تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإرهاب في إفريقيا: العِرق والدِّين والسِّياسة» (الكتاب العاشر بعد المئتين، يونيو (حزيران) 2024) التداعيات السياسية والأمنية والاجتماعية للإرهاب في إفريقيا، آخذًا في الاعتبار التقاطعات بين العنف والمعطى العرقي والديني والقبلي في دول القارة مع التركيز على وسطها وشرقها.
يبدأ الكتاب من الشرق، بدراسة تأثر القبيلة في سنوات تفكك الدولة الصومالية منذ العام 1991 وصعود الحركات الإرهابية، ويناقش فرضية ارتباطها بعوامل الفقر والظروف الاقتصادية السيئة وتوظيف العنف، محللاً نماذج تداخل القبائل والعشائر مع تنظيم القاعدة وجيش الرب المتمرد، واستغلالهما المظالم العرقية. كما يركز على ظاهرة توظيف القبيلة لإشعال الانتفاضات الداخلية ضد التنظيمات الإرهابية.
افتتح الكتاب بدراسة العوامل العامة المسببة للتطرّف والإرهاب في شرق إفريقيا، كتبها الباحث محمد عدي، بدأها بكيفية انهيار مؤسسة ودور الدولة، ولاحظ أثر تفكك الصومال في صعود موجات التطرّف والتنظيمات الإرهابية التي تتصاعد بفعل الهشاشة الاقتصادية وانهيار نسيج المجتمع. يشير الباحث إلى الفجوة التعليمية التي سمحت بتسرّب خطاب التطرّف إلى مجموعات رأت فيه تعبيرًا رمزيًا عن رفضها للعجز الذي تعانيه في مواجهة الواقع، مما أدى إلى تيسير استغلال المتطرّفين للدين والهوية، بما يخدم أجندات سياسية تقوم على الكراهية والحنق والغضب والانتقام.
توسّعت الدراسة لتغطية تطورات الإرهاب في تنزانيا وزنجبار، محددةً كيف انتقل الخطاب إلى تلك المناطق، وتوطّن فيها باستغلال العناصر المحلية التي يسميها بالعناصر الداخلية. وفي إطار مناقشة الأدوات التي يستخدمها المتطرّفون، يعقد الباحث مقارنة بين المنصات الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أهمية توظيفها من قبل تنظيم داعش وتنظيم حركة الشباب. ومع ذلك، يشير في مفارقاته إلى أن جماعات مثل بوكو حرام تعتمد على وسائط شخصية وميدانية، كالقيادات الدينية والشبكات العائلية، مما يجعل مواجهة التطرّف تحتاج إلى نهج متعدد الأوجه، لا يمكن الاعتماد فيه فقط على تعزيز الذكاء الاصطناعي لتفكيك الخطاب المتطرف؛ إذ يشكّل الذكاء الاصطناعي في أيدي الإرهابيين تهديدًا يفوق الأسلحة التقليدية.
ركّزت الباحثة هدى كوريما (Houda Kourima) على العلاقة المعقدة بين التطرف والإرهاب والاقتصاد في الصومال، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا. طرحت الدراسة فرضيات تربط الفقر وعدم المساواة بالتطرّف بسبب اليأس والغضب المزعوم، وحددت الكيفية التي تستغل فيها الجماعات المتطرفة المظالم الاقتصادية لجذب المجندين الباحثين عن «معنى» لحياتهم، قبل أن تنبه إلى الدائرة الصفرية وتأثير النزاعات التطرّفية في الاقتصاد.
بينما تطرقت الباحثة شيماء محمود عبدالرحيم، في فاتحة نماذج التنظيمات، إلى تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، ونطاق عملياته الإرهابية في كينيا وتنزانيا منذ العام 1998، وكيفية اعتماد التنظيم على اللامركزية لتنسيق أعمال المتطرفين عالميًّا. تناولت الدراسة شبكات التنظيم واستثماراته في شركات المقاولات والألماس والاتجار بالبشر، مشيرة إلى أن فروع القاعدة في كينيا والصومال وتنزانيا، تتعاون مع منظمات مثل: «تحالف القوى الديمقراطية» (Allied Democratic Forces) في أوغندا.
تناول الباحث عصام البدري تنظيمي القاعدة وجيش الرب المتمرّد مشيرًا إلى تهميش قبيلة الأشولي (Acholi) وما يعرف بــ«تحالف القوى الديمقراطية» المنتمي لقبيلتي باغاندا (Baganda) وباسوجا (Basoga)، وزعيمه موسى بالكو (Musa Baluku). لاحظت الدراسة أن التطرّف أتاح توطيد الأنماط العسكرية والأمنية داخل أنظمة الحكم في دول شرق إفريقيا.
من زاويته قدّم الباحث حامد فتحي دراسة ميدانية عن الواقع القبلي في شرق إفريقيا وتأثيره في حركة الشباب الصومالي، مشيرًا إلى الانتفاضة التي قادها فخذ حوادلي من قبيلة هوية (Hawiye) في إقليم هيران (Hiran) ضدها، ودور الميليشيات التي ظهرت تحت اسم معوسيلي (Macawisley) في تحرير عدد من المناطق من حركة الشباب الإرهابية. يتطرق الباحث إلى تشكيل هذه الميليشيات العام 2014 لمواجهة الجبايات المفروضة من قبل حركة الشباب، ردًا على قرار الحركة المتطرفة القيام بحملات إعدام ضد زعمائها الرافضين للجبايات الباهظة، إلا أن المقاتلين نظّموا أنفسهم في ميليشيات شنّت هجمات ناجحة ضد الحركة في محافظتي بولوبردي (Bulo–Burde) وجللقسي (Jalalaqsi) . يوضح الباحث أن أوج النجاح الأول، تراجع العام 2018؛ نتيجة إحجام الرئيس محمد عبدالله فرماجو عن دعم انتفاضة العشيرة ضد الحركة، ربما خوفًا من تسلح القبيلة، حسب زعمه. ولاحقًا، مع تولي الرئيس حسن شيخ محمود، المنحدر من عشيرة هوية-أبغال (Hawiye–Abgaal)، تمّ دعم الانتفاضة، لكنّها اصطدمت بطموحات أحد قادتها، علي جيتي (Ali Jeyte)، الداعي إلى إنشاء ولاية هيران، مما أضاف تعقيدات جديدة تمثلت في خوف الرئيس من النزعات الانفصالية. أشار الباحث إلى أن حركة الشباب سلحت بعض القبائل خلال انسحابها من المدن الكبرى؛ كجزء من استراتيجيتها لتعزيز الانقسامات الداخلية.
تناول الباحث والخبير الأمني عمر ضبيان التنافس بين الجماعات الجهادوية في الصومال، مسلطًا الضوء على حركة الشباب التي شهدت انشقاقات العام 2015 بقيادة عبدالقادر مؤمن، المبايع لتنظيم داعش، بينما بقي القسم الآخر مواليًا للقاعدة. ويشير إلى المخاطر الناجمة عن الصراع على الموارد في الصومال، والسيطرة على الضرائب التي تدر ملايين الدولارات للتنظيمات الإرهابية، مع تسليط الضوء على الإعلان عن النفط في الحوض الصومالي العام 2024، وتأثيره في التنافس بين داعش وحركة الشباب في بونتلاند (Puntland) .
أعاد الباحث محمد مري تقويم توظيف العامل القبلي والعوامل الخارجية في تفسير الظاهرة الإرهابية في الصومال، مشيرًا إلى أنّ الجاذبية المعنوية التي أخذها تنظيم داعش تتمثل في أنها ناهضت إثيوبيا، وأنّ التحول الأكبر كان بتشكيل «تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال – ولاية الصومال»، بوصفه جناحًا لداعش في خاصرة بونتلاند. عرض الباحث للتحديات التي فرضتها الظروف الداخلية والإقليمية على الصومال، وعلى رأسها ما سماه أدلجة الحرب ضد حركة الشباب في عهد الرئيس المحافظ حسن شيخ محمود، وتحت إشراف الوزير مختار روبو (Mukhtar Robow) الذي كان ناطقًا باسم حركة الشباب سابقًا!
يشير الباحث إلى محاولتهما تبني نظام فكري ناجع ضد الحركة، وذلك إثر تدشين «مركز توبسان الوطني للوقاية ومكافحة الفكر المتطرف العنيف»، كما عملا على قطع علاقة الحركة بالعشائر وتجفيف مصادر تمويلها، خصوصًا جهازها الأمني الذي يفرض جبايات على تجار العاصمة مقديشو، بإيرادات تصل إلى ربع مليار دولار. نجحت الحركة في اختراق معلومات دافعي الضرائب للحكومة الصومالية، خصوصًا التجار الذين يستخدمون ميناء ومطار مقديشو.
يعدد الباحث عوامل التشاؤم في مكافحة الإرهاب في الصومال، وعلى رأسها انصراف الاهتمام إلى ملف تعديلات الدستور، وتأخير انطلاق المرحلة الثانية من عملية الأسد الأسود، التي تستهدف اجتثاث الإرهاب، بالإضافة إلى الانشغال بالحرب الدبلوماسية مع إثيوبيا، وخطة انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (AMISOM) في غضون ثلاث سنوات (2022-2024)، وكل هذا يمنح الحركة الفرصة لاستعادة قوتها والتقاط الأنفاس، فلا غرو أن يتوقع من دراسته انتعاش الإرهاب بحلول العام 2027.
ركّز الباحث محمد بن فيصل على العلاقات الاستراتيجية لتنظيم القاعدة في اليمن والصومال، موضحًا كيف استطاع التنظيم التكيّف مع التحديات اللوجستية والجغرافية للحفاظ على حضوره القوي في المنطقة. أما الباحث مصطفى حمزة، فقد استعرض ظاهرة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة مركزًا على جنوب السودان، وقدم تحليلًا شاملًا للعوامل التي تساهم في استمرار هذه الظاهرة، مع الإضاءة على الأبعاد النفسية والاجتماعية التي تؤثر في مستقبل هؤلاء الأطفال.
تناولت الباحثة تُقى النجار العلاقة بين العرق والدين ونشاط جماعة «أهل السنة والجماعة» في موزمبيق، فحددت أبرز العوامل العرقية والدينية والمظالم الاجتماعية المؤثرة في نشاطها. تشرح الباحثة كيف استغلت الجماعة الهوية الدينية والعرقية لتعزيز قوتها واستقطاب الشباب، خصوصًا في المناطق التي تعاني من الفقر والتهميش. وتوضح أن الجماعة اعتمدت على الدين كأداة تجنيد واستقطاب، مستغلةً الفجوة الاقتصادية والاجتماعية؛ لخلق بيئة ملائمة لنمو التطرّف. كما تطرقت إلى دعم الجماعة من قبل تنظيم داعش، وتعزيز قدرتها بالتمويل والتسليح، مما أسهم في توسع عملياتها.
ركّزت الباحثة زينب مصطفى على ما تسمى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تهيمن على النشاط الإرهابي في الساحل الإفريقي، فأبرزت كيف سعت الجماعة إلى توطين نفوذها في المنطقة من خلال استراتيجية محكمة، بعد دخولها في صراع عنيف مع القوات العسكرية وعناصر فاغنر، في مالي وبوركينا فاسو.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب والعاملين على خروجه للنور، ويخصّ بالذكر الزميل ماهر فرغلي منسق العدد، ونأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
يونيو (حزيران) 2024