محمد محفوظ*
المجتمع الإيراني -كغيره من المجتمعات الإنسانية-مليء بالتعدد والتنوع على مختلف المستويات وفي كل دوائر الانتماء الإنساني. فعلى المستوى الديني غالبية الشعب الإيراني من المسلمين، إلا أن هناك أقليات دينية من مسيحيين ويهود وزرادشت، وعلى المستوى القومي ثمة قوميات متعددة فارسية وآذرية وعربية وكردية وبلوشية، وعلى المستوى المذهبي ثمة شيعة وسنة وأقليات مذهبية أخرى، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي والمناطقي، ثمة تنوعات هائلة يعيشها الشعب الإيراني، إلا أن جميع هذه التنوعات والتعدديات تعيش تحت سقف وطني واحد اسمه إيران. فحسب المصادر الرسمية يشكل الفرس (51%)، والآذريون (24%)، والجيلاك المازندريون (8%)، والأكراد (7%)، والعرب (3%)، واللور والبلوش والتركمان (2%)، وبقية العرقيات (1%).
ويتميز الواقع الإيراني بتداخل بين المذهبي والقومي. فحسب الأرقام الرسمية فإن (89%) من سكان إيران يدينون بالمذهب الشيعي الاثني عشري، ويشكل أهل السنة (10%)، ويتوزع (1%) بين الأرثوذكس الأرمن واليهود والزرادشت وغيرهم. فمعظم الفرس والآذريين والجيلاك والعرب من الشيعة، ويشكل الأكراد والبلوش والتركمان وبعض العرب والفرس في الأقاليم الجنوبية والشرقية سنة إيران الذين يتحدثون أن نسبتهم تفوق (20%). وإضافة إلى التنوع الديني والمذهبي والقومي والعرقي الذي تحفل به إيران، هناك التوجهات الفكرية والثقافية المتعددة… إذ إن تاريخ إيران الثقافي والفكري يزخر بعديد من التوجهات والتيارات الثقافية والفلسفية، وكل هذه التوجهات لها أقطابها وامتدادها الاجتماعي. بحيث نتمكن أن نقول: إن المجتمع الإيراني مجتمع متعدد ومتنوع أفقيا وعموديا.
ولا يمكن إدارة هذا التنوع على نحو إيجابي بدون الإيمان العميق بهذه الحقيقة، وبضرورة تطوير نظام الشراكة والتمثيل لكل التعبيرات وأطياف الشعب الإيراني.
ونعتقد على هذا الصعيد أن من الخواصر الرخوة في تجربة الجمهورية الإسلامية الراهنة، غياب أو محدودية تمثيل ومشاركة ألوان الطيف الإيراني في الحياة السياسية العامة. وحينما تخطو إيران الرسمية خطوات عملية لتطوير نظام الشراكة، فإن هذا يسهم في تطوير التجربة السياسية بأكملها. بمعنى أن من أهم المداخل الراهنة لتطوير النظام والتجربة السياسية في إيران، انفتاح هذه التجربة على تعبيرات المجتمع الإيراني، وفسح المجال لها للتعبير عن دورها في الحياة العامة. فحينما تتطور مشاركة الإيراني المسيحي، السني، البلوشي، العربي، الآذري في الحياة السياسية، فإن هذا سينعكس إيجاباً على وحدة الشعب الإيراني وقدرته على تقديم أنموذج عملي في إدارة حقائق التنوع على قاعدة المشاركة الفاعلة والمواطنة الجامعة.
وفي هذه اللحظة العصيبة التي تعيشها المنطقة على أكثر من صعيد، ندعو الحكومة الإيرانية إلى المزيد من القيام بخطوات تستهدف تعزيز مشاركة أقلياتها في الحياة العامة، وإن هذه الخطوات لا تضعف إيران على أي نحو من الأنحاء بل تقويها، وتطور من مستوى قبول مختلف المكونات في الشعب الإيراني بنظامه السياسي. ونحن نرى أن من أهم العيوب التي تؤخذ على النظام السياسي الإيراني على المستوى الداخلي، ضعف تمثيل أقلياته الدينية والمذهبية والقومية في الحياة السياسية.
فليس ثمة مانع -كما يبدو من الناحية الدستورية والقانونية- أن يكون هناك وزير سني أو مسيحي أو عربي، (الجنرال علي شمخاني وزير الدفاع الأسبق عربي، وهو حاليا رئيس مجلس الأمن القومي)، وأن تزداد وتيرة تمثيل هؤلاء في الحقل الدبلوماسي وما أشبه ذلك. فإيران، ولاعتبارات عديدة داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، معنية بتطوير علاقتها السياسية مع أقلياتها الدينية والمذهبية والقومية، وتوفير فرص مشاركة كفاءاتها وطاقاتها في خدمة وطنها من موقع المسؤولية السياسية.
والتصريح الذي أطلقه قبل مدة الرئيس حسن روحاني وقال فيه: “إن الجميع سواسية، الوحدة لا تتحقق بالشعارات، والأكراد والأتراك والفرس والبلوش وكل القوميات والطوائف في البلاد هي مثل زهور ولكن بأريج مختلف” أتطلع إلى ترجمته عملياً عبر خطوات تعزز من مفهوم الشراكة بين جميع الإيرانيين، بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم. ونعتبر في هذا السياق ما أعلن عنه علي يونسي (مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات الدينية والعرقية) حول إنشاء مجلس استشاري للسنة، داعياً إلى منحهم مزيداً من الحقوق، خطوة في الاتجاه الصحيح. فالأوطان جميعًا ينبغي أن تستوعب جميع المكونات والتعبيرات.
* كاتب وباحث سعودي.