وصف الوثيقة:
تتكون هذه الوثيقة من ورقتين، إحداهما تتضمن قراراً من المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي، بإعادة بناء التنظيم مجددا، وموقّعة بخط يده، وذلك عام 1973، والثانية مبنية على الأولى، وهي تتضمن قرارات اللجنة الثلاثية التي تشكلت تأسيسا على قرار «الهضيبي» والتي قامت –بدورها- بتعيين عدد من الأسماء التي أنيط بها الإشراف على تنفيذ انتخابات مجلس الشورى في عدد من الأقطار التي قرر التنظيم إجراء انتخابات مجلس شوراه داخلها، وهذه الوثيقة موقعة باسم «مسؤول الاتصال» الذي فضل أن يكتب كنيته دون اسمه الحقيقي.
أهمية الوثيقة والهدف منها:
تعد هذه الوثيقة من أهم المفاتيح الأولية لفهم كيفية وملابسات إعادة تشكل جماعة الإخوان في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فهي القرار نفسه، الذي وقعه مرشدها الثاني بخط يده، ويحدد في نقاط معدودة، الإطار العام الذي ستمضي فيه الجماعة لكي يتحقق بعثها وقيامتها.
تحليل مضمون الوثيقة
في استهلاله لقراره بإعادة تشكيل الجماعة، يتحدث حسن الهضيبي عن النفوس التي استراحت إلى تناسى ما حدث من خلافات ضربت الجماعة بعد توليه هو شخصيا قيادتها، بعد اغتيال مؤسسها الأول حسن البنا، فيقول: «نظرًا لأن النفوس قد استراحت إلى تناسي ما حدث من خلافات ووجوب تجميع العاملين في جميع نشاطات الدعوة ليسيروا معا في خطة واحدة في إطار الشورى والتعاون، لذلك تقرر أن يبدأ العمل من جديد على الأسس الآتية..».
لم يبدُ أن النفوس قد تناست ما حدث بالفعل، ولم تلق وراء ظهرها ضرورة محاسبة المسؤولين عن ما آلت إليه الجماعة في الحقبة الناصرية، لكن بدا أن النزعة إلى قيامة التنظيم قد تجددت بعد أن أعطى الرئيس المصري حينها، أنور السادات، الضوء الأخضر لعودة الجماعة، فرآها التنظيميون القدامى، فرصة لإعادة الأمل المفقود، خاصة بعدما رأوا أن هناك جيلا من الشبان الإسلاميين قد انتشروا في الجامعات المصرية، ولم يكن لهؤلاء القدامى دور في تجنيدهم، فلم يبق سوى أن يحصدوا تلك الثمار، التي إن قطفت وألقيت في سلتهم، فلا شك سيكونوا (البنائين) الجدد، الذين سيقف على أكتافهم التنظيم الثاني.
في تحديده للنقطة الأولى يقرر الهضيبي: «إعادة تشكيل مجلس الشورى ليمثل جميع الإخوان العاملين على أساس الشروط التي وضعتها رسالة التعليم».
إذن، سيكون مجلس الشورى هو النواة الصلبة التي سيقوم عليها التنظيم، لكنه وضع هنا قيدا ألا وهو أن تتكون عناصر هذا المجلس من الإخوان “العاملين” وهي رتبه تنظيمية عالية، لا يأتي بعدها سوى الأخ “المجاهد” ويدنوها تراتيب مثل: «المنتظم، المنتسب، المؤيد، المحب».
وفي النقطة الثانية يأمر المرشد الثاني بـ«تكوين لجنة عضوية لتحديد الإخوان العاملين الذين يكون لهم وحدهم حق الاختيار..».
ومن الواضح أنه لم يكن للإخوان العاملين كشوف بأسمائهم، نظرا لترهل التنظيم في هذا الوقت، ومن ثم فإن الرجل، أمر بتكوين لجنة لتحدد هؤلاء الإخوان، الذين سيشكلون مجلس الشورى.
حدد المرشد أعضاء اللجنة في الأسماء التالية: «محمود عبده، وسالم بهنساوي، ومحمد عبدالحميد أحمد بصفة أصلية، والمهندسين حلمي عبدالمجيد، وأحمد الطنوبي بصفة احتياطية».
ولا ندري لماذا حدد الهضيبي هذه الأسماء على وجه التحديد، وهم ليسوا من الإخوان المشاهير، باستثناء حلمي عبدالمجيد، الذي وضعه الهضيبي في تلك اللجنة بشكل احتياطي، إلا أن الجماعة اختارته ليكون مرشدا سريا لها فيما بعد.
كما حدد الهضيبي الخطوة الثالثة والتي تتمثل في قيام «لجنة العضوية بوضع قائمة المرشحين في كل إقليم، وتشرف على الانتخاب».
وواضح من هذا السياق والبيئة المحيطة، أن الجماعة لم تكن تخشى من أي ردة فعل أمنية إثر القيام بتلك الانتخابات، التي تعد النواة الأولى لتأسيس التنظيم.
يكمل الهضيبي خطواته: «ترشح اللجنة مسؤولين عن المناطق والأقاليم على أساس عدم الجمع بين عضوية مجلس الشورى ومسؤولية المناطق والأقاليم».
وهي قاعدة الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والتي لم تفعلها الجماعة في أي مرحلة من تاريخها، سواء التي تعرضت فيها للضغط الأمني، أو تلك التي وصلت فيها لسدة الحكم.
وفي النقطة الأخيرة يحدد الهضيبي اختصاصات مجلس الشورى: «مجلس الشورى هو الذي يرسم سياسة الدعوة، ويختار القائمين على العمل التنفيذي، ومحاسبتهم وينسق بين النشاطات المختلفة في حدود التوجيهات».
توفي الهضيبي في العام نفسه، ولم يمارس مجلس الشورى اختصاصاته، بل ظل مكتب الإرشاد التنفيذي، هو المهيمن على جميع قرارات الجماعة، بحجة أن الأجهزة الأمنية لا تسمح لهم بعقد اجتماعات ذلك المجلس.
العملية التنفيذية
أُرفق بالوثيقة السابقة خطاب مسؤول الاتصال في الجماعة، إلى من أطلق عليه «الأخ المسؤول… أكرمه الله وأعزه» إلا أن نقطا وضعت في موضع اسم هذا المسؤول.
يحتوي هذا الخطاب على النتيجة التي توصلت لها اللجنة الثلاثية، التي حدد أسماءها الهضيبي في الوثيقة الفائتة: «… بناء على القرار الصادر من المرشد العام للإخوان المسلمين في الاجتماع الذي عقد برئاسته، أثناء موسم الحج والمرفق لكم صورته.. فقد قامت اللجنة الثلاثية المشار إليها في القرار المذكور، بتعيين مسؤولين مؤقتين في كل من المناطق التالية».
جاءت أسماء المسؤولين عن تلك المناطق كالتالي:
(1) الكويت: لجنة برئاسة عبدالقادر حلمي “كان عضوا في مكتب إرشاد الجماعة القديم، منذ حسن البنا، مرورا بعصر الهضيبي وعمر التلمساني، وظل معمرا حتى مات عام 2011”.
(2) قطر: لجنة برئاسة يوسف القرضاوي “نلاحظ أن القرضاوي بهذا التفويض كان قياديا أساسيا في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ومسؤولا عن تشكيل تنظيمها في قطر”.
(3) الإمارات: لجنة برئاسة محمد المهدي البدري “من قيادات جماعة الإخوان القديمة، والذي صاحب القرضاوي وسيد قطب في السجن الحربي في مصر”.
(4) الرياض: لجنة برئاسة محمود العريني “محمود عمر العريني، كان عضواً بمجلس شورى الجماعة القديم، ومن قيادات الصف الأول في التنظيم”.
(5) الدمام: لجنة برئاسة عفت عباس عطية “وهو من قيادات الإخوان القديمة”.
(6) جدة: لجنة برئاسة صالح غانم “من قيادات الإخوان القديمة”.