وضع محمد عبدالسلام فرج كتابه “الفريضة الغائبة” سنة 1979، ليكون منهجا جهاديا تتوحّد تحته ثلاثة تنظيمات كبرى: تنظيم عبدالسلام فرج، تنظيم سالم الرحّال (فلسطيني)، تنظيم الجماعة الاِسلامية في الصعيد، لتصبح كلّها تحت اِسم “تنظيم الجهاد الإسلامي” بقيادة عبدالسلام فرج ومعه من الرموز طارق الزمر وعبود الزمر وكرم زهدي وناجح إبراهيم وعصام الدين دربالة وأيمن الظواهري في شورى الجماعة، وكان لهذا الكتاب رواج لدى مختلف الحركات الإسلامية كاشفا عن تقاطعات الإسلام السياسي بالإسلام الجهادي.
ينطلق محمد عبدالسلام فرج من قناعة ثابتة، “أنّ طواغيت هذه الأرض لن تزول إلاّ بقوّة السيف.. ورسول الله بقوله (لقد جئتكم بالذّبح) قد رسم الطريق القويم الذي لا جدال فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو في قلب مكّة”، وهذه القناعة ترتكز على عنصرين لدى تنظيم الجهاد: أولا أنّ التغيير لا يكون إلاّ بالعُنف والقتال ومنه عدميّة التغيير بالسياسة والحزبيّة، وثانيا وهذا هو الجديد أنّ النّبي محمّداً بشّر بالقتال والذبح منذ الفترة المكيّة، وكأنّ محمد عبدالسلام فرج غير مقتنع بما يسمّى فترة الدعوة والتمكين وفترة القتال والجهاد، والجهاد بهذا المعنى هو فرض عين على كل مسلم ما لم تـــقم الدولة الاِسلامية، ويظلّ عبدالسلام فرج وفيّا لمصادره الرئيسة عنــد ابن تيميّة ومراجعه عند سيد قطب وأبي الأعلى المودودي في مقولة الحاكميّة وضرورة تطبيق شرع الله في الأرض، “فإنّ حكم إقامة حكم الله على هذه الأرض فرض عين على المسلمين، وتكون أحكام الله فرضاً على المسلمين، فبالتالي قيام الدولة الاِسلامية فرض على المسلمين، لأنّ ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأيضا إذا كانت الدّولة لن تقوم إلاّ بقتال فوجب علينا القتال”.
- طبيعة نظام الحكم والمجتمع: لم يخرج محمد عبدالسلام فرج عن التصوّر القطبي، حين ذهب إلى تكفير النظام الحاكم في مصر، وهو تكفير سيجد قبولا في الأوساط الشعبيّة حين يرتبط بتوقيع اِتفاقية السلام بين مصر واليهود، لكنّ فرج يعطي الحكم عامّا مطلقا حين يرتبط الأمر بحكم الله، “فالأحكام التي تعلو المسلمين اليوم هي أحكام الكفر، بل هي قوانين وضعها كفّار، وسيّروا عليها المسلمين، ويقول الله سبحانه وتعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)”، ويعزّز محمد عبدالسلام فرج حجّته بشواهد من تفسير ابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيميّة، مشبّها حال المسلمين اليوم بحال التتار في قرون الظلام، ومع ذلك فهو يعيد زمن الجاهلية إلى وقت سقوط الخلافة الاِسلامية العثمانية وصار العالم الإسلامي مرتدّا.
فالردّة -حسب محمد عبدالسلام فرج- في أصل الدّين أشدّ من الكفر في أصل الدّين، فيُقتل المرتدّ ولو نطق بالشهادتين -حسب ابن تيميّة، وقد أورد نصّا مطوّلا لابن تيميّة عن حكم المرتدّ في سياق حديثه عن التتار، وكان النص موغلا في التشدّد والقتل، ليذهب محمد عبدالسلام فرج إلى تشبيه حكام عصره بحكم التتار قائــلا: “أليست هذه الصفات هي نفس الصفات لحكّام العصر هم وحاشيتهم الموالية الذين عظّموا أمر الحكّام أكثر من تعظيمهم لخالقهم”، وفتوى قتل الحكّام لم يبادر إليها محمد عبدالسلام فرج، بل سبقه إليها الشيخ عمر عبدالرحمن حين أفتى بوجوب قتل الحاكم الكافر، فقد صار في ذهن فرج أنّ حكّام مصر هم غزاة للمسلمين يحكمون بغير ما أنزل الله، مثلهم كمثل التتار الذين كانوا يؤمنون بالله ولا يحكّمون شرائعه، ولم يجتهد فرج في البحث عن اِختلاف السياقات التاريخيّة، بل راح يستحضر كل فتاوى ابن تيمية في قتال الرجال وسلب الأموال، ورافق هذا الاِستحضار تسليم مطلق وتطبيق حرفي لفتاوى شيخ الإسلام.
لم يغرق محمد عبدالسلام فرج في طبيعة المجتمع، بل خصّص فصلا قصيرا للحديث عن “الدّار التي نعيش فيها”، واِستسلم لفتوى أبي حنيفة من أنّ دار الإسلام تتحوّل إلى دار كفر بشروط ثلاثة: تطبيق أحكام الكفر، وعدم توفّر الأمان للمسلمين، وأخيرا الدور المتاخمة لدور الكفر، وبهذا المقياس وبعد تنميط طبيعة الحكم تصبح مصر دار كفر أي دار حرب على اِعتبار أنّ حكّامها من الكفّار، لكنّه في آخر الفصل يستشهد بقول لابن تيميّة يجعل التوصيف مرتبكا، “فقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيميّة.. عندما سئل عن بلدة تسمى ماردين كانت تُحكم بحُكم الإسلام ثم تولّى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر، هل هي دار حرب أو سلم؟ فأجاب أن هذه مركب تحتمل المعنيين: فهي ليست بمنزلة دار السلم التي جرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفّار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقّ، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقّه”.
حاكم مرتدّ حُكمه أشدّ من الكافر الأصلي، يتبعه سكوت عن المجتمع الجاهلي، فيبدو أنّ محمد عبدالسلام فرج كان معنيّا بتوجيه سهام التكفير إلى الحاكم الطاغية، ولم يغرق في مهاجمة جاهليّة المجتمع ليكسب تعاطفا ويجد العمق الشعبي في كل تحرّك قد يستهدف رأس النظام وأعوانه، ويبدو أنّ عبدالسلام فرج تجاوز ما جاء في رسالة الإيمان لصالح سريّة التي فصّلت تفصيلا عجيبا في تكفير كافة شرائح المجتمع، ويجب الاِعتراف أنّ تنظيم الجهاد سنة 1980 كان ينظر بإعجاب شديد للثورة الاِسلامية في إيران حين تحرّكت مجموعة وحرّكت الجماهير للثورة على الشاه، ومن ثم فقد تحاشى محمد عبدالسلام فرج تكفير المجتمع ليكسب ثقته، بل إنّ كتاب الفريضة الغائبة ركّز على مسألتين: الأولى تكفير الحاكم وتغيير النظام بشكل عمودي، والثانية هي العمل الجهادي سبيلا لتغيير هذا النظام.
- الجهاد بديلا عن الدّعوة: أدرك محمد عبدالسلام فرج أنّ صعود تنظيم الجهاد لن ينجح في ظل سيطرة الأطروحات الاِسلامية على المشهد الإسلامي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والحــركات الصوفيّة والمؤسّسة الدينية الرسميّة، فكان عليه أن يهدم كل تلك الأفكار والأطــروحات ليغري قواعدها بالانضمام إلى تنظيم الجهاد، ولذلك خصّص قسما مهمّا من رسالته للردّ على من يرفضون فكرة الجهاد بقصد تغييب هذه الفريضة، ومنهم من يعتقد أنّ تشكيل الأحزاب والجمعيات الدّعوية سيكون طريقا لقيام حكم إسلامي، فيرفض محمد عبدالسلام فرج الحزبيّة بدعوى أنّها ستنخرط في اللعبة السياسيّة القائمة على التشريعات البشريّة، والأحزاب واقعة في الشرك ولو كان مرحليّا، ويلمّح محمد عبدالسلام فرج دون أن يصرّح بمقولات جماعة الإخوان المسلمين أنّ التغيير يكون بالدّعوة واِستقطاب أكثر ما يمكن من النّاس للجماعة، وهو ما جعل الإسلام السياسي يتخلى عن فكرة الجهاد المادي في قلب الأوضاع لصالح المشروع الإسلامي، ويرى فرج أنّ تلك الدعوات لأسلمة المجتمع والصعود من القاعدة العريضة إلى قمّة هرم السلطة عبر الكوادر العلميّة والإداريّة من جهة، وعن طريق الدّعوة من جهة أخرى، هو تمشٍّ خاطئ وغير عملي، لأن لا فرص في “توصيل أي شخصيّة مسلمة إلى منصب وزاري إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة.. والحق أنّ الذي سيُقيم الدّولة الاِسلامية هم القلّة المؤمنة”، وبذلك لم يخرج محمد عبدالسلام فرج عن مقولات سابقيه من سيد قطب إلى صالح سريّة من أنّ العصبة المؤمنة المجاهدة هي الموكول لها تغيير النظام، وهي فكرة الاِنقلابيّة التي صارت قاعدة عامة لدى الحركات الاِسلامية الجهاديّة المعاصرة، فالعصر هو عصر الاِنقلابات شرقا وغربا، وفكرة تكوين قاعدة اِسلامية عريضة تحتاج إلى مطلق الوقت، ولكنّ الجماعة تستعجل التغيير بمنطق “أنّ النّاس على دين ملوكهم”.
لم يترك محمد عبدالسلام فرج مقولة من مقولات جماعة الإخوان المسلمين إلا وناقضها عمدا بتأويل نصّي للقرآن وحجّة تاريخيّة من تجربة النّبي وأصحابه، وكان يطمح لجذب شقّ كامل من شباب الإخوان الذي لم يعد يطيق صبرا عن الجهاد وتحمّلا للضربات الأمنية المتتالية لنظام السادات، وكان الجو مشحونا بعد سياسة الاِنفتاح ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وهو ما جعله يرفض مقولة مصطفى شكري في الهجرة والعزلة ليستميل من أتباعه ما ينتفع به في تنظيم الجهاد، وبعد هذا النقد الصارم راح محمد عبدالسلام فرج يعطي مفهومه للجهاد وآليات ممارسته لدى تنظيمه الجديد، فرأى فرج أنّ مقوّمات الجهاد في مصر تقتضي الخروج عن الحاكم الكافر وخلعه أو قتاله، مستندا في ذلك إلى المدونة الفقهية الكلاسيكيّة حين تقرّر على الحاكم إذا طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة فخرج عن حكم الولاية، سقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل إن أمكنهم ذلك.
هنا ستظهر مقولة “العدو القريب والعدو البعيد”، ويقدّم محمد عبدالسلام فرج حجّتين: الأولى: أنّ الاِنتصار على اليهود في فلسطين لن يكون اِنتصارا للعصبة المؤمنة والدولة المسلمة، بل سيكون مكسبا لمن يصفهم بـ”الحكام الطواغيت”، والسبب الثاني: أنّ هؤلاء الحكام هم صنيعة الاِستعمار –بحسب رأيه، ولمقاومة الاِستعمار يجب قتال من أسماهم “العملاء من الحكام“، ولا شكّ أنّ ميدان الجهاد الأول هو اِقتلاع تلك “القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامي الكامل ومن هنا تبدأ الاِنطلاقة”، ويبدو أنّ محمّد عبدالسلام فرج قد تبنّى رأي مصطفى شكري حين صدح به في محاكمته معلنا عدم اِستعداده لخوض الجهاد ضدّ “إسرائيل”، وستصبح هذه المقولة قناعة تامّة لدى الحركات الجهاديّة المعاصرة، ممّا يجعلها عرضة للتخوين والإدانة.
يرفض محمّد عبدالسلام فرج مقولة: إنّ الجهاد في الإسلام هو جهاد للدفاع عن النفس والمال والعرض، بـــــل يعتقد جازما أنّ الجهاد في الإسلام هو جهاد هجومي لنشر الدّين وتحكيم شرع الله، وتحضر الحجّة النصيّة من القرآن والحديث النبوي مرفوقة بالحجّة التاريخيّة في مراسلات النّبي محمد للملوك والحكام حين يخيرهم بين الإسلام أو القتال، فالجهاد وظيفته تغيير الأنظمة السياسيّة وليس تغيير الطبيعة البشرية في المسائل الاِعتقادية والإيمانيّة، ولقد كان ينظر للجهاد من حيث وظيفته السياسيّة وغايته النفعيّة في تحقيق المشروع الحركي للإسلام الجهادي، وبهذا يكون فرج قد ضيّق من أفق الجهاد في شكله الاِنقلابي، والاِنقلابات كانت معهودة في تاريخ الفعل السياسي العربي والإسلامي، ولكنّه عند محمّد عبدالسلام فرج اِنقلاب مقدّس بمشروعيّة دينيّة، هو اِنقلاب باِسم الذّات الإلهية.
يذهب محمد عبدالسلام فرج إلى تبنّي قول مبتور لمفهوم الجهاد، فآية السيف تمّ نسخها بما هو أشدّ منها على الكفّار حين تطالب المجاهدين بقطع الرقاب والإثخان في القتل في قوله تعالى: “فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّـهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم“(محمد: 47/4)، وهو يعتقد أنّ هذه الآية أعطت السيف مطلق الحريّة في القتل والذّبح للمشركين بعد الاِستتابة، وعلينا التذكير هنا أنّ مفهوم “الشرك” مثلما ترسّخ عند الجماعات الجهاديّة غير اللّفظ الذي في القرآن، فلا أحد يستطيع أن يحصر مفهوم الشرك في معنى اِصطلاحي واحد، ولذلك كان لابن عبد الوهاب للمودودي وسيّد قطب مجال لتوسيع دائرة المفهوم وصار يستوعب الذي ينطق بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، فالمسلم مشرك ما لم يعتقد بالحاكميّة في المجال السياسي السلطوي، وهذه صارت قناعة مطلقة عند من سبق محمد عبدالسلام فرج.
يذكّر محمد عبدالسلام فرج المجاهدين بشروط الجهاد إذا كان فرض عين، فهو جهاد لا إذن فيه من الولد للوالدين، والجهاد ليس مراحل مثلما يعتقد الإسلام السياسي بل هو مراتب، فهو لا يقتنع بحجج جماعة الإخوان المسلمين في اِعتبار أنّ الجماعة المسلمة تعيش المرحلة المكيّة، حيث الدّعوة سلميّة في اِنتظار المرحلة المدينيّة ليكون الجهاد والقتال، فهو يعتقد أنّ الظروف التاريخيّة تبدّلت، وأنّ المجتمع المصري مجتمع مسلم لم يدخل في دائرة الشرك والكفر ما لم يبق نصيرا للحكام الكافرين، والجهاد في هذه المرحلة لا يحتاج إلى اِعداد طويل المدى، “لأنّ من يقرأ السيرة يجد أنه عندما ينادي منادي الجهاد كان الجميع يفرّ في سبيل الله حتّى مرتكبي الكبيرة وحديثي العهد بالإسلام.. وقصّة أبي محجن الثقفي الذي كان يدمن الخمر وبلاؤه في حرب فارس مشهورة”.
يختم محمد عبدالسلام فرج شروط الجهاد بمسألتين مركزيتين: الأولى تتعلّق بالقيادة، والثانية تتعلّق بالبيعة، فالقيادة لا تتطلب وجود أمير أو خليفة لإعلان الجهاد، وليس هناك قيادة ثابتة أو قيادة تاريخيّة، فمهما قلّت الجماعة عددا يمكن أن يكون منهم القائد، لأنّ “الرسول محمداً قال: (إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم)، ومن هنا ندرك أنّ قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها”، ولا يشترط محمد عبدالسلام فرج الكمال في القيادة، بل إنّ القيادة تكتسب بالتجربة والحنكة ومن خلال المعارك الجهاديّة، أمّا مسألة البيعة، فإنّ عبدالسلام فرج يشترط البيعة على القتال والموت بين المجاهد والأمير، وهذه البيعة تختلف عن بيعة الانضمام للجماعة الجهاديّة، فبيعة القتال والموت تجعل الفرد مستعدّا لتقديم التضحيات والشهادة في سبيل تحقيق حكم الدولة الاِسلامية، وما تأكيده بيعة القتال والموت إلاّ حرص على تنظيم الجهاد ساعة تأسيسه.
حـاول محمد عبدالسلام فــــرج أن يقدّم تـقنيات الجـهاد المعاصر في جملة من التوصيات التي اِنحصرت في تأصيل التكتيكات الحربيّة المعاصرة وتأصيلها شرعيّا:
- الحرب خدعة: وذلك بمخاتلة الكفّار في الترصّد والقتل واِستعمال الحيل الحربية الحديثة.
- جواز الكذب: لتمكين المجاهد المعاصر من سبل التعامل مع أعوان الطاغوت من المباحث.
- ممارسة اِلتقيّة: أن يظهر المجاهد أنه كافر لأجل نجاحه في المهمة الجهادية المطالب بتنفيذها.
- العمل الاِنغماسي: وهي العمليات الاِنتحارية التي ستصبح منهجا ثابتا ومتعاظما لدى الجهاديين.
- جواز الإغارة بدون إنذار: وفيه تبرير لعمليات تنظيم الجهاد على أجهزة الدولة ولحظة الاِنقلاب.
- جواز قتل ابناء الكفّار: بفتوى أنّهم يقتلون بجريرة آبائهم الكفار.
- عدم الاِستعانة بالمشركين في الأعمال الجهادية، أو اِستعمالهم على كره.
- جواز قطع الأشجار وتحريقها، وفي ذلك تبرير للعمليات التخريبيّة.
- تفضيل الشهادة على الأسر: وفي ذلك حفاظ على سرّ التنظيم والجماعة.
يبدو نصّ “الفريضة الغائبة” نصّا متكاملا من حيث التشخيص والتخطيط، فهو نصّ منهجي عملي يسطّر المسار العام لتنظيم الجهاد، بل إنّ كل الوثائق التي كُشفت لاحقا لم تخرج عن سياق النّص التأسيسي للجهاد المصري الذي وضعه محمد عبدالسلام فرج، وميزة هذا النّص أنّه لم يجادل المجتمع فقط، بل جادل جماعات الإسلام السياسي والإسلام الرسمي والإسلام الطرقي، ليقدّم نفسه بديلا حركيّا وعمليّا للمشروع الإسلامي الجهادي، ونعتقد أنّ هذا المشروع الجهادي هو فعل قتالي حربي اِنقلابي يبحث لنفسه عن مشروعيّة دينيّة في السياق العام لكل المشاريع الاِنقلابيّة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فلم يكن الإسلاميون وحدهم من تبنّى فكرة الاِنقلاب، بل إنّ اليساريين والقوميين كانت مساراتهم اِنقلابيّة في مشاريعهم السياسيّة تحت شعار الكفاح المسلّح، فالعُنف واحد وتبريراته مختلفة ضمن الأطر المرجعيّة لتبرير العمل الاِنتحاري –مثلا- حين يصير عملا فدائيا أو استشهاديّا في السياقين الدّيني والعلماني، ومن ثمّ فقد كان الجهاد تحيينا للعنف الدّيني الذي عرفته الإنسانية في كل الأديان التوحيديّة.
لمع اِسم محمد عبدالسلام فرج برسالته “الفريضة الغائبة”، وكان هذا النصّ مانعا جامعا للمشروع الجهادي في الجمع بين التصوّر العقائدي والتصوّر الحركي، وكان نصّ “الفريضة الغائبة” عنوان توحيد للخلايا الجهاديّة تحت تنظيم “الجهاد الإسلامي” الذي اِستطاع أن يجذّر نفسه في التربة المصريّة ويدخل في مواجهة مع النظام المصري لأكثر من عقدين من الزمن، وكان تنظيم الجهاد المصري الأكثر عمقا بتشكيل شبكة معقّدة من الخلايا بمطلق السريّة، ولم يكن لتنظيم الجهاد المصري قيادة مركزيّة، بل كانت السريّة تحوم حول قياداته المتعدّدة في الأقاليم المصريّة، ليبرز أسماء عبود الزمر وإسماعيل طنطاوي وأيمن الظواهري وعصام القمري وسيد إمام الشريف ونبيل البرعي وغيرهم.
تنويه: كل الشواهد في المقال من رسالة “الفريضة الغائبة”.