بعد مُضي تسع سنوات على تهدئة الصراع بين حركة 23 مارس المتمردة وقوات الجيش الكنغولي، عادت الأزمة منجديد بشكل لافت في مارس (آذار) 2022، بعدما شنتالحركة هجمات على مواقع للجيش بمنطقة روتشورو الواقعةشرق البلاد، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين ونزوحالآلاف، بالتزامن مع ذلك تشن القوات الديمقراطية المتحالفةالمبايعة لداعش هجمات في مناطق متفرقة بالكونغوالديمقراطية، لتصبح بذلك القوات الأمنية في مأزق نتيجةلتشتت جهودها بين هجمات الحركة المتمردة وتنظيم داعش، مما ينذر بمعضلة أمنية شديدة الخطورة ستُفضي إلىكارثة إنسانية تضاف لجُملة الكوارث التي تعاني منهاالقارة.
أولاً: قراءة في التطورات الميدانية
تمر الكونغو الديمقراطية بأوضاع أمنية بالغة الخطورة، بعدأن تصاعد مجددًا النشاط المسلح لحركة 23 مارس المتمردةبعد هدوء دام تسع سنوات، حيث سيطر متمردو الحركة علىالعديد من القرى الواقعة شرق الكونغو، بعد مواجهات داميةمع الجيش بمنطقة روتشورو، منها “غيسيزا وغازيزاوبوغوسا وبيكيندي– بوغوسا وكينياماهورا وروامبيهووتشينجيريرو وروبافو وباساري“، مما أدى إلى موجة نزوحلسكان تلك المناطق إلى أقاليم أخرى أكثر استقرارًا، منهاالمناطق الواقعة على امتداد الحدود مع دولة أوغندا، مماينذر بصدامات مرتقبة أكثر دموية بين النازحين والسكانالأصليين للأقاليم.
وجاءت الهجمات التي شنتها الحركة على القوات الأمنيةبالقرب من قاعدة رومانجابو العسكرية، لتشكل بذلك تحولًاجديدًا في مسار الصراع، لا سيما مع رمزية هذه القاعدةللمتمردين، حيث قامت الحركة بتحويل تلك القاعدة إلى مقررئيس لها خلال تمردهم في 2012-2013، وتمكنت خلال تلكالفترة من السيطرة على مدينة غوما الواقعة شرق الكونغو،التي تضم أكثر من مليون شخص حينذاك.
وقد أفاد بيان صادر عن الجيش الكونغولي بشأن حصارالحركة للقاعدة، ورد فيه قيام المتمردين بتفجير أكثر من(20) قذيفة يومي 24 و25 مايو (أيار). يأتي ذلك بالتزامنمع هجمات دامية يشنها تنظيم داعش في مناطق متفرقةشرق الكونغو، مما ينذر بإمكانية حدوث تحالف بينالفصيلين لفرض سيطرة كاملة على البلاد، مستغلين ضعفالتعاون الإقليمي، وتبادل الاتهامات بين كل من الكونغوورواندا بشأن تمويل عمليات الحركة، الأمر الذي يؤديلإضعاف قوات الأمن في مواجهة الجماعات المسلحة.
ثانياً: جذور الحركة وبدايات الظهور
ترجع بدايات ظهور حركة 23 مارس لعام 2006، بعد أنأسستها قبائل التوتسي، ونتيجة للصدامات المستمرة بينالحركة والحكومة الكونغولية –حينذاك– تم التوقيع على اتفاقسلام بين الطرفين في 23 مارس (آذار) 2009 يتم بموجبهالقيام بدمج عسكري وسياسي واقتصادي واجتماعي لأفرادالحركة، وبموجب الاتفاق تم دمج الحركة تحت قيادة الجيش، ومنحهم الاتفاق وضع (جيش داخل جيش) أي خضوعالحركة لتسلسل القيادة الخاص بهم في ظل الجيشالكونغولي، ونجحت الحركة خلال تلك الفترة في تعزيزوجودهم في الأماكن التي تحوي موارد طبيعية، حيثسيطروا على عمليات التعدين في المناطق الغنية بالماسوالذهب والقصدير، مما تسبب في حالة من الصدام معقيادات عسكرية داخل الجيش المنغولي.
وبرغم اتفاق السلام المبرم، فإن الحكومة ماطلت في تنفيذتلك البنود نظرًا لتنامي دور أفراد الحركة، حتى البنود التيتم تنفيذها تمت بطرق ملتوية، فعلى سبيل المثال وعدتالحكومة بضم جنود الحركة للجيش، فقامت بنشرهم بعيدًاعن شمال كيفو إضعافًا لقوتهم، كما وُجّهت اتهاماتللجنرال بوسكو نتاغاندا زعيم الحركة بقيادة تمرد ضدالحكومة وزعزعة استقرار البلاد، الأمر الذي دفع (300)جندي من أفراد الحركة الذين لحقوا بالجيش الكونغولي، إلىالقيام بانقلاب على الحكومة بدعم من دولتي رواندا وأوغندا،نتيجة للأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية الهشة، ونتيجة لرفض الحكومة الكونغولية –حينذاك– تنفيذ معظم بنوداتفاق السلام التي تم توقيعها مع المؤتمر الوطني للدفاع عنالشعب في مارس (آذار) 2009، فقامت الحركة بشنهجمات متوالية ضد القوات الحكومية بمنطقة روتشوروومياسيسي في يونيو (حزيران) 2012.
وبرغم نجاح الحركة في البداية، فإن الحكومة استعانتبكتائب مدربة لتفكيك الحركة والحركات المسلحة الأخرىالمناظرة لها، ونتيجة للصدامات المتكررة بين الجانبيناستشعرت الحركة ضعفها وهزيمتها، فانسحبت إلىالمرتفعات بمنطقتي روتشورو وبوناغانا على الحدود معأوغندا، بعد التوقيع على اتفاق للسلام في 2012، وظلالوضع مستقرًا قرابة تسع سنوات حتى ظهورها مجددًا فيمارس (آذار) 2022.
ثالثاً: أسباب تجدد الصراع
تواجه الكونغو مشكلات عدة على الصعيدين الداخليوالخارجي، فهناك موجة من الغضب إزاء الحكومة نتيجةللأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية، من جهة أخرىتعاني الكونغو من مشكلات مع دول الجوار (رواندا وأوغندا) على خلفية اتهامات متراشقة بين الأطراف بدعم جماعاتإرهابية لزعزعة الاستقرار، الأمر الذي هيأ المناخ مجددًالتصاعد الحركات المتمردة والجماعات المسلحة، ويمكناستيضاح أبرز أسباب تجدد الصراع على النحو التالي:
كما شكلت منطقة بيني الواقعة شرق البلاد ممراً لتهريبالموارد والثروات الطبيعية إلى أوغندا ورواندا، وهو ما كانسبباً وراء مقتل آلاف المدنيين وتهجير مئات الآلاف، نتيجةتمركز الجماعات المسلحة المدعومة من دول الجوار، ويعززمما سبق تقرير صادر عن خبراء بالأمم المتحدة، أفادبتعزيز ومد حركة 23 مارس بأسلحة ثقيلة ومعداتوتدريبات تقنية وفنية عالية المستوى من قبل الجانبالرواندي، وبرغم نفي الحكومة الرواندية، فإن الكونغوتعاملت مع ما ورد في التقرير، واتخذت إجراءات عدائيةضد رواندا، كان آخرها استدعاء السفير الرواندي ووقفجميع الرحلات الجوية الرواندية إلى البلاد.
وفي دراسة للباحث الكونغولي بونيفاس موسافولي،أوضح خلالها أسباب عدم الاستقرار في الكونغو، حيثأرجعها إلى الاستعمار بدءًا من البلجيكي في القرنالـ(19) وصولًا للتدخلات المفرطة من أوغندا ورواندا عبردعم الحركات المتمردة لإعانتهم في نهب موارد البلاد، منثم تصبح التدخلات الخارجية لبعض دول الإقليم ضمنالمحفزات الرئيسة لعودة حركة التمرد.
رابعاً: هل يستغل داعش هذا التطور ومدى التأثيرعلى أمن المنطقة؟
يعاني شرق الكونغو مستويات عالية من التهميش، مما أدىإلى توطين العنف بعد أن تكالبت الشركات متعددةالجنسيات لاستنزاف ثروات الإقليم، حيث كان دعمالجماعات المسلحة في مواجهة القوات الحكومية الآليةالرئيسة لاستنزاف الثروات من قِبل الشركات الأجنبية، فقدأشار مؤشر الأمن لشمال كيفو بالكونغو أنه منذ عام 2018 تصاعدت وتيرة الهجمات التي شنها داعش ضد المدنيين، ووفقا للتقرير فإنه خلال الفترة من 2019– 2020 قُتل أكثرمن (793) مدنيًا نتيجة للمواجهات العنيفة، مما يعكس قوةوفاعلية التنظيم بتلك المنطقة، فيما كشف المتحدث باسممفوضية شؤون اللاجئين بابار بالوش، أن عام 2020 شهدمقتل ما يزيد عن (200) مدني في المقاطعات الثلاثالشرقية (إيتوري وكيفو الشمالية وكيفو الجنوبية) على أيديالجماعات المسلحة المتمركزة بالمنطقة.
ولفهم مدى تأثير القوات الديمقراطية المتحالفة (داعش) المتمركزة شرق الكونغو، لا بد من فهم السياق التاريخيوالاستراتيجي لتطورها، حيث بدأ التحول في فكرهاالجهادي منذ 2015، فبرغم اسمها الذي يحمل صبغةديمقراطية، فإنها كانت تتبنى أفكاراً جهادية وراديكاليةمتشددة تطورت فيما بعد، ولدى الجماعة استعداد لتشكيلتحالفات مع أطراف أخرى والاستفادة من الدعم الخارجيلمزيد من التوسع داخل الأراضي الكونغولية، يستدل علىذلك من تاريخها؛ ففي أوائل التسعينيات قبل إعلان الجماعةبزعامة جميل موكولو تبنيها أفكاراً جهادية، كونت تحالفاً معجناح مسلح يدعى “المسلمون الأوغنديون المقاتلون من أجلالحرية” إلا أن الجيش الوطني الأوغندي تمكن من هزيمةتلك الحركة، وبرغم ذلك تمكن موكولو برعاية من الإخوانالمسلمين الذين كانوا على سدة الحكم في السودان، منالتحالف مع الجيش الوطني لتحرير أوغندا، وإعادة تسميةالجماعة المسلحة لتصبح القوات الديمقراطية المتحالفة.
نفهم من هذا السياق أن الحركة لديها سلاسة ومرونة فيمايتعلق باحتواء تنظيمات مسلحة أو الانصهار مع أخرى، ومما يعزز من إمكانية تحالف داعش مع حركة 23 مارس،أن كلا التنظيمين يصنفان ضمن منظومة جماعات التمردالتي تدعي تبنيها أهدافاً وطنية نابعة من مشاعر التمييزوالاضطهاد، التي تتم ممارستها من السلطة المركزية.
ولعل التطورات الميدانية الأخيرة تنذر بهذا التحالف، فمنذصعود حركة 23 مارس مرة أخرى، وشنها هجمات علىنقاط للجيش في يناير (كانون الثاني) 2022، بدأت القواتالديمقراطية في تكثيف هجماتها شرق الكونغو، كان آخرهامقتل (27) مدنياً بمنطقة بيني شرق الكونغو الديمقراطية،على أيدي متمردي القوات الديمقراطية المتحالفة في27 مايو(أيار) 2022.
ومما يعزز سيناريو التحالف، أن كلا الفصيلين يرغبان فيتحقيق أهداف خاصة بهما، فحركة 23 مارس تسعى لإعادةمجدها مرة أخرى بعد خمول دام تسع سنوات، حيث ترغبالجماعة في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مستغلةدعمها من داعش، في حين يسعى داعش لتقوية شوكتهوإحراز مزيد من التمدد والتوغل داخل الأراضي الكونغوليةلاستنزاف مزيد من الثروات، ويتحقق ذلك عبر تحقيقتحالفات مع جماعات أخرى لها نفس الأهداف، ومنبثقة مننفس السياق التمردي، ولعل شن هجمات من قبل داعشبالتوازي مع هجمات 23 مارس، يعكس نوعًا من التحالفالضمني وامتلاك الفصيلين أهدافاً مشتركة.
ومن السياقات السابقة نجد أن سيناريو تحالف القواتالديمقراطية المتحالفة مع حركة 23 مارس المتمردة هوالسيناريو الأرجح، حيث ترغب الحركة في ترسيخ جذورهامستغلة التقدم الذي حققه داعش، فوفقًا لأرقام صادرة عنالأمم المتحدة، تمارس داعش أعمال عنف وحشية ضدالقوات الكونغولية، لتسفر عن أكثر من (900) قتيل خلال عام2020، وفي المقابل يسعى داعش إلى تنويع تحالفاتهوانتشار الأذرع التابعة له في منطقة الساحل؛ بغية إقامةدولة الخلافة في وسط أفريقيا، وتعويض الخسائر التيلحقت به في بلاد الشام.
ويعزز من هذا التحالف الأزمات الداخلية التي تمر بهاالكونغو، سواء على صعيد العلاقة بين السلطة والمواطنين، وما يتعلق بها من سوء إداري وتهميش وزيادة في معدلاتالفقر والبطالة وانخفاض مستوى معيشة الأفراد، إلى جانبالمشكلات مع دول الجوار، والتي كان آخر ملامحها إيقافخطوط الطيران من وإلى رواندا، على خلفية اتهامها بدعمحركة 23 مارس، كل ما سبق يسهل المهمة على تلك الحركاتلاستقطاب مزيد من الأفراد لصفوفها، وإشعال مشاعرالغضب إزاء النظام الحاكم، مستغلين بذلك مشاعر المظلوميةلدى المواطنين، من جهة أخرى فإن تراجع الدور الدوليوالإقليمي، وعدم وجود تعاون بنّاء لوضع استراتيجية أمنيةمحكمة تتلاءم مع تطورات المشهد، دفع الجماعات المسلحةوحركات التمرد نحو الانتشار والتمدد، الأمر الذي يؤدي إلىتهديد أمن المنطقة.
فالاستراتيجية المتبعة من قبل دول المنطقة والقوى الغربية،تنصب بالأساس على المقاربة الأمنية متجاهلين الأسبابالرئيسة التي أدت لظهور الجماعات المسلحة وحركاتالتمرد، فالاستراتيجية الأمنية مهمة لكنها غير كافية للقضاءعلى التنظيمات الجهادية، حيث تتطلب عوامل أخرىمساعدة أهمها تهدئة مشاعر الغضب من المواطنين إزاءالسلطات، إلى جانب القضاء على أسباب التناحرات القبلية، لذا أصبح من الضروري وضع مقاربة متعددة الأبعاد، تشملمعالجة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصاديةوالاجتماعية المتردية.
وختامًا؛ فإن عملية التحالف المرتقب بين تنظيم داعشوحركة 23 مارس، من شأنها فتح المجال أمام مزيد منالتحالفات المناظرة، الأمر الذي سيؤدي بدوره لعرقلة عملياتالسلم وإفشال الخطوات التي اتخذتها دول المنطقة فيمسار التنمية؛ نظرًا لتشابك العلاقات بين الجماعات، كما أنالمنافسة المحتدمة بين القاعدة وداعش من شأنها تأزيمالموقف، حيث يسعى كل منهما لتوسيع شبكة علاقاته ونطاقنفوذه، مما يؤدي إلى إدخال القارة في حلقة مفرغة منالصراع والصدام، لذا أصبح لزامًا وضع مقاربة شاملة يتمبمقتضاها معالجة المشكلات الجوهرية التي أفرزت المعضلةالأمنية التي تواجهها القارة حاليًا.