حلّت أزمة “كورونا” رهاناً سياسياً عند توجهات الإخوان في مصر، الذين سعوا إلى اقتناصها للتشكيك في الأنظمة العربية وقدراتها على مواجهة الوباء؛ وذلك من خلال تصويرهم في صورة المتخاذل عن تطلعات المواطنين المطالبين بالوقاية والحماية؛ أملاً في الدفع إلى واقع سياسي مناسبلهم، لا سيما وأن نجاح الحكومات العربية في التغلب على الوباء قد يؤدي إلى عزل التنظيم الإخواني سياسياً أكثر فأكثر، ويزيد من الالتفاف الشعبي حولها.
على هامش تفشي وباء “كورونا” وسعي الحكومات للحد من مخاطره؛ أطلت جماعة الإخوان المسلمين بتوجهاتها الراديكالية مستغلة الأوضاع الصعبة، للسخرية من الأنظمة العربية عموماً والنظام المصري خصوصاً؛ أملاً بالعودة المبررة إلى النشاط السياسي فعملت الجماعة المحظورة على عدم تفويت أي فرصة إلا واستغلتها ضد السلطة من خلال إثارة حالة من الهلع بين المواطنين عبر حزمة من الممارسات تعتمد على نشر الشائعات والتشكيك في الجهود الحكومية. وقد تزامن مع التفشي الوبائي، دعوة المصابين إلى نشر الفيروس بين المواطنين، تعبيراً عن العداء مع المجتمع المصري، فمنذ اليوم الأول من مواجهة الحكومة المصرية لفيروس “كورونا” يسعى تنظيم الإخوان إلى إفشال خططها الوقائية ضده، وقد برهنت الممارسات الإخوانية على ذلك مع بداية ظهور الوباء في مصر؛ حيث عملت على انتهاج آلية ترويجية تسهم في نشر الذعر، من خلال الاستعانة بأحدث التقنيات الترويجية في مشهد يشبه المشاهد المفبركة التي ظهرت عقب فض اعتصام رابعة المسلح.
اعتمد تنظيم الإخوان على مسلك التشكيك بفاعلية الحكومة المصرية للتصدي للوباء، لنشر حالة من الميوعة والضبابية بين المواطنين وتمييع الالتوجهات الإصلاحية التي تقوم بها الحكومة؛ بغية إنتاج حالة سياسية تفقد المواطن الولاء والانتماء للدولة، سعياً إلى تجهيز التربة السياسية التي تسمح بظهور جماعة الإخوان على الساحة من جديد، مما يعيد لها الانخراط في المجتمع والحياة السياسية. هذا التصور يتوافق مع ما توصل إليه المؤرخ البريطاني “إريك هوبزباوم” (Eric Hobsbawm) (1917-2012) في كتابه “عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز” [2]، الذي أشار إلى أن المجتمعات الحديثة في مساراتها الانتقالية ستشهد غيابًا للإجماع حول المرجعيات الكبرى للمجتمع، أو ما يمكن أن نسميه بضبابية المرجعيات، الأمر الذي فطنت إليه جماعة الإخوان المسلمين في خطة عودتها كفصيل سياسي، بعد أن باتت في ضمير الجميع معادية للوطنية، إبان التقلبات والأحداث التي عصفت بالعالم العربي عام 2011“.
حملة الترويج الإخوانية في زمن كورونا
بدأت الشرارة الأولى لحملة الترويج الإخوانية –إبان جولة تفشي كورونا- من خلال الفيديو الذي نشر لشخص يدعى “بهجت صابر”، يدعو فيه كل مصاب بأعراض المرض، إلى أن يقوم بمصافحة أفراد الجيش أو الشرطة أو القضاء والإعلام، بغية نشر الذعر بين أفراد تلك المؤسسات وإرباك أدائها الوظيفي[3]، عبر تمظهر يكشف انحياز الجماعة المحظورة إلى التوجهات الراديكالية التي لا تعبأ بمفهومية الإنساني في ممارساتها السياسية، وقد عضد هذا التوجه بعض ممارسات تيارات الإسلام السياسي؛ ساعية نحو اقتناص فرصة ظرفية تفرض عليها التضافر والتآزر فيما بينها؛ حيث أرجع بعض رجالات السلفية ما انتاب العالم من وباء وبلاء إلى غضب إلهي، وأنه لا فكاك من النكبة –في زعمهم- إلا بتخليص البلاد من التوجهات السياسية المناهضة للدين، ولا شك أنها دعوة صريحة تحض المواطنين على الارتكان لتوجهات الحكم ذي التمظهر الإسلامي لا سيما الإخواني منه؛ الأمر الذي دلل عليه انطلاق عدد من العناصر المحسوبة على الإخوان ومن معهم في مسيرات شعبية؛ ضاربة بالقرارات الحكومية عرض الحائط، والتي سبق وأُقرت كإجراء احترازي يهدف للحد من انتشار فيروس “كورونا”.
ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة التي قامت بها التيارات الراديكالية؛ بغية الشماتة في النظم العربية، حيث كشف مرصد الإفتاء المصري أن تنظيم داعش وبقية التنظيمات الإرهابية لم تترك مجالًا إلا واستغلته لمحاولة كسب تأييد الشباب وتجنيدهم، فقد نشرت مقالات افتتاحية في العددين (220) و(223) من صحيفة “النبأ” التابعة للتنظيم الإرهابي بعنوان: “إن بطش ربك لشديد”، و”ضلَّ من تدعون إلا إياه” أظهر التنظيم خلالهما الشماتة من انتشار الفيروس، خصوصاً في الصين.[4] والمدقق في الممارسة الترويجية التي اعتمدتها جماعة الإخوان تزامناً مع تفشي وباء “كورونا”؛ يجد فيها جولة سياسية تطبق فيها الجماعة ادّعاءاتها من خلال مسارين أيديولوجيين:
الأول: المسار الديني
لعل المسار الديني يشكل المطية الأساسية لجماعة الإخوان في تعاملها مع من تستهدفهم؛ ذلك أن المكون النفسي للعديد من الفئات الاجتماعية المصرية ارتبط بالقوة الدينية التي تمثل لديها الطاقة الجبارة المؤثرة على توجهاتها؛ الأمر الذي دفع بعض فتاوى تلك الجماعة إلى ربط أزمة “كورونا” ببعض التوجهات السياسية للسلطة الحاكمة عبر تمظهر ديني، وهو ما رصده مؤشر الفتوى العالمي التابع لدار الإفتاء، والذي تحدث في تقرير له عن قيام جماعة الإخوان الإرهابية بتوظيف الحدث لتنفيذ بعض مخططاتها، حيث أشار إلى أن نسبة (55%) من فتاوى الإخوان والسلفيين حول فيروس “كورونا” دارت حول فكرة العقاب الإلهي، وجاءت على رأس تلك الفتاوى، فتوى الإخواني وجدي غنيم الذي قال: “كورونا.. انتقام الله للصين وابتلاء وامتحان للمسلمين”، وكذلك فتوى السلفي ياسر برهامي القائلة: “الفيروس عقوبة إلهية بسبب أزمة الإيغور“[5]. كما أشار المرصد إلى أن نسبة (35%) من فتاواهم أرجعت انتشار الفيروس إلى منع الحجاب، حيث ربط قيادات التنظيم ظهور الوباء بمنع بعض المسؤولين للنقاب داخل المؤسسات والجامعات المصرية، الأمر الذي نجم عنه العقاب الإلهي؛ رداً على الممارسات الحكومية، لهذا انطلقت فتاوى الإخوان المسلمين وبعض آراء السلفيين جاهرة بالقول: إن “الفيروس” جاء ليقف أمام كل من حارب المنتقبات، ومن ذلك قول السلفي نجل الحويني: “رضي الله عنكنَّ يا عفيفات.. فجمال النقاب لن تفهمه أبدًا عيونٌ أدمنت أجساد العاريات.. تحايلن على هذا الحكم الخبيث الغاشم بمثل هذه الكمّامات الطبية حتى يجعل الله لكُنَّ فرجًا ومخرجًا”[6]. مُصدِّرًا موقفه السياسي عبر تمظهر ديني يحاول من خلاله إحالة المتلقي من واقعه إلى واقع افتراضي ماضوي، يعبر عن المناهضة الأولى للمسلمين ضد الكفار في المهد الأول لبزوغ الإسلام.
وفي هذا الصدد استغلت تيارات الإسلام السياسي -وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين- قرار إغلاق المساجد الذي أصدرته معظم الحكومات الدولية، كإجراء احترازي يحول دون تجمع المواطنين وانتشار “الفيروس” فيما بينهم؛ ليحل ذلك القرار منفذًا إخوانيًا لاستكمال حملاتها الترويجية ضد النظم الحاكمة، وخصوصًا الحكومة المصرية، عبر أسلوب أيديولوجي وسياسي، متخذة من المطية الدينية آلية ترويجية للّعب على مشاعر الناس ومواجعهم.
وأما قرار إغلاق المساجد والدعوة إلى أداء الصلوات في المنازل الذي اتخذته الحكومة المصرية خشية ضرر المواطنين فلم يكن بدعة من الأمر؛ حيث سجل التاريخ الإسلامي انتهاج الدولة الإسلامية للقرار ذاته إبان ظروف مماثلة؛ حفظا للروح الإنسانية، وهذا ما أجازته كل القيادات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف؛ نظراً لخطورة التجمعات الكبيرة في نشر “الفيروس” والخوف على حياة المصلين؛ الأمر الذي تلقفته جماعة الإخوان المسلمين وصورته على أنه مؤامرة ضد الدين الإسلامي، وهو ما قاله من الدوحة الصادق الغرياني (أحد قيادات الجماعة في ليبيا والملقب بمفتي الدم)، والذي اعتبر قرار إغلاق المساجد مؤامرة على الدين، وطالب بالتصدي له وعدم الالتفات لخطورة فيروس “كورونا” الذي اعتبره خدعة من الحكومات للمسلمين[7]، وهو ما ردده أحد المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين “وجدي غنيم” الذي حاول دفع الناس لكسر قرار غلق المساجد وتبرير الموت بفيروس “كورونا” في حالة الإصابة داخل المسجد؛ مطالبا بعدم الالتفات إلى التعليمات الطبية، ما يكشف عن استهانة الجماعة بحياة الإنسان والصحة العامة، واستخدام الدين لإشاعة الفوضى في زمن الأوبئة.
الثاني: المسار السياسي
أكدت التوجهات الإخوانية سعيها نحو استغلال انتشار وباء “كورونا” من أجل الوصول إلى أهداف سياسية؛ حيث تركز مليشيات الإخوان الإلكترونية على إطلاق الشائعات بكثافة حول وجود إصابات لا تعلنها الحكومة، وهو ما حاول تقرير منشور في صحيفة الغارديان البريطانية وتغريدة مراسل نيويورك تايمز في مصر أن تضفي عليه شيئاً من الواقعية بنشر دراسة -غير علمية- تتوقع عدد الإصابات، إلا أن لجان الإخوان حاولت نشره على أوسع نطاق لإثارة الرعب والفزع بعد بدء تسجيل حالات الإصابة في مصر؛ وهو ما دفع هيئة الاستعلامات للتحرك ضد الجريدة التي يمتلك القطريون أسهماً في ملكيتها، ولها سوابق عديدة في ترسيم التقارير المعادية لمصر، كما قامت الهيئة بتوجيه إنذار أخير للمراسل الأمريكي؛ إلا أن ذلك لم يردع الجماعة التي أطلقت عشرات الشائعات يومياً لإفشال إجراءات المكافحة، دونما النظر إلى مساس ذلك بحياة الناس. إن المتتبع للممارسة السياسية لجماعة الإخوان يتأكد من استغلالها للأزمات؛ سعياً وراء إسقاط الدول، حتى ولو كان ذلك على حساب ما يهدد المجتمعات والحياة الإنسانية[8].
وفي ظل حالة الرفض الجمعي للرموز السياسية المناصرة لجماعة الإخوان، والمتابعات الرقابية والإجراءات الأمنية تجاه المنصات الإخوانية؛ استمر الإخوان، عبر الأذرع الإعلامية الخاصة بهم، في محاولاتهم التأثير على المسارات السياسية في مصر.
ما زالت الممارسات الإعلامية للإخوان تنتهج مساراً راديكالياً، يهدف إلى محاولات تعويض الرصيد السياسي للجماعة الذي تقلص في المجال السياسي، والتأسيس لهوية سياسية جديدة تمكّنها من الانخراط في العمل السياسي والحزبي، في ظل انتشار هذا الوباء.
يجد المراقب للحلقات التلفازية لجماعة الإخوان نشراً لحالة من الشماتة من الحكومة المصرية بعامة ومؤسستها العسكرية بشكل خاص، إبان تفشي فيروس “كورونا”؛ حيث أسهمت الممارسة الإعلامية للجماعة عبر قنواتها التلفازية في التأثير -إلى حد ما- على الناس، عبر توجه ترويجي يدعو المواطنين إلى الخروج عن التعليمات الوقائية، والتحريض على استقرار المؤسسات الحكومية؛ بغية شق الصف المصري للنيل من الغريم الرئيس لهم الممثل في المؤسسة العسكرية، عبر وضع المتلقي في حالة من الخوف وميوعة الولاء الوطني؛ كمكسب سياسي يعضد مسارها الراديكالي؛ محاولة استغلال الأحداث الظرفية في إيجاد منفذ يمكّن التنظيم من الوجود في الساحة الشعبية قبولا ومناصرة. وعلى الرغم من الإيمان الجمعي المصري بأن تنظيم الإخوان جماعة سياسية تمظهرت في نمطية دينية زائفة، فإن الشائعات الترويجية الإخوانية ما زالت تجد مقبولية لدى فئات شعبية لا يستهان بها!
وربما يتبادر إلى الأذهان سؤال محوري يحاول فهم هذا الغموض واللبس: ما السر وراء صدى الشائعات الترويجية لجماعة الإخوان المسلمين؟ لا شك أن المطية الشفهية الممارسة في الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان، هي العلة في إقبال المتلقين على توجهاتها، لا سيما وأن ممارسيها يعتمدون وسيلتي الإقناع والإمتاع، آلية تواصلية، وجاء على رأس ذراع جماعة الإخوان الإعلامي “معتز مطر” الذي آمن بمنهجية الشك سبيلاً لا خير فيه من أجل رأب الصدع الذي نال توجهات جماعته السياسية؛ مجسداً الممارسات المؤسساتية للدول العربية في صورة من التلبيس والتدليس، من أجل تكريس حالة من الضبابية والغموض في ضمير المتلقي؛ فلم يترك “مطر” أي أزمة إلا وحاول استغلالها سياسياً لمصلحة الجماعة، حيث أطلق خلال كسر سكان مدينة الإسكندرية لحظر التجوال دعوات من تركيا للخروج تكبيراً وابتهالاً لدرء الوباء والبلاء عن البلاد؛ وتضامنا مع الأطباء في أزمة مواجهة فيروس كورونا[9]، عبر إثارة حالة من الهلع والفزع بين الناس العاديين والأطباء المعنيين بالإجراءات الوقائية؛ من أجل إحداث حالة من الفضاء الوقائي أمام هذا الوباء؛ الأمر الذي دفع عدداً من المتلقين إلى تلبية الدعوة بالخروج من المنازل في مسيرات أثارت الجدل، في الوقت التي تطالب فيه منظمة الصحة العالمية وكل بروتوكولات الوقاية بأن يبقى الأشخاص في المنازل دون أي تجمعات، منعاً لانتشار المرض الوبائي. ومن ثم بات إخضاع الخطاب الإعلامي للإخوان من الضروريات البحثية لتفهم توجهات الجماعة ومآلاتها الراديكالية، في محاولة تسعى نحو تأريخ ممارسات الإخوان الإعلامية في زمن “الكورونا”، والتي يمكن الإشارة إليها من خلال التطرق إلى المحاور التالية:
- السعي نحو إفقاد هيبة المؤسسة العسكرية
أثبت الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان؛ رغبة في كسب مساحات من التآزر الجمعي في المكون الشعبي المصري، وقد برهن على ذلك حلقة الإعلامي معتز مطر، التي جاءت صدى لأحداث وفاة اللواء خالد شلتوت (الهيئة الهندسية) معقبا على بيان القوات المسلحة بشأن وفاة أحد قادتها إثر مواجهة فيروس “كورونا”، قائلاً: “مع كل أسف هذا البيان كاذب”. مستخدما للعديد من التراكيب الشفهية المتضمنة لعنصري الاستمالة والاستقطاب عبر إظهار الأسف والتعاطف مع الحادث، على الرغم من استهلالته المكذبة للبيان؛ متخذاً من الحادث مسلكاً للتشفي في القوات المسلحة، التي شاركت في العديد من المشروعات القومية للنهوض بالبلاد؛ قائلاً: “علاقة شغلته –اللواء الفقيد- إيه عشان يواجه الفيروس، لا هو طبيب ولا ممرض..“)[10]. وقد أعاد سبب إصابة اللواء بهذا “الفيروس” إلى أنها نتاج مشاركته في تجهيزات العاصمة الإدارية الجديدة، التي تعتبر أحد أهم المشروعات التي تبنتها الحكومة المصرية للارتقاء بالمنظومة الإدارية، ليحل هذا الحادث مسلكا ترويجيا عند “مطر”، حاول من خلاله تأليب الرأي العام على المشروعات الحديثة التي تبنتها الحكومة المصرية، ضمن توجهات الإصلاح الاقتصادي؛ متخذًا من البيان العسكري مساراً للتشكيك في مصداقية المؤسسة العسكرية في مصر.
وقد اعتمد “مطر” عبر أسلوبه الشفهي على آلية (التقابل بين الجمل) من خلال عقد مقارنة بين البيانات الإعلامية للجيش المصري وبيانات جيوش أخرى؛ لافتاً إلى موقف الحكومة الإيطالية التي أعلنت عن وفاة رئيس أركان جيشها نتيجة الإصابة بفيروس “كورونا”؛ قائلاً: “ما حدش قال مات أثناء مواجهة الفيروس في الشوارع“[11] بنية شفهية يقصد من ورائها التشكيك في مصداقية القوات المسلحة، وإظهارها أمام المتلقي في صورة كاذبة ومميعة للحقيقة.
- إثارة الرأي العام حول التوجهات الاقتصادية
اعتمد الخطاب الإعلامي للإخوان على تصدير حالة من الهلع عبر الاستعانة بأرقام الإصابات في العالم خصوصاً الصينية منها؛ معتمداً على آلية التلبيس تجاه الحركات الاقتصادية التي تقوم بها البلاد، خصوصاً عبر الرحلات الجوية؛ وإلباس توجهاتها الاقتصادية لباس الاستهانة بأرواح شعبها، حيث صور الخطاب الممارسات الاقتصادية للحكومة وكأنها تفتح الباب الذي يلج منه الوباء إلى البلاد؛ بغية إشاعة حالة من الغضب الشعبي لحكومة تؤثر الممارسات الاقتصادية على حساب حياة المواطن.
وقد اعتمد “معتز مطر”، لترسيخ التوجه السالف، على آلية شفهية تقابلية تقارن ممارسة الحكومة المصرية بتركيا، التي أغلقت حدودها مع إيران ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة للحفاظ على شعبها من تفشي “كورونا”؛ معتمداً في ذلك على حالة تعميم الالتباس، حيث لم يرجع هذه المقاطعة إلى أسبابها السياسية، وألبسها لباس الأسباب الوقائية، وقد عضد لتوجهه مبرزاً موقف الشعب التركي من حكومته؛ قائلاً: “وما زال الشعب من هذه اللحظة يحاسب الحكومة حساب الملكين؛ لأنه هو اللي جابها وانتخبها، أما احنا لما تتغير معادلة إن أرخص حاجة في مصر هي البني آدم؛ ساعتها بس نبقى حطينا رجلينا على أول طريق إن احنا نكون بني آدمين…!“[12].
والمدقق في البناء الشفهي للحلقة يجد استغلالا لقلق الناس ومخاوفهم؛ بغية تأليب الرأي العام على الدولة، من خلال إيهام المواطن بأن التوجهات الإصلاحية للحكومة أولَى من الإنسان ذاته؛ آملاً في إشعار المواطن بأنه في حالة خصومة وعداء مع السلطة الحاكمة، من أجل تخليق حالة من الشعور الجمعي الثائر لمفهومية الإنسانية الزائفة، التي سعى الإخواني –مطر- إلى بلورتها بين المواطن وحكومته.
- الطعن في وزارة الصحة
وهو أحد المسالك التي انتهجها الإعلامي “محمد ناصر” الموالي لتوجهات الإخوان، الذي زعم زيف الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها وزارة الصحة؛ بغية بناء حاجز نفسي بين المواطن والتوجهات الوقائية المعلن عنها، ودلل على ذلك بناؤه الشفهي الذي عني بمخاطبة المستمع المصري عبر لغة ساخرة فقال: “لازم تكون جاهز وأنت عايش في أرض الخوف أنك تكون جزء من لقطة في تأييد الحاكم الدكتاتوري وآلة قمعية في يد الرئيس“[13] وعلق على حالة الرضا النفسي الذي عبر عنه المواطنون إبان خروجهم من الحجر الصحي بعد تعافيهم من فيروس “كورونا” بصيغة تهكمية ساخرة؛ منتصرا لتوجهه الراديكالي، واصفاً ثناء المواطنين على الإجراءات العلاجية المقدمة وكأنها لون من ألوان التزلف للسلطة، بغية إشاعة بشاعة المؤازرة مع النظام المؤسساتي في نفوس المتلقين؛ واستدل على ذلك من خلال تشويه صورة الشاكرين للرعاية الصحية، وكأنهم آلة توجه من الحكومة في إطار من الخيانة الوطنية؛ وقد دلل على ذلك بقوله: “تخيل احنا بقينا فين… كم هي الحياة بائسة خارج السجن أو خارج أسوار الحجر الصحي في مصر!“[14]
وقد حرص “ناصر” على تقديم نفسه على شاشات القيادة الإخوانية وكأنه حامل لواء النصح والإرشاد للمتلقي؛ مبيناً للمواطنين أن ما تقوم به الحكومة من إجراءات أمر إلزامي لا تفضل فيه على المواطن.
- الدعوة إلى الانفصال عن الحكومة
إن النهج الإعلامي الذي اتبعه تنظيم الإخوان رسخ حتمية الانفصال عن الحكومة وإجراءاتها؛ بغية جني العديد من القتلى بفعل تفشي فيروس “كورونا”؛ الأمر الذي دفع “محمد ناصر” إلى انتهاج آلية شفهية ساخرة تعمل على استمالة المتلقين، خصوصاً من لا يملكون ثقافة كافية، وهي الفئات الاجتماعية التي تسعى إليها جماعة الإخوان باعتبارها الجذوة التي تسهم في إشعال الفتن الإخوانية وقت الأزمات، لهذا نجده قد انحاز إلى النمط الساخر، مستهلاً حلقته بصيغة استفهامية: “كيف استعدت مصر لمواجهة وباء كورونا؟” مجيباً بأسلوب ساخر: “الاستعدادات المصرية قوية ورهيبة![15]
فالأسلوب الساخر الذي تنتهجه المنابر الإعلامية الموالية للإخوان غايته تأليب الرأي العام المصري على الدولة والخطوات التي تتبعها للحد من تفشي الوباء وقد أكد محمد ناصر ذلك بقوله: “الحكومة بتضحك على الناس (…) ما تعتمدش على الحكومة“.[16]
الخاتمة
أسهم وباء “كورونا” في الكشف عن تغيير ملامح الممارسات السياسية لجماعة الإخوان، التي انحازت إلى آليات طمس الحقيقة والتحريض على الحكومة المصرية، متخذة من آلام الناس ومواجعهم مطية للترويج السياسي للأيديولوجية الإخوانية المتطرفة؛ وعلى الرغم من الإدراك العام لمخاطر الإسلام السياسي، فإن الشائعات الإخوانية ما زالت تجد صدى لها عبر المنابر الإعلامية واليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي؛ مما يبرهن على ذلك الأساليب السياسية التي لجأت إليها الجماعة، إبان مرحلة يمكن وصفها بالمرحلة الخطرة على المستوى العالمي، فحاولت تقويض ثقة الناس بالدولة ساعية إلى بناء نفوذها السياسي على غياب الوعي اللازم عند بعض الفئات الاجتماعية، وهذا ما يتطلب التنبه والتحذير منه، فالأيديولوجيات المتطرفة تشتد فاعليتها في الأزمنة المطربة.
[1]* باحث مصري، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية ومتخصص في الدرس الشفهي.
[2]– إريك هوبزباوم، عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز (1914-1991) المنطقة العربية للترجمة، ترجمة: فايز الصياغ، بيروت- لبنان، 2011، ص48.
[4]– أشرف عبدالحميد، التيارات المتطرفة تستغل كورونا.. تحريض وفتاوى غريبة، موقع قناة العربية، 16 مارس (آذار) 2020، على الرابط التالي:
https://ara.tv/m728r
[5]– صبري عبدالحفيظ، جماعة “الإخوان” تلجأ إلى كورونا لإسقاط النظام المصري! موقع إيلاف، الاثنين 16 مارس (آذار) 2020، على الرابط التالي:
https://elaph.com/Web/News/2020/03/1285538.html
[6]– المرجع نفسه.
[7]– مصر تحارب على جبهتين.. فيروس كورونا وفيروس الإخوان، بوابة أخبار اليوم، 21 مارس (آذار) 2020، على الرابط التالي:
[8]– المرجع نفسه.
[9]– لماذا أغضبت تكبيرات أهل إسكندرية النظام المصري، على الرابط التالي:
[10]– رسمياً وفاه أول لواء في الجيش المصري بـ فيروس كورونا .. معتز مطر: للأسف بيان الجيش كاذب وهذا هو الدليل، على الرابط التالي:
[11]– المرجع نفسه.
[12]– معتز مطر، فيروس كورونا لن يصل إلى مصر، على الرابط التالي:
[13]– معتز مطر، هوامش على دفتر علاج فيروس كورونا، على الرابط التالي:
[14]– المرجع نفسه.
[15]– ناصر يعطي وزيرة الصحة درس لن تنساه ويوجه رسالة، موقع قناة مصر النهارده، على الرابط التالي: