القيادة الإيرانية خلصت إلى أن ترمب قد يُعاد انتخابه، وأن البلاد لا يمكنها أن تتحمل ست سنوات أخرى من العقوبات الشاقة التي فرضها.
كتبت فرناز فصيحي مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تناولت احتمال عقد محادثات بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والإيراني حسن روحاني، مشيرة إلى أن هذا الخيار درسته القيادة الإيرانية وقد تلجأ إليه إذا رأت مصلحة إيرانية في ذلك وحصلت على ضمانات، خصوصاً مع احتمال إعادة انتخاب ترمب لولاية ثانية، مما يجعل إيران غير قادرة على تحمل العقوبات الأميركية لنحو ست سنوات. وفيما يلي ترجمة نص المقالة:
في دوائر السلطة في طهران، حيث يتم إطلاق هتاف “الموت لأميركا” بانتظام، تم تبني فكرة أن إيران يجب أن تتفاوض في نهاية المطاف مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفقاً لعدد من الأشخاص الذين يعرفون هذا التحول.
وقال هؤلاء الأشخاص: إن القيادة الإيرانية خلصت إلى أن السيد ترمب يمكن إعادة انتخابه، وأنه لا يمكن للبلاد أن تتحمل ست سنوات أخرى من العقوبات الشاقة التي فرضها.
إنه تحول ملحوظ للمؤسسة السياسية في طهران، التي رهنت على مدى السنوات الأربعين الماضية شرعيتها على تحدي الولايات المتحدة، لكنها كانت معادية بشكل خاص للسيد ترمب.
وقد أثار الرئيس الإيراني حسن روحاني -في وقت سابق من هذا الأسبوع- مسألة اجتماع محتمل مع السيد ترمب، مشيراً إلى أنه سيكون على استعداد لذلك إذا كان سيفيد الإيرانيين.
لقد تراجع السيد روحاني في غضون (24) ساعة، مما يشير إلى أنه ربما يكون قد تم رفض الاجتماع من قبل المرشد الأعلى لإيران: آية الله السيد علي خامنئي. لكن الأشخاص الذين يعرفون تفكير التسلسل الهرمي الإيراني قالوا: إن سلوك روحاني يجب أن يُنظر إليه على أنه جزء من الاستراتيجية الجديدة الناشئة.
وقالوا: إن الاستراتيجية تتبع مسارين متوازيين: إظهار موقف أكثر تحدياً بشأن سياسات إيران في مجال الطاقة النووية والمجال العسكري لإثارة غضب ترمب، في الوقت الذي يشير فيه (روحاني) إلى استعداده للتحدث في ظل ظروف معينة، وجذابة لما يعتبر غرائز صانع الاتفاق.
وقال عباس عابدي، القائد السابق للطلاب الذين قاموا باحتجاز رهائن في سفارة الولايات المتحدة (في طهران) عام 1979 وأصبح الآن شخصية بارزة في فصيل يعرف باسم “الإصلاحيين”، وهو منفتح للحوار مع الأميركيين: “لقد تحولت إيران تماماً”. وأضاف عابدي أن المتشددين الذين عارضوا مثل هذا الحوار “خلصوا إلى أن ما يعمل الآن مع أميركا صعب ولكنهم منفتحون على المحادثات إذا قدم ترمب بعض الضمانات”.
وكان القادة الإيرانيون غاضبين بشكل متوقع العام الماضي بعد أن تخلى ترمب عن اتفاق إيران النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، وطالب باتفاق أكثر صرامة وقام بفرض عقوبات مشددة على إيران.
في حين أن البعض ربما كان يأمل أن يتم عزل ترمب كرئيس لولاية واحدة، إلا أن هذا الرأي تلاشى. فالاستراتيجية الجديدة -كما قال الذي تحدث عنها- استندت أيضاً إلى عامل انتصار السياسة الخارجية لترمب، الذي يمكن أن يستخدمها لتعزيز فرص إعادة انتخابه.
في أوائل أغسطس (آب)، عقد النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، اجتماعاً مع مجموعة من المستشارين والأنصار السياسيين لمناقشة نهج الحكومة في التعامل مع الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكره شخص حضر الاجتماع وآخر كان على علم به.
إذا كان السيد ترمب يريد اتفاقاً “أكثر شمولاً” من الاتفاق الحالي فسوف تدرس إيران مطلبه -وحتى مناقشة أجزاء من برنامج الصواريخ الباليستية ودور إيران في المنطقة- ولكن في المقابل، ستسعى إيران أيضاً إلى ضمانات شاملة أكثر من الولايات المتحدة لإغاثة اقتصادية طويلة الأمد، كما ذكر الأشخاص الذين شاركوا في الاجتماع.
وقال صادق الحسيني، كبير مستشاري السياسة الخارجية والاقتصادية للسيد جهانغيري، في رسالة على موقع تويتر: “من المحتمل ألا تتكرر هذه الفرصة الذهبية في العقد المقبل. هذه هي بداية اللعبة بالنسبة لإيران. اقتراب الانتخابات الأميركية يمنح إيران ورقة نادرة للعب مع ترمب”.
إن حملة “الضغط الأقصى” التي أصدرها ترمب لم تهدد بانهيار الحكومة الإيرانية ولم تؤدِ إلى انتفاضة شعبية، كما كان يأمل بعض منتقدي الحكومة. لكن التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة تنطوي على خطر نشوب صراع عسكري، قال ترمب: إنه يريد تجنبه.
أصبحت علامات استراتيجية إيران للتعامل مع ترمب أكثر وضوحاً في الأسابيع الأخيرة.
لقد أسقطت إيران طائرة أميركية بدون طيار، واستولت على ناقلة بريطانية، وكشفت النقاب عن نظام دفاعي صاروخي محسّن، وتجاوزت كمية اليورانيوم المخصب المسموح به بموجب الاتفاق النووي.
كجزء من الاستراتيجية -كما يقول الأشخاص الذين يعرفونها- فإن الإيرانيين يعتزمون تصعيد التوترات أكثر في الأشهر القليلة المقبلة لتعزيز قوتهم في المفاوضات المحتملة.
من المتوقع أن تعلن إيران عن مزيد من فك الارتباط بالاتفاق النووي بحلول الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل. وقال مسؤولون إيرانيون: إنهم قد يزيدون من تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى (20%)، وهي نسبة أعلى بكثير من الحاجة لاستخدام الطاقة المدنية.
في الوقت نفسه، عززت إيران دبلوماسيتها. وقام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بجولة في أوروبا، وتوقف في قمة مجموعة السبع بدعوة مفاجئة من فرنسا، وسافر إلى الصين واليابان وماليزيا للقاء رؤساء هذه الدول.
لم يجتمع ترمب مع ظريف في اجتماع مجموعة الـ(7)، وما زال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد طلبت لقاء وزير الخارجية الإيراني هناك. لكنّ محللين إيرانيين قالوا: إن تخفيف العقوبات من نوع ما قد أثير بالتأكيد.
وقال نادر هاشمي، مدير مركز الشرق الأوسط في جامعة دنفر: “الإيرانيون في أزمة اقتصادية عميقة وليس هناك سوى مخرج واحد. سيحاولون الدفع لجعل الاتفاق حلواً قدر الإمكان”.
وقد زاد ظهور ظريف (في قمة السبع) من التكهنات حول إجراء محادثات مباشرة (بين طهران وواشنطن) بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش القمة أن ترمب وروحاني قد يجتمعان في غضون أسابيع.
ولم يقدم ترمب أي إشارة في القمة إلى أن رفع أو تعليق العقوبات كان مطروحاً على الطاولة، لكنه قال: إن الدول الأخرى يمكن أن تمنح إيران خط ائتمان على نفطها “لتجاوز هذا المسار القاسي للغاية”.
من جانب روحاني، على الرغم من رفضه لعقد اجتماع وشيك مع ترمب، فقد قدم فرصة مشروطة. وقال روحاني يوم الثلاثاء: “لن نتوصل إلى تغيير إيجابي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة من دون أن تنهي أميركا العقوبات وتصحح أخطاءها”.
ويظل هناك معارضون صريحون لمثل هذا الاجتماع، في كلا البلدين، مما يعكس تاريخ عدم الثقة الذي شكل العلاقات الثنائية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وبعد أن تطرق الرئيس روحاني إلى مجرد إمكانية عقد لقاء مع الرئيس ترمب، تساءلت صحيفة “كيهان”، وهي إحدى صحف طهران التي تعد الناطقة بلسان الفصائل المتشددة: “هل أنت مجنون؟”.
وقالت مجموعة “متحدون ضد إيران النووية”، وهي مجموعة مقرها نيويورك تدعم رفض ترمب للاتفاق النووي: “إن الزخم الناتج عن حملة (الضغط الأقصى) يمكن أن يتبخر بسرعة إذا جرت المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران قبل الأوان”.
إن القرار النهائي بشأن التفاوض مع ترمب يعود إلى المرشد آية الله السيد علي خامنئي. وقال محللون وسياسيون إيرانيون: إن ظريف لم يكن ليتم إرساله إلى اجتماع مجموعة السبع من دون موافقة السيد خامنئي.
في حين أن المرشد السيد خامنئي قد انتقد دائماً الولايات المتحدة، فقد أبدى في الماضي مرونة عندما تم استنفاد جميع الخيارات، إذا أمكن التوصل إلى حل وسط من خلال حفظ ماء الوجه لإيران.
وقد أشار محللون وسياسيون إيرانيون إلى ثلاثة أمثلة عندما تراجعت الحكومة عن مواقفها واستسلمت لضغط لا يطاق. والأمثلة هي: إطلاق سراح الرهائن الأميركيين عام 1981، والموافقة على قرار الأمم المتحدة بإنهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق عام 1988، والاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
وقال آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية: إن (قرار) وقف الحرب مع العراق كان “أكثر فتكاً من تجرّع السم”. ومنذ ذلك الحين، أصبح تعبير “كأس السم” مرادفاً في إيران لتقديم تنازلات. (“إظهار المرونة البطولية” كان المصطلح المفضل لدى آية الله السيد خامنئي بعد الاتفاق النووي).
وقال سياسيون ومحللون إيرانيون: إن مفاوضات الرهائن مع الولايات المتحدة الأميركية عام 1981 تُدرس باعتبارها سابقة محتملة للمناقشات مع ترمب.
في ذلك الوقت، الذي تزامن أيضاً مع موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، تفاوضت إيران على إطلاق سراح الرهائن الأميركيين مع إدارة الرئيس جيمي كارتر لكنها أجّلت إطلاق سراحهم، وحرمت كارتر من الإنجازات التي كان يمكن أن تساعده في الفوز بإعادة انتخابه. وقد تم إطلاق سراح الرهائن بينما كان الرئيس رونالد ريغان يلقي خطاب تنصيبه.
وقال سعيد شريعتي، زعيم حزب سياسي إصلاحي إيراني: “إن الخطاب الذي تسمعه ضد التحدث إلى أميركا هو جزء من التكتيك. لن تحل إيران والولايات المتحدة قضيتهما بالكامل مطلقاً، لكنهما قدمتا تنازلات من قبل وسيكون عليهما القيام بذلك مرة أخرى.”
المصدر: نيويورك تايمز