فايزة أمبا،*
على الرغم من أنّي ولدتُ مسلمة إلّا أنني لستُ اليوم متدينة، لذلك فالرسومات التي نشرتْ في صحيفة شارلي ايبدو لا تهينني. أجد أن هذه الرسومات مستفزة ولكن المشاعر الدينية التي لا أحملها لم تجرح من جرائها.
ما يهينني هو أن رسومات جديدة نشرت تحت راية الشجاعة وحرية التعبير.
لا شيء أسهل هذه الأيام من مهاجمة الإسلام والمسلمين. إنّ تهديد دين وشعب كامل دون مواجهة العواقب ليس نصراً لحرية التعبير، فلا شجاعة في أن يكون المرء جزءا من هذه الصيحة.
من ناحية ثانية فإنّ هذا السلوك يبعث بهذه الرسالة للمسلمين: “أعزاءنا المسلمين، سنثير الصخب حول حرية التعبير وحقوق الإنسان، ولكن ليس إذا تعلّق الأمر بكم، فنحن لا نحترم ما تتحسسون منه، بل نحن لا نحترمكم. لا يهمنا شعوركم نحو أي شيء. نريدكم أن ترحلوا وأن تعودوا من حيث أتيتم. سوف نزيّن هذا بالكلام عن حرية التعبير والقيم العلمانية، ولكن في الحقيقة نحن لا نرتاح لاختلافكم الهائل عنّا، وإنّ الرسومات ما هي إلا انعكاس لمخاوفنا، ولن نتوقف”. إنّ هذا يزيد من نفور المسلمين في الغرب وفي العالم ويترك جرحاً يمكنه أن يكون مصدرا للتطرّف. يشارُ إلى القرآن كمصدر التطرّف الإسلامي، إلّا أنّ القرآن موجود منذ أكثر من ألف سنة وهو ليس بمعزل عن المجريات من حوله.
إن المسلمين الشباب لا يشعرون بأنّ أحداً يراهم أو يسمعهم أو يحترمهم. ما يرونه هو أناس يشبهونهم ويحملون أسماء تشبه أسماءهم يتعرضون للقتل اليومي دون مواجهة أية عواقب. يرون التعذيب والأطراف المكسورة وعمليات الخطف والقتل خارج النظام القضائي دون عواقب.
يعيش هؤلاء الشباب تحت آلام المعايير الغربية المزدوجة التي لا ترى موت العراقيين واليمنيين والأفغان والفلسطينيين واللبنانيين سوى أضرار جانبية، حيث لم يكن قضاء 500 ألف طفل عراقي بسوء التغذية بفعل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأم المتحدة سوى تأثير جانبي مؤسف لمساعي الخلاص من صدام حسين. ولكن موت طفل غربي واحد يعّد مأساة إنسانية، وهذا ما يجب أن يكون، إذْ إنّ موت أي طفل هو مأساة، ولكن المعايير المزدوجة تقول: إنّ حياتنا مهمة، ولكن حياتكم كلا.
ما يزال موت أولئك الأطفال يطاردني، وصور الجنود الإسرائيليين وهم يكسرون عظام مراهقين فلسطينيين لكي يتوقفوا عن رمي الحجارة تطاردني، واتألم لأنني عجزتُ أن اأفعل شيئاً.
إنّ هذه الجراح النفسية لن تندمل بسبب كون الصحافة الغربية لا تكتب شيئاً عنها. إنّ هذه الجراح تعيش معك وتلتهمك من الداخل وتجبرك أن تروضها ضمن العالم الذي تعيش فيه ولكنها لا تناسب هذا العالم، فتجبرك أن تتغير أو أن تغيّرك، أو تسحبك إلى الكراهية.
إن هذا بعض من حجر الأساس للتطرّف.
عندما لا تدافع الحكومات الغربية والنشطاء وكافة المسلمين عن الحقوق الأساسية للضحايا المدنيين فإننا نفقد المصداقية والقدرة على التأثير. يجب ألّا يكون للإرهابيين الأصوات الأعلى ضد الظلم.
من أجل منع الأوكسجين عن هذا المصدر من التطرّف يجب أن تدان جميع أنواع الإرهاب سواء كان إرهاب حكومات قوية أو إرهاب جماعات وأفراد، إنّ ذلك هو ماتعنية الشجاعة وحرية التعبير.
*فايزة أمبا، هي كاتبة ومنتجة أفلام سعودية مقيمة في فرنسا