هيثم مزاحم
أصدر «مركز المسبار للدراسات والأبحاث» في دبي هذا الشهر كتابين عن إيران في سلسلة كتبه الشهرية، الأول حمل الرقم 52 وجاء بعنوان «إيران: التيارات، ولاية الفقيه، الإصلاح، النفوذ الإقليمي». أما الكتاب الثاني ذو الرقم 53 فعنوانه «إيران: المحافظون، الحركة الخضراء، الثورات العربية». وقد شارك في الكتابين باحثون إيرانيون وعرب وأميركيون، وتناولت دراساتهم مختلف التيارات الفكرية والسياسية الإيرانية والسياسات الإيرانية الداخلية والخارجية إضافة إلى دراسات أخرى عن الثورات العربية والحركات الإسلامية.
عرفت إيران أربع ثورات منذ الشطر الثاني من القرن التاسع عشر، حتى ثمانينات القرن العشرين، ولم تنقطع خلال تلك المنعطفات التاريخية عن الانفعال بالدين والحداثة والمعاصرة، وحتى اللحظة فإن الاجتهاد السياسي المسنود بمرجعيات فقهية جدلية هو ما يطغى على المشهد السياسي الإيراني، وتدخل المصالح السياسية والاقتصادية، وتتعالى صيحات الحداثة التي تريد العصرنة مقابل نفوذ المحافظين والمزاج المتشدد الذي يسيطر على النخبة الحاكمة بعد وصول أحمدي نجاد 2005، كل ذلك أثمر المزيج الإيراني بتفرده وحراكه الذي لا يخبو. على امتداد عددين يرصد مركز «المسبار» هذا الحراك الفكري السياسي.
تشرح لنا دراسة الباحث اللبناني هيثم مزاحم الفكر السياسي في إيران حتى ولاية الفقيه، وأن الفقه الشيعي الإثني عشري لا يقتصر على نظرية واحدة فقط حول الدولة، كما يعتقد البعض، بل إن هناك نظريات متعددة أنتجتها دراسات الفقهاء خلال القرن العشرين، والذي يعتبر فترة نضوج الفكر السياسي الشيعي وتبلوره. وهذا التعدد هو دليل على أن ليس ثمة إجماع على نظرية سياسية واحدة حول الحكم لدى الإثني عشرية.
إيران بين المرجعية وولاية الفقيه، جدلية الوصل والفصل، موضوع يحتاج إليه كل باحث في الاجتماع والفكر السياسي الديني الإيراني، تناوله الدكتور الشيخ محمد شقير، موضحاً طبيعة العلاقة بين المرجعية وولاية الفقيه، والمبرّرات التي دفعت بعض الباحثين إلى التنظير للجمع بين المرجعية وولاية الفقيه، في حين ذهب آخرون إلى القول بالفصل، وكيف تبدّى هذا الجدل في التاريخ السياسي المعاصر في إيران.
تناول أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإيرانية في الجامعة الأردنية نبيل العتوم التطور السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية 1980 – 1993، عن الثورة الإسلامية الإيرانية وبلورتها للنظام السياسي الإيراني، والمصادر التي اعتمدتها الثورة للسياسة الداخلية والخارجية الإيرانية وهي في مجملها من مؤلفات المرشد قائد الثورة، وتناولت الدراسة النظريات السياسة الخارجية التي تحكم علاقات الثورة الإيرانية مع العالم الخارجي وخصوصاً (نظرية أم القرى).
وجاءت دراسة الباحث الإيراني مجيد مرادي عن التيار الإصلاحي في إيران والأحزاب السياسية التي دعمت السيد خاتمي في الانتخابات الرئاسية (1997). فغالبية منتسبي هذا التيار من طبقة المثقفين والطلاب، ووفت الدراسة بشرح قصة الأحزاب الإيرانية وجدليتها، باختلافاتها، وتنوعها وتنوع مسمياتها على مرّ التاريخ الإيراني الحديث، منذ العهود الملكية، مروراً بالأحزاب السياسية بعد الثورة، ومراحل تكوين التيارين الإسلامييْن اليمين واليسار.
الثورتان الثقافيتان الإيرانيتان: عمليات الأسلمة الجارية يتناولها الباحث الإيراني مجيد محمدي فقد مر المجتمع الإيراني – منذ انتصار ثورة عام 1979 وتولي رجال الدين الحكم – بثورتين ثقافيتين بين أعوام 1980 – 1982، و2005 – 2010. وتهدف هذه الدراسة إلى المقارنة بين هاتين الظاهرتين في سياق عمليات الأسلمة، وحكم رجال الدين وأجنداتهم المعادية للفكر والغرب والسياسة الحزبية في إيران.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن البروفيسور آرشن أديب مقدم فقد اختار أن يرسم لنا «الجغرافيا» السياسية للمعارضة في إيران. صورت الدراسة تاريخاً قصيراً للسياسة المعارِضَة في إيران، بدءاً من ثورة التبغ في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانتهاءً بالاضطرابات التي أعقبت انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في صيف عام 2009. وتبحث الدراسة بعناية في الفكر السياسي لمفكرين وقادة سياسيين إيرانيين بارزين من أمثال علي شريعتي وجلال آل أحمد والخميني وآخرين.
أما الباحثة في الشؤون الإسلامية ريتا فرج فقد تناولت موضوع إيران والنفوذ الإقليمي بين الخميني وأحمدي نجاد. وتناولت الدراسة صعود الإمام الخميني وهيمنة فكره بعد الثورة في إيران وتأثير ذلك في المنطقة، وحلمه بتصدير الثورة، كما شرحت أهم الخلافات بين الإصلاحيين وأحمدي نجاد حول تصدير الثورة.
وقدم لنا هادي نعمة عرضاً موجزاً عن حزب «كوادر البناء» وموقع رفسنجاني في النظام الإيراني. يؤكّد «كوادر البناء» أهميّة المشاركة الشعبية في النشاطات السياسيّة، وأن «ضمان الحقوق الأساسيّة للمواطنين عَمَلِيّاً» يساعد على «حضور ومشاركة الناس في الساحة السياسيّة في شكل فاعل ومؤثّر».
ويقدم أحمد الزعبي إضاءة عن الحرس الثوري الإيراني عبر قراءته كتاب آنتوني هـ. كوردسمان، حول إيران الثورة والقوى الأيديولوجية ودور الخميني في تكوين الحرس الثوري، وصلته الحالية بالمرشد الحالي علي خامنئي.
يعرض لنا عمر الترابي كتاب الباحث الإماراتي سلطان النعيمي (الفكر السياسي الإيراني جذوره، روافده، أثره) والذي حاول الإجابة على أسئلة مهمة حول ماهية الفكر السياسي الإيراني ومكوناته، ودور الفكر السياسي الشيعي العقلاني منه والإخباري في الفكر السياسي في شكل عام ومراحل تطوره وتأثره بتعاقب الدويلات، ونظرية ولاية الفقيه وتشكل الدولة الجمهورية، والرؤى الجديدة لنظرية ولاية الفقيه، وملامح النظام الإصلاحي.
وفي الكتاب ثمة تلخيص لعدد من المقالات التي نشرت في مجلة مركز مكافحة الإرهاب الأميركي للتعريف بطريقة تفكير مراكز الدراسات الأميركية بعد التطورات الجديدة في المنطقة العربية، ومدى التأثير الذي يمكن الإسلاميين بشتى أطيافهم أن يمارسوه والدور الذي يمكن أن يلعبوه. ويشمل التقرير مقالات مختلفة عن «الثورة في تونس ومصر هل هي ضربة للحكاية الجهادية؟» و «القاعدة في المغرب الإسلامي وأهدافها في شمال أفريقيا» و «نظام الولاء القبلي في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» و «التحوّل العنيف في خطاب حزب التحرير» و «جماعة المسلمين في بالتيمور: تعزيز الراديكالية برسالة جهاد منضبطة». ويأتي مقال «دور جماعة الإخوان المسلمين في الثورة المصرية»، ليعكس وجهة نظر تيار من الباحثين والخبراء له تأثيره في مراكز صناعة القرار في أميركا، انعكست آثاره في المواقف الأميركية المختلفة إزاء الثورات العربية واحتمال وصول الإسلاميين إلى الحكم في عدد من البلدان العربية وفي مقدمها مصر.
أما الكتاب الثاني فيشمل أطياف الحراك الذي تشهده الساحة السياسية الإيرانية، على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي، ويقدم لمحات عن المشهد في أعقاب ثلاثة عقود من عمليات الأسلمة، وحكم الفقيه. وفي الآونة الأخيرة حظي الموقف الإيراني ورؤية طوائفه المختلفة وتياراته تجاه الاحتجاجات والثورات بزخم إعلامي؛ سواء في الاحتجاجات الإيرانية التي فجرتها الحركة الخضراء في أعقاب انتخابات 2009؛ أو الاحتجاجات العربية التي شهدها العام الحالي.
فاتحة دراسات العدد دراسة الباحث هيثم مزاحم التي تناولت الاجتهادات الفقهية والفكرية حول ولاية الفقيه في المذهب الاثني عشري، بخاصة تلك التي تلت إقرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودستورها. وقد قدم موجزاً للنظرية وتاريخها، وعدّد العلماء والمراجع الذين حاولوا ابتداع نظريات مماثلة أو تطوير النظرية في حد ذاته وغيرها من اجتهادات. تتباين هذه النظريات في تقييدها صلاحيات الحاكم المنتخب بالدستور (رئيس الجمهورية)؛ وإطلاقها صلاحيات الفقيه كمفكر للجمهورية وضابط لاستراتيجها.
وتناول أستاذ علوم الأديان في جامعة فرجينيا البروفيسور عبدالعزيز ساشدينا، الآثار القانونية والدستورية لولاية الفقيه في العقدين الأخيرين، مشيراً إلى المخاوف والمحاذير التي أوقعت النظرية في شرك الأمن القومي الإسلامي فيما يتعلق بجنسية المرجع، مشيراً إلى أن الفكر السنّي يفصل بين السلطة الدينية والدنيوية مستدلاً باختياره طريقة دنيوية لاختيار الخليفة، بينما ربط الفكر الشيعي الخيار الدنيوي بفرضية دينية إلهية ملزمة، مشيراً إلى أن الحكام استغلوا نفوذ «مراجع التقليد» ونواب «الإمام الغائب».
وتناولت عائدة مازح في دراسة بعنوان (أنصار حزب الله… الذراع الضاربة للمحافظين)، وهو الحزب الذي يستند إليه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو من القوى البارزة في مسيرة الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية، وشرحت كيف أن الحزب يرى أن الولي الفقيه لا يتم انتخابه من قبل الخبراء، بل يتم تعيينه من قبل الله ولا يقوم الخبراء بشيء أكثر من الكشف عنه بما أوتوا من علم وخبرة.
الخبير والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأردنية نبيل العتوم قدم إضاءة عن الإصلاحيين والمحافظين في إيران وبيّن نشأة الصراع والاختلاف بينهما، وتتبع تشكّل التيار الإصلاحي في مراحله الجنينية، ومرّ على توالد الأجنحة داخل هذه التيارات، مؤكداً أن الخلاف الرئيسي الحالي في المستوى الفكري يدور حول ولاية الفقيه وسلطاته المُقيدة لرئيس الجمهورية. وعزا فشل الرئيس محمد خاتمي في تنفيذ الإصلاحات التي أرادها في فترته لتقييد مرشد الثورة سلطاته. لذلك، فإنه من المبرر السعي الدؤوب الذي يقوده التيار الإصلاحي لتقليص صلاحيات المرشد بعد تلك التجربة، فيما يحاول المحافظون الإبقاء على سلطات المرشد نافذة للحفاظ على الحالة الثورية.
الحركة الخضراء الشبابية كانت موضوع دراسة الباحث الأردني علي حسين باكير متناولاً مسارها ومصيرها. قسّم باكير المعارضة الإيرانية إلى معارضة مسلحة وسياسية ودينية، سارداً رموز كل اتجاه منها وتحدث عن التيار الإصلاحي ونفوذه وحدد ميلاد الحركة الخضراء في الاعتراض على تزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية في عام 2009، وما أعقبه من احتجاجات مثلت ذروة نشاط الحركة، وتناول مكوّناتها على المستوى الاجتماعي والسياسي والديني وعدد أهدافها، واستشرف مستقبلها في ظل التحديات التي تواجهها بسبب القمع وتشتت قاعدتها الجماهيرية وتعدد قياداتها، وعدم الاستفادة القصوى من الزخم الجماهيري.
حاول الباحث عمر البشير الترابي، الربط بين الثورات والاحتجاجات العربية بالحركة الخضراء في إيران، وقارن بين الطبيعة الأمنية في الحالتين، والسيكولوجية الموحدة للضفتين، منطلقاً من قصة ثورة إيران الإسلامية في 1979 وتشابهها مع الحركة الخضراء في الشعارات والأشواق. وكانت الأخيرة (2009) تعبيراً عن خيبة أمل في الثورة الإسلامية (1979)، شارحاً وجه مضاهاتها لخيبة الأمل في الجمهوريات العربية التي سبق أن شهدت ثورات رأسية في الخمسينات والستينات، معتبراً النموذجين العربي والإيراني لم يوفيا متطلبات النجاح، وأنه لم يتم التعامل مع النظريات بأمانة سواء الإسلامية أو الجمهورية، كما تناولت الدراسة نظرة إيران بشقيها الإصلاحي والمحافظ للاحتجاجات العربية.
كما أجرى مركز «المسبار» حواراً مع فريدة فرحي المحاضرة في كليات الدارسات العليا في جامعة هاواي في مانوا، وقد تناول الحوار تداعيات الاحتجاجات العربية وأثرها على إيران، ومنع السلطات الإيرانية للتظاهر، وإقالة هاشمي رفسنجاني من أهم مناصبه، والانتخابات المقبلة في عام 2013.
لا تكتمل الصورة عن المشهد الإيراني إلا بالنظر إلى علاقتها بالغرب بعامة وأميركا بخاصة. لذلك اختارت هيئة التحرير تقديم تسلسل زمني موجز عن تاريخ العلاقات الإيرانية – الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية (1941) حتى عام 2010.
واشتمل الكتاب على مراجعة لكتاب الباحث الإيراني فرهنك رجائي «الإسلاموية والحداثة الخطاب المتغير في إيران» الذي ترجمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، متناولاً تفاعل الحركة الإسلامية الإيرانية – التي قسمها إلى أربعة أجيال – مع الحداثة، واستخدام السلطات الحاكمة كليهما (الإسلام والحداثة)، وحلل فيه المراحل المهمة للحركة الإسلامية في إيران وخطابها والتطورات التي مر بها مقارناً بين ضفتين: إسلام قم وإسلام جامعة طهران.
أما دراسة العدد فهي للباحث التونسي أعلية علاني عن «الإسلاميون في تونس ومصر بعد الثورة الأبعاد والتداعيات وبداية تشكل الشرق الأوسط الجديد»، وتناولت الإسلاميين بعد ثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2011 بتونس عبر واجهتهم حركة النهضة، وخيارها الاستراتيجي بين التحالف أو الاحتواء أو الاندماج، أما في مصر فتساءلت الدراسة هل فاجأت الثورة الإسلاميين في مصر، مؤكداً أن مجريات الأحداث تشير إلى بداية تشكل الشرق الأوسط الجديد مع استعراض لأبزر التحديات المستقبلية.
ملف العدد 53 كان ملخصاً لشهادات مجموعة من الخبراء قدمت في الكونغرس الأميركي في منتصف آذار (مارس) الماضي، أمام (لجنة الاختيار الدائمة الخاصة بالاستخبارات، واللجنة الفرعية حول الإرهاب، والاستخبارات البشرية والتحليل والاستخبارات المضادة. وكانت الشهادات حول دور الإخوان المسلمين في الثورات التي تشهدها المنطقة العربية، ومدى تأثيرهم أو تأثرهم بها والاحتمالات المستقبلية بعد أن أصبحوا من صناع السياسة في مصر بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك.
يذكر أن مركز «المسبار» قد أصدر في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي الكتاب السادس والأربعين بعنوان «أهل السنة في إيران.
المصدر:
21 مايو 2011