دراسة عن علاقة السلفية الجامية بالشرائح المهمشة والدفء بينها وبين الليبراليين
قال الكاتب والباحث في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي فهد الشقيران إن أواخر ثمانينيات القرن العشرين شهدت انتعاشاً لما عرف بـ”سلفية المدينة”، وأهل الحديث الجدد الذين أصبحوا يقدمون أنفسهم على أنهم الأكثر ولاء وإخلاصاً للسياسي، وأن هذا التيار الذي عرف بـ”الجامية” شفع إعلان ظهوره بنقد وهجوم واتهام لشخصيات دينية، كان منها أسماء ذات حظوة وقرب من أسماء كبيرة في الدولة،
حيث تمكن ممثلو هذا التيار من الإطاحة بعدد من أساتذة الجامعات وإقصائهم عن مجال التدريس وإحالة آخرين إلى التقاعد وتهميش مجموعة كبيرة من الدعاة والأكاديميين والإداريين طوال مايربو على عشر سنوات.
وربط الشقيران في دراسته” “جامية السعودية والموقف من الجماعات الأخرى” ظهور الجامية بعدد من الأسباب كان منها الوضع الاجتماعي لعدد من شرائح المجتمع السعودي المهمشة، وقد اعتبر التيار نفسه الممثل الحقيقي لتعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولهذا مارس أصحابه نقداً لعلماء المركز الذين كانوا رمزاً للحظوة الاجتماعية والنفوذ، وقد طعنت الجامية في مصداقيتهم وتصادمت مع بعضهم لاحقاً.
وذكر الشقيران في دراسته التي نشرت في كتاب المسبار الثامن والثلاثين (الجامية)، أن بعضاً من الشرائح الاجتماعية في السعودية وجدت عزاءها في اعتناق نمط من التدين يستبطن احتجاجاً صامتاً للخط الرسمي المهيمن، ذكر منها جماعة التبليغ والدعوة التي كسبت أتباعاً لها منذ الخمسينيات الميلادية ووجدت أنصارها وحضنها الدافيء بين بعض أبناء البادية والمقيمين من الآسيويين وغيرهم، ولكن جماعة التبليغ تعرضت لهجوم وتضليل من قبل المؤسسة الدينية. وربط الباحث بينها وبين ولادة سلفية أهل الحديث في ستينيات القرن العشرين، والتي باركها علماء دين رسميون قبل أن تتصادم معهم منتصف السبعينيات.
واستعرض الشقيران قصة الخيط الذي انتظم ثلاثة توجهات وألوان عرفها المشهد الديني في السعودية في العقود الستة الأخيرة وهي التبليغ، وأهل الحديث، والجامية، مشيراً إلى دورعالم الحديث السوري محمد ناصر الدين الألباني، ومفتي السعودية السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز، في ولادة هذه التيارات أو في الموقف منها قبولاً ورفضاً.
وقال الشقيران في مدخل دراسته إنه مع تواجد قوات التحالف على الأراضي السعودية بعد احتلال الكويت، تنامت شهرة وتأثير أسماء رموز الصحوة الإسلامية السعودية، وترافق كل ذلك مع ظهور ما عُرف لاحقاً بسلفية المدينة، الذين دشنت أفكارهم على يد الراحل محمد أمان الجامي المدرس بالمسجد النبوي وأستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة قبل الاحتلال بسنتين تقريباً أي في 1988.
وأكدت الدراسة أنه وخلافاً للسلفيين أهل الحديث الذين شهدت ساحات المسجد الحرام نهايتهم مع مهديهم المنتظر في 1979؛ فإن السلفية الجامية جعلت من طاعة أولي الأمر والولاء لهم والانقياد التام لرغبة أولي الأمر في غير معصية هو نهجها ومرتكز أفكارها، والمعيار الذي تقيِّم من خلاله كل العاملين في الساحة الإسلامية من دعاة ومرشدين وفقهاء.
وأوضح الشقيران أن منظري هذا التيار ودعاته هم أساتذة في الجامعة الإسلامية بالمدينة ومشتغلون بالحديث وطلاب مبتعثون مقيمون من دول إسلامية وعربية، وفي سياق الاحتراب جاء وصم هذا التيار من قبل خصومه بالجاميين، واعتبرت الجامية فرقة تنسب إلى مؤسسها محمد أمان الجامي، مع أن من رموزها الأحياء من لايقل تأثيراً عن الجامي مثل ربيع بن هادي المدخلي الأستاذ السابق بالجامعة الإسلامية.
وأشارت الدراسة إلى علاقة الدفء والتملق التي ظللت علاقة الليبراليين بالجامية في السعودية، وأن التحذير من الليبرالية وخطرها والتحذير لم تشكل موضوعاً كبيراً في خطاب التيار الجامي، واستعرضت بعض نماذج الارتياح بين الجاميين والليبراليين لطروحات بعضهم، واتخاذهم موقفاً موحّداً في المعركة ضد الإسلاميين الحركيين، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين ووليدتها السرورية.
وذكر الشقيران أن الغزل بين التوجهين اشتدت وتيرته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعمليات الإرهابية التي شهدتها السعودية في عام 2003.
14سبتمبر2010