تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «7 أكتوبر: طوفان الإسلامويين» (الكتاب الرابع عشر بعد المئتين، أكتوبر (تشرين الأول) 2024)، التحولات الاستراتيجية للجماعات الجهادوية والتنظيمات الإسلاموية بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أبرزها تنظيم القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين وفروعهم. مثّلت الهجمات، فرصة لاستعادة خطاب العنف، وتواصل الجماعات، وإحياء المزايدات التي تستغلها الحركات في العمليات التجنيدية، من جهة، كما أدخلت تكتيكات جديدة على مستوى المباغتة والمفاجأة والإعداد ضمن سياق كامن، وتوظيف فكرة العمل السياسي الطويل، لصالح العمل العسكري المباغت، ضد الدولة، وطرحت سؤال التعاون العابر للمذهب، مجددًا التأكيد أن الإسلام السياسي ملة واحدة.
فاتحة دراسات الكتاب بدأها الباحث المصري أحمد سلطان، بتسليطه الضوء على ارتدادات عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) على تنظيم القاعدة؛ وجرى مواءمتها مع فكرة التخادم مع إيران؛ لاعتبار وجود سيف العدل داخل إيران، ما ساهم في تجاوز الحواجز العقائدية والتصنيفات. نبّه الباحث إلى أنّ الهجمات منحت النموذج العنيف من الإسلاموية زخمًا، أفاد منه تنظيم القاعدة والإخوان معًا؛ فقامت القاعدة بوضع عملية «7 أكتوبر» (تشرين الأول) 2023؛ وهجمات «11 سبتمبر» (أيلول) 2001، في درجةٍ واحدة. وتماهت مع نظرية ما يُسمى «وحدة الساحات»، في تعاملاتها، مشيرًا إلى الأثر الإيراني المزعوم، على التنظيم، لافتًا إلى أنه -ربما- أدى طول المكث في طهران والاحتكاك بأجهزتها الاستخباراتية والأمنية؛ إلى التأثير على خيارات أمير القاعدة الفعلي ورهاناته الاستراتيجية. أما تنظيم «داعش»؛ فدرسه الباحث المصري منير أديب في دراسته، فاستغل التنظيم الحدث لتوسيع مساحة التحرك والنشاط التجنيدي، وأزيلت بسبب التعاطف الكبير قيود حركته.
أفاد تنظيم الإخوان المسلمين من حدث «7 أكتوبر» ولواحقه المنطقيّة؛ فزاد مستوى مراهنته، ومطالباته، وأعاد توظيف الخطاب الأيديولوجي، وتضخيم الرسائل التسخيطية، وجدد أدواته لمهاجمة الدول. لذا تناول الكتاب ثلاثة نماذج من التفاعلات، فكشفت دراسة الباحث التونسي أحمد نظيف نموذجين هما: حركة مجتمع السلم (حمس) في الجزائر، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، مقارنًا بينهما؛ ومستحضرًا ثنائية التضاد في الأنموذجين، ولكن برغم البون بينهما؛ كشفت الدراسة، أن حدث «7 أكتوبر» أعاد إنتاج شكل جديد من «الأممية الإسلاموية»؛ داخل خطابي الحزبين، مبني على توظيف المظلومية الفلسطينية، لبناء شبكات متقاطعة محليًّا ودوليًّا، وصياغة سردية جديدة تستأنف بها مشروعها التّمكيني، وتعوّض خساراتها في سنوات ما بعد انحسار موجة الخريف العربي.
الأنموذج الثالث، لحصاد «7 أكتوبر»؛ تمثّل في الجانب الأردني، ورصدته دراسة الباحث الأردني سعود الشرفات، وحللت المكاسب الانتخابية التي حققتها الجماعة في البرلمان الأردني؛ إذ نالت (31) مقعدًا من أصل (138) بنسبة (22%) من أعضاء المجلس النيابي، في سابقة للجماعة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
تناول الباحث حسن البيضاني دخول الفصائل والمليشيات الإيرانية الهوى، إلى ساحات المعركة، استجابةً للنداء الأيديولوجي، مستشعرًا تأثير موقف الفصائل الولائية على الأمن القومي العراقي والأمن الإقليمي؛ إذ تبنّت (وحدة الساحات)، مشيرًا إلى أن تبعات هذا الموقف؛ تهدد الأمن القومي العراقي. وتناول الارتدادات التي أعادت سؤال احتكار الدولة للسلاح وإنهاء الجيوش الموازية.
جادل الباحث سلطان الكينج أن دعم هيئة تحرير الشام لحماس؛ ربما يعني تأييدًا غير مباشر لمحور إيران، لذا فإنّها تعمل بمبدأ فصل الساحات، فهي تؤيد حماس؛ وتحارب حزب الله، وستبقى هذه المسألة تحتاج لميزان الذهب في إدلب. يشير الباحث إلى أن الجيش السوري الحر فقد نفوذه لصالح الحركات الجهادوية، أبرزها هيئة تحرير الشام، التي باتت الفاعل الأقوى، فيما ينافسها الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. منذ فك ارتباطها بالقاعدة عام 2016، سعت الهيئة لإعادة تموضعها سياسيًا عبر حصر نشاطها داخل سوريا لتجنب التصنيف الإرهابي. ولكنّه يشير إلى أن حدث «7 أكتوبر» ربما يفتح شهيتها؛ لاستعادة حلب.
وفي دراسة التطبيقات؛ التي يمكن أن يدخلها الحدث على الجماعات الإرهابية، وفتح شهيتها لتنفيذ هجمات مباغتة ضد الدول، مرّت دراسة محمد إسماعيل على نشاط الجماعات الجهادوية النشطة في الساحل الإفريقي، والتي تعاملت مع الحدث تمامًا مثل الحماس الذي تعاملت به مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فرفعت حدث «7 أكتوبر»؛ مثلما فعلت القاعدة، إلى مستوى رمزي معولم؛ كما وصفته «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، كما أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» أو داعش الساحل الإفريقي أن بعض العمليات التي نفذها ضد الجيش المالي جاءت ثأرًا للمسلمين في قطاع غزة! وتصاعد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي.
أما دراسة لورينزو فيدينو (Lorenzo Vidino) فتستعرض جانبًا من شبكات الإخوان المسلمين وحماس في أوروبا، مبيّنة موقف الأوروبيين، لافتة إلى أن معظم السياسيين، وغالبية الأجهزة الأمنية وأجهزة إنفاذ القانون، لا يتعاطفون مع حماس، لكنهم لا يرون في الحركة تهديدًا مباشرًا لأوروبا، ومن ثم يوجّهون الموارد والانتباه إلى جماعات أخرى أكثر إلحاحًا مثل: داعش، والقاعدة، وجماعات النازية الجديدة. ويرى الباحث أن ما يواجهونه من صعوبة لمقاضاة الأنشطة التي يمارسها أعضاء حماس في أوروبا؛ لأنها لا تنطوي على هجمات، وإنما تقتصر على جمع الأموال والنشاط السياسي، كما أن تخصيص موارد ضخمة لإجراء تحقيقات معقّدة تهدف إلى تفكيك شبكات لا تشكل تهديدًا أمنيًّا، فضلاً عن فتح المجال أمام اتهامات بالإسلاموفوبيا وخدمة مصالح إسرائيل؛ ليس اقتراحًا جيدًا لأجهزة الأمن والمدعين العامين الأوروبيين. كما أن التمييز الأوروبي بين حماس (المصنّفة كمنظمة إرهابية) وجماعة الإخوان المسلمين (التي لا تعدّ منظمة إرهابية في أوروبا) لا يزال قائمًا، ما دام أنها لم تجد علامات ملموسة من جماعة الإخوان المسلمين تثير قلق الدوائر الأوروبية- حسب الباحث.
أما تداعيات الهجمات، فرأى أن أولى نتائجها تحفيز شبكات حماس والإخوان المسلمين الأوروبية، وحلفائهم وزيادة جرأتهم في تنظيم الاحتجاجات في الشوارع وحملات التضامن، وجميع أشكال النشاط على الإنترنت وخارجها.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب والعاملين على خروجه للنور، ونأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
أكتوبر (تشرين الأول) 2024