يستعرض هذا الإيجاز اليومي منتخبات من الأخبار والمقالات والتقارير التي تعكس وجهات نظر بعض دوائر التفكير الغربية، وما نُشر فيها، حول التظاهرات والتحركات الشعبية في إيران، ومحاولة فهمها، وتقييم تعامل المفكرين والساسة الغربيين مع أخبارها. كما يحاول تتبع مسارات الترويج للرواية الإيرانية في الوسائط الغربية، ومسارات الفهم، وينتهي بخلاصة تشير إلى سياق التثبيط الذي يبشر بأن مصير الاحتجاجات النسيان. وآخر يؤكد أنّ القيد انكسر وأن التوق إلى الحرية يهزم كل المخاوف، وأنه لم يعد لطموح الشعب من رادع، حتى لو حاولت التصريحات الآتية من طهران، اختراع “قيادة” للثورة.
- التاريخ يقول إن الإعدام قد يكون مصير المتظاهرين
كتب جاسون برودسكي، في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، مقالاً بعنوان “الاستمرار بالسلطة: الحكومة الإيرانية توَجه استراتيجية الشاه لقمع الاحتجاجات”، قائلا: إن الناس يحتجون في لوس أنجلوس وكاليفورنيا في الولايات المتحدة، لدعم المتظاهرين المناهضين للحكومة في إيران. إلا أن إيران قد تصبح أكثر من دولة بوليسية أيضاً. مُشيراً إلى أن الحكومة الإيرانية تقدّم الولاء والأيديولوجية على الكفاءة والمساءلة. معتقداً أن الماضي شكلَ التمهيد لذلك، حيث كان هناك دروس يمكن تعلمها من مذبحة 1988 التي راح ضحيتها أكثر من (5000) من السجناء السياسيين قتلاً. إضافة إلى الانتفاضات الطلابية عام 1999، في الوقت الذي أغلقت فيه الحكومة الإيرانية (18) صحيفة إصلاحية. وأيضا الحركة الخضراء عام 2009 التي لحقها قيام الحكومة الإيرانية بمحاكمة (100) من قادتها بالطريقة الستالينية.
يؤكد الكاتب أن كل اللحظات المستجمعة من التاريخ الإيراني الحديث مشتركة في الخوف من التمرد والقمع. وأدت لكبت الحريات السياسية والأساسية، وقاست محاربة الصحافة. ومن واقع التجربة الإيرانية التاريخية يعتقد الكاتب أنه من الممكن إيقاع الإعدام على المتظاهرين في الاحتجاجات الحالية، وأكثر من ذلك أيضاً، كما شهد الإيرانيون بالماضي.
مشيرا في نهاية المقال إلى أن على المجتمع الدولي أن يكون واضحاً في فهم مدى صعوبة التغيير في ظل حكومة الملالي.
- لماذا لن تموت الانتفاضة الشعبية الإيرانية؟
كتب “إلريزا نادر”، وهو محلل قانوني دولي رفيع المستوى في مؤسسة “راند”، كتب في مجلة “بوليتيكيو” الأمريكية، متسائلا: “لماذا لن تموت الانتفاضة الشعبية الإيرانية؟”. مُشيراً إلى أن الشعب الإيراني واجه العديد من الانتفاضات والثورات والاحتجاجات؛ بدءاً بالثورة الدستورية (المشروطة) عام 1905، مروراً بالثورة الخمينية عام 1979، ثم الانتفاضة الخضراء عام 2009. منوها بأن إيران لم تشهد مثل هذه العاصفة منذ 2009، وربما منذ 1979. في إشارة إلى قوتها وانتشارها؛ حيث يعتقد الكاتب أنها أكبر تحد تواجهه إيران منذ 1979. والسبب –برأيه- يعود إلى غضب واسع انتشر في آلاف القرى الصغيرة والمدن الإيرانية، موجه ضد المرشد خامنئي، والمؤسسة السياسية والدينية برمتها.
من جهة أخرى، عدَ الكاتب البرنامج النووي الإيراني ذروة حماقة النظام. حيث لم يحقق أي فوائد للإيرانيين، ولكنه أدى إلى عقوبات أمريكية ودولية أدت إلى مزيد من الإضرار بالاقتصاد.
في نهاية المطاف يُشير الكاتب إلى أن الإيرانيين وحدهم يمكنهم إحداث التغيير في بلدهم. معتبرا أنه سيكون من الحكمة لواشنطن أن تُبقي على الاتفاق النووي الإيراني، وتضغط على الجمهورية الإسلامية على جبهات أخرى. وبالنسبة للتوقعات التي تقول بأن الانتفاضة سوف تموت أو أن النظام سيسحقها؛ يؤكد الكاتب أن الشعب الإيراني قد كسر حاجزاً رئيساً: حيث كسر جدار الخوف الذي خلقته الجمهورية الإسلامية. التي لم تفقد شرعيتها فحسب، بل فقدت قدرتها على السيطرة على الجمهور من خلال أدوات العنف. وخلافاً لما حدث في الاحتجاجات السابقة، أظهر عدد لا يُحصى من الإيرانيين أنهم لن يشاركوا بعد الآن في لعبة “الإصلاحيين مقابل المحافظين”.
- رجل دين متشدد يدعم المظاهرات.. بشروط!
موقع “المونيتور” نشر مقالاً لهيئة التحرير، يسلّط الضوء على ما أسمته “الموازنة الحذرة لرجال الدين بين تأكيد المظالم الاقتصادية والمعاشية للمتظاهرين وبين إدانة العنف”.
وكان أحمد خاتمي هو آخر مسؤول يسير على هذا الحبل الدقيق، ففي خطبة الجمعة أكّد خاتمي أن الاحتجاج السلمي حق مكفول في المادة (27) من الدستور الإيراني، وأنّ “أصوات الشعب لا بدّ من سماعها.. على الرغم من العنف الذي وقع”. وفي الخطبة نفسها، أكّد خاتمي أنّ قوى معادية للثورة قد ركبت موجة المظاهرات لتكون “طرفاً ثالثًا” يقوم بالتحريض. مشيراً إلى الاحتجاجات الطلابية عام 1999 ومظاهرات عام 2009 باعتبارهما الموجتين الأولى والثانية من “التحريض”.
ويشير المقال في الختام إلى أنّ صحيفة كيهان، التي يترأس تحريرها شخص مختار من قبل خامنئي نفسه، تؤكد أنّ الأوضاع الاقتصادية السيئة هي التي أطلقت شرارة الاحتجاجات، وأنّ ما حصل لاحقاً هو نتيجة “الوقوع في فخ المحرضين”، كما أكّدت الصحيفة أنّ لا صحة لما صرح به مقربون من روحاني بأن الاحتجاجات كانت من تنظيم مناوئين له.
- الاحتجاجات: هل هي نسخة إيرانية من ظاهرة ترمب؟
عقدت مؤسسة “بروكنجز” في العاصمة الأمريكية واشنطن، ندوة حول المظاهرات في إيران، بحضور الصحفي والمنتج السينمائي الإيراني مازيار بهاري، مؤلف رواية “ثم أتوا ليأخذوني”. إضافة للباحثة الأمريكية الخبيرة في الشأن الإيراني سوزان مالوني، نائب مدير برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكنجز.
النقاشات التي حصلت في الندوة، أظهرت الانقسام بين التحليل الغربي المؤيد للاتفاقية النووية مع إيران، وبين التحليل الإيراني العام. حيث شددت الباحثة سوزان مالوني على أنّ الرئيس حسن روحاني كان هو الأقرب إلى تحقيق نوع من الاعتدال والحداثة في إيران، ولكن الظروف الاقتصادية صعّبت من قيامه بذلك. بينما أكّد الصحفي مازيار أنّ المتظاهرين اليوم لا يميزون بين معتدل ومتشدد، هم غاضبون من النظام ككل.
تكرر في الندوة ملاحظة قيادة ما يسميه الباحثون المشاركون “الطبقات الإيرانية (الدنيا)” للتظاهرات، وهي تشبه إلى حد ما نسخة إيرانية من “ثورة ترمب”، على حد تعبير سوزان غلاسنر.
الباحثة سوزان مالوني اعتبرت أن سرعة انتشار التظاهرات، منحت مصداقية شكلية لتصريح خامنئي عن وجود دور لقوى خارجية في تنظيم الاحتجاجات. بينما نفى المعلّق الإيراني الضيف ذلك جملة وتفصيلاً، مبيناً أن الحجة ذاتها جرى استخدامها، في المظاهرات الطلابية عام 1999، ومظاهرات عام 2009، اللتين –أيضاً- تمّ استحضار حجة التدخّل الخارجي في تنظيمهما. فيما اتفق المتحدثون جميعاً على أنّ المطالب الجماهيرية حتى الآن غير واضحة، وأنّ الحركة تفتقد للقيادة الواضحة، مما قد يجعلها سهلة النسيان.
الخلاصة
حافظ التقرير على نقل صورة التفاوت المقصود بين الآراء؛ فموقع “المونيتور”، وفي المقال الذي نشرته باسم “هيئة التحرير”، عبّر عن موقف واضح لا يختلف كثيراً عن موقف التيار الأكاديمي الإيراني “الذي يدعي الوسطية”، وهو المؤيد للرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، وهو صاحب الرأي القائل بأنّ المظاهرات خرجت لأسباب اقتصادية بسبب تحريض من جهات تابعة للحرس الثوري، وما مطالبات إسقاط النظام والتنديد بخامنئي إلا شعارات محدودة العدد. المغزى الضمني للمقال بمثابة دعوة للتريُّث أمام دعم المظاهرات، التي يراها “الموقع” مضرّة بالرئيس روحاني. وتعزز المقالة لعبة “الإصلاحيين ضد المتشددين”.
كما أنّ ندوة بروكينغز -بدورها- قدمت رأياً يمكن القول: إنّه يعكس الشارع العام الإيراني، ورأياً آخر يعكس موقف الإدارة الأمريكية السابقة من الملف الإيراني ككل. إلا أنها في سياق تثبيطي تقول بأن انعدام قيادة في المظاهرات سيودي بها إلى متاهات النسيان. في حين يتصاعد رأي آخر يرى أن الشعب قد كسر حاجز الخوف، وأنّ المصير المخيف الموعود لم يعد يخيف المتظاهرين.