تبين نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بالإرهاب، مخاوف الشعوب حيال نوعية وحجم الهجمات الإرهابية المتوقع حدوثها. كما تفيد بمعرفة توجهات الرأي العام في التأييد أو الإعراض عن دعم جهود الحكومات في مكافحة الإرهاب.
تسعى هذه الورقة إلى توضيح أهمية قراءة استطلاعات الرأي ونتائجها بالعمل البحثي في مكافحة الإرهاب.
استطلاعات الرأي: بعض المشكلات المنهجية
إن أسهل وأسرع أنواع قياس مدى التعاطف والدعم الشعبي للإرهاب، هو توظيف أدوات استطلاعات الرأي. لكن هناك بعض المشكلات المنهجية المتعلقة بتوظيف أدوات استطلاعات الرأي في قراءة اتجاهات الرأي العام في هذا المجال. إذ ما هو حجم وتمثيل عينة الأشخاص المستجيبين؟ هل أجاب المجيبون بحرية ودون خوف من حدوث عواقب شخصية؟ ثم، كيف تم اختيار العينة؟ هل تم اختار المجيبين أنفسهم للمشاركة؟ أم تم اختيار أشخاص بطريقة محددة للحصول على الإجابات؟ وكيف يؤثر المناخ العام على المجيبين خلال فترة محددة؟ إذ، ما هي الأحداث الأخرى التي تشغل العوام في الوقت الذي طلب فيه رأيهم بشأن الإرهاب؟
هناك طرق عدة تمكن من تشكيل الرأي العام. وقد يكون نشر نتائج استطلاع رأي ما أو حجبها بحد ذاته جزءًا من محاولات التلاعب وتشكيل الرأي العام. وفي المرحلة التي تلي نشر نتائج الاستطلاع، قد تؤثر النتائج على المشاركين في الاستطلاعات اللاحقة، لكونها تؤسس لحيلة نفسية، مفادها يتعلق برغبة المشاركين في أن تتسق إجاباتهم مع ما يفترضون أنه يمثل رأي الأغلبية. واستنادا إلى ما سبق، قد تكون أدوات استطلاع الرأي العام غير دقيقة ومحفوفة بالمخاطر.
استطلاعات الرأي والعمل البحثي في مكافحة الإرهاب
من جهة أخرى، تمنح نتائج استطلاعات الرأي مؤشرات للباحثين في مجال مكافحة الإرهاب حول نسبة التعاطف والدعم الذي قد تحصل عليه التنظيمات الإرهابية في مناطق معينة، ما يُثير الحاجة إلى فهم الظروف والعوامل في كل حالة. كما تشير نتائج استطلاعات الرأي العام إلى درجة التعاطف والدعم الشعبي الذي يتمتع به الإرهابيون بين قطاعات معينة من المجتمع، على سبيل المثال، ما بين الشباب في البلدان ذات الأغلبية المسلمة أو في الشتات في الغرب. وقد تمنح مؤشرات حول إمكانات حدوث التجنيد، من خلال تشكيل صورة حول الحجم الإضافي للضرر المتوقع، وربما حول طول العمر المحتمل للحملة الإرهابية من خلال نسب المتعاطفين والداعمين المتوقعين تبعًا لنتائج استطلاعات الرأي. الأمر الذي يفيد الباحثين في إدراك المشكلة وتحديدها واقتراح آليات للتعامل معها[2].
لقد أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته (قناة العربية) في 11 سبتمبر (أيلول) 2011، بالشراكة مع شركة يوغوف سراج البريطانية للأبحاث المسحية بمناسبة مرور (10) سنوات على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001[3]، أن هناك تعاطفا في الأوساط العربية مع متطرفي القاعدة. كانت النتائج بالنسبة لاستطلاع رأي شارك فيه (220,000) عربي، رأى (23%) منهم فقط أنَّ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) شكلت أعمالا إرهابية مدبرة من القاعدة. واعتقد (38%) أن التفجيرات مبررة أخلاقيا، بينما خالفهم في ذلك (36%).
وفي مثال آخرـ أوردت نتائج بعض استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) عام 2014، كما بينتها دراسة أجراها المركز العالمي لمكافحة الإرهاب (ICCT)[4]، حول (النسبة المئوية للمسلمين الذين يعتبرون أن التفجيرات الانتحارية مصممة للدفاع عن الإسلام) كالتالي:
وتعلَق الدراسة ذاتها، بأن العديد من هؤلاء الأشخاص إما أصغر من اللازم أو أكبر من أن يكونوا إرهابيين محتملين، وبالتالي هم أيضًا أقل ترجيحًا لترجمة مواقفهم إلى سلوك إرهابي. وبالرغم من ذلك لا يزال هناك ملايين الأشخاص الذين ينظرون إلى التفجيرات الانتحارية دفاعًا عن الإسلام على أنها مبررة. إن نسب المشاركين في استطلاع الرأي هذا، أفغانستان (“39%”، أي حوالي “32” مليون نسمة من عدد سكانها) أو إندونيسيا (“7%” من حوالي “226” مليون مسلم هناك)، وبنغلاديش (“26%” من إجمالي “166” مليون نسمة)، وتركيا (“15%” من “81” مليونًا).
وتكون النتيجة عشرات الملايين من المسلمين الذين يدعمون، على الأقل، بشكل لفظي، التفجيرات الإرهابية “دفاعًا عن الإسلام”. ما يمنح مؤشرات حول الأقليات المتعاطفة مع الإرهابيين كبيرة بما يكفي لتوفير تربة خصبة لاستمرار التطرف.
وفيما يلي نتائج استطلاع رأي؛ أجراه مركز بيو للأبحاث لعامي 2013- 2014. حول وجهات نظر المسلمين عن “القاعدة”، بين من يحملون وجهة نظر إيجابية وأخرى سلبية.
في هذا الاستطلاع، قد تكون وجهات النظر الإيجابية تتراوح ما بين التعاطف فقط، إلى الدعم الفعلي.
في الختام:
تبرز أهمية استمرارية السعي في الإجابة عن أسئلة عديدة حول التطرف، ومصادره الفكرية والدينية والسياسية والتربوية بالنسبة للباحثين في مكافحة الإرهاب. وتعميق الفهم المتصل بالقضايا المرتبطة بالتطرف، وبذل المزيد من الجهود في جمع البيانات وتحديثها. فضلا عن أهمية التعامل مع الشائعات والأخبار المضللة والمجتزأة وتعرية مصادرها، وتعزيز دور الإعلام في مكافحة خطاب التطرف.
[1]– باحثة في العلاقات الدولية، تعمل في مركز المسبار.
[2]– Alex P. Schmid, “Public opinion survey data to measure sympathy and support for Islamist terrorism,” ICCT, February 2017, https://icct.nl/wp-content/uploads/2017/02/ICCT-Schmid-Muslim-Opinion-Polls-Jan2017-1.pdf
[4]– Alex P. Schmid, previous reference.