دبي
يأتي الكتاب في ضوء حدثين إرهابيين شكلا صدمة للرأي العام العالمي: الأول: الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها باريس (2015)، والثاني: هجمات بروكسل (2016) عاصمة الاتحاد الأوروبي، وما نتج عنهما من سقوط عدد لا يستهان به من الضحايا.
أوروبا ومسلموها: قضية أمنية أم مراجعة لقواعد التأسيس؟
يرى الأكاديمي التونسي محمد الحدّاد أنّ التطوّر الذي شهده البناء الأوروبي في المستوى الاقتصادي لم يتواز مع التطوّر في المستوى الأمني؛ إذ كان الأوّل أكثر سرعة ووضوحاً فيما خضع الثاني إلى الثقل البيروقراطي، وحرص كل بلد على السيطرة بنفسه على شأنه الأمني. طرحت أوروبا قضية الأمن الموحّد من جانبين أساسيين: الهجرة غير الشرعية والجرائم الكبرى، ولم تتفطّن إلاّ أخيراً إلى قضايا أخرى لا تقلّ أهمية، مثل انتشار المخدّرات الخفيفة، وانتشار التنظيمات الدينية المتطرفة التي لا يمكن معالجتها بالآليات والطرق نفسها التي تعالج بها الجرائم العادية. كما لم تطرح أوروبا بجدية قضية الحضور الإسلامي وما يتطلبه من إيجاد مساجد ومدارس دينية للمسلمين ومراقبة تجارة الحلال، فأسهم غياب الرؤية الواضحة في توفير الأرضية الخصبة لتلك التنظيمات، كي تفرض سيطرتها على جزء مهم من هذا المجال.
تزامن ذلك مع تراجع قدرة ما تدعى ببلدان المنشأ في الاضطلاع بأدوارهم السابقة في تأطير المهاجرين، ومع ذلك فإن مبدأ المساواة المعمول به داخل الفضاء الأوروبي لا يسمح بتخصيص أفراد مجموعة معينة بإجراءات خاصة لا بالسلب ولا بالإيجاب. ومن الأمثلة التي عرضها الباحث:
دور العبادة: كيف يمكن توفير دور عبادة للأعداد المتزايدة من المسلمين بفعل الهجرة ثم الاستقرار والاندماج؟ وكيف سيموّل إنشاء المساجد التي تعتبر حقّا لا جدال فيه للمسلمين بمقتضى المبدأ الأوروبي الحديث للحرية الدينية؟
التعليم الديني: إنّ المسلمين في أوروبا لهم أصول مختلفة ومرجعيات مختلفة، لذلك يعجزون في عديد من الأحيان عن تقديم مضمون تعليمي موحّد بينهم، فلا يستفيدون من الفرص التي تمنحها بعض الدول، مثل ألمانيا وإيطاليا، لإدماج التعليم الديني الخاص ضمن البرامج التعليمية الحكومية.
الجمعيات الدينية: يمكن لجمعيات أن تنشط عشرات السنين في التهيئة للعنف والقتل بكل حرية وفي العلن، ودون أن تخشى أية محاسبة من أي طرف وهي تحشد العقول والأتباع دون رادع.
يناقش بعدها الحداد القوانين والمعاهدات التي أثرت في وجود التحديات الأمنية المتعلقة بالمهاجرين وانتمائهم الديني. ويخلص إلى أن النظام الأمني الأوروبي ليس مجرد سلسلة من الإجراءات التقنية، وإنما هو فلسفة مرتبطة بمبدأ حرية التنقّل، وبالليبرالية التي تأسست عليها الوحدة الأوروبية، لذلك يمثل ارتجاج هذا النظام تحدياً للفلسفة الأوروبية برمتها.
الإمامة في أوروبا الغربية: خدمة دينية في سياق علماني- ليبرالي
تحاجج دراسة محمد حصحاص (الباحث في قسم العلوم السياسية- جامعة لويس الدولية-روما) بأن الإمامة في أوروبا الغربية تشهد حراكاً على مستوى خطابها الديني، وعلى مستوى علاقاتها مع مؤسسات الدولة والمجتمع. أي إنه على الرغم من ضعف التعليم على العموم في الدراسات الإسلامية الكلاسيكية والعلوم الاجتماعية الحديثة، فإن نسبة لا يستهان بها من الأئمّة الذين تمّت دراستهم يبذلون -على ما يبدو- جهداً لإبراز الرسائل الأخلاقية للإسلام، وهو دور يجعل منهم الحماة المحليّين للدين والهوية في أوساط المؤمنين. لكن يبدو أن هذا الاهتمام الذي برز أخيراً حول الإمامة عبر دعوات لصنع الأئمّة في المؤسسات الوطنية، من أجل القيم الوطنية، وبأموال وطنية لا يجعل منها سلطة دينية إسلامية مستقلّة يمكن أن تقود المجتمع بمفردها، وتتحدّث باسمه مؤسسياً (أي سياسياً) ودينياً (أي علمياً).
وتستند الدراسة أولاً إلى إشارة موجزة وعامّة إلى الموقع التاريخي للأئمة والوظائف التي تضطلع بها الإمامة في الأدبيات الإسلامية وكتب الفقه، ودورهم باعتبارهم حماة محليّين للدين والهوية في جغرافيا سياسية معيّنة. ويشار بعد ذلك إلى انتقال الأئمة إلى أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية بحمولتهم الثقافية والسياسية أحياناً، قبل الإحالة إلى دراستين حديثتين –تنتميان لفرع الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية- عن الأئمّة في فرنسا كأنموذج لمحاولة فهم التطورات التي تشهدها. وتنتهي هذه الدراسة بطرح أسئلة نقدية تتحدّى الكثير مما ينتظر من الأئمة في عصر يتيح للأجيال الجديدة من المسلمين الأوروبيين الحصول على المعلومات، والتعلّم الذاتي للدين على شبكة الإنترنت أو قنوات التلفزة العالمية.
تخلص الدراسة إلى:
أولاً: الإمامة ليست سلطة دينية مستقلّة ومنظمة يمكن أن تغيّر خطاب الإسلام في أوروبا، و/أو الإسلام الأوروبي، بهذا الاتجاه أو ذاك فقط، ما لم تُقدّم لها السلطة الدينية التي يمثلها العلماء والسلطة السياسية الرعاية الكافية. ولا يقلّل ذلك -بأي حال من الأحوال- من دورها الجوهري في نقل تعاليم الدين إلى مجتمع المؤمنين.
ثانياً: إن رسالة الأخلاق التي أبرزتها هذه الدراسة، باعتبارها الفكرة الرئيسة التي يُعنى الإمام بتقديمها، في حاجة إلى مزيد من الدراسة. ويبدو أن الأخلاق أصبحت خطاباً سائداً بين علماء الدين والفلاسفة والعلماء والقيمين الدينيين المعاصرين، سواء أكانوا قد درسوا في جامعات إسلامية تقليدية أم حديثة.
ثالثاً: إن دور الأئمة ورسالتهم الأخلاقية لا يتناقضان مع المسائل المتعلّقة باندماج الشبّان المسلمين وإنشاء معانٍ هوياتية جديدة تشعرهم بانتمائهم الديني والأوروبي في الوقت نفسه. وبهذا المعنى يصبح الدين وسيلة لانصهار مختلف الهويات من أجل تحسين الشعور بالمواطنة.
الإسلام في أوروبا: سياسات متباينة
تسلط دراسة محمد شريف فرجاني (أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليون الثانية –فرنسا) الضوء على خطوط تلاقي الاختلافات بين الأنظمة الدينية والروحية، وداخل كل بلد معني حول وضعية المسلمين وأحوال عبادتهم، لإقامة تحليل تاريخي ومقارن لتقاليد البلدان الأوروبية المعنية أكثر من سواها بوجود الإسلام، مع الأخذ بالاعتبار وقع السياق العالمي والتطورات المتتابعة لنمو النزعة الراديكالية الإسلامية منذ نهاية السبعينيات.
يشير فرجاني إلى أن أوروبا الغربية تطورت منذ بداية المسيحية ونهاية الإمبراطورية الرومانية في الغرب، باتجاه النزعة للدمج بين الجماعة السياسية والجماعة الروحية. أما البلدان الأوروبية في الجانب الشرقي، فقد أبدت في ظل الحكم البيزنطي، كما العثماني وأباطرة روسيا، ما أطلق عليه اسم “قانون الإقليم الوسيط”، وما “كان على الدوام اعترافاً بمختلف العقائد، لكن بشرط أن يدفع السكان من الديانات الأخرى غير ديانة الدولة ضريبة خاصة، مع وجود فصل بين الانتماء الديني والولاء السياسي. في الحالة الأولى أجبرت محاكم التفتيش المسلمين واليهود على الاختيار بين التحول إلى المسيحية، أو الرحيل أو الموت. وفي الحالة الثانية تبدل وضع المسلمين. من ملة مسيطرة، تحولوا إلى جماعات أقلوية، أو وقعوا تحت السيطرة بموجب الحقوق والإلزامات التي فرضها الأمراء البيزنطيون، والروس والعثمانيون على هذه الجماعات. صحيح أنهم تعرضوا للتمييز، لكن تم تقبلهم وحمايتهم طالما كان ولاؤهم للأسياد الجدد فوق كل شبهة. وهذا ما يفسر الفرق الحالي بين إسلام أوروبا الغربية وإسلام البلقان وأوروبا الشرقية.
يرى الباحث أن سياسات فرنسا وبريطانيا وهولندا تجاه الإسلام شكلت استمراراً لسياستهم الاستعمارية. فسياسة فرنسا – على سبيل المثال لا الحصر – حبذت الإدارة المباشرة للبلدان وللشعوب المستعمرة. وكانت تقوم على فكرة إثنية مركزية مسبقة، تعتبر الثقافة الفرنسية بمثابة المرجعية المطلقة للنزعة الكونية.
ويقدم الباحث من خلال دراسته للتعامل الفرنسي مع الإسلام في مختلف مراحل الجمهورية استنتاج أنه لا علاقة للتصور الفرنسي للدولة – الأمة وللتطورات التي عرفها هذا التصور مع مختلف أشكال الفدرالية والجماعوية، التي يتميز بها عديد من البلدان الأوروبية.
ويستعرض الباحث أمثلة أخرى في اليونان وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، ويبين الاختلافات في التعامل مع الإسلام فيها للوصول إلى نتيجة أنه: بغض النظر عن الاختلافات التي يقدمها المشهد الأوروبي حول وضعية المسلمين، فإن هذه الوضعية ما زالت في أوروبا تخضع لتصور الإسلام بمثابة ديانة غريبة، غريبة ومخيفة.
الإسلام في أوروبا: الدولة –المساجد – الحلال
يناقش محمد بشاري (عميد معهد ابن سينا في فرنسا) امأسسة الإسلام في البلدان الأوروبية، ويعمد لتصنيف البلدان الأوروبية، وذلك من أجل تسهيل فهم الوضعية القانونية المخصصة للإسلام إلى بلدان تعترف بـ”دين للدولة” كالمملكة المتحدة والدنمارك، وأخرى “حيادية” مثل بلجيكا وألمانيا، وهو النموذج الأكثر انتشارا في أوروبا، ثم يناقش العلمنة الفرنسية وظاهرة الإسلام في فرنسا. ويولي الباحث هذا الأنموذج اهتماما خاصا لأنه –باعتقاده- يستحق دراسة متعمقة.
ويعود الباحث بإشكالية التعامل الفرنسي مع الإسلام حين تم الأخذ بقانون الانفصال في مديريات الراين الأعلى والأسفل وفي الموسيل، والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية الألمانية، فما زال القانون المبرم بمعاهدة الصلح هو المطبق، وما زال الاعتراف قائماً بالطوائف الأربع: الكاثوليك، اللوثريين، الإصلاحيين، والطائفة الإسرائيلية. والدولة تدفع أجور المشرفين على الشعائر الدينية، والدروس الدينية ما زالت تُعطى في المدارس العمومية. ولأن الإسلام دخل متأخرا وبعد هذه الطوائف، تعرض لـ”إجحاف” لم يمكنه من نيل حقوق “مأسسة” متساوية لسببين: عدم تنظيم الجماعة المسلمة، ومقاومة المجتمع الفرنسي.
المسائل المثارة تبعاً لهذه المأسسة هي:
- المساجد الأوروبية
- مأسسة التعليم الخاص الإسلامي
- إعداد الكوادر الدينية
- تمويل الإسلام في أوروبا
- الحلال في التشريعات الأوروبية
تدريس الدين الإسلامي في أوروبا: المقارنة كأسلوب للتدريس بمهنية واحتراف
يرى معز الخلفاوي (الأكاديمي والباحث التونسي) وفهيمة ألفت (باحثة في قسم الدراسات الإسلامية الدينية في جامعة إرلنغن نورنبيرغ) في دراستهما المشتركة أن المقارنة تمثل ضرورة قصوى في واقع الحال، لتطور التعليم الإسلامي على المستوى الأوروبي وعلى نطاق العالم.
في الخطوة الأولى من هذا العرض، يتطرقان إلى تجربة تدريس مواد الإسلام في كل من ألمانيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا. يتفق خبراء التربية والسياسيون، وحتى الرموز الدينية للمسلمين، على أن الخطوة الأخيرة لإنجاح عملية التدريس، أي الخطوة النهائية لإتقان تلك العملية، هي اللحظة ذاتها التي يعد فيها تدريس الإسلام جزءاً مكملاً للتدريس العادي في المدارس العامة؛ وهي اللحظة ذاتها التي يدور فيها محور برامج التدريس حول التلاميذ، بالتركيز عليهم وعلى حياتهم اليومية، وكذا المشكلات التي تواجه مجتمعاتهم، مثل مشكلة الدمج أو عالم الجريمة. وتتوسع الورقة في إلقاء نظرة على ما تحقق في هذا المجال حتى الوقت الحاضر، وإلى أي مدى تبتعد تلك التجارب أو تقترب من الهدف المذكور. وتستعرض الورقة التقرير الصادر حول مؤتمر “نحو تدريس الدين الإسلامي” المؤتمر الثالث “بيئات الحياة الشخصية للتلاميذ والهوية الدينية والمجتمع” (Auf dem Weg zum IRU III) الذي انعقد في شتوتغارت (جنوبي ألمانيا) خلال الفترة من السادس عشر حتى الثامن عشر من شهر مارس (آذار) 2009.
وجد الباحثان من خلال المقارنة بين الوضع في ألمانيا والنمسا، أن المسلمين في البلدين -على حد سواء- يسعون إلى المضي قدماً في تجويد عملية تدريس الدين الإسلامي والعمل على إتقانها، بيد أنهم في غمرة مساعيهم في هذا الخصوص اكتشفوا أن أهم عنصر لا يزال غائباً ومفقوداً؛ ذلك أن ما تم الظفر به في العقود القليلة الماضية، كان يتعلق -في الغالب- بتجليات المسائل الشكلية والمشكلات البارزة في مجال التدريس، ولكنه لم يتطرق إلى محتوى التدريس. فقد كان المسلمون في ألمانيا مشغولين بإقرار التدريس، في حين أنهم في النمسا سرعان ما حققوا هذا الهدف، ولكنهم اكتشفوا بعد ذلك أن المحتوى يحتاج للمراجعة والتنقيح.
