تقديم
تتقاطع الحركات الدينية الثورية بطرفيها: السُني والشيعي على مستوى الأداء والأهداف. وعلى الرغم من التباعد الذي يظهر أيديولوجياً وعقائدياً، ثمة شبكة من المفاهيم والآليات الضابطة يلجأ إليها هؤلاء الحركيون، ترتبط بتوظيف الدين في المجال السياسي، واستغلال التحولات السياسية والاجتماعية وأزمنة الاضطراب لتنفيذ المشروعات، ويتضح ذلك لدى الإخوان المسلمين والتنظيم الحركي لولاية الفقيه في إيران.
يواكب كتاب المسبار (إيران والإخوان (3): الشيعة القطبيون) (الكتاب الرابع والعشرون بعد المئة، أبريل (نيسان) 2017) السياقات التاريخية والأطر المفاهيمية والنصوص التأسيسية والتقاطعات الأيديولوجية التي تستند إليها أكبر كتلتين حركيتين، أي: «الإخوان المسلمين» في مصر و«الخمينية» في إيران. ويواصل مركز المسبار بذلك سلسلة كتبه التي تتناول جناحي الإسلام السياسي الإخواني والخميني الإيراني. توضح الدراسات حدود التقارب بين الطرفين، وقد عملت على رصد وحدة القواعد المعرفية المشتركة في طبيعة الخطاب الراديكالي، وتحليل النصوص العقائدية لا سيما نظرية الحاكمية، والتلازم بين الدين والدولة، والمسار السياسي والعملي. كشف المنهج المقارن المعتمد عن أبرز نقاط الاتفاق والافتراق بين أكبر حركتين إسلامويتين.
إن الفوارق الشكلية بين الإسلام السياسي السُنّي والإسلام السياسي الشيعي ارتبطت -إلى حد ما- بالتحولات البنيوية. تلاحظ إحدى الدراسات «أن أقطاب الحركة الإسلامية الإيرانية تأثروا بموروث الإخوان المسلمين الأول، واعتبروا تراث سيد قطب وحسن البنا وأبي الأعلى المودودي، بمثابة مساحة تنظيمية محضة». إن الاختلاف بين ولاية الفقيه والإخوان المسلمين لا تحدده –غالباً- المسارات العقائدية، لا سيما بعد «أحداث العام 2011»، التي رأت فيها إيران «صحوة إسلامية». العلاقة المباشرة بين الأيديولوجيا الإسلاموية ومسارات التغيير الجارية في الإقليم بدءاً من عام 2011 أربكت الإخوانية والخمينية معاً، في الملفات الإقليمية المعقدة، وتحديداً الأزمة السورية، وبروز الدور التركي، إلا أن وشائج التعاون لا تزال قائمة، خصوصاً أنّ عام 2016 شهد أكثر من فاعلية في طهران احتفت بسيد قطب، الأمر الذي يدفعنا إلى فتح الملف للكشف عن سر العلاقة والتنقيب عن المشتركات الأكثر تأثيراً.
إن التقارب التاريخي بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الشيعية يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، لكنه بدأ عملياً في بداية الخمسينيات؛ وتعتبر هذه المرحلة –كما تبين إحدى الدراسات- الفترة الذهبية لعلاقة الإخوان بإيران، وهي فترة تمتد من 1953 بلقاء نواب صفوي مع سيد قطب وأعضاء الإخوان المسلمين في مصر، بالإضافة إلى مرشدي الإخوان في سوريا والأردن بين عامي 1954 و1979. من المفيد الإشارة إلى أن المرحلة التأسيسية بين الإخوان وإيران شهدت محاولات إخوانية لإنقاذ زعيم حركة «فدائيان إسلام» نواب صفوي، الذي عدته الجماعة شهيداً، وحاولت إنقاذه من الإعدام من خلال تكوين خليّة خاصة تهدف لاختطافه من السجن.
