أصدر مركز المسبار للبحوث والدراسات كتابه الشهري الجديد، رقم 113، الذي تناول موضوع «الإسلام الموازي في تركيا: البكتاشية وجدل التأسيس»، بمشاركة عدد من المختصين في موضوع تعتبر الكتابات العربية عنه شبه نادرة، على عكس نظيراتها باللغات التركية والفرنسية والإنكليزية. بعد فترة من الأهمية السياسية البالغة عند انحلال الإمبراطورية العثمانية، وقع حظر الطريقة البكتاشية كلياً من النظام الشيوعي في ألبانيا، حين أصبحت ألبانيا الدولة الملحدة الوحيدة في العالم. لكن بفضل الممارسات السرية لجماعة البكتاشية في المنفى بقي الدين حياً وانتشر في بلدان عدة. وفي 1988 ضمن الدستور الجديد حرية العبادة، واستردت المعتقدات البكتاشية مكانتها في المجتمع الألباني، وعاد بلد النسور إلى تقليده العريق في التسامح، وسُمح للبكتاشيين والمسيحيين والمسلمين – سنة وشيعة – بالصلاة جماعة في جبل توموري، حرم الآلهة في ألبانيا. تقول الباحثة الألبانية إدليرا عصماني التي تناولت دراستها موضوع المعتقدات الدينية الألبانية، وأساساً العقيدة البكتاشية. إذ تعتبر العقيدة البكتاشية مساوية للأديان الأخرى في ألبانيا، التي تمثل مركز البكتاشية العالمي. إذ كثيراً ما توصف البكتاشية بأنها «الدين الأصلح للألبان، بوصفها جسراً بين المسيحيين والمسلمين». والحال أنه كثيراً ما يوصف الألبان بأنهم «شعب ذو مشاعر دينية ضعيفة». من جهته، يسترجع رئيس قسم المذاهب الإسلامية في كلية الإلهيات في جامعة Çanakkale Onsekiz Mart بتركيا أحمد يونم جذور الطريقة البكتاشية الصوفية من بدء ظهورها بين التركمان، وكيف أنها في بادئ الأمر ازدهرت في محيط سني. وبمرور الوقت لم يعد من الممكن أن تدوم هذا الحال؛ لأن بالم سلطان وسائر الحروفية والملاحدة والزنادقة أثروا في عقائد تلك الطريقة، فأبعدوها عن طريق أهل السنة. ومن ثم قادوا الطريقة إلى الاصطدام بالدولة في نهاية الأمر. وعلى رغم ذلك يذكر للبكتاشية ذلك الأثر الكبير وغير المنكر في أسلمة الأناضول، ودورها السياسي الكبير في ازدهار الدولة العثمانية. وفي سياق الدراسات التي ضمها الكتاب، تلاحظ الخبيرة الروسية في الثقافات الشرقية إيرين ميليكوف أن «حاجي بكتاش» على رغم كونه شخصية حقيقية فذة، لم يكن ليدرك مدى التأثير الذي سيتركه بعد رحيله. لقد تطورت، في واقع الأمر، طريقة العبادة بعد وفاته، التي يحدد تاريخها لبعض الأسباب في سنوات 1271، على رغم أن الطريقة التي تحمل اسمه لم تشهد نشأتها إلا خلال القرن الـ14، ولم تعرف التنظيم في شكل جماعة دينية إلا في مطلع القرن الـ16. عرف هذا النظام تطوراً تدريجياً وجذرياً، حتى إنه يغدو من الراجح القول: إنه لم يبق بين المعتقدات الشعبية التركمانية في عهد حاجي بكتاش، وتلك التي تشكل المذاهب البدعية والمتطورة للطريقة البكتاشية، سوى تشابه ضئيل جداً. ماتزال هذه المكانة المتواضعة لحاجي بكتاش تثير فضول الباحثين؛ ولذلك يفترض أحمد ياشار أوجاك، في أحد مؤلفاته المهمة عن الدراويش القلندرية، أن البكتاشية ليست سوى الطريقة القلندرية، وأن آخر أتباع حاجي بكتاش من القلندريين هم الذين نشروا عقيدته. وإذا كان هاسلوك افترض طريقة بكتاشية حروفية انتشرت بواسطة الإنكشارية، فإن أوجاك يتحدث عن بكتاشية قلندرية تأسست بطريقة غريبة حول مذهب حاجي بكتاش بأوجاق الإنكشارية. كما ضم الإصدار عدداً من الدراسات والبحوث التي تناولت تاريخ البكتاشية ونشأتها وتأثرها بالمذاهب والأديان من حولها.