تعد العلاقة بين المدرسة والدين في فرنسا مسألة بالغة الحساسية؛ فقد حدث إضفاء الطابع العلماني على نظام التعليم الفرنسي، وما يستتبع ذلك من فصل بين الكنيسة والمدرسة خلال الفترة بين (1882 و1886). وجاء ذلك سابقاً للفصل الذي حدث –أخيراً- بين الكنيسة والدولة عام 1905. منذ ذلك الحين تعد العوائل والمؤسسات الدينية مسؤولة عن التعليم الديني للأطفال. تتيح المدارس الابتدائية الفرصة أمام الآباء، بمعدل مرة في الأسبوع، لتنظيم دورة عن الدين خارج أسوار المدرسة.
الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع الآخر الأجنبي
يبحث حمزة صفوان (الباحث المغربي المتخصص في شؤون الهجرة) مسألة الضيافة باعتبارها الأساس الأخلاقي لمنح اللجوء، غير أن هذه القضية غائبة غياباً ملحوظاً عن استجابات الدول للهجرة. ويشكّل التوافد الحالي الهائل للمهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، واستجابة الدول لها خلفية لهذا التأمّل.
تحاجج هذه الورقة بأن الأسس الأخلاقية التي تُلزم الدول بمنح اللجوء يجب أن تأخذ في الحسبان النقاشات العامّة بشأن الهجرة، عندما توضع سياسات الهجرة. ولهذه الغاية، ربما تؤدي إعادة اكتشاف الضيافة إلى المساعدة في مسألة الهجرة.
هناك توتّر ضروري بين وصول الأشخاص الساعين للجوء، أو المهاجرين على العموم، والالتزام الأخلاقي بالضيافة. وجاءت أول محاولة لحل هذه المسألة من الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط بالاضافة إلى فلاسفة آخرين من بينهم: الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا
ويلاحظ الباحث أن خطابات الاستيعاب المتداولة في ألمانيا وفرنسا تضع المقيمين المهاجرين مثل الشمال أفريقيين والأتراك، على تعارض مع الهوية المسيطرة للمضيف المحلّي. لكن عند القيام بذلك، تنتج هذه الخطابات المجتمع المضيف وجماعة المهاجرين، باعتبارهما ثقافتين متجانستين ولكنهما متميّزتان.
يدعو الباحث إلى التفكير في ظروف طالبي اللجوء، وحتى المهاجرون لأسباب اقتصادية- ومعاناتهم المحتملة وحرمانهم من الحقوق. وهذا التأمّل المقترح في الضيافة هو دعوة لمراجعة الممارسات المعاصرة للحدّ من الهجرة التي تخلّصت من الأساس الأخلاقي للترحيب بالآخر الأجنبي.
انعزاليون وسياسيون وثوريون: أصول السلفية وتطوّرها في أوروبا
يحدد الباحث الفرنسي سمير أمغار ثلاثة اتجاهات بارزة للسلفية في أوروبا ويمكن تقسيم هذه الاتجاهات الثلاثة إلى فئات فرعية مختلفة:
السلفية الانعزالية: الرفض التام للسياسة جزء لا يتجزّأ من منظور السلفية الانعزالية والانفصالية، مقابل المعايير الغربية التي تعاملها باعتبارها خارجية ومتناقضة مع النسخة السلفية للإسلام. كما يُعتقد أن السياسة تضفي الشرعية على الأصوات غير الشرعية.
السلفية السياسية: يدعو هذا الاتجاه إلى نهج سلفي في السياسة يقوم على إنشاء الأحزاب السياسية ونقابات العمّال والجمعيّات، للوصول إلى السلطة سلمياً أو الضغط على من يتولّون السلطة بوسائل سلميّة. ويُنظر إلى السياسة بمثابة وسيلة حديثة لنشر الرسالة القرآنية بفاعلية.
السلفية الثورية: ولهذا النوع من السلفية أربعة اتجاهات:
الاتجاه الأول: ممثّل بجماعات تسعى للتغلّب على سلطة الدولة لإنشاء دولة إسلامية في بلد المنشأ.
الاتجاه الثاني: يتعلّق بتعبئة مواطنين أوروبيين وأميركيين عبر خطاب “متأسلم” مناهض للإمبريالية، يعزّزه تسييس القضيتين الفلسطينية والعراقية على المستوى الدولي، بالإضافة إلى التمييز في الغرب.
الاتجاه الثالث: ويهدف الجهاد الذي تمارسه هذه الجماعة إلى الدفاع عن السكان المسلمين الذين تتعرّض سلامتهم الإقليمية والسياسية والمادية لتهديد القوى الأجنبية وتقديم الدعم لهم. ويعتبر استخدام العنف مشروعاً إذا كُرّس للدفاع عن المسلمين الذين تهدّدهم الجيوش غير الإسلامية.
الاتجاه الرابع للجهادية لا يدعو إلى العمل المسلّح في أوروبا أو أي مكان من العالم، ولكن بدلاً من ذلك إلى دعاية تثير المشاعر تقوم على تنظيم أفعال متطرّفة تتجاوز الحدود المسموح بها قانونياً.
النماذج القديمة والجديدة: الإخوان المسلمون في أوروبا
تشير الباحثة الإيطالية فالنتينا كولومبو إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا تملك القدرة على التكيّف والمرونة. وتتساءل: ـ”لماذا يشكّل تحديد شبكات الإخوان المسلمين في الغرب تحدياً صعباً جداً ومثيراً للخلاف؟” لأن معظم الأفراد والجهات المرتبطة بالإخوان، إدراكاً منهم للآثار السلبية المحتملة للإعلان عن مثل هذا الانتماء، ينفون رسمياً -في الغالب- أي ارتباطات بالحركة، على الرغم من الإشارة إلى أنموذج البنّا وأيديولوجيته. أخيراً، تؤدّي كل عناصر الأنموذج المذكورة أعلاه، على المدى الطويل، إلى قابلية تطبيق الاستراتيجية الكلية للإخوان المسلمين.
كشف التقرير الوطني لألمانيا لسنة 2015 أن الإخوان المسلمين في ألمانيا حقّقوا أحد أهدافهم الرئيسة، ونجحوا باعتبارهم معتدلين وجديرين بالثقة لدى السلطات. وبفضل الاهتمام المتزايد الموجّه إلى (داعش) والاندماج السياسي الناجح لبعض المنظمات، لم يعد الإخوان المسلمون يعتبرون تهديداً مباشراً للبلد، وتعدّ منظماتهم الآن معتدلة في الغالب. ويتيح ذلك للفاعلين من الإخوان المسلمين في ألمانيا تعزيز أنشطتهم الراهنة، وإنشاء شبكة أوسع داخل البلد.
تستنتج الباحثة أن للوجود الإخواني في أوروبا مواطن قوة وضعف، لكن مواطن القوة أكبر بكثير من الضعف، كما أنه يحذر من أن البراغماتية وتكييف أنموذج حسن البنّا مع سياق الأقلية من أركان وجود الإخوان المسلمين ونموّهم، لا سيما بين الشبّان، في أوروبا بحيث إنه لو كان هناك قليل من الأعضاء الرسميين –نحو ألف في فرنسا و(300) في ألمانيا– أي الأشخاص الذين بايعوا المنظمة أو قائد الإخوان المسلمين المحلي، فإن هناك قاعدة قوية من المتعاطفين والناشطين الذين يعزّزون وينفّذون أيديولوجية ومشروع الإخوان المسلمين، دون وعي في بعض الأحيان.
الشخصيات الإسلامية المؤثرة في أوروبا: طارق رمضان أنموذجاً
يسعى الباحث المغربي محمد اللوزي إلى التعريف بطارق رمضان، بصفته صناعة إخوانية قلباً وقالباً، ملاحظاً أن حركية رمضان وتأثيره في الفضاء الفرانكفوني والأوروبي عموماً يؤطرهما فكر الإخوان المسلمين، وفهمهم للدين، واستراتيجيتهم السياسية التمكينية لإعادة تأسيس خلافة إسلامية متخيلة في إطار “عالمية إسلامية” أموية قديمة، لا تعترف بالأوطان أو بالحدود، ولا تؤمن بالتعددية إلا بالقول الظاهر، وما تخفي الصدور أعظم. ولا يمكن فهم تلك الحركية في الإطار الإخواني، إلا إذا تم تحديث آليات التحليل وتجديدها بالتناسب المطرد مع تحديث الإخوان لاستراتيجية الدعوة والحركة والتأثير، شرقا وغربا. ولعل عصب حياة هذه الاستراتيجية ووقودها، هو عنصر المال العابر للقارات، الشيء الذي لم تتناوله هذه الدراسة إلا بشكل عابر.
هل يوجد إسلام أوروبي؟ فرنسا أنموذجاً
يحاول الباحث الجزائري محمد زناز الإجابة عن عدد من الأسئلة الصعبة: إلى أي مدى تجذّر الدين الإسلامي في أوروبا؟ وإلى أي مدى أصبح جزءاً من الثقافة الأوروبية؟ وهل تصالح المسلمون مع قيم الحضارة الأوروبية؟ وهل اندمجوا في المجتمعات الأوروبية وكيّفوا معتقداتهم مع قيم الغرب الأوروبي، ومن هنا بات الحديث عن التناقض بين الإسلام والعلمانية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وغيرها من القيم، مجرد ثرثرة لا طائل منها وأن الإسلام الأوروبي أصبح تحصيل حاصل؟
ركز الباحث على الحالة الفرنسية لاعتبارات كثيرة أهمها: كون فرنسا الدولة العلمانية الوحيدة في أوروبا علاوة على أنها أهم بلد يتمركز فيه المسلمون، إذ يشكلون حوالي (10%) من مجموع السكان.
من خصوصيات الحداثة الأوروبية أنها وضعت الفرد في المركز، وبما أنه كذلك، فالفرد ليس شيئاً، وإنما هو شخص قادر على المعرفة، على امتلاك نفسه ووهب ذاته بكل حرية، والدخول في علاقات مع أشخاص آخرين. وهو ما أصبح يعرف باستقلالية الفرد (ذكرا أو أنثى) مع الحداثة الأوروبية، إذ بات يتمتع بحقوق سياسية وقانونية يصعب إيجاد نظير لها في الثقافات الأخرى، إن لم تكن تتناقض معها تماما، كما هو حاصل في الثقافة الإسلامية. فإلى اليوم لا يمكن الحديث عن فرد ولا مواطن بالمعنى الحقيقي العصري في كل البلدان العربية والإسلامية، إذ لا تزال “الأنا” غارقة في “النحن”.
وبعد أن ترصد الدراسة كيفية تعامل الاسلام في أوروبا مع المواثيق وحقوق الإنسان الكونية، يتطرق الباحث إلى آلية تعاطي المسلمين مع مفاهيم المساواة بين الجنسين. ويقول: “تستورد الجاليات الإسلامية إلى قلب أوروبا بعض السلوكات والتقاليد التي لا تتلاءم مع ثقافة المجتمع الغربي المضيف؛ وأهم مثال على ذلك تزويج القاصرات رغم أنوفهن في فرنسا وألمانيا وغيرهما”.
الإسلاموفوبيا في فرنسا
ترى الباحثة التونسية روضة القدري أن صعود الإسلاموفوبيا في فرنسا تفاقم في العقود الأخيرة، وهذه الظاهرة تفسر بعوامل عدة -عززت أشكالاً أخرى من كراهية الأجانب في أنحاء العالم- من بينها:
- الأزمة المالية والاقتصادية المستمرة منذ بداية السبعينيات، مع ما تحمل من معدل بطالة، وإقصاء، وتدني شروط الحياة عند شرائح واسعة من المجتمع، وحرمان وفقد أمل، ومخاوف وغيظ في صفوف ضحايا هذه الأزمة.
- الانطواءات الهوياتية على التضامنات الحصرية القائمة على رابطة الدم والانتماءات القومية، والإثنية والطائفية.
ومن خلال البحث تناولت القدري تاريخ العلاقة بين الفرنسيين والإسلام في فرنسا على مراحل ثلاث:
- بين أواسط السبعينيات ونهاية الثمانينيات.
- المرحلة الثانية وتمتد من الثمانينيات إلى 2001.
- تبدأ المرحلة الثالثة بعد الاعتداءات التي أعلنت عنها القاعدة في الولايات المتحدة، والتي تتابعت بعد ذلك جراء التدخل الثاني في العراق.
شهدت فرنسا نمو عديد من أشكال الصراع ضد الإسلاموفوبيا، وقد تولى ذلك جمعيات الشباب المسلمين (والمسلمات) مثل: اتحاد الشباب المسلم، التجمع ضد العنصرية والإسلاموفوبيا، السكان الأصليين للجمهورية (les Indigènes de La République)، والمثقفين والمثقفات بالثقافة الإسلامية. هذا إلى جانب التنظيمات التي تتحرك ضد كل أشكال كراهية الأجانب باسم الأفكار الإنسانية والكونية وحقوق الإنسان.
تختم الباحثة باستنتاج أن “الأصولية التجارية أو الاقتصادية” وهي أصل هذا التطور أدت إلى نتيجة، أو إلى مكمل لها وهو “الأصولية الدينية”. وترابُط هذين النمطين من الأصولية قد شجع على الانطواءات على الهوية، وكان هذا الأساس لكل أشكال كراهية الأجانب التي تتربص بكل مجتمعات الكرة الأرضية.
مكافحة الإرهاب في فرنسا.. هواجس الأمن وتداعيات الإسلاموفوبيا
يحاول الباحث الجزائري بوحنية قوي الإجابة عن سؤال رئيس: كيف يمكن قراءة مشروع قانون مكافحة الجريمة وسط تنامي مشاعر الكراهية تجاه الجالية المسلمة في فرنسا؟
في ضوء التفجيرات الإرهابية التي شهدتها فرنسا العام 2015 فجّرت وسائل الإعلام الأوروبية النقاش حول مسألة هوية المهاجرين وأصولهم ودرجة اندماجهم في أوروبا؛ وتنادت الأصوات اليمينية من جديد لضرورة استحداث قانون جديد يرتبط بالجنسية وتعقب الإرهاب والإرهابيين، وما تولد لاحقاً في مشروع قانون للاستخبارات الجديد في فرنسا.
ويعتقد الرافضون لمشروع القانون أنه ربما يطلق يد الاستخبارات والأمن للتضييق على الحريات العامة بدعوى مكافحة الإرهاب، لكن الحكومة الاشتراكية رفضت تلك الاتهامات، وأكدّت أن مشروع القانون فرضته التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا، وأن هناك ضمانات دستورية وقانونية تكفل الحريّات.
وتحاول الجهات الرسمية الفرنسية منذ أن طرح مشروع القانون تطمين الرافضين له، وتسعى لتبديد المخاوف القائمة من أن يكون هذا القانون مدخلاً للتضييق على الحرّيات العامة والفردية، تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
صدمت العملية الإرهابية التي نفذها إرهابيون ينتمون إلى التنظيم الدموي “داعش” في قلب العاصمة باريس، فرنسا الرسمية وغير الرسمية، فخرج إلى النور القانون الفرنسي المسمى: “دعم الحرب ضد الجريمة المنظمة والإرهاب ومصادر تمويلهما.. فعالية وضمانات الإجراءات الجزائية”.
وفي قراءة نقدية واستقصائية لمشروع القانون، ترى الدراسة مجموعة من العناصر، من أهمها:
1- دعم آليات ووسائل المراقبة.
2- تسهيل عمليات البحث.
3- الحد من تهريب الأسلحة.
4- مكافحة غسل الأموال.
في قراءة أخرى لهذا القانون، سوف يعتبر بالنسبة للحكومة الفرنسية واحدا من أهم آليات دعم سلطاتها، معززة به أدوار الشرطة والأجهزة الأمنية، وكذلك سلطات حكام المناطق والمقاطعات (Préfets de départements et des régions) في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. يأتي هذا القانون في ظل قناعة بدأت تتبدى للحكومة الفرنسية برئاسة “مانويل فالس” (Manuel Valls) بخصوص افتقار جهاز الشرطة الفرنسية للأدوات والوسائل والآليات الفعالة والكافية في مواجهة التهديدات الإرهابية الجديدة والمتجددة، كما أن الحاجة أملت وجوده والرغبة في تطبيقه بعد حالة الطوارئ.
الهجرة في فرنسا: ما بعد التفجيرات والحروب في الشرق الأوسط
يطرح حواس سنيجر (أستاذ محاضر في العلوم السياسية- جامعة ليون) الإشكالية التالية: كيف تتموضع تقريبياً، وعلى نحو أكثر تحديداً، التشكيلات الفئوية الفرنسية الحاضرة في قلب الندوة البرلمانية الفرنسية والأوروبية، في موضوع المهاجرين؟
من وجهة نظر اليمين فإن الهجرة تندرج وقبل كل شيء “في السجل الأمني”. والجبهة الوطنية تتفوق في هذا المجال، وقد جعلت منه واحداً من علامات صنعها الأيديولوجية. في المقابل، يملك الجمهوريون واتحاد الديمقراطيين والمستقلين، الخط الرسمي، أقله، رؤية مثيرة أقل للقلق بإزاء المهاجرين، من دون أن يتخلى تماماً عن ردود الفعل الأمنية، لأن الأوّلين يقترحون إعادة النظر في اتفاقية “شينغان” وحرية انتقال الأشخاص داخل البلدان الأوروبية التي أقرتها.
نجد وسط الجمهوريين، فاعلين يقعون أكثر على اليمين، وبالتالي، يمكن القول: إنهم أيديولوجياً قريبون من الجبهة الوطنية. أخيراً، وفي قلب المجموعة الأخيرة من الأحزاب التي تحاول اعتماد مقاربة أكثر تمايزاً أو أقل أمنية من اليمين حول مسألة الهجرة، مع بعض التباينات بحسب الأفراد، نجد الحزب الشيوعي الفرنسي وجبهة اليسار، أوروبا- البيئة/ الخضر، والحزب الاشتراكي. يُصرِح الأول، ومن دون أي تحفظ، لصالح استقبال اللاجئين في فرنسا وفي أوروبا، كون الأمر يتعلق بأشخاص “يفرون، معرضين حياتهم للخطر، من الحرب والبؤس، ويتوجب علينا استضافتهم”، مع التشديد على واجب احترام، من طرف أعضاء الاتحاد الأوروبي، لـ”اتفاقية جنيف حول حق اللجوء” و”أيضاً المادة (13) حول التنقل الحر من الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان”. في المقام الأخير، وبخصوص الحزب الاشتراكي، فإن موقفه أكثر تعقيداً، كونه يشترك في إدارة البلاد ويلتزم بتعهدات ومواقف الحكومة الاشتراكية التي يرأسها مانويل فالس (M.Valls). وعلى الرغم من كل شيء، فإن هذا الحزب يرغب -في صلته بالهجرة- في الحفاظ على –وإحياء- تقليد الانفتاح واستقبال الأشخاص في حال الخطر. وفي وثائق الحزب جرى التأكيد، على سبيل المثال، أنه “بإزاء الحالات الإنسانية الطارئة، منع قيام القلعة الحصينة” (بمعنى الإغلاق).
