يستعرض هذا الإيجاز منتخبات من الأخبار والمقالات والتقارير التي تعكس وجهات نظر بعض دوائر التفكير الغربية، وما نُشر فيها، حول التظاهرات والتحركات الشعبية في إيران، ومحاولة فهمها، وينتهي بخلاصة.
مقدمات القمع: أوهام اليد الخفية في الاحتجاجات!
أشارت مرغرت كوكر في مقالتها التي نشرت في صحيفة “نيويورك تايمز”، والتي جاءت بعنوان “يد خفية في الاحتجاجات؟.. الإيرانيون يرون تأكيد ذلك في تاريخهم”، أشارت إلى ما قاله أميد ميماريان، وهو محلل سياسي إيراني مقيم في نيويورك، والذي عد وصف المتظاهرين بأنهم محرضون أجانب وجواسيس بمثابة تحذير للطبقة العاملة والمواطنين الريفيين الذين يشكلون نسبة كبيرة من المتظاهرين. حيث إن من شأن ذلك أن يبعث إشارات للشعب، أن التظاهر يعني سنوات من السجن، أو ما هو أسوأ، وأضاف أنه “من السذاجة وضع اللوم على أعداء خارجيين”. “إن المظالم حقيقية، والاحتجاجات حقيقية”.
القمع بلطف: خوفًا على الاتفاق النووي
كتب آموس هاريل في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تقريراً جاء بعنوان “بماذا تفكر إسرائيل في الحقيقة تجاه الاحتجاجات الإيرانية”، يُشير فيه إلى أنه بعد انقضاء أيام من موجة الاحتجاجات التي تهز إيران، لا تزال أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والغربية مترددة في تقديم إجابة عن السؤال الرئيس المطروح: “هل هذه الظروف الجديدة تشكل فرصة سانحة للمرة الأولى منذ الثورة الخضراء الفاشلة عام 2009 لإسقاط النظام الإيراني؟”.
التقرير يؤكد أن المعلومات التي تصدر من إيران لا تزال “مجزأة لتقديم إجابة واضحة”. خاصة في ظل قيام الحكومة بتعطيل الوصول إلى التطبيقات، التي استخدمها المتظاهرون في البداية لتنسيق تحركاتهم. ويُشير التقرير إلى أنه حتى مساء الثلاثاء، لم يستخدم النظام الإيراني كامل قوته لإخماد الاحتجاجات. ويبدو أن السلطات الإيرانية، مثل وكالات الاستخبارات الأجنبية، لم تتنبأ بتوقيت اندلاع الغضب العام. وعلى الرغم من أن النظام استجاب بعنف في عدد من المدن، وبالرغم من مقتل حوالي (20) شخصاً حتى الأربعاء، فإن الوضع اليوم لا يرقى للوسائل العدوانية التي استخدمت في إخماد احتجاجات عام 2009. ويلفت التقرير إلى أن النظام لا يزال في مرحلة الاحتواء، مرجعا ذلك إلى السياسة الخارجية الإيرانية، إذ لا يزال خامنئي ودائرته يشعران بالقلق إزاء تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بإلغاء الاتفاق النووي. وفي هذه المرحلة يحتاج الإيرانيون إلى الأوروبيين. وبالتالي إن استخدام المزيد من القوة يمكن أن يؤدي إلى شكاوى جديدة حول انتهاكات حقوق الإنسان، ويزيد من تعقيد الوضع الإيراني أمام أوروبا. ويقترح التقرير في الخاتمة أن “إعادة النظر في العقوبات بسبب دعم إيران للإرهاب وبرنامجها للصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان، يمكن أن توفر حظاً حقيقياً للمحتجين”.
الاحتجاجات الإيرانية: بداية شيء أكبر؟
كتب الصحافي “غوين ديير” مقالة بعنوان “الاحتجاجات الإيرانية: من هنا نبدأ مجدداً أو إنها بداية شيء أكبر”، في “Trial Times”، أشار فيها إلى أن المشكلة الرئيسة نتجت عن تردي الأوضاع الاقتصادية، وهذا من الطبيعي أن يدفع الناس إلى الاحتجاج ضد الحكومة عندما لا تحدث تحسينات اقتصادية موعودة. ويؤكد أن الغضب كان أعمق من ذلك، وسرعان ما تحول إلى احتجاج ضد النظام الإسلامي بشكل عام. إذ يلفت الكاتب إلى أن هناك حكومتين في إيران: واحدة هي الحكومة المنتخبة للرئيس حسن روحاني، الإصلاحي الذي فاز بفترة ولاية ثانية في انتخابات يونيو (حزيران) الماضي. والأخرى تتكون من رجال الدين والمتطرفين الإسلاميين (مثل الحرس الثوري) الذين يخدمون “المرشد الأعلى” -خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في المسائل الدينية والسياسية. ويؤكد الكاتب أن هناك دائما توتراً كبيراً بين الطرفين.
يمكن لترمب مساعدة المتظاهرين الإيرانيين بالعدول عن سياسته تجاه إيران
كتبت الباحثة المختصة بالشأن الإيراني سوزان مالوني، مقالة في مجلة “فورين بولوسي” تحث فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، على تغيير نهجه تجاه إيران من أجل دعم المتظاهرين الذين يشكلّون -بحسب تعبير الباحثة- “أزمة وفرصة في الوقت نفسه”. ترى الباحثة أنّه لا يمكن التنبؤ بنهاية الأحداث في إيران، ولكنها تتوقع أن تنجح القوات الأمنية في كبح التظاهرات. غير أنّ السخط الذي دفع بالآلاف للمخاطرة بحياتهم سيبقى موجوداً. لذلك، ترى مالوني أنّ أمام إدارة ترمب فرصة مهمة لإيجاد سياسة فعّالة تجاه إيران.
تلمح الكاتبة إلى أنّ الولايات المتحدة لها صيت سيئ في إيران، بسبب موقفها من الانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق عام 1953، لذلك تحذر من الحديث نيابة عن المتظاهرين. مضيفة في هذا الشأن: “إنّ هذه الحقيقة كانت وراء موقف أوباما من الثورة الخضراء عام 2009، ومن تواصله مع القيادة الإيرانية من أجل التوصّل إلى اتفاقية دبلوماسية نووية”. وعلى الرغم من قول الباحثة: إنّ تردّد أوباما بالتدخل لدعم الثورة الخضراء، لم ينجد المعتقلين والنشطاء من بطش النظام القمعي الإيراني، إلّا أنّ “الثمن الأخلاقي الذي دفعه أوباما قابلته مكاسب دبلوماسية كبيرة”، في إشارة إلى الاتفاقية النووية.
ولكن الباحثة ترى أنّ نقّاد ترمب مخطئون في موقفهم المعارض لأي موقف أمريكي. حيث يرى العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما أنّ أمريكا يجب ألّا تتدخل أو تصرّح، وأنّ تغريدات ترمب العنترية تضر بالمتظاهرين.
مالوني تعتقد أنّ التظاهرات تعطي للولايات المتحدة والعالم فرصة لإرغام الجمهورية الإسلامية على الإصلاح. كما أنّ على الإدارة الأمريكية -من وجهة نظر الباحثة- أن تظهر للشعب الإيراني الدعم خصوصاً في المجال التكنولوجي، حيث تحظر الشركات الأمريكية استخدام الإيرانيين للكثير من التطبيقات المهمة، كما تفرض الولايات المتحدة حظراً على جميع الإيرانيين من السفر إلى الولايات المتحدة. إنّ هذه السلوكيات من الولايات المتحدة -بحسب رأي الباحثة- “تبدد ثقة الشعب الإيراني بالولايات المتحدة”.
خلاصة
تواصل التقارير والأخبار الواردة من إيران، إثارة الخبراء واستفزاز التحليلات المتباينة. ولكنها تتفق على أنّ الضبابية تكتنف المشهد، وكل المقارنات بأحداث سابقة تقول بأنّ الاحتجاجات الراهنة لا تشبه تحركًا سابقًا، سواء في 1953 أو في 2009. كما يتفق المحللون على ضرورة مساندة الشعب الإيراني ودعمه لاتخاذ قراره الحر. ويختلف “الغربيون” في كيفية ذلك. فبعضهم يرى أن أفضل ما يفعله ترمب هو الصمت. والآخرون يرون أنّ صمته مطلوب ولكن التلويح بالعقوبات وبالاتفاقية النووية سيجعل الأمور أسهل، خاصة وأن النظام الإيراني لم يستخدم كل أسلحة القمع كما في العام 2009 خوفًا على اتفاقيته النووية.
أما الإخوان وتركيا فهم يتبنون منهجًا يتعاطف بوضوح مع نظام إيران، بدعوى المحافظة على الاستقرار.