سارة برويسكيفيتش (Sara Brzuszkiewicz)
طالبة دكتوراه في الجامعة الكاثوليكية في ميلان، باحثة في مؤسسة ENI
تصاعدت حدة التوتر بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر بشكل تدريجي في اليومين الأخيرين، وقررت الدول الأربع قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وإغلاق المنافذ كافة أمام الحركة القادمة من وإلى قطر، ومنع عبور وسائل النقل القطرية في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية لها، وأمهلت البعثات الدبلوماسية القطرية 48 ساعة للمغادرة.
أتت هذه التوترات الجديدة على خلفية ما نشرته وكالة الأنباء القطرية من تصريحات تضمنت انتقاداً من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه إيران، قال فيها: إنّه “لا حكمة من معاداة إيران”. ووفقاً للتصريحات المثيرة للجدل، دافع تميم عن حركة حماس وحزب الله والإخوان المسلمين، وجاءت ردة فعل دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية بأن حجبت فضائيات ومواقع وصحف قطرية. في ضوء التطورات الأخيرة، حظيت العلاقة المثيرة للجدل بين قطر والإرهاب باهتمام عالمي.
مقر طالبان والعلاقات مع القاعدة
في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، صرّحت حركة طالبان بأنّ مكتبها السياسي في قطر هو المقر الوحيد المخول إجراء مفاوضات بالنيابة عنها، على الرغم من أنّ المكتب أُغلق رسمياً عام 2013. ومما لا شك فيه أنّ عدداً من أعضاء الحركة بقوا في قطر.
انتقل وكيل أعمال أسامة بن لادن المنشق جمال عبدالفضل إلى الولايات المتحدة عام 1996 وأدلى بشهادته أنّ أسامة بن لادن أخبره عام 1993 بأنّ “جمعية قطر الخيرية”، والتي تعرف اليوم باسم “قطر الخيرية”، كانت إحدى مصادر التمويل الرئيسة للقاعدة. إلى ذلك ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، فإنّ العميل السيئ الصيت لتنظيم القاعدة خالد شيخ محمد انتقل إلى قطر عام 1993 استجابة لاقتراح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية القطري عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني، وهو عنصر بارز في الأسرة الحاكمة. وخالد شيخ محمد الذي حارب إلى جانب أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وعبدالله عزام، تمكّن من إيجاد وظيفة في وزارة المياه والكهرباء القطرية، ليصبح بعدها العقل المدبّر لهجمات سبتمبر (أيلول) 2001.
السيناريو الحالي
على الرغم من صغر مساحتها، إلا أن عدداً من المسؤولين الأمريكيين يعتبرون قطر المصدر الأول للتبرعات الخاصة للجماعات المتطرفة في سوريا والعراق. لعلّ القضية الأكثر شيوعاً هي تلك التي وضعت عبدالرحمن النعيمي، وهو مواطن قطري، على لائحة الأسماء الراعية للإرهاب من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تمويله لتنظيم القاعدة. بينما لا يزال النعيمي، على الأرجح، رجلاً حراً في قطر لأنه لا توجد أخبار حول اتهامات رسمية موجهة له. إضافة إلى ما سبق، تمّ تعيين النعيمي مديراً للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي من المرجح أنها تتلقى دعماً حكومياً. أما المدير الحالي للمركز، عزمي بشارة، فقد حصل على الجنسية القطرية بعد أن هرب من بلاده إثر الاشتباه به ببيعه أسرار الأمن الإسرائيلي لحزب الله
في عام 2014، نشر ديفيد وينبيرغ، الباحث الأقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن تقريراً تحت عنوان “قطر وتمويل الإرهاب”، يشير فيه إلى عدد من قضايا تمويل الإرهاب التي كان مركزها قطر خلال العقد الماضي، والتي فشلت فيها سياسات قطر من فرض السيطرة. إلى جانب الإرهاب، وفي فضاء الإسلام السياسي العام، لا يمكن نكران أنّ العشرات من المنشقين والمعارضين ورجال الميليشيات ورجال الدين النافذين من جميع أنحاء العالم العربي يقيمون في قطر. سبق أن كررّت وعبرت دول مجلس التعاون الأخرى عن شعورها بالإحباط تجاه الدوحة لمنحها ملاذاً للإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين. فيما يخص الإخوان المسلمين، بلغت التوترات أشدها في مارس (آذار) 2014 عندما قامت البحرين والسعودية والإمارات بسحب سفرائهاٍ من الدوحة مدة 8 أشهر. منذ تلك الأزمة الدبلوماسية وقطر تقلل دعمها للمفكرين الإسلاميين داخل حدودها، ولكنها لا تزال بعيدة عن تبني النهج الذي يقيد من نشاطاتهم.
قطر في أوروبا
ومن المثير للاهتمام، أنّ قطر معروفة بتمويلها للعدد الأكبر من المشاريع في الغرب وخصوصاً تلك التي تخص الشؤون الدينية. ومن القضايا الأكثر إثارة للجدل في فرنسا قضية الضواحي. وفي عام 2011، اجتمعت شخصيات مسلمة بارزة
من بعض الضواحي الباريسية ذات الغالبية المسلمة لمناقشة الوضع السيئ في تلك المناطق التي تتصف بوجود نسبة عالية من المهاجرين المسلمين وهم يعيشون في أحياء سكنية فقيرة، حيث تتجاوز نسبة البطالة بين الشباب 20 في المئة. كانت واحدة من نتائج النقاشات هو استثمار قطر في هذه الأحياء من خلال توقيع بعض الاتفاقيات مع السفير القطري. لقد تبع الشك العميق هذا القرار، وهو أمر لا مناص منه. في دراسته المعنونة “ضواحي الجمهورية” ( banlieue de la Republique) حذر الباحث الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي جيل كيبيل من أن الاستثمارات القطرية لن تحقق العائدات المالية: “إنّهم يشترون النفوذ”. ووفقاً لبيانات يمكن الاعتماد عليها، تبلغ الاستثمارات القطرية حوالي 22 مليار دولار، ولا تقتصر على ضواحي العاصمة.
من الأجدى تسليط الضوء على قضيتين أساسيتين: الأولى: كما يوضح ديفيد وينبيرغ، أنّه من الصعب التصوّر بأنّ من يعيش خارج قطر يعرف أكثر من القطريين عن التمويل غير القانوني، ولذلك يجب بذل المزيد من الجهود على عدم منح الملاذ الآمن للإرهابيين والإسلاميين. والثانية: على الحكومات الغربية أن تعي عوامل التحفيز الأيديولوجية التي قد تكون وراء استثمار بلد أجنبي في أحياء شعبية، وذلك لتفادي تحويلها إلى مناطق لنشر التطرّف أكثر مما هي الآن.