يخلص الباحث إلى أن أغلب الأحزاب السياسية الفرنسية الممثلة في البرلمان، تتمسك بمواقف كلاسيكية أو عادية في شأن مسألة الهجرة، وذلك تبعاً لخلفياتها الأيديولوجية البحتة. والحال، فإن القرارات الحكومية في شأن الإرهاب، والدبلوماسية الخارجية تميل إلى خلق انقسام داخل الحزب الاشتراكي، مُساهِمة بوعي أم لا، بالحد الأدنى، في بث صورة أو تصوّر سلبي عن المهاجرين، وخصوصاً القادمين من الشرق الأوسط.
مسلمون في الحياة اليومية: تحقيق أوروبي حول المجادلة المحيطة بالإسلام
أجرت الباحثة اللبنانية ريتا فرج (عضو هيئة التحرير في مركز المسبار) قراءة في كتاب صدر بالفرنسية لعالمة الاجتماع الفرنسية – التركية نيلوفير غول. وقد تناول الكتاب في تحقيق امتد بين عامي 2009 و2013 طال (21) مدينة أوروبية، السجالات الدائرة حول المسلمين في أوروبا. وقادت غول فريق عمل واسعاً ضم باحثين وطلاباً في مرحلة الدكتوراه من دول أوروبية عدة؛ لإجراء مقابلات ولقاءات جماعية مفتوحة مع المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الأوروبية بالإضافة إلى الأوروبيين. تحدد الكاتبة –كما تشير فرج- خريطة طريق أساسية. فتحاشت الدخول في فضاء البروباغندا الأكثر رواجاً، القائلة بالتعارض بين الإسلام والقيم الأوروبية، فتطرقت إلى مجال المسلمين العاديين. وناقشت ست قضايا رئيسة تُعد من بين الموضوعات الأكثر عرضة للجدال في أوروبا: صلاة المسلمين، الجوامع والمآذن، الفن، المقدس والعنف في الإسلام، الحجاب، الشريعة الإسلامية، وأنماط الحلال.
طغى على الكتاب هم معرفي يمكن إدراجه في الثنائية التالية: عالم أوروبي قطع مع الديني مقابل مرئية الإسلام برموزه الدينية والشعائرية. لا تهدف غول إلى تبني اتجاه تعارضي “إما أننا مع القيم الأوروبية، أو أننا مع الإسلام”.
نظر بعض الأوروبيين إلى القوى التقليدية حاملة لواء الشريعة وتحجيب النساء داخل أوروبا كـ”هجمة” ترفعها قوى الإسلام الوافدة من أرض المسلمين، أي كواقع متحقق عندهم، مما أدى إلى إنتاج تهديد يتقاذفه عالمان متقابلان.
تناقش غول إشكالية الفن والمقدس لدى المسلمين في الدول الأوروبية. وتنطلق من مجموعة ملاحظات أساسية، من ضمنها اللامبالاة المسيحية إزاء أنماط السخرية التي تتعرض لها المعتقدات الدينية في المجال المسيحي، بينما يشدد المسلمون الأوروبيون على ضرورة احترام الديانات دون المساس بالمقدسات. وترى أن الحجاب لدى غالبية الأوروبيين يحمل الرمزية التفاخرية والعزل الجنسي.
خلصت غول إلى أن سؤال الشريعة المطروح في الوسط الإسلامي الأوروبي يتخذ معنيين: الحتمية والمرونة. وأشارت إلى أن الجيل الثاني من المسلمين يبتكرون أساليب توافقية بين الضوابط الإسلامية التي تطالب بها الشريعة، وحياتهم كأوروبيين معاصرين مندمجين في ثقافاتهم الأوروبية
لا يطبق الجيل الشاب في المجتمعات الأوروبية الشريعة بأنماطها التقليدية. يفضلون الاستخدام الانتقائي لـ”الحلال”. يتجهون إلى ابتكار مفاهيم جديدة أكثر مرونة وعصرية حول الذبح الحلال والصلاة، والفن، والعلاقة مع الجسد، والجنس والحب والموسيقى. ويعملون على توفير توافقات خاصة تؤهلهم للعيش اليومي ضمن سياقات تجمع بين الدين والحداثة. لقد أنتجوا توليفة خاصة بهم امتدت إلى استهلاك الأكل الحلال، وممارسة الهيب هوب الإسلامي، والمشاركة في الاحتفالات دون شرب الكحول.
يعيش الشباب المسلم تقاليده الدينية وفقاً للسياق الأوروبي، من أجل بناء “تسوية موقتة” (modus vivendi) إسلامية في حياتهم اليومية، استناداً إلى انتقائية تسمح لهم بالولوج إلى حياة عصرية دون التخلي عن الممارسات الدينية، وعن خصوصيتهم كمسلمين مؤمنين.
يكشف الكتاب عن التوليفات الدينية والمجتمعية التي أنتجها الجيل الثاني من المسلمين في مجالٍ أوروبي يتخذ مواقف حادة من الدين برموزه المادية والرمزية. لقد دمجوا مظاهر الحداثة مع إيمانهم الديني، فأضفوا أشكالاً جديدة من التهجين تختلط فيها الهوية الدينية مع العرق والثقافة الأوروبية.