نجحت «ثورة 30 يونيو» في إزاحة شبح الإخوان عن التحكم في شعب مصر، واختارت الإرادة الشعبية حظر التنظيم وإبعاد أجهزته، وتولت الدولة محاكمة قياداته المتورطة في تأجيج العنف والإرهاب. ولكن كيف يبدو وضع الجماعة اليوم؟ وما التداعيات الحقيقية لهذه الإجراءات على التنظيم وهيكليته؟ وما حكاية «لعبة» صراع الأجنحة «الراديكالية» و«الوسطية» المزعومة داخل التنظيم، وكيف تحدد عبرهما خياراتها التنظيمية والسياسية؟ ومن يسوّق لسيناريوهات مواصلة «المواجهة» أو المصالحة المزعومة، متناسياً أبوّة التنظيم للإرهاب؟ وما حقيقة وحجم المراجعات الفكرية التي يقوم بها «جيل من الإخوان»؟ وما وضعية الإسلاميين الآخرين داخل مصر كالجماعة الإسلامية والتيارات المتشددة؟ هل هي أدوات احتياطية، أم معابر، أم تجليات لبعث مختلف؟
يسعى مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإخوان بعد السقوط: إعادة التشكل واستغلال التحالفات» (الكتاب السابع والأربعون بعد المئة، مارس (آذار) 2019) إلى الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، فيرصد ويحلِّل أبرز التحولات والصراعات التي مرت بها حركة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيارات المتشددة في مصر خلال العامين 2017 – 2018.
شارك في الكتاب باحثون متخصصون، تعزز دراساتهم شهادات داخلية قدمها إسلاميون سابقون أماطت اللثام عن الوجوه الخفية للإسلاميين، على مستويات عدة، خصوصاً الموقف من الدولة، والمجتمع، والعنف. تتناول إحدى الدراسات الصراع الداخلي والخارجي المزعوم بين أجنحة الإخوان المسلمين، على خلفيات أيديولوجية، أعقبت التراجع التدريجي للجماعة بعد «ثورة 30 يونيو»؛ والإجراءات التي اعتمدها الشعب المصري لحماية مؤسساته ودولته من «التغول الإخواني» الذي هدد هوية مصر.
يمكن تحديد خلفيات هذا التجاذب المفترض، ضمن ثلاث فئات أو أقنعة: «القطبيون» (الراديكاليون) الذين يرفضون أي مراجعة ويفضلون خيار المواجهة والعنف؛ «الكامنون» وهم أولئك الذين يفضلون الانسحاب والكمون والعمل السري، و«المراجعون»، وهم من الجيل الشبابي الذي يعمل على إجراء مراجعات نقدية تُخرج «الجماعة» عن مسارها التاريخي. بيد أن ميراث الخبرة يشير إلى أنّ هذه الفئات ليست سوى خيارات، يتبدّل الإخوان بينها بإرادتهم، وحسب مقتضيات الواقع، فمرشدهم الحقيقي واحد!
كشف الكتاب عن دور قيادات الإخوان في تأسيس التنظيمات الإرهابية، التي تحاول ضرب مصر الآن، بما فيها التنظيمات الداعشية، عبر تتبع الشهادات التي تورِّط المرشد مصطفى مشهور، في بناء عمل عسكري، منذ الفنية العسكرية، مروراً بتنظيم بيت المقدس، الذي تحوّل إلى «العقاب» وغيره من كيانات إرهابية انضوى بعضها تحت ما يسمى ولاية سيناء، ولكنه حافظ على هيكله الإخواني وخدمته لأجندة التنظيم، الذي يتبجح قياديون مثل محمد البلتاجي بسيطرتهم عليها، حينما يقول: «أعيدوا مرسي ينتهِ الإرهاب في سيناء».
حاول الكتاب تفسير استحالة إجراء الإخوان لمراجعات جادة، فخلص إلى أنهم نتيجة أيديولوجيتهم الشمولية، وعلى الرغم من النهج البراغماتي الذي ينتهجونه، غير قادرين على «الانقلاب على أنفسهم» والمصالحة مع المجتمع والدولة على أسس جديدة تسير على خطى الأحزاب الدينية المحافظة في الغرب، فالتجارب مختلفة والتاريخ مختلف، وكذلك المرجعيات والعقليات والتطورات ودرجات الوعي والأطر الضابطة لعلاقة التنظيمات ومسؤوليها بالدولة والمجتمع والاقتصاد والدين. ونلاحظ على هامش الدراسات، أن تراجعات الإخوان التكتيكية، لا يتم تذييلها بالاعتراف بالخطأ، لذا فإن قيمتها الأخلاقية تتصاغر، أمام درجات المصلحة التي تفتحها.
طرح الكتاب أهم السيناريوهات المستقبلية التي يحاول المتعاطفون مع الإخوان تقديمها أمام الإسلاميين المصريين. يبقى أنه أمام الإخوان خيار وحيد، هو التخلي عن معاداة الإسلام التقليدي، والدخول في عقد المواطنة المؤمن بالدولة ومؤسساتها، والابتعاد عن محاولات اختطاف المجتمع والدين.
في الختام يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل ماهر فرغلي الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهده وفريق العمل.
هيئة التحرير
مارس (آذار) 2019