إن التلاقي بين الحركتين الإسلامويتين في بدايات التأسيس كان متوقعاً في ظل تشابه الأهداف وتطابقها، ولاحقاً ستختلف طبيعة العلاقة بينهما، لتتحول إلى نوع من البراغماتية السياسية. وفي الحقبة الراهنة تتحكم بالعلاقة بين «الإخوان المسلمين» و«إيران» حالة من المد والجذر، ويبدو أن التحولات السياسية أثرت تأثيراً مباشراً في سلم الأولويات لدى الطرفين، ولكن التباعد في المصالح لم يؤدِ إلى قطيعة نهائية.
لقد سعت إيران إلى تجسير علاقاتها مع العديد من الحركات الإسلامية الجهادية وفي طليعتها «حركة المقاومة الإسلامية»؛ فبعد أقل من ثلاث سنوات على تأسيس حماس، كان اتصالها الأول المعلن مع إيران عام 1990، في مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ثم تطورت العلاقات مع المؤتمر الثاني الذي عُقِد في 1991، وقد تُوجت هذه العلاقة بفتح مكتب تمثيلي دائم لحماس في إيران. راهناً، تلعب حماس لعبة مزدوجة: المصالح العسكرية تدفعها نحو إيران في حين تدفعها بعض مصالحها السياسية نحو مصر، إضافة إلى سعيها لتحسين علاقتها مع دول الخليج العربي، ولكن بطريقة لا تضر بروابطها مع طهران.
يتشابه الإسلاميون الحركيون بنزعتهم العالمية وثوريتهم الانقلابية وعدم اعترافهم بالحدود السيادية للدول وتطبيق القانون. وتتصف حركات الإسلام السياسي السني والشيعي بطابعها الشمولي، وتعتبر الشمولية أحد أبرز محددات هويتها. ذكر حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس أن دعوة الإخوان المسلمين «دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية». وفي الوصية الخالدة أشار الخميني إلى أن «الإسلام والحكومة الإسلامية ظاهرة إلهية يؤمِّن العمل بها سعادة أبنائها في الدنيا والآخرة بأفضل وجه». وهذا يعني أن الشمولية تجمع بين الأدوار العقائدية والاجتماعية والسياسية، وأن وظيفة الولي الفقيه هي وظيفة مطلقة لا تنحصر بالجانب الديني فقط، بل تتجاوزه لتصل إلى كل جوانب الحياة.
إن العلاقة بين إيران الخمينية والحركات الإسلامية لا تنحصر بجماعة الإخوان المسلمين أو حماس فحسب، بل يدور الحديث عن علاقة خفية مع تنظيم القاعدة. إذا صحت هذه الفرضية، فما العوامل التي دفعت طهران إلى تأطير هذه العلاقة؟ وما الموقف الفكري والعقائدي الذي يتبناه تنظيم القاعدة تجاه إيران والطائفة الشيعية؟ يقول زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري: «موقفي من عوام الشيعة هو موقف علماء أهل السنة، وهو أنهم معذورون بجهلهم. أما من شارك منهم زعماءهم في التعاون مع الصليبيين والاعتداء على المسلمين، فحكمهم حينئذٍ حكم الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، أما عوامهم الذين لم يشاركوا في العدوان على المسلمين، ولم يقاتلوا تحت لواء الصليبية العالمية، فهؤلاء سبيلنا معهم الدعوة وكشف الحقائق، وتبيين مدى الجرائم التي ارتكبها زعماؤهم ضد الإسلام والمسلمين».
يتوازى الإخوان كتنظيم وإيران كدولة ولاية الفقيه، في الكثير من الملفات الأساسية، وفي حين تضغط إكراهات السياسة على الفريقين لإخفاء العلاقات العلنية موقتاً، فإن المؤتمرات والفاعليات بينهما تبرز كدليل واضح على قوة الروابط، وهذا يجعل دراسات الباحثين أمام نهايات مفتوحة، تأهباً لمواكبة الجديد.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل محمد الهاشمي الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
رئيس التحرير
أبريل (نيسان) 2017
شاهد فهرس الكتاب