يسعى مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «الإسلاميون والعلوم الاجتماعية: التضليل بالمعرفة» (الكتاب السابع والخمسون بعد المئة، يناير (كانون الثاني) 2020)، إلى دراسة: «توظيف الإسلاميين للعلوم الاجتماعية». إذ تبرهن القراءة الهادئة لأدبياتهم الأيديولوجية على تطويعهم هذه العلوم؛ خدمة لمشروعهم التربوي والسياسي والاقتصادي. كما يبحث النظريات التي درست بها هذه العلوم ظاهرة الإسلام السياسي، فغطت المواد مجالات: التاريخ، وعلوم التربية، مروراً بالاقتصاد، والإعلام، وصولاً إلى الفلسفة، والقانون، وعلم الاجتماع، ونظريات السياسة الدولية. وحاولت معرفة أساليب تحوير العلوم، وتسويق الأيديولوجيا بمكرٍ، لتبدو وكأنها متماسكة ومُقنِعة؛ فتصير العلوم الجليلة ونظرياتها، بذلك، خادمة للمشروع السياسي.
يتناول الكتاب الاستخدام الوظيفي والأيديولوجي للتاريخ، فيرصد أبرز خلاصات مؤرخي الحركات الإسلامية، الذين طوّعوا الأحداث التاريخية لتخدم أغراضاً محددة، تصبُ في مصلحةِ «الطّليعة المنتقاة». يحدث ذلك بطرق عدة منها ما يتعلق بمنهج القراءة، وعملية التحليل، ومنها ما يتعلق بالتركيز على فترات الحروب، والشخصيات الخلافية، وحوادث تُستجلب لتخدِم فكرةً راهنة، مع إهمالٍ تام، لكل ما يُمَثِّل رأياً آخر.
درس الكتاب الثغرات التي يتيه بسببها دارسو العلوم الإنسانية بمناهجهم عن التقاط النزعة الوظيفية لأفكار الإسلامويين السياسية. أتاح هذا الإفلات للإسلاميين توظيف جُل علوم التربية؛ لتخدم الأجندة الأيديولوجية والتنظيمية في حقل التعليم؛ تجنيدًا للطلبة، وتأثيراً على المناهج. ورصدت الدراسات الظواهر الداخلية التي ترتبط بهذا المجال. فتزعم إحدى دراسات الكتاب وجود «هجرةٍ» تنظيمية من تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى العلوم التطبيقية، وخصوصاً إلى مجال الهندسة والطب منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد خلصت إلى ملاحظة مفادها: أنه على الرغم من اختلاف الخصائص البيوغرافية والاجتماعية، وتباين التاريخ الوظيفي للمنتسبين إلى حركات الإسلام السياسي العنيف، فإن غالبية الجهاديين الميدانيين، في الشرق الأوسط، ربما كانوا من دارسي التخصصات التطبيقية في الهندسة والطب أكثر من الآداب والعلوم الاجتماعية. دون إغفالٍ لكون الأخيرة، جرى توظيفها في البناء العام للنظريات وتسويقها.
عملت الشعارات الإسلاموية، على تطويع النظريات السياسية والاقتصادية، والانطلاق منها لبناء اقتصاد يدعم «ثروة الجماعة»، لذا ارتكز الكتاب على نقدٍ مطوّل، لا للنظرية الإسلامية، وإنما للكشف عن الاستغلال الإسلاموي لأبرز المصطلحات والنظريات، مع رصدٍ لاستخدامها السياسي الذي ثبتت نتائجه الكارثية في إيران والسودان وتونس، كما تعرض الدراسات.
يقدم الإسلاميّون نظرياتهم، المحوّرة، لتخدم آلة التجنيد التي يضطلع بها صانعو الثقافة والأفكار الإقصائية والأحادية، عبر إيصالها إلى أكبر قدر ممكن من الناس في المجتمع؛ بوسائل فاعلة وجديدة، لذا أفادوا من الإعلام التقليدي والميديا الجديدة لترويج أجندتهم والتضخيم من المظلومية المدّعاة، وقد تناولت دراستان في الكتاب هذين المجالين، أولاً: من خلال تحليل مقومات الخطاب الإعلامي الإسلاموي وأبعاده ومدى تأثيره، ثانياً: عبر دراسة نشاطهم في الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
جرى تطويع الفلسفة واستغلالها، وتوظيف مصطلحاتها، لتكون حارسة للسياج الدوغمائي الخطابي الإسلاموي، وهذا ما عرضته إحدى الدراسات. اهتم الكتاب، أيضاً، بإبراز نظرة الإسلامويين للقانون من جهة، وكيف فسر علماء الاجتماع في دولٍ مثل تونس الظاهرة الإسلامويّة وركّز على الاستغلال الكبير لنظريات العلاقات الدولية من قبل الإسلامويين، خدمة لمشروعهم خصوصاً في الأنموذج الإيراني، الذي طوّع نظريات جيوسياسية؛ ليفسر تمدده، ويصنع مناطق نفوذه المدّعاة، فتشير دراسة إلى اختراع نظريات، مثل: نظرية (أم القرى)؛ تحاول عبرها إيران سرقة مركزية العالم الإسلامي.
يقدم الكتاب، محاولات من أجل فهم الفخاخ التي تحجب فهم الدارسين للإسلامويين وأجندتهم، ويدرس نظريات وفرضيات التلاعب والمخاتلة التي تنتشر أسئلتها اليوم في مسارات البحث في القضايا الإسلاموية، والتاريخ والتربية والاقتصاد والقانون والسياسة.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلة جمانة مناصرة التي نسقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودها وفريق العمل.
هيئة التحرير
يناير (كانون الثاني) 2020