المؤلف: لورينزو فدينو الناشر: دار كولمبيا للنشر ، عدد الصفحات : 326 يسعى مركز المسبار لأن يكون هذا الكتاب الهام بين أيدي قراء العربية في غضون الشهور القريبة القادمة.
جاء الكتاب موزعًا على ثمانية أبواب أختيرت بعناية لرسم الخارطة الإسلامية في الغرب، جغرافيًا وفكريًا، فتوزعت الأبواب على الوجود في بعض الدول وعلى بعض الأفكار.
من يتحدث باسم مسلمي الغرب: ابتدر الحديث بذكر عبدالرحمن العمودي ودوره كقيادي إسلامي أمريكي مُنح كامل الثقة، حتى فوجئ الجميع به في 2003 في لندن وفي حوزته أموال مشبوهة، وبالتحقيقات التي كشفت صلته بالقاعدة، وعلاقة بعمليات أبرزها محاولة اغتيال ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وانتهت القصة بسجنه. يطرح الكاتب السؤال مؤكدا أن العمودي وجماعته يمثلون 0.07 من إجمالي المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية : فكيف يكون للعمودي هذا التأثير والنفوذ الذي يصل به للقاء الرئيس في البيت الأبيض مع أن العمودي لايخفي دعمه الصريح لحماس. استغرق هذا السؤال من المؤلف الكثير من فقرات الكتاب للإجابة عنه. يتحدث لورينزو عن نشأة الإسلام كدين في الغرب ابتداءً من سنة 710 ميلادي و دخول طارق بن زياد إلى اسبانيا، وما تلاها من قرون توتر بين الطرفين كان للإسلام في بعضها القدح المعلى من الحضارة والرقي، إلى أن بدأ انهياره في 1699 –حسب لورينزو-، مرّ الكاتب على ذكر أثر الاستعمار والحربين العالميتين في تشكل هذه العلاقة. ولكن التاريخ الحديث والهام بدأ بتدفق الهجرة الإسلامية إلى البلدان الأروبية، وهو الذي شكل الإسلام الغربي، الهجرات التي كانت تنامت وبلغت ذروتها في عام ،1970 وقد تناقصت تلك الهجرات في سنوات السبعينيات -إبَّان الأزمة النفطية- بسبب تشديد قوانين الهجرة، في الغرب، ولكن ترتب على ذلك أن أحضر المهاجرون المسلمون عوائلهم إلى أروبا، الأمر الذي تسبب في تنامي مطالب المسلمين لبناء مساجدهم الخاصة و مدارسهم، وهو ما يمكن أن يُسمى بتشكل المجتمع الإسلامي. يناقش الكتاب الفروق بين الإسلام في أمريكا الشمالية و النموذج الأروبي، فقد كان حضور المهاجرين في بداية تشكل الاتحاد الامريكي من افريقيا كعبيد أو مهاجرين ، وبعد عقود تضاعفت الهجرات من الدول الإسلامية و لكنها لم تكن مثل الهجرات إلى الدول الأروبية، فغالبية المسلمين الأمريكان من المتحولين إلى الإسلام عن دين آخر، ومن الفروق الجوهرية بين مهاجري المسلمين إلى أروبا ومهاجري المسلمين إلى الولايات المتحدة، أن الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة كانوا على درجة عالية من التعليم والمهارة، على العكس من المهاجرين المسلمين إلى أروبا. تحدث الكاتب عن كون المجتمعات المسلمة بلا قيادات حقيقية، ولشرح هذه الفرضية طوَّف في أوضاع المسلمين في الغرب، وذكر اتجاهات الدول حول تشكل الجمعيات الدينية واختلاف الدول حيالها، فبعض الدول تُطالبها بتراخيص، والبعض الآخر لا تطالبها. المشاكل التي تطرح من قبل الجاليات الإسلامية كانت بحاجة إلى وعاء تنظيمي، وقضايا مثل تدريس الإسلام للأطفال ، و المقابر والمساجد، وتنظيم المواعظ ، كانت تحتاج إلى منظمات تتبناها، ولكن التعدد الكبير لهوية و عرقية وتقاليد المسلمين في الغرب جعل احتواءهم ضمن جمعية واحدة صعباً. حاول تقسيم الجمعيات إلى مدنية و دينية، وأشار إلى أن بعضها توصف بمسلمة فقط إذ إن أعضاءها مسلمين ولكن نشاطها لا يرتكز على الدين، وطائفة من الجمعيات كانت مرتبطة بقضايا محددة (حقوق المرأةـ الحريات ..)، وشرح لورينزو فيدينو صعوبة تصنيف الجمعيات الإسلامية لكثرة التصنيفات، فهي إما من غالبية سنية، أو شيعية (لبنانيون، ايرانيون ، باكستانيون)، وبالرغم من تشكيلهم نسيجا قريبا من التآلف إلا أنهم لا سلطة مركزية لهم. أكبر العقبات أمام تحديد قيادة موحدة، هو تعدد الأعراق. وكما في عنوان الكتاب أكد فدينو أنه سيركز على جماعة الإخوان المسلمين التي ظهرت في الغرب في 1950. عدم وجود قيادة موحدة حرم الطرفين (الحكومات والجمعيات الإسلامية) من مناقشة مشاكل المسلمين في أروبا و أمريكا (تعليم الأطفال، الذبح الحلال، العطل في الجمعة …)،لذلك حاول الطرفان البحث عن شركاء، الحكومات نحت منحى جادا و حددت محاور هامة لانتخاب شركاء : التمثيل الحقيقي، المصداقية، وبسبب نمو التطرف والراديكالية، أًضيف إليهما العصرانية أو التحضر، مما أضاف مشكلة أخرى لغياب توصيف وتحديد معنى العصرانية، إجمالًا فقد أصبح الإسلام الدين الدين الثاني في أروبا، والسلطات تواجه مشكلة استيعاب المسلمين والتنظيمات لا تتحد على قيادة متعاونة أو جمعية مشتركةـ في ظل نمو تنظيمات تتبنى العنف (القاعدة، حزب الله)، فالحاجة إلى من يتكلم باسم المسلمين تتزايد. إخوان الغرب: كان هذا الفصل أغنى فصول الكتاب، تناول فيه الباحث المواضيع بشمول هام، تحدث في البدء عن تأسيس الإخوان، بداية من جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، ورشيد رضا، الذين رفعوا سؤال سبب تأخر المسلمين، وكيفية الخروج منه، فالذي رآه الأفغاني أن الحل يكمن في النظر في ما صلح به أمر السلف، كانت الرؤى فكرية محضة إلى أن تبلورت على يد حسن البنا و المودودي في 1930 و 1940، فأضحت رؤى “حركية”. قام حسن البنا نشر دعوته وسط المصريين ورفع شعار الإسلام هو الحل، وسعى لطرد الوجود الأجنبي، وتطبيق الشريعة، وكانت رؤية البنا للإسلام كلية لا تنحصر في العبادات والطقوس، و ذكر لورينزو أن البنا لم ينغلق ضد العصرنة ولكنه رفض التغريب، فأنشأ نشاطًا إسلاميًا عصريًا، واستلهمت نجاحاته من قدرة رسالته، ولكن خاطابات البنا أصبحت فضفاضة وضبابية وغير واضحة حينما بدأ يعرف الدولة الإسلامية أو الخطوات الواجب اتخذاها لإقامة الدولة. كانت رسالة البنا العامة هي أسلمة القواعد، عبر الدعوةـ والحوار والعمل، ولكن ما لبثت دعوته أن وقعت في مستنقع العنف، مما تسبب في التضييق عليه وعلى جماعته (1948)، وسرد المواجهات بين الجماعة والسلطة، وذكر تأثير سيد قطب على البناء الفكري للإخوان المسلمين، والعنف وظاهرته، والتكفير والجهاد، واستمر حال حصار الإخوان إلى أن توفي الرئيس المصري جمال عبدالناصر، الذي خلفه الرئيس أنور السادات الذي فسح المجال نوعًا ما لإخوان مصر. ولم يغفل لورينزو الحديث عن العلاقة بين الإخوان والسعودية، واستفادة الإخوان من ثروات السعودية ودول الخليج. حضور الإخوان في الغرب الحضور الأول اللإخوان في الغرب كان في 1950، مجموعات صغيرة من الإخوان كان غالبها من الطلاب، أبرز هوءلاء كان سعيد رمضان، وهو والد طارق رمضان ، و الملياردير يوسف ندا. قامت الجماعة ببناءالشبكات، بعد أن استكشف الرواد من الإخوان المجتمع الغربي، تنبه الإسلاميون إلى تشكيل الجمعيات بعد 1970 التي قرروا فيها البقاء في الغرب بشكل دائم، فحاولوا إعادة تعريف مصطلحاتهم القديمة “دار الحرب، دار الإسلام”، لكي تكون أكثر استئناساً وقبولا، فأصبح الغرب هو دار الدعوة، وذكر الكاتب أبرز الجمعيات مثل المجلس الإسلامي وتحالفها مع بعض الجمعيات المالية الإسلامية، وعن وجود الشبكات الإخوانية في الجامعات الأمريكية. السؤال الذي واجه الدارس لطبيعة الإخوان وسيرتهم منذ الستينات كان : من هو الأخ؟ أجاب الكتاب عن ذلك عبر سرد نجاحات الإخوان في الولايات المتحدة، عبر سلسلة من النشاطات الطلابية والفعاليات، وقابلها بفشل التجربة الجماعة الأم في مصر ، وتجارب أخرى، ذلك تسبب في أن يكون اسم وصورة الإخوان متعدداً ومربكاً، وعدد اختلاف التعريفات التي ختمها بالتعريفات التي تحدثت عن الإخوان كمدرسة فكرية. نقل الكاتب؛ إنكار مهدي عاكف مرشد إخوان مصر السابق لوجود علاقات مباشرة بين إخوان مصر والإخون في أروبا، وشدد الكتاب على أن ذلك ربما لا يكون دقيقًا، أو ينبع من إيمان بأن أي صلة ظاهرة بين الأم وفروعها في الغرب قد تبدو مضرة للطرفين، لذلك تتبع المؤشرات المنهجية التي يستكشف بها الأمر، أول محاورها التاريخ الذي يكشف الانتماء، وتتبع تاريخ المنظمات ومؤسسيها ووضح بصور كافية انتماءها للإخوان. القاسم الآخر الذي يكشف الانتماء والرابطة بين الجهتين هو تبني منهجية الإخوان، وتعاطي أدبيات الإخوان وكتبهم، كالبنا و سيد قطب، أو العصريين كالقرضاوي واللبناني فيصل المولوي، وأيضًا التعاون المنتظم بين المنظمات الإخوانية، الروابط الاقتصادية مع مؤسسات سماها، وأيضًا التحالف غير الرسمي مع يوسف القرضاوي، والوجود في البنية الكلية للأجسام الاخوانية. يختم المؤلف هذا الفصل بالقول بأن القدرات الفكرية لا رقمية هي التي يعول عليها الإخوان. الأهداف والوسائل في هذا القسم تناول الكاتب طرح الإخوان المسلمين، و” الإصلاح الإسلامي”،والفكر الثوري. عرف عن الباحثين تقسيمهم للحركات الإسلامية على مجموعات “المتطرفة”، المعتدلة”، “الأصولية”، واعتبر ذلك تبسيطًا ففي كل جماعة يتنوع فكر ومبدأ الأعضاء، حيث يرفع الإخوان شعار “القرآن دستورنا” وهو شعار وصفه الكاتب بالعاطفي، إذ إن رجالها اليوم يؤمنون بشرعية قوانين البشر، بينما يذهب آخرون إلى أن نبذ الإخوان للعنف هو تكتيكي وعلاقتهم بالديمقراطية لا تنبع عن إيمان بقيمتها. يلاحق الكاتب سيرة الديمقراطية منذ الجيل الأول للإخوان ويأخذ (المودودي)، وغيره ممن حاولوا ابتداع ديمقراطية إسلامية، ومحاولتهم تطويع الشورى لتحل محلها، وقارن فهم الإخوان ببعض تيارات السلفية وخلص إلى أن الإخوان حققوا خطوة للأمام، وعزا لبعضهم ابتداع الديموقراطية الإسلامية، وتناول بعض فتاوى القرضاوي حيال الأمر، وحيال حقوق الإنسان والديموقراطية والحريات. المفكرون مثل القطري المصري القرضاوي و التونسي الغنوشي واللبناني فيصل مولوي وغيرهم، تأثير في تكوين فكر الإخوان في الغرب، ومن المعلوم أن الخصوصية الجغرافية للإخوان المسلمين الغربيين هي كونهم مسلمين في بلاد ليست مسلمة، لذلك فهي تحتاج –حسب الإخوان- لخطاب مختلف، وعرض الكتاب نماذج لذلك من فكر القرضاوي والتحديث الذي أجري عليه. في بداية التسعينيات كتب القرضاوي كتابًا بعنوان ” أولويات الحركات الإسلامية في المرحلة القادمة”، تناول القرضاوي الحالة الإسلامية في الغرب بالتحليل السياسي العميق، ذكر الكتاب الشواهد المناسبة التي تثبت أن الفكر الإخواني يعتبر الغرب الفرصة الأولى للدعوة بلا قيود، ركز الإخوان في خطابهم على دعوى الإفلاس الأخلاقي في الغرب، وتحدث عن تحربة الإخوان في الحديث عن الشريعة، والفقه، والأخلاق، واعتمادهم على تنظير القرضاوي واستشهد الكتاب بفتاوى القوامة، وتناول سيرة الحريات وغيرها، مما كان يمثل براحًا جيدًا لعرض بضاعة الإخوان في دار الدعوة التي يريدونها دارًا للإسلام، تناول الكاتب تجربة فرنسية، وتناول التعاطي مع الحجاب كقضية. واستنتج من ذلك ما تحاوله الحركات الإسلامية الإخوانية، عبر المرونة ومحاولة الإعتدال الحديث باسم الإسلام. وجود المسلمين في الغرب للبقاء و الإقامة الدائمة، ألزمهم بأن يبحثوا عما يضيفونه للمجتمع الغربي، لذلك فإن الإخوان في الغرب حاولوا استغلال هذا الإحساس ليعرضوا أنفسهم كمؤهلين لريادة المجتمع الإسلامي، . تعاظم التأثير الإخواني في مناقشة القضية الفلسطينية، فكانت تؤيد حماس وتدعمها وتقدمها على أنها القوة الوحيدة القادرة على”تحرير” فلسطين. وجد الإخوان بعض النفوذ في الدوائر الغربية وحاولوا استغلاله لمصلحة حماس وغيرها من المنظمات ذات العلاقة مع الإخوات. ختم هذا الفصل بالتساؤل إن كان ما جرى هو فتح إسلامي، فكيف يقيم الإخوان تجربتهم خلال نصف قرن؟، وهل هي مليئة بالتلون و الاستغلال؟ و هل اعتمدوا التكتيك و التماهي؟ أشار الكتاب إلى إيمان بعض الإخوان أن المشاركة في النظم الغير الإسلامية هي الطريق إلى تشكيل النظم الإسلامية. مأزق الحكومات الغربية في هذا الجزء من الكتاب تم طرح الرؤية من منطلق الحكومات الغربية، كيف تعاملت مع الإخوان، هل سهلت لهم مهمة وصولهم إلى بعض الأهداف، كيف اختارت الممثلين، كيف تعاملت مع طموحات الإخوان الديمقراطية، تساءل الكتاب عن المساعدة التي نالها الإخوان، ونقل آراء مضادة للإخوان وتحليلات عن الروابط التي بناها الإخوان إثر ازدياد الجماعات الراعية للعنف، كشف الكتاب عن إشراك الإخوان على مستويات حكومية أو تمثيل شعبي. بعد تنامي نشاط القاعدة، احتاجت الولايات المتحدة إلى معرفة أسسها الفكرية، نقل الكتاب لقاءات كشفت الجهل الكبير بهذه الأسس إذ إن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية كانوا لا يتسطيعون التفريق بين السنة والشيعة بحسب بعض الدوريات التي نقل عنها الكتاب، وكذلك عن الحركات الإسلامية، احتاجت الأجهزة الأمنية إذًا الوصول إلى المعلومات، فكانت الأجهزة يومها في حاجة إلى الإخوان كجزء من منظومة المعلومة. وفي بعض الأحيان كان لابد وجود مستشار عن المجتمع الإسلامي في بعض مراكز البحث. الاعتبارات الشخصية والسياسية، واستغلال القضايا العامة تحدث الكتاب عن استغلال الإخوان للإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام)، ونقل عن أحد النافذين في الولايات المتحدة أنه ” من أكثر الأشياء التي يتخوف منها الناس، أن توصف بأنك عنصري، أو كاره للإسلام … ولكن ما نشاهده أن بعض الجمعيات تتعامل بمنطق أعطنا المال وإلا وصمناك بأنك كاره للإسلام”. هذا إضافة إلى بعض سياسات الترضية التي تجرها تعقيدات السياسة، وفي نقطة أخرى يشرح الكتاب أن إشراك الإخوان في المنظومات الحاكمة يأتي كمحاولة لاستيعابهم وتذويب تدريجي لفكرهم وتأثيرهم . اعتبر الكتاب تعاون الحكومات مع الإخوان ضرورة تقدرها الحكومات بالرغم من تحفظات بعض النافذين في الطرفين، الحكومات تحاول الموازنة بين إشراك الإخوان لتمرير بعض الأهداف، وبين تقوية الجماعة بسبب تلك المشاركة. لمحات من تجاربهم في بريطانيا العظمى، ألمانيا، الولايات المتحدة بداية المسلمين في بريطانيا كانت عبر بعض البحارة الجنوب آسيوين، من اليمن والهند، تحدث عن شبكة المودوي ونشأتها من المتأثرين به، تحدث عن تأثير قضية سلمان رشدي (1988) على تشكيل المجلس الإسلامي، و التفاعل مع القضايا ، ومر على التوتر الذي أعقب أحداث سبتمبر 9-11، وما سببته، وصولاً إلى أحداث 7 يوليو في لندن وتفجير القطارات،وتناول الكتاب تفاصيل ما أسماه بثورة روث كيلي إزاء موقفه من الأصولية والإرهاب. كان التحدي الحقيقي للمسلمين في بريطانيا و للإخوان المسلمين على وجه الخصوص هو الوجود في مجتمع متعدد الثقافات، كيف لحركة إسلامية أن تتفاعل فيه، رؤى الإخوان للاندماج أو الانعزال حسب الضرورات، مرّ الكتاب على آثار حرب العراق والشخصيات المؤثرة مثل القرضاوي وتاثير فتاويه ومواقف الحكومة البريطانية إزاءه. بدأ الحديث عن النموذج الألماني ما ناقشه البرلمان الألماني في مايو 1999 بخصوص حق المواطنة، والوجود الإسلامي التركي فيها، ومئات المنظمات التي شُكلت من قبل المسلمين في ألمانيا وتفاعلها مع المجتمع ومدى تغلغل الإخوان فيها، ورؤية تقسيم المجتمع التي تعمق فيها الكتاب وقدم خلالها التجربة الألمانية التركية الإخوانية، ركز الكتاب على الوجود الإخواني كشريك أمني للحكومة، أو حاجة أمنية بعد ارتفاع أسهم الحركات الراعية للعنف، ولكنه أشار إلى عدم ارتياح الأجهزة الأمنية للعلاقات بين المنظمات الإخوانية و بعض المجموعات التركية، مرّ الكتاب بتفصيل على أزمة تعليمية بسبب تركز المسلمين في مناطق متفرقة، وعن تعليم الإسلام لأطفال الجاليات، وختم بالحديث عن آفاق المستقبل الإسلامي في ألمانيا وتعاطيها مع الوطنية. في الولايات المتحدة، شملت تغطية الكتاب الحديث عن الأصول، التي تشكلت من المسلمين السود إلى 1960 التي أعقبتها هجرات من دول إسلامية حملت الفكر الإخواني معها كأساس لشبكات شُكلت في ما بعد، ذكر الكثير من الرواد وتجاربهم، وتعاطيهم مع الغرب كأرض للدعوة، ومراكزهم التي عملت لتعليم وتدعيم الشريعة ومحاولة الوجود في مراكز القوى، مرّ الكتاب بأبرز المحطات وأشهرها في العمل الإخواني مثل ” لقاء فلاديفيا و ولادة المنظمة “كير” ، التي لقيت مباركة القرضاوي، و وصفها بأنها حققت الكثير من النجاحات، إلا أن مشاكل يشرحها لازمتها منذ 2007، تناول ما أسماه لغز مكافحة الإرهاب، وتعاطي الإخوان مع المعلومات و اضطرار الحكومة للاستعانة بهم لتغطية الجهل الذي تعانيه ، واتباعها سياسة الترضية، جاءت الفصول تطبيقًا للمؤشرات شرحها سابقًا لتعيين انتماء المنظمات للإخوان من عدمه. الإخوان والإرهاب بعد هجمات سبتمبر الشهيرة، اختارت كل الحكومات برامج لمكافحة الإرهاب، طرح الكتاب تساؤلًا إذا ما كان الإخوان هم جدار واقي، أو امكانية حسبان الإخوان نموذجا ضديا لنموذج القاعدة الأصولي، وأشار إلى مدى إمكانية نجاح هذا المشروع نسبة للمرونة والاعتدال التي يدعيها الإخاون، وإدانة المنظمات الإسلامية الكبرى في الغرب للأعمال مثل CAIR و MBA و IGD ، وأفاض في مدى أهلية الإخوان بحسب قراءة أدبياتهم لأداء ذلك الدور، واختار عرض الآراء المؤيدة لتوجهات العنف أولاً وقطعها بالتساؤل إن كان الغرب بذلك يضع الخراف في عهدة الذئاب!، واستشهد بحديث الأمير السعودي نايف آل سعود الذي حمل الإخوان مسؤولية تدمير العالم العربي، باثًا في نفس القارئ أن الثقة بهم قرار غريب، شمل الكتاب رؤية الإخوان للعنف قبل سبتمبر وبعدها بكل تلوناتها، مستشهدًا للتناقض بقضايا العمودي، مؤكداً وجود جينات جهادية في الإخوان. خلاصة في الخاتمة شدد الكتاب على أن حركة الإخوان تمزج بين الدين والسياسة ولا تخلو من أهداف غير معلنة بحسب تتبع النموذج الغربي الجديد لها، وأشار إلى أن غالبية المسلمين في الغرب يُتحدث بإسمهم من قبل جماعات الإسلام السياسي دون تفويض منهم، ولخص آراء المتفائلين حيال الإخوان باعتبارهم نموذجا عصري للإسلام الحركي، إلا أنه أكد أن أصعب القرارات هي المزاوجة بين احتواء الإخوان وبين الحد من النفوذ، و أشار إلى الوعي وأهميته لبرامج مكافحة الأصولية. اعتمد الكتاب على كم هائل من المراجع والمقابلات الشخصية، لتوثيق التجربة، وهو يشكل أرضية بحثية هامة لكل من أراد التعاطي مع شأن الحركات الإسلامية في الغرب. هذا هو الكتاب الثاني للمؤلف، وقد سبق له تاليف كتاب عن (القاعدة في أوروبا).
قراءة:عمر البشير الترابي المصدر:مركز المسبار
مقابلة مع المؤلف في موقع إذاعة هولندا:
حوار: ميشيل هوبينك- إذاعة هولندا العالمية/
أصبح نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين السياسي الديني يتزايد في أوروبا ويتصف بأجندة مزدوجة. هذه وجهة نظر الباحث بجامعة هارفارد لورينزو فيدينو في كتابه بعنوان “الإخوان المسلمون في أوروبا وشمال أفريقيا” الذي سيُنشر قريباً. ويعتقد الكاتب أن صناع السياسة الأوروبيين يُخدعون في كثير من الأحيان من قبل الإخوان المسلمين. في هولندا، تعرض السياسي الهولندي من أصل مغربي يحيى بويافا مؤخراً لفضيحة. فقد اُتهم بالانتماء سراً لعضوية تنظيم الإخوان المسلمين المثير للجدل. ونفى بويافا هذه التهمة. يُعتبر تنظيم الإخوان المسلمين، الذي نشأ في مصر عام 1928 بهدف إقامة دولة إسلامية، من أوائل الحركات السياسية الإسلامية الحديثة. وفي الخمسينات والستينات قدم الكثيرون من أتباع هذا التنظيم للدراسة في أوروبا. وأصبحت التنظيمات الطلابية، التي أنشأوها، نواة لشبكة ذات نفوذ واسع وتضم عدداً من المسلمين المتعلمين تعليماً جيّداً ويتولون مناصب رئيسية في المنظمات الإسلامية في أوروبا. وكحركة سرية النشأة، درج الإخوان المسلمون على عدم الإفصاح عن هويتهم. وجعلت عادتهم المتمثلة في العمل بتستر خلف المنظمات القائمة، من الصعب تقدير حجمهم الحقيقي. ورغم ذلك نجد أن لورينزو فيدينو على يقين بأن هذه الحركة لها نفوذ كبير جداً في أوروبا.
► يقول البعض إنك تبالغ في تقدير نفوذ الإخوان المسلمين في أوروبا نظراً إلى ضعف التأييد لأيديولوجيتهم وسط المسلمين الأوروبيين…
نحن نتحدث هنا عن مجموعة صغيرة جداً من الأشخاص المتعلمين تعليماً جيداً ويتمتعون بنفوذ لا يتناسب وحجمهم. فهم منظمون تنظيماً جيداً ويتوفرون على الكثير من المال الذي يحصلون عليه في الغالب من مانحين في الخليج. إنهم ناجحون جداً في السيطرة على التنظيمات الإسلامية، ولديهم فرص للوصول إلى الحكومات والظهور في وسائل الإعلام. ورغم حقيقة أن معظم المسلمين الأوروبيين لا يشاركونهم نفس الأفكار، فقد نجحوا في كثير من الأحيان في تمثيلهم أمام الحكومات الأوروبية ووسائل الإعلام. صحيح أن الإخوان المسلمين لديهم القليل من الأتباع في أوروبا، لكن ذلك ربما يتغيّر في المستقبل. فالشباب المسلمون الأوروبيون من الجيل الثاني والثالث يبحثون عن هوية إسلامية جديدة. وتتنافس المجموعات المختلفة على جذب اهتمامهم وربما يكون الإخوان المسلمون أكثر هذه المجموعات نجاحاً في ذلك نظراً إلى وضعهم في السلطة.
► قلت إن للإخوان المسلمين في أوروبا خطابا مزدوجا… يقدم الإخوان في العلن أنفسهم كحركة معتدلة، تشدد على الاندماج والوحدة والتسامح الديني، وتدين الإرهاب:
كل العبارات الطنانة التي يفضّل صناع القرار السياسي الغربيين سماعها. لكن إذا نظرت إلى ما يقولونه في مساجدهم أو في الكتب التي يبيعونها في مكتباتهم، تجد الرسالة مختلفة تماماً. ينظرون إلى أوروبا كمجتمع فاسد، كافر لا يجب أن يندمج فيه المسلم. كما يعرضون ما تقوم به الحكومات الغربية كحرب ضد الإسلام.
► ما هو الهدف بعيد المدى للإخوان المسلمين في أوربا في اعتقادك؟ هل يتطلعون إلى أسلمة المجتمع الأوروبي أم اعتماد العمل بقوانين الشريعة الإسلامية؟
لا، لا أعتقد ذلك. نحن نتحدث عن حركة سياسية براغماتية جداً وواقعية جداً تفكر فيما يمكن أن تنجزه على المدى القريب وعلى المدى البعيد. فهم مثلهم مثل أية حركة دينية محافظة، يرغبون في أن يحافظ المسلمون على هوية إسلامية قوية، دون إفسادها بالتأثيرات العلمانية. لكن وكحركة سياسية، يهتمون في المقام الأول بالحصول على سلطة داخل المجتمعات المسلمة وفي المجتمع الأوسع. وبمجرد حصولهم على سلطة ونفوذ كافيين، سيستخدمانهما في التأثير على صناع القرار السياسي، على المستويين المحلي والعالمي. إنهم يتطلعون إلى أن يصبحوا التنظيم الذي تتحدث إليه الحكومة عندما يتعلق الأمر بالإسلام والعالم الإسلامي، صناعة القرار حول القضية الإسرائيلية- الفلسطينية، الحرب في أفغانستان… إلخ.
► في أوربا يقدم الإخوان المسلمون أنفسهم كبديل معتدل للمجموعات السلفية الأكثر تطرفاً. كيف تصف الاختلاف بينهم؟
أعتقد أن الاختلاف في التكتيكات. فرؤاهم حول المجتمع الإسلامي المثالي متماثلة، لكن السلفيين جامدون ويرفضون المساومة حول أفكارهم. أما الإخوان المسلمون، من جهة أخرى، فأكثر من راغبين في المساومة والمشاركة في النظام السياسي. ففي بعض الأحيان يتعاونون مع أناس لا يوجد بينهم إلا القليل مما هو مشترك مثل المجموعات المسيحية المحافظة أو المجموعات اليسارية المتطرفة.
► في كتاباتك المبكرة وصفت النخب السياسية الأوروبية بالسذاجة. وقلت إنها تقبل الإخوان المسلمين بشكل غير نقدي كممثلين لمجتمعات المسلمين الأوروبيين، وفاشلة في اكتشاف الأجندة المتطرفة المخفية وحتى علاقاتهم بالمنظمات الإرهابية…
لقد عدّلت إلى حد ما من وجهة نظري تلك. أصبح صناع القرار السياسي أقل سذاجة خلال السنوات القليلة الأخيرة. فقد تحققت الحكومات من أن زعم الإخوان المسلمين بأنهم الممثل الوحيد للمسلمين غير صحيح. وأن المجتمعات المسلمة متنوعة جداً وأن الأصوات الأكثر علواً ليست بالضرورة الأكثر تمثيلاً للمسلمين. كذلك هناك المزيد من المعارف حول طبيعة هذه المنظمات. والوضع في بريطانيا مثال جيّد لذلك. فلوقت طويل، ظل المجلس الإسلامي لبريطانيا (إم سي بي) هو الشريك الحصري شبه الرسمي للحكومة البريطانية. وقيادة هذه المنظمة يهيمن عليها الإخوان المسلمون. لكن الحكومة البريطانية أجرت تغييراً في سياستها عام 2006 بسبب اكتشافها أن قطاعات كبيرة من السكان المسلمين لا ينتمون إلى المجلس الإسلامي لبريطانيا.
► ماذا عن الوضع في هولندا؟
هولندا، إلى حد ما، استثناء تاريخي عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين. فلوقت طويل، لم يكن هناك وجود لحركة إخوان مسلمين في هولندا وما يوجد اليوم من هذه الحركة صغير جداً بالمقارنة مع معظم الدول الأخرى. والسبب في ذلك أن هولندا لم يكن يقدم إليها طلاب خلال الفترة من الخمسينات إلى السبعينات. وقد بدأت جميع منظمات الإخوان المسلمين في أوروبا نشأتها كمنظمات طلابية.
المصدر: موقع إذاعة هولند
يناير 2010