توماسو فيرجيلي (Tommaso Virgili)
تناول توماسو فيرجيلي (Tommaso Virgili) -باحث إيطالي متخصص في الوقاية من التطرف والإرهاب- في ورقته التي نشرت في كتاب المسبار الشهري “ما بعد قطر: السياسات القطرية وحافة الهاوية” (الكتاب الثاني والثلاثون بعد المئة، ديسمبر/ كانون الأول 2017)، المبادئ الرئيسة للقرضاوي، مشيرا إلى وسطيته المزعومة باعتبارها مجرد انعكاس لخطط التدرج أو التمكين التي يعتمدها الإخوان المسلمون، في حين أن مضمون أيديولوجيته يعرض بشكل واضح وجهات نظر متطرفة تتخفى باسم الإسلام. مشيرا إلى أن قناة الجزيرة، التي تملكها الحكومة القطرية، تعد عملاقاً إعلامياً مهماً؛ لكنها ما فتئت تتعرض للانتقادات الشديدة في الشرق الأوسط وفي الغرب؛ لنشرها أخباراً زائفة لتعزيز الخطط السياسية القطرية، ولأنها كانت منبراً للإسلاميين المتطرفين، مثل أسامة بن لادن
برزت سمعة القرضاوي وتأثيره بسبب برنامج «الشريعة والحياة» الذي خصصته له قناة «الجزيرة»، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة محل مواجهة مباشرة من قِبل كبار المسؤولين في مختلف الدول العربية والغربية، فهم يتهمونه بتوفير ستار ديني للإرهاب الذي يشنه الجهاديون. وللسبب ذاته، فهو محظور حالياً من دخول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
إن مناط الأمر يكمن في الهيمنة التشريعية «العليا والمطلقة». فجميع المسلمين آثمون حتى يحققوا الحكم الإسلامي -كما يرى القرضاوي- فلا يستطيعون أن يكونوا مطيعين ولا مبايعين للحكومة التي لا تطبق الشريعة، ويجب عليهم أن يعتمدوا باستمرار أي وسيلة تحت تصرفهم لتحقيق الحكم الإسلامي وإزالة كل العقبات التي تقف أمامهم. فالهدف النهائي هو بناء «دولة إسلامية كبرى توحّد جميع المسلمين تحت راية القرآن والخلافة الإسلامية»، ووضع دستور مستمد من القرآن والسنة. وهذا يتضمن تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أجزائها، بما في ذلك تطبيق الحدود المتمثلة في الجلد والبتر والرجم. هذا النهج -وفقاً للخطط القديمة للإخوان المسلمين- يجب أن يكون تدريجياً، ولكن الهدف النهائي لم يوضع أبداً قيد المناقشة.
يطلق القرضاوي على جميع المسلمين الليبراليين: «المرتدّين» الذين يستحقون الموت، وبذلك لم يحصر هذا الاعتقاد في نظرية واضحة: فعندما سُئل عن اغتيال الكاتب المصري العلماني فرج فودة، رفض إدانة القتل، بل إنه دان الكاتب باعتباره أحد «أولئك الذين لا تكفيهم الردّة، بل يسعون إلى نشرها».
يُمسك القرضاوي عن إظهار الشدة نفسها تجاه المتطرفين المتدينين، الذين يعتبرهم في الأساس «رفاقاً عصاة»؛ ليعبر عن التسامح من الصنف الذي استخدمه لفترة طويلة الدعاة من الحزب الشيوعي الإيطالي تجاه إرهابيي الألوية الحمراء. فهو يصف المتطرفين بأنهم «شباب محب لعمل الخير -وإن كانوا مفرطين في التحمس- وأنهم شباب يغمرهم إيمان صادق، ويجب أن يُعاملوا بحب الأب والأخ، فهو يخبرهم بأنهم ينتمون إلينا ونحن ننتمي إليهم، وأن علينا مساعدتهم في إدراك أنهم يمثلون أملنا لمستقبلنا ومستقبل الأمة». ولا يخفي القرضاوي إعجابه «بحبهم للحقيقة، وكرههم الباطل، وشغفهم بنشر الرسالة الإلهية، وحرصهم على الصالح العام، ودرء الأذى والضرر، وتحمسهم للجهاد (ضد الظلم والفساد)، واهتمامهم بالمسلمين في كل مكان في العالم، وتطلعهم إلى إقامة مجتمع إسلامي يعيش وفقاً لشرع الله». ويواصل القرضاوي مدحه «هذا الجيل الشاب الذي نشأ على البر والتقوى» بقوله: «هو الكنز الحقيقي الذي يمكن أن تبني عليه مصر آمالها. بل إنهم أغلى من أي اعتبارات مادية».
إذاً، فما سبب الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء الرفاق المتدينون، الذين هم أمل المجتمعات الإسلامية؟ يحدد القرضاوي ذلك في «التطرف البغيض» الذي انتشر في البلدان الإسلامية، في شكل تراخٍ أخلاقي -تحت شعار «الحرية الشخصية»- يجلب الفساد إلى المجتمعات الإسلامية: «لو كان المجتمع قد اتخذ موقفاً ضد أولئك الذين كانوا غير أخلاقيين وغير متدينين، وسعى إلى تغيير جميع مظاهر الشر، لما كانت ظاهرة التطرف الديني لتظهر أبداً في بلداننا».
وبعبارة أخرى، فإن التطرف الإسلامي -من وجهة نظر القرضاوي- هو مجرد انحراف طيفي ناجم عن «التطرف العلماني» -إنه التهديد الفعلي للإسلام.
هذا موقف متكرر أبداه رجل الدين القطري، الذي حثّ المسلمين مراراً على الجهاد ضد الحكومات المسلمة. لقد مثّل الربيع العربي له نقطة انطلاق لتحقيق هذا الهدف الأسمى بالنسبة له.
يرى فيرجيلي أن يوسف القرضاوي بعيد كل البعد عن كونه صوتاً وسطياً يمثل الإسلام؛ إذ إنه ينشر أيديولوجية الانقسام والراديكالية من خلال أبواق قناة الجزيرة، وشبكة المواقع الواسعة النطاق، والمنظمات في جميع أنحاء العالم، بدعم كبير من قطر. إنه يتبنى رؤية صارمةً للشريعة الإسلامية تستبعد أي ابتكار محتمل لجعل الإسلام متفقاً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما أنه ينشر فكرة التكفير بين المسلمين، التي تجرّم أي مسلم لا يلتزم بهذا الفهم المحافظ والمُسيّس للدين. بل إنه يعزز من الشكل الراديكالي لجماعة الإخوان المسلمين، فهو يحتضن أهدافها وخططها ويتبناها بالكامل. ومن ثم فهو يدعم الوسائل السلمية، ويرفض الجهاد فقط بقدر ما يكون ذلك محققاً للهدف النهائي: ألا وهو دولة عالمية تحكمها الشريعة.
ويحذر فرجيلي من هؤلاء الأيديولوجيين ومن يؤويهم ويرعاهم. ويقول: إنهم لم يكونوا يوماً دعاة صادقين للسلام، بل سيحاولون دائماً خنق أصوات المسلمين الذين يسعون جاهدين للتوفيق بين الإسلام والحرية، وذلك دون استخدام الوسائل القوية ذاتها، وعلى حساب المخاطر الجسيمة التي قد تطال أفراد المجتمع عامة.