تقديم
يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث دراسة الإسلام في أوروبا من البلقان إلى فرنسا وبلجيكا والسويد وبريطانيا، ويكتشف التباين في تجارب المسلمين، محللاً الظواهر المرتبطة بمجتمعاتهم. يتناول في هذا العدد «الإسلام في السويد: مخاطر الإسلاموية وتحديات الاندماج» (الكتاب الرابع والسبعون بعد المئة، يونيو (حزيران) 2021)، مسارات تعاطي المملكة السويدية مع الجاليات المسلمة الوافدة إليها، ويراقب مستويات اندماجها وعقباته، في مؤشرين أساسيين: نفوذ التنظيمات الإسلاموية الانعزالية، والقراءة الخاطئة للعنف الحركي من قبل الدولة. استخدمت الدراسات مناهج متعددة غطت الاجتماع والسياسة والدين، فأبرزت الثغرات، ووضعت أرضية لمتابعة العمل حول الإسلام الأوروبي، الذي بدأه المركز في العام 2008.
قدم الكتاب للأنماط الحركية النشطة والساكنة في السويد، بدءاً من التنظيمات الإسلاموية، مروراً بدعاة العنف الرمزي، وصولاً إلى رموز التطرف العنيف، المشتركين في تسفير الإرهابيين السويديين للانضمام إلى تنظيم داعش بين عامي (2014-2016).
طرح الكتاب موقف حزب «ديمقراطيو السويد» من المهاجرين عموماً، ومن المسلمين خصوصاً، وتطرق إلى التجربة السويدية في تدريس التربية الدينية الإسلامية للمسلمين ومناهجها، وقيّم مناهج تكوين وتأهيل الأئمة والمرشدين الروحيين، وحرص على فتح الباب لإبراز وجهة النظر السويدية للعنف والقمع المتصل بالنساء، والذي أصرّت دراسات وقوانين سويدية على تسميته بـ«جرائم الشرف»!
شكل النفوذ الإسلاموي المتحوّر في السويد، أحد أبرز الملفات في الكتاب، فركز على جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير والحركات «الراديكالية الساكنة» التي أدرجها السويديون تحت مسميات «نقائية وطهرانية». قدّمت إحدى الدراسات تحليلاً حول بواعث تطرف الأفراد، التي تسببت في سفر عدد من السويديين للانضمام إلى داعش.
ولئن تقادمت صلة المسلمين بالسويد، منذ قرون أبعدها مزاعم وصلتها بالقرنين السابع والتاسع الميلاديين، ثم الجهود الاستشراقية المعهودة، والهجرات التترية القديمة؛ إلا أنّ الدارسين -السويديين- حصروا الملاحظات بالهجرات التي تمت في القرن العشرين، الأمر الذي جعل الدراسات تعتمد على مناهج «لفهم آخر يندمج»؛ فصعّب ملاحظة نشوء «إسلام سويدي» أو أوروبي «تقليدي» سابق على الهجرات، فاستعيض عنه باستجابةٍ -ربما غير مقصودة- للإسلاموية، التي أفادت من النظريات العلمية الواقعية، التي تهمل طبقات النص في خطاب الإسلامويين؛ فظهرت هشاشة الدراسات الأكاديمية في فهمها على مستويين: استيعاب الممثلين الروحيين، والالتزام بالحريات!
بينت دراسةٌ فاتحة، أن الأكاديميين السويديين وقعوا في أخطاء منهجية في دراسة ظاهرة الإسلام السياسي، فلم يتمكنوا من تحديد التقاطعات بينها، وزعم الباحث أن سبب مرده اعتماد الباحثين السويديين الآخرين على مناهج بحث تنتمي إلى ما بعد الحداثة، حيث يُنظر إلى مفهوم الحداثة والعلمانية والديمقراطية والتعدد الثقافي، نظرةً نسبية تساوي الإخوان المسلمين، بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في المجال الاقتصادي والأحزاب المسيحية الاجتماعية في مجال الأسرة. واقترح الباحث أن السبب الآخر لهذا الخلل المنهجي، يكمن في عدم إجادة الباحثين المتخصصين في الإرهاب والحركات الإسلاموية للغة العربية، مما حال دون متابعة ازدواجية الحركيين داخل السويد والعالم.
تطرقت دراسة إلى تجربة حزب التحرير في السويد، لتأكيد التعامل الرخو مع العنف الرمزي، الذي يشير إلى كل المجموعات التي تملك أجندات قوية معادية للدولة ومناهِضَة للمؤسسات، لكنها لا تستخدم العنف المادي في تحقيق أهدافها. وعلى الرغم من إمكانية تصنيف حزب التحرير كـ«مبشِّر بالكراهية»، فإنّ الجدال حول مشروعيته لا يزال محل نقاش، على الرغم من أنه يعمل كمحفزٍ على الغضب والكراهية. عكست الدراسة المأزق السويدي، في الصراع بين الديمقراطية واستخدامها، ورسمت حدود العنف المسموح به، وهي تحفّز على طرح أسئلة عن قدرة الخطاب المتطرف على التعايش مع المبادئ التي يزعم أنه ينفر منها!
رصد الكتاب ظاهرة الإرهابيين السويديين الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية. سجلت السويد انضمام (300) إرهابي، إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة العام 2017، وحدّد جهاز الأمن السويدي «الضواحي المنفصلة» لأربع مدن: غوتنبرغ (Gothenburg) وستوكهولم (Stockholm) ومالمو (Malmo) وأوريبرو (Örebro)؛ بوصفها موطناً لـ(80%) من هؤلاء الأفراد. تعني الضواحي المنفصلة في السياق السويدي المناطق التي يرسل إليها المهاجرون، وطالبو اللجوء عند وصولهم، مما أدّى إلى إنشاء أحياء عرقية معزولة وعدم الاندماج في المجتمعات المحلّية. وبالرغم من أنّ مِن بينهم أثرياء وسويديين أباً عن جد، فلا يزال ملف عودة المقاتلين محل سجال سويدي، مع اتجاهٍ غالب لمنعهم من العودة.
شكل ملف الهجرة أحد أبرز التحديات أمام الدولة السويدية، فبعد سياسة «الباب المفتوح» المتبعة طوال عقود، أدت الاضطرابات والتوترات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ العام 2011، إلى تحولات في النهج السويدي. حاولت دراسة أن تربطه بصعود الحزب اليميني «ديمقراطيو السويد» الذي تبنى خطاباً، وصف بالحاد تجاه المهاجرين والجاليات المسلمة، ملاحظةً تأكيده ضرورة الحفاظ على الهوية المسيحية السويدية، ومع أن الدولة السويدية من أكثر دول العالم علمانية، فإن التراث المسيحي لا يزال يميّز ثقافتها.
برز تدريس التربية الدينية للمسلمين في المدارس الإسلامية السويدية، كاختبار أمام السلطات السويدية. ترى الدراسة التي ناقشت هذا الموضوع، أنه بالرغم من أن الاختيار الأساسي للمدارس الإسلامية لا يتعلّق بالتربية الدينية أو الدين الإسلامي، فإن هذه المدارس توفّر بيئة تعليمية، يمكن فيها أن يتعلّم الأطفال عن الإسلام من خلال الكتب المدرسية القائمة على دراسة علمانية لنهج الأديان، ومن خلال دروس دينية يكون فيها الدين هو المعيار، ويتعلّم الطفل عن «الحياة الصالحة» من وجهة نظر إسلامية.
قدمت السلطات السويدية مبادرات حول تكوين الأئمة، حاول الكتاب رصدها بتوسّعٍ، متتبعاً البيئة التي نشأت فيها، ومناقشاً دوافع تعثرها التي من بينها حياد السلطات تجاه الدين. إلا أنّ فهماً جديداً لهذه القضية الحيوية، أظهر دخول الدولة في بناء برامج تدريس الإسلام وتكوين الأئمة وتمويلهما، لضبط الخطاب الديني وتسليمه لمؤهلين.
أضاء الكتاب على التحديات التي تواجه وجود النساء في المساجد السويدية، فعرض للكيفية التي تدافع بها الناشطات عن حقهن، في أن يؤدين دور السلطة والقيادة الدينية، مع تأييدهن المصادر التقليدية للسلطة الإسلامية في المجال العام. وأشار إلى منهجية التفاوض التي عملت ضمنها النساء لتقوية مواقعهن في بيئات محافظة، بهدف تغيير حياتهن اليومية ووضعيتهن ضمن الشريحة الاجتماعية المسلمة وعموم المجتمع السويدي.
طرحت دراسة قضية العنف الذي تتعرض له المُسلمات في السويد، مما يؤدي أحياناً إلى قتلهن بدعوى «الشرف»، في المجتمعات ذات الأصل العربي والكردي، فعددت حالات مشهودة وصل بعضها إلى القضاء، كما لفتت إلى حالات الزواج المختلط الهشة.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث، بالشكر لكل الباحثين المشاركين في المشروع، ويخص بالذكر الزميلة ريتا فرج التي نسقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودها وفريق العمل.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
يونيو (حزيران) 2021