تشهد أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ديناميكية متسارعة ومتجددة في التوقيت الحالي في مناطق شمال سوريا، وعادت تهديداتها الإرهابية بصورة لافتة خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد فترة من الخمول على خلفية إعلان تركيا في 30 أبريل (نيسان) 2023، مقتل زعيمه “أبو الحسين القرشي” خلال عملية استخباراتية في الشمال السوري. وصعد التنظيم نشاطه وعملياته الإرهابية في سوريا، ومن أبرزها الهجوم الذي جرى في 19 أبريل (نيسان) 2024، حيث تمكنت خلايا “داعش” من قتل (20) عنصرًا من قوات الجيش السوري وفصائل موالية لها في ريف حمص والبوكمال شرق سوريا، كما أنه وفقًا للعديد من التقديرات نفذ “داعش”، بشكل مؤكد، ما لا يقل عن (69) هجومًا سريًا خلال مارس (آذار) 2024[2].
يسعى التنظيم بصورة لافتة في التوقيت الحالي، لاستعادة نفوذه في شمال شرق سوريا، وهو ما كشف عنه إعلان “سايمند علي” المتحدث الإعلامي باسم مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في 25 فبراير (شباط) الماضي، عن اعتقال عناصر من التنظيم في مدينة الحسكة بشرق سوريا، مشيرًا إلى أن الدلائل والشعارات توحي بأن التنظيم بدأ عمليات فردية وجماعية لاستهداف القوات العسكرية ووجهاء العشائر وحتى الموظفين في الإدارة الذاتية[3]. وتمثل عودة أنشطة “داعش” في سوريا، تحولاً ملحوظًا في استراتيجية التنظيم، الذي ظل طيلة العامين الماضيين بعد اغتيال عدد من كوادره، يعتمد على آلية تجذير وتقوية خلايا التنظيم النائمة بجانب العمليات النوعية، وليس السيطرة المكانية، على نحو يمكن أن يفرض تداعيات خطيرة على أمن واستقرار سوريا، والمنطقة بشكل عام خلال المرحلة القادمة.
مؤشرات داعمة
ثمة العديد من المؤشرات الدالة على عودة تنظيم “داعش” في سوريا، وبخاصة شمال شرق البلاد، ويمكن بيانها على النحو التالي:
تصاعد النشاط العملياتي في الشمال السوري: شهدت مناطق الشمال السوري عدة هجمات لتنظيم “داعش” خلال الأشهر الفائتة، على نحو يتجاوز تحركاته فيما مضى؛ حيث نفذ “التنظيم عددًا من العمليات الإرهابية النوعية ضد أهداف مدنية وعسكرية تابعة للإدارة الذاتية الكردية خلال الربع الأول من العام الجاري، وصلت إلى نحو (49) عملية أوقعت أكثر من (100) مدني وعسكري.
ولم تكن هذه الهجمات النوعية هي الأولى من نوعها، ففي العام الماضي كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن أن خلايا “داعش” في سوريا، نفذت (336) عملية في مناطق النظام السوري والإدارة الذاتية شمال البلاد، أسفرت عن مقتل (700) شخص من المدنيين والعسكريين.[4]
اختراق مخيم الهول: تمكن تنظيم “داعش” خلال الآونة الأخيرة من تعزيز حضوره داخل مخيم الهول، الذي يقع في محافظة الحسكة السورية، ويضم أعدادًا كبيرة من نساء وأطفال “داعش”، بالإضافة إلى معتقلي التنظيم. وهنا، يمكن فهم التحذيرات التي تم إطلاقها أخيرًا من تحول مخيم “الهول”، إلى إحدى البؤر التي تشهد نشاطًا فكريًا وتنظيميًا. كما كشفت اتجاهات عدة أن “داعش” تمكن من استغلال بعض كوادره داخل “الهول” لتجميع عناصره من جهة، ومن جهة أخرى تجذير أفكاره داخل المخيم.
إعادة تنظيم الصفوف: سعى “داعش” خلال الأشهر الماضية لإعادة تنظيم صفوفه من خلال تبني استراتيجية جديدة، تعتمد على الاندماج مع السكان المحليين، بالإضافة إلى تجنيد المزيد من المسلحين سواء داخل مخيم الهول شمال شرق سوريا، أو المناطق الطرفية الضعيفة والمهمشة التي تعاني من الفقر.
وعلى صعيد متصل، سعى التنظيم إلى توظيف الصحراء السورية لإعادة تموضعه، وبناء هياكله من جديد، وتجلى ذلك في ظهور نشاط واسع للتنظيم في منطقة الرقة ودير الزور شرقي سوريا، فضلاً عن العودة إلى استراتيجية قديمة تبناها في وقت سابق، وتعتمد على تجنيد السكان المحليين الذين يعانون الفقر.
التطور العددي للتنظيم: على الرغم من الخسائر البشرية التي لحقت بتنظيم “داعش” خلال السنوات التي خلت، فإن التنظيم تمكن خلال الآونة الأخيرة من تعزيز قوته البشرية، ويؤشر على ذلك تأكيد المدير التنفيذي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب “فلاديمير فورونكوف” أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير (شباط) 2024، أن هناك ما يصل إلى (5) آلاف عضو نشط في العراق وسوريا. كما كشفت بعض التقديرات عن أن ما لا يقل عن (1000) من أعضاء داعش المتفرغين يعملون في شمال سوريا في الوقت الحالي[5].
تحسن الموارد المالية للتنظيم: تمكن “داعش” في إطار محاولته لتوفير الأموال اللازمة لأنشطته من من بناء نظام مالي جديد، وخاص للتنظيم، وذلك من خلال اتباع أساليب عدة لتنشيط منظومته الاقتصادية، منها ابتزاز الشركات التجارية ومداهمة المتاجر، بالإضافة إلى ابتزاز التجار وأصحاب رؤوس الأموال. كما اعتمد التنظيم أساليب قطع الطرقات وفرض الضرائب على التنقلات التجارية لا سيما في البادية السورية، ومناطق الشمال السوري جنبًا إلى جنب مع مهاجمة حقول النفط في شمال شرق سوريا؛ بهدف فرض معادلة تجارية جديدة تقوم على “الأمن مقابل الأموال”[6]. ويتوقع وفقًا للعديد من التقديرات، أن يسعى “داعش” خلال الفترة القادمة للسيطرة المتكررة نسبيًّا على المرافق الحيوية، كحقول النفط ومحطات الطاقة في شمال سوريا، إضافة إلى سعيه لإظهار وجود تحالفاتٍ اقتصاديّة وأمنيّة معه، من قِبل بعض التجمعات المحلية.
تنامي التحذيرات من عودة “داعش”: في مؤشر واضح على تصاعد العمليات الإرهابية في شمال سوريا، وتزايد هجمات “داعش” الإرهابية في سوريا خلال الفترة المقبلة، قررت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” في مطلع يناير (كانون الثاني) 2024، إرسال (1500) جندي من لواء المشاة القتالي، ضمن “عملية العزم الصلب” لمحاربة “داعش” في سوريا والعراق، لمدة عام[7].
بالتوازي، حذر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، في منتصف فبراير (شباط) 2024، من استمرار مخاطر تنظيم “داعش” في سوريا. وأشارت المنظمة الأممية إلى أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرات تؤهله لشن هجمات إرهابية، فضلاً عن التخطيط لتهديد خارج مناطق عملياته. كما كشفت الأجهزة الأممية المعنية بمكافحة الإرهاب، عن أن خطر عودة ظهور تنظيم “داعش” يظل قائمًا في سوريا والعراق، خاصة أن أنشطة الجماعات المنتسبة للتنظيم ساهمت في تدهور الوضع في مناطق عديدة بالشمال السوري[8].
أسباب متعددة
ثمة العديد من الدوافع والأسباب الكامنة وراء تصاعد النشاط العملياتي لتنظيم داعش على الجغرافيا السورية في التوقيت الحالي، ويمكن بيانها كالتالي:
تنامي الانفلات الأمني في شمال سوريا: لا تنفصل عودة تنظيم “داعش” إلى سوريا، وبخاصة في مناطق الشمال عن حالة الفوضي الأمنية التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الماضية، وظهر ذلك في استمرار موجات التصعيد بين الميليشيات الإيرانية وقوات النظام من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، إضافة إلى تفاقم العنف في شمال وشرق سوريا، والانقسام على مستوى التحالفات العسكرية، واشتداد الاقتتال الداخلي منذ يناير (كانون الثاني) 2024 بين قوات “قسد”، ومقاتلي العشائر في دير الزور على خلفية فشل الإدارة الذاتية -التي يقودها الأكراد في تحسين الأوضاع الاجتماعية وتقديم الخدمات الحيوية بشكل يضمن الحقوق الأساسية لسكان مناطق العشائر في شمال شرق سوريا، وهو ما وفر بيئة خصبة لعودة تنظيم “داعش”[9].
الارتدادات السلبية للأزمات الأمنية: مثلت التطورات الأمنية السلبية على الساحة السورية، وفي الصدارة منها تصاعد المواجهات بين الميليشيات الإيرانية والقوات الأميركية، بالإضافة إلى انسحاب بعض مجموعات “فاغنر” والقوات الروسية من محيط حقول النفط والغاز، فرصة لزيادة عمليات التنظيم في البادية السورية.
بالتوازي؛ برزت في الآونة الأخيرة تحركات للتنظيم على ضوء تصاعد مخاوف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من احتمال الانسحاب الأميركي من مناطق الشمال السوري، خاصة مع صدور تقارير وتسريبات في يناير (كانون الثاني) الماضي، كشفت عن نية واشنطن سحب قواتها من سوريا. صحيح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفت هذه التسريبات، إلا أن ذلك لم يبدد مخاوف الأكراد الذين يعولون على الدعم العسكري الأميركي لتطهير مناطق نفوذهم من “داعش”.
استمرار العمليات العسكرية التركية: يأتي الزخم المتصاعد بشأن عودة النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” مرتبطًا في جانب معتبر منه باستمرار العمليات العسكرية التركية على مناطق الشمال السوري، وإصرار أنقرة على محاصرة نفوذ قوات “قسد”، ونسف مشروع الإدارة الذاتية الكردية شمال شرق سوريا، باعتباره تهديدًا للأمن القومي التركي. وتجدر الإشارة إلى أن التوغلات والحملات الجوية التركية التي تستهدف قوات “قسد” شمال شرق سوريا، ساهمت في تحويل القوات والموارد بعيدًا عن قتال تنظيم الدولة الإسلامية وإيقاف التدريب مؤقتًا.
توظيف الحرب الإسرائيلية على غزة: يأتي صعود تنظيم “داعش” في التوقيت الحالي على الساحة السورية، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ إذ وفرت هذه الحرب بعض الظروف والسياقات التي تدفع باتجاه تنامي أنشطة تنظيم “داعش” في سوريا، لا سيما مع انخراط الميليشيات والمجموعات المسلحة الموالية لإيران في سوريا، والتي كانت تلعب دورًا مهمًّا على مستوى تحجيم تحركات تنظيم داعش على خط الصراع في غزة، بالإضافة إلى انشغال التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده واشنطن بتداعيات الحرب على غزة، والتركيز على تأمين قواعده ونطاق تمركزه، بعد تصاعد استهداف الميليشيات العراقية والسورية الموالية لإيران إياها، ردًّا على الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب على غزة[10].
كما تجدر الإشارة إلى أن واشنطن تبدي في التوقيت الحالي اهتمامًا أكبر بشأن تحييد التهديدات الحوثية على الملاحة البحرية في البحر الأحمر. ولذلك، فإن تصاعد وتيرة الحرب في غزة، وما فرضته من تداعيات على أولويات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ونشاط الميليشيات الموالية لإيران على الساحة السورية، تدفع باتجاه تنامي وتيرة أنشطة “داعش” خلال المرحلة المقبلة.
تراجع قدرات قسد: مع تصاعد التوترات الأمنية بين “قسد”، والعشائر العربية في الشمال السوري إلى جانب استمرار المواجهات بين “قسد” والفصائل العسكرية الموالية للجيش التركي، أصبحت قوات سوريا الديمقراطية غير قادرة على إدارة العمليات ضد عناصر وفلول تنظيم “داعش”، بالإضافة إلى عدم القدرة على تأمين مرافق الاحتجاز التي تضم الآلاف من عوائل التنظيم والمنتمين إليه.
وقد أحصى المرصد السوري (19) عملية قامت بها خلايا “داعش” خلال يناير (كانون الثاني) 2024 ضمن مناطق نفوذ قسد، أسفرت عن مقتل (7) من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وقوى الأمن الداخلي (الأسايش)، بينما نفذت قسد (8) عمليات أمنية بينها (5) مشتركة مع التحالف الدولي، وأسفرت تلك العمليات عن اعتقال (45) شخصًا من عناصر وقيادات تنظيم داعش؛ إلا أن تلك العمليات التي تنفذها “قسد” بدعم من التحالف الدولي، أضحت -في الغالب- رد فعل على تلك التي ينفذها داعش. وعليه، يسعى التنظيم إلى استثمار تراجع سياسات مكافحة الإرهاب، والتصعيد المتبادل بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، عبر تكثيف نشاطه لإعادة إحياء الخلافة المكانية في سوريا.[11]
تأثير التوجهات المتطرفة داخل الهول: كشفت تقديرات متباينة عن تمسك عوائل “داعش” وأنصاره داخل مخيمات الاحتجاز شمال سوريا بالأفكار والتوجهات التي يعتنقها “داعش”. ويشار إلى أن قطاعًا واسعًا من المعتقلين في مراكز الاعتقال، يعتقدون أن التنظيم قادر على العودة من جديد، برغم الهزائم العسكرية التي تعرض لها، وأن مرحلة التراجع التي يمر بها حاليًا مؤقتة، إلى حين استعادة القدرة على توسيع نطاق نشاطه مرة أخرى، سواء في المناطق التي سبق أن سيطر عليها، أو في المناطق الأخرى التي انتقل إليها بعد ذلك. وقد كشفت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن استمرار الترويج لأفكار “داعش” داخل مخيم “الهول”، والتأثير على العناصر الأخرى غير “الداعشية” الموجودة فيه. كما كان لافتًا العثور بالمخيم في فبراير (شباط) 2024 على أسلحة، وكميات من الذخيرة والعتاد العسكري والمواد المخدرة، خلال عمليات أمنية لقوات “الأسايش” التابعة لــ”قسد”. كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في فبراير (شباط) الماضي أن قيادات “داعش” كانت على صلة بتنفيذ (80) عملية اغتيال داخل مخيم الهول وخارجه[12]. وهنا، فإن الجهود التي تبذل من أجل محاربة أفكار التنظيم، يمكن أن تواجه عقبات جديدة في حالة ما إذا لم يتم وقف الأنشطة التي تقوم بها عناصر “داعش” داخل المخيم.
تراجع الأوضاع المعيشية: أدى التراتجع الحادث في مؤشرات الاقتصاد، وتدهور الأوضاع المعيشية في عموم سوريا، ومنطقة شمال سوريا بشكل خاص، إلى صعود تنظيم داعش، وزيادة نشاطه بصورة ملحوظة خلال الآونة الأخيرة. كما أن معاناة النازحين في مخيمات الشمال السوري نتيجة توقف مشاريع الدعم الإغاثي والصحي، وتفاقم الأزمة المالية التي تعصف بالإدارة الذاتية الكردية، وكذلك الأضرار التي أحدثتها الهجمات التركية على البني التحتية في الشمال السوري، خلقت أجواء مواتية لعودة نشاط التنظيمات الإرهابية، وبخاصة “داعش”[13].
تداعيات متباينة
في ظلّ تصاعد النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في سوريا، وبخاصة مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق البلاد، فإن ثمة العديد من التداعيات المحتملة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
إعادة إنتاج مشروع العنف: تأتي عودة “داعش” مجددًا على الساحة السورية، في الوقت الذي يشهد فيه الإقليم توترات غير مسبوقة على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصاعد حدة التوتر الإيراني -الإسرائيلي، وصعود دور الأذرع الموالية لإيران في المنطقة، والتي تتبنى -بدورها- آليات مشابهة لتلك التي يتبناها “داعش”، ولا يمانع بعضها في مد جسور التواصل مع التنظيم لتحقيق أهداف آنية وضيقة. وربما يؤدي ذلك إلى تصاعد فرص حضور “داعش” مجددًا في الإقليم، بشكل قد يدفعه إلى محاولة استثمار الأجواء الإقليمية الراهنة لتصعيد عمليات العنف، من أجل تعزيز قدرته على تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري، ومن ثم استعادة مشروعه الإرهابي الذي بدأ تأسيسه سنة 2014.
استهداف مراكز احتجاز عناصر التنظيم: مع تصاعد التوترات الأمنية شمال شرق سوريا بين “قسد” وخصومها، سواء العشائر في دير الزور أو “المجلس الوطني الكردي”، فقد تشهد الفترات المقبلة مزيدًا من هجمات تنظيم داعش على مراكز احتجاز عوائله وأنصاره، وبخاصة مخيم الهول الذي يضم العدد الأكبر من عناصر التنظيم المعتقلين والموالين لأفكاره. وقد يستغل “داعش” تراجع القدرات الأمنية لقوات “الأسايش” الكردية، وانشغالها بالمواجهات مع الفصائل الموالية لتركيا لتحرير عناصره من مراكز الاحتجاز شمال شرق سوريا.
استنزاف قدرات “قسد” والجيش السوري: قد يتجه “داعش” نحو تكثيف عملياته الإرهابية في مناطق شمال شرق ووسط سوريا خلال المرحلة المقبلة، وذلك بهدف تخفيف حدة العمليات العسكرية التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية،، بالتعاون مع التحالف الدولي ضد خلايا التنظيم في مناطق انتشاره، وكذلك تحييد العمليات العسكرية للجيش السوري ضد التنظيم. كما يسعى “داعش” عبر تكثيف عملياته النوعية إلى عرقلة جهود تقوية البنية العسكرية والأمنية لقوات “قسد”، باعتبارها تشكل شوكة في خاصرة “داعش” في الداخل السوري.
استقطاب المتطرفين: من دون شك، فإن عودة “داعش” لتأمين بعض مصادر التمويل، ربما يعزز من قدرته على استقطاب عدد أكبر من العناصر المتشددة للانضمام إليه، خاصة أنه يستغل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في بعض المناطق السورية، وبخاصة شمال شرق سوريا، لتحقيق أهدافه في هذا السياق. وهنا، فإن قيادة التنظيم الراهنة ترى أن ذلك من شأنه تحويل تلك المناطق التي تعاني من العوز، يمكن من خلالها جذب مقاتلين جدد لصفوف التنظيم.
تزايد الضغوط على السلطات المحلية: قد يؤدي اتساع نطاق العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم “داعش” في الداخل السوري، إلى تنامي حالة السخط والتذمر ضد السلطات المحلية، وبخاصة الإدارة الذاتية الكردية التي تهيمن على مفاصل شمال شرق سوريا، أو ضد النظام الحاكم في دمشق، وهو ما قد يدفع إلى تصاعد التهديدات على الحكومات المحلية في سوريا، أو على الأقل تراجع صورتها الذهنية في أوساط المجتمعات المحلية الموالية لها.
مسارات مستقبلية
يبدو مستقبل تنظيم “داعش” في الداخل السوري على خلفية نشاطه العملياتي المتصاعد في التوقيت الحالي، مرهونًا بمسارين محتملين، يمكن بيانهما كالتالي:
أولهما: أن يتمكن التنظيم من تعزيز نشاطه ونفوذه خلال الفترة القادمة، ويستند هذا السيناريو إلى عدد من المعطيات؛ قد يكون أهمها تصاعد التوترات الإقليمية، وانشغال التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بتطورات الحرب في غزة، وفي الصدارة منها تحييد تحركات الأذرع الموالية لإيران التي كثفت أنشطتها العدائية ضد القواعد الأميركية في المنطقة، علاوة على تصاعد التوترات المحلية، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق بين قوات “قسد” والعشائر في دير الزور، ناهيك عن الخلافات بين “قسد” وشريكها السياسي “المجلس الوطني الكردي”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكتيكات المغايرة، التي يتبناها “داعش” في التوقيت الحالي، وتنويع أهدافه فضلاً عن توسيع دائرة نشاطه في مناطقه التقليدية، واستعادة جانب واسع من عافيته داخلها، قد تعطي مساحة أكبر للتنظيم للتحرك وتعزيز نشاطه العنيف.
أما السيناريو الثاني: فينصرف إلى تزايد الضغوط على “داعش” ومحاولة تحييد نشاطه الإرهابي، بيد أن هذا السيناريو يرتبط بعدد من الأبعاد، في الصدارة منها، دعم بناء سلطة مركزية موحدة في سوريا، من خلال عملية سياسية تشارك فيها كافة الأطراف المحلية المعتدلة. وثانيها: عودة نشاط التحالف الدولي للتركيز مجددًا على مكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق. وثالثها: قدرة المجتمع الدولي على لجم التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي وفرت ذريعة لعودة نشاط الجماعات الإرهابية، بل وتبرير بعض أنشطتها. ورابعها: يرتبط بقدرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على معالجة الاختلالات السياسية والاقتصادية التي تعانيها مناطق الإدارة الذاتية الكردية، وتقديم معالجة جذرية للاحتقان الحادث بين “قسد” والعشائر العربية في دير الزور. وخامسها: تعزيز الدعم الدولي لقوات “قسد” التي تمثل نقطة استناد استراتيجية في مكافحة “داعش”، إلى جانب التدخل الدولي لوقف العمليات العسكرية التركية على مناطق الشمال السوري.
ختامًا، يمكن القول: إنه من المرجح استمرار نشاط “داعش” خلال الفترة المقبلة، على الساحة السورية، في ضوء مساعيها إلى استعادة نفوذها التقليدي في شمال سوريا ومنطقة البادية، بالإضافة إلى محاولتها توظيف التوترات المحلية والإقليمية لتحقيق انتصارات داخلية على خصومها، وهو ما يمكنها من استنزاف قدرات “قسد” وقوات النظام السوري. ويظلُّ هذا السيناريو قائمًا ما لم يتم تقديم معالجات حقيقية للأزمة السورية، ناهيك عن ضبط إيقاع التوترات الإقليمية، باعتبارها تمثل بيئة خصبة لتصاعد نشاط “داعش”، وهو ما يعني تكريس حالة عدم الاستقرار في سوريا والإقليم.
[1]* باحث في الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – القاهرة.
[2]– المرصد: مقتل (20) عنصرًا بقوات النظام السوري في هجوم لداعش، الحرة، 19 أبريل (نسان) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.alhurra.com/syria/2024/04/19/المرصد-مقتل-20-عنصرا-بقوات-النظام-السوري-في-هجوم-لداعش
[3]– “قسد” تحذر: داعش يجمع صفوفه بـ(10) آلاف مقاتل متخف، العربية، 25 فبراير (شباط) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.alarabiya.net/arab-and-world/syria/2024/02/25/قسد-تحذّر-داعش-يجمع-صفوفه-بـ10-آلاف-مقاتل-متخف
[4]– بعد (5) أعوام من إنهاء سيطرة داعش الجغرافية… معطيات تشير لاستمرار خطورته، 23 مارس (آذار) 2024، وكالة أنباء هاوا، متاح على الرابط التالي:
https://hawarnews.com/ar/بعد-5-أعوام-من-إنهاء-سيطرة-داعش-الجغرافية-معطيات-تشير-لاستمرار-خطورته
[5]– تنظيم الدولة الإسلامية: عودة “داعش” تنشر الخوف في سوريا حيث يعيد العنف الجديد فتح الجراح القديمة- في الإندبندنت، موقع bbc، 24 فبراير (شباط) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-60502347
[6]– الأمن مقابل المال: داعش يطل برأسه ثانية في بوادي سوريا، العربية ، 3 أغسطس (آب) 2023، متاح على الرابط التالي:
https://www.alarabiya.net/arab-and-world/syria/2023/08/03/-الأمن-مقابل-المال-داعش-يطل-برأسه-في-بوادي-سوريا-
[7] – أحمد شعبان، تحذيرات من عودة “داعش” مستغلاً التوترات في المنطقة، الاتحاد، 24 يناير (كانون الثاني) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.aletihad.ae/news/عربي-ودولي/4458628/تحذيرات-من-عودة–داعش–مستغلا-التوترات-في-المنطقة
[8]– الأمم المتحدة: تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، موقع الأمم المتحدة، 15 فبراير (شباط) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://news.un.org/ar/story/2024/02/1128467
[9]– تجدد الاشتباكات بين العشائر العربية وقسد شرق سوريا، 2 يناير (كانون الثاني) 2024، الجزيرة، متاح على الرابط التالي:
https://www.aljazeera.net/news/2024/1/2/تجدد-الاشتباكات-بين-العشائر-العربية
[10]– محمد فوزي، دلالات تصاعد استهداف داعش للقوات السورية، 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، متاح على الرابط التالي
https://acpss.ahram.org.eg/News/21051.aspx
[11]– رقية عبدالباسط، سياقات محفزة: لماذا عاود داعش تكثيف هجماته على الساحة السورية؟، الحائط العربي، 14 فبراير (شباط) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://arabwall.com/لماذا-عاود-داعش-تكثيف-هجماته-في-الساحة/
[12]– المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف- هولندا: داعش- تنامي التهديدات الأمنية في مخيم الهول، 9 فبراير (شباط) 2024، متاح على الرابط التالي:
https://eocr.eu/داعش-ـ-تنامي-التهديدات-الأمنية-في-مخيم/
[13]– رقية عبدالباسط، سياقات محفزة: لماذا عاود داعش تكثيف هجماته على الساحة السورية؟، مرجع سابق.