دبي
ارتبط التعدد داخل دول الشرق الأوسط بالتنافس العرقي والديني الذي قُدم في شكل ثنائية ما عُرف بالأقليّة والأكثرية. ونتج عن ذلك سيادة التصوّرات النمطية المنسوبة للأكثرية الحقيقية أو الأكثرية السلطوية عن الدين واللغة والقومية. إن أبرز هذ الأقليات التي ظلمتها السرديات الرسمية هي الأقليّة الكردية التي ظلّت مغيّبة عن البحث المعمّق.
قام مركز المسبار للدراسات والبحوث في إصداراته الشهرية السابقة بدراسة التعدد الإثني والعرقي في دول المنطقة، ويركز في كتابه «الإسلام في كردستان: السنة، الشيعة، الخورشيديون» (الكتاب الخامس والثلاثون بعد المئة، مارس/ آذار 2018) على التنوع المذهبي عند المسلمين في إقليم كردستان العراق، ساعياً إلى استكمال تغطيته للمشهد الإسلامي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والتي استهلها برصد الحركة الإسلامية هناك بأجنحتها المختلفة، وتابعها بإصدار عن السلفية الكردية، وقد أتى هذا العدد لفهم المجال الأوسع لاستقبال الكرد للإسلام وتفاعلهم معه من نواحٍ عقائدية وفقهية وسياسية.
تبحث دراسات الكتاب في الإسلام السني بشقيه الحنفي والشافعي، والإسلام الشيعي في صيغته الكردية وتأثره بمحيطه الجغرافي، كما تنظر للتصوف، دون أن تغفل عن سطوة العادات والتقاليد الكردية التي أخذت من الأديان. وراقبت الدراسات تحولات القبيلة والعشيرة وفق تغير المكان والزمان؛ واضعة كل ذلك أمام تحديات الإرهاب التي فرضت طرح أسئلة جديدة حول الدين والوطن والهوية والتطرف.
الإسلام في كردستان العراق.. أصالة أم اختلاف؟
يتناول إبراهيم صادق ملازادة (أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوران -أربیل) تاريخ قدوم الإسلام إلى كردستان العراق، ويقف علی مرحلتین من علاقة الكـرد بالإسلام: المرحلة الأولی: تاریخ دخول الإسلام إلى كـردستان، وأهم المراحل التي مر بها خلال تاریخه الطویل. المرحلة الثانیة: تاریخ دخول الإسلام السیاسي ومجموعاته المختلفة إلى كـردستان العراق وتشكـیل تنظیماته المختلفة.
لقد كانت كـردستان، قبل العهد الإسلامي، تحت هیمنة الدولة الساسانیة، وبحسب الكثیر من المصادر، فإن غالبیة الشعب الكـردي في ذلك الوقت، كـان یدین بالدیانة الزرادشتیة، والسلطة الحاكـمة في كـردستان في ذلك الوقت كـانت الدولة الساسانیة، والتي كـانت تضم المناطق التي تسمی حالياً العراق وإیران ومناطق أخری. يدرس الكاتب دخول الإسلام إلى كردستان التاريخية في العهدين الأموي والعباسي وكيفية تفاعل الأكراد معه، فقد شهدت الفترة الممتدة على مدار مئة عام ثورات كردية ضد الحكم الإسلامي لأسباب سياسية واقتصادية من بينها الثورة الكـردیة الكـبری في مقاطعات أصفهان وجبال فارس التي نشبت سنة (٢٣٠هـ/ 844م).
تفاعل المجتمع الكردي مع الثقافة الإسلامية فظهر الكـثیر من العلماء الذین كـانت لهم الید الطولى في العلوم المختلفة العقلية والنقلية. كما لم ینقطع المجتمع عن التطورات الدینیة التي كـانت تمر بها المجتمعات الإسلامية، فأولی الإشارات تمت عن طریق انتشار المذهب الشافعي داخله، والذي يعود إلی بدایات ظهور المذهب في القرن الرابع الهجري المصادف للقرن العاشر المیلادي، «المعروف بقرن الفتوحات الشافعیة». فبحسب شرفخان البدليسي (ت1005هـ/ 1596م) -كما يلف ملازادة- «الأمة الكُرْدية جميعها تتمذهب بمذهب الإمام الشافعي». عدا المكـونات الأخری التي تنتمي إلى أهل السنة، لأن هناك مكـونات مذهبیة مختلفة تماماً عن المذاهب السنية، كـما أن هناك أدیاناً أخری في كـردستان.
يتطرق الباحث إلى تعدد المدارس الدينية في كردستان ويلاحظ “أن قوة وتماسك الإسلام في كـردستان مرا بتصاعد تدریجي، وكـذلك نری نوعاً من التلازم والتناسق والانسجام بین المذهب الشافعي والطرق الصوفیة والمدارس الدینیة المختلفة من جانب، وبالتناغم بین الإسلام والثقافة الكـردیة ذات الخلفیة الغنیة بتلاحم وتعانق الأدیان والثقافات المتعددة التي تتسم بها كـردستان، من جانب آخر، وذلك حتی أواسط القرن العشرین، عندما دخل الفكـر السیاسي الإسلامي والاتجاه السلفي إلى كـردستان”.
الكرد والإسلام السني: الانتماء العرقي والهوية الدينية
ركز المختصون بتاريخ العقائد والأديان على الأقليات الدينية في كردستان؛ كالإيزيدية واليارسان (الكاكائية) والعلوية والشبك. وإذا ما تناولوا الإسلام السني، اهتموا أكثر بالأبعاد الصوفية له في تجلياته الطرقية في المجال الكردي، خصوصاً الطريقتين النقشبندية والقادرية. أما ما يتعلق بالباحثين الكرد أنفسهم، فبسبب غلبة الواقع السياسي والاتجاه القومي على الخطاب الأكاديمي، قلما اتجهوا صوب دراسة الهوية الدينية الكردية. لذا بقي تاريخ الإسلام الكردي مبهماً وينظر إليه على أنه تاريخ مكمل للتاريخ العام للمذهب السني في المجال الإسلامي. من هنا تكمن صعوبة دراسة الإسلام، والبحث عن طبيعة فهم الكرد له ودوره في تشكيل وتوجيه مخيالهم الجمعي، كذلك خصائص هذا الفهم وتجلياته على المستويين الشعبي والنخبوي.
يرصد حيدر لشكري (أستاذ مساعد في تاريخ الأديان في جامعة كوية، إقليم كردستان العراق) التشكل التاريخي للإسلام الكردي السُني وهذا لا يعني غياب المذاهب الإسلامية الأخرى عن الخريطة الدينية الإسلامية في كردستان لا سيما في الأزمنة الحديثة. “فبالإضافة إلى أهل السنة والجماعة هناك المجاميع الذين بقوا على اعتقاداتهم القديمة، أو حتى تلك التي اتبعت مذاهب واتجاهات غير سنية، وإن عدت غير مقبولة من قبل السنة. مع هذا كان ينظر إلى الكرد في المجال العام الإسلامي على أنهم جزء من العالم السني وعلى المذهب الشافعي، بحيث أصبحت تعابير مثل «الكرد السنة» أو «الأكراد الشافعية» ذات مفهوم ودلالة واضحين، بل وعنواناً لهويتهم الدينية. وقد عرفوا دينياً بهذا الانتماء إلى حد أن أصبح غير الكرد يتعجبون من كردي يتمذهب بغير المذهب السني.
يلفت الباحث إلى انتشار الطرق الصوفية في كردستان في عصور متأخرة، ففي القرن الخامس عشر، كان أتباعهم ومريدوهم منتشرين في ربوع كردستان من الطريقة القادرية، الرفاعية، الحروفية، السهروردية، الكبروية، وغيرها. ولكن، وبمرور الزمن، تقلص هذا العدد واختفت أغلب الطرق، وبقيت فقط الطريقتان القادرية والنقشبندية. يتتبع لشكري أثر الإسلام السني على الذهنية الكُردية، على الرغم من صعوبة “رؤية أثر الإسلام السني على الشخصية الكردية بشكل واضح، لعدم وجود النصوص المنتجة من قبل علماء الدين الكرد وهم يتحدثون عن المجتمع الذي عاشوا فيه. لذا ما يمكن قوله في هذا المجال ينسحب على تمثيلات ذهنية أنتجها نظام التدريس الديني العام، وكيفية تلقي المجتمع للشخصية الدينية لأفرادها. على الصعيد الاجتماعي اختلف الأفراد والجماعات القبلية الكردية في تمثل هذه الهوية السنية، بحسب فاعليتهم التاريخية وقربهم من المراكز الدينية السلطوية. وقد جسد هذا انتسابهم للأمة- الدولة الإسلامية أو عدم انتسابهم، بمقدار تمثلهم لهذه الهوية ووعيهم بها”.
الشيعة الكرد: الفيلية والشبك والمستبصرون
ينتمي غالبية الكرد الشيعة، ينتمون إلى الإمامية الاثني عشرية أي الجعفرية، وعلى الرغم من أنهم بعیدون عن الأنظار، وهذا یرجع لأسباب سیاسية من جهة ودینیة مذهبية من جهة أخری، فإنهم يشكلون جزءاً مهماً من النسيج الديني والعرقي في كردستان. ولكونهم أقلية شيعية في وسط سني، دفعهم هذا لیمارسوا اعتقاداتهم خفية تارة وعلانية في بعض الأحيان. من هنا تأتي أهمية دراسة الجماعات الشيعية بين الكرد. بشكل نظري ومیداني معاً وبطرق علمية”.
يركز زيرك أحمد، الباحث والمترجم العراقي، في دراسته علی محاور سیاسیة ودينية واجتماعية للشیعة الكرد، من خلال علاقتهم بالوسط الكردي السني من جانب، وبالجماعات الشیعیة الأخری من غیر الكرد، وكـذلك علاقتهم بمكـونات دینية مختلفة من جانب آخر. كـذلك يبحث في العلاقة بین المذهب والقومية والقواسم المشتركة بین شيعة الكرد وغیرهم، والاهتمام بالعلاقة بين انتمائهم القومي والحس المذهبي. وكـذلك يقوم بدراسة علاقة هذا المكـون بالمرجعیات التقليدية للشيعة، والأحزاب السیاسیة الشيعية من جهة والأحزاب الكردية من جهة أخرى. آخذاً بعين الاعتبار التوزيع السكاني لشيعة الكرد من حیث تكوينهم الديني والإثني:
المكون الأول: الفیلیة، حیث يدرس هذا المكـون في مناطق تعتبر عربية كـمحافظة بغداد وجنوب العراق. وكـذلك في مناطق تعتبر جزءاً من المناطق المتنازع عليها كمناطق گرمسير أي الخانقيين والمندلاوية والبدراويين وغيرها.
المكون الثاني: الشبك، فهم من حیث اللغة مختلفون عن المكونين الأول والثالث، فهم یتحدثون بلهجة أشبه بهورامية خليطة ببهدينية وكـلمات عربية وتركـية وفارسية.
المكون الثالث: الذين عرفوا بالمستبصرين، الكرد المتشيعون: فهم كـرد من المذهب السني غیروا مذهبهم إلى الشيعة الاثني عشرية.
العلوية الكردية.. الجدل الديني والقومي والسياسي
تركز دراسة محمد حريري، الباحث الكردي العراقي المتخصص في الحركات الإسلامية، على العلوية الكردية في كردستان العراق، محددة وجودها التاريخي والعلاقة المتبادلة بين الديني والقومي والسياسي. يحاول الباحث التعريف بالعلوية وهویتها المركبة، والتي تحمل إلى الآن أثر الزرادشتية والمانویة والإيزيدية وأديان كردية وإيرانیة قديمة أخرى. ويتحدث عن إطلاق اسم قزلباش والحساسیة التي يسببها لهم ذلك الاسم وتاریخه. والأهم من هذا العلاقة الجدلیة القویة للعلویة مع البكتاشیة، وكیف أن هذه العلاقة شكلت منعطفاً في تاریخ العلویة. ويستعرض تمايز العلوية الكردية مع العلوية التركية والعربية مع النقاط المشتركة بينها وبين العلويات الأخرى.
يلاحظ حريري ظاهرة تنمو بشدة داخل الأقلیات الدینیة في المجتمع الكردي، والعلوية الكردية ليست بمنأى عنها، والتي من الممكن تسمیتها بقومنة مذهبیة أو دینیة، التي يؤكد أتباعها التمايز القومي عن الكرد والبحث عن المبررات العقائدية والتاريخية لتشكيل قومية خاصة بها. فهناك مجموعات علوية مثلها مثل الإيزيدية والهورامية تؤكد أن العلوية هي قومية منفصلة عن الكرد، ومستقلة في حد ذاتها، فلا هي كردية ولا تركية ولا عربية.
ومن بين المحاور الأخرى التي تتناولها الدراسة ظاهرة العلوية السياسية في كردستان العراق وأهم تجلياتها، والتي يمكن للسیاسي ملاحظتها بعين مجردة. مشيراً إلى النفوذ القوي للعلوية في السیاسة وعلى اليسار التركي بشكل عام، واليسار الكردي وحزب العمال الكردستاني بشكل خاص. ثم يناقش المنظور العلوي الدیني والفلسفي للحیاة والإنسان ومدی مساهمته في خلق الأمن والسلم الاجتماعي وبث القیم الدیمقراطیة والحیادیة بین أبناء الوطن الواحد.
حركة حقة: العصیان من أجل حیاة أخری
يؤرخ سردار عزيز: المستشار السياسي في برلمان كردستان لحركة حقة في كردستان العراق، وهي حركة لم تُدرس بشكل كافٍ، نظراً لظهورها التاريخي المعاصر ولغياب اهتمام الدراسات الحديثة بالتركيبة الدينية والمذهبية للأديان في هذا الإقليم. ظهرت هذه الحركة في بداية القرن العشرين على يد الشیخ عبدالكریم شدلة في منطقة سرگلو سورداش وأصبح شیخ إرشاد، وقاد طریقة صوفیة في منطقته. ومن ثم، سرعان ما تحول إلى مؤسس «حركة دینیة – اجتماعیة باسم حقة استمرت في الانتشار، وفي وقت قصیر اتبعه أناس كثیرون في مناطق سورداش، مرگة، رانیة اغجلر، شوان وكركوك وبایعوا الشیخ. وعرفت هذه المناطق، أي مناطق ظهور «حقة»، بأنها مناطق جبلیة وفیها قری صغیرة ويسكنها أناس فلاحون بسطاء.
تعتبر حقة جزءاً من التاریخ الطویل المعروف بإسلام الجماهیر أو إسلام (الدراویش). جوهر هذا النوع من الإسلام -كما يؤكد الباحث- هو ترك الدنیا، ورفض الحیاة المألوفة والعادية، عن طریق السلوك والملابس، وكذلك الافتقار إلى الرأسمال المادي أو الفقر. ولكن، لكون وجود حقة في جوهر الحداثة، فالنظر إلیها في وجهة نظر الحداثة، مثل: حقوق المرأة، المساواة، والبیئة، یفصل حقة عن أصلها ویجعل منها مجتمعاً مختلفاً في حقله. المعروف، أن شرح الدین بشكل عام من جدید، يتألف من جوهر الإسلام والأديان الأخری؛ فعلی سبیل المثال نری كیف یرجع یساریو الیوم إلى المسیحیة من جدید ویشرحونها بشكل آخر.
يحاول عزيز فهم أسباب تسمية حركة حقة بهذا الاسم لافتاً إلى أنه يرتبط بلفظة “الحق”. يقول: لفهم حقة، كانت هناك محاولات عن طریق أسالیب علم اللغة، لمتابعة مصطلح الحق، وإثارة سؤال: ما المعاني والتاریخ والمحرك الأیدیولوجي لمصطلح الحق؟ تفسر مصادر عدة علاقة مصطلح الحق بهذه الجماعة بأن الكثیر من أعضائها كانوا یستعملون المصطلح بشكل كبیر. ویبدو أن مصطلح الحق له تاریخ دیني ذو وجهین: تاریخ لأهل الحق، وتاریخ للتصوف. وكذلك هناك في جوهر الحداثة لها تاریخ اشتراكي، بأن مصطلح الحق يعني العدالة وعدم الظلم، وذلك في الخیال الكردي الخاص. وكذلك عن طریق هذا المصطلح نری العلاقة بین (أهلي حق) والذین هم من الیارسانیین وحقة.
يرى الباحث أنