلى) في روسيا فالنتينا ماتفيينكو بزيارة هامة للمملكة العربية السعودية، وهي من الشخصيات الهامة والمحورية في النظام السياسي الروسي، وتحظى بثقة عالية من الرئيس بوتين، والتقت ماتفيينكو في الرياض العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتناولت في حوارها مع جلالته قضايا مختلفة، كان على رأسها قضية مكافحة الإرهاب، حيث أكدت ضرورة استمرار الحوار والتنسيق والتعاون المشترك بين موسكو والرياض في مجال مكافحة الإرهاب، وأكدت ماتفيينكو وجود الرغبة المشتركة لدى البلدين على التعاون في هذا المجال والتصدي معاً للتنظيمات الإرهابية، مشيرة إلى بدايات التعاون بين البلدين في هذا المجال، والجهود «الحثيثة» التي تبذلها المملكة لمكافحة الإرهاب والقضاء على أشكاله وتنظيماته.
ثم جاء الحدث التاريخي الكبير في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وهو زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لروسيا، كأول زيارة لملك سعودي لهذا البلد الكبير، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة الملك السعودي إلى روسيا بـ”الحدث البارز”، مؤكدا أنه “واثق من أن هذه الزيارة ستعطي نبضاً جديدا لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين”، وكان لقضية مكافحة الإرهاب حيز كبير في هذه الزيارة التاريخية، حيث صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء الزيارة لوكالة “نوفوستي” الروسية للأنباء بأن موسكو والرياض تعملان بشكل مستمر في مجال مكافحة الإرهاب، وتعملان معاً بشكل وثيق للغاية في مجال الأمن لمكافحة التطرف والتنظيمات الإرهابية، وأكد الجبير أن لدى البلدين رؤية متشابهة في هذا المجال بالنسبة للمشاكل والتحديات الموجودة في المنطقة والعالم، وصرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي مشترك أثناء الزيارة مع نظيره السعودي عادل الجبير، بأن موسكو والرياض متفقتان على أن الأولوية يجب أن تكون محاربة الإرهاب. وقال لافروف: “خلال بحث جميع مشاكل هذه المنطقة ظهر مرة أخرى فهم مشترك وتصميم بين موسكو والرياض لأولوية النضال الحاسم ضد الإرهاب”. وأضاف لافروف: “بالطبع من الواضح أن مكافحة الإرهاب تنطوي على مواجهة حازمة للأيديولوجيات المتطرفة، وقد اتفقنا مع السعوديين على ضرورة تحديد النهوج والمسارات المشتركة في هذه القضية المحورية، وذلك في إطار الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن”.
وكان واضحاً، وبشهادة المحللين والمراقبين، أن النجاح الذي حققته الزيارة إنما جاء نتيجة للجهود التي بذلها قبل الزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي بنى علاقة جيدة وشخصية مع الرئيس فلاديمير بوتين، منذ زيارته الأولى إلى موسكو عام 2015 بصفته وزيرا للدفاع، وأنه منذ ذلك الوقت تشهد العلاقة الروسية- السعودية تطوراً ملحوظاً وتعاوناً أمنياً وسياسياً في الملفات الشائكة والقضايا الحيوية، وعلى رأسها قضية مكافحة الإرهاب.
العلاقات السعودية- الروسية تنمو بشكل واضح في الآونة الأخيرة، وتفرض قضية مكافحة الإرهاب نفسها كأولوية في التنسيق والتعاون بين البلدين، وقد اتفق البلدان على أن تعاونهما في هذا المجال الحيوي ليس موجهاً ضد دولة ما من الدول، بل موجه في الأساس ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة التي تنمو وتنشط في المنطقة، التي تتقارب فيها المسافات الجغرافية بين روسيا وشبه الجزيرة العربية، ولدى كلا البلدين ثقة تامة في كل منهما في الآخر في النوايا والمساعي الجادة لمكافحة الإرهاب، ومن أهم العوامل التي دعمت هذه الثقة وهذا التعاون والتنسيق أن هناك شبه اتفاق تام بين البلدين حول تحديد مفاهيم الإرهاب وجهاته واتجاهاته، هذه الثقة التي يصعب توافرها بين أي من البلدين وبلدان أخرى لديها معايير ومفاهيم مختلفة للإرهاب تنعكس على أساليبها وسياساتها في مواجهته، وأحياناً كثيرة تتناقض مع مفاهيم ومعايير المملكة العربية السعودية وروسيا في هذا المجال، وربما كان هذا العامل هو نقطة انطلاق التقارب بين البلدين والتنسيق بينهما في قضية مكافحة الإرهاب.
نشرت المادة في مجلة “رؤية روسية” Russian Viewفي عدد (يناير- فبراير) 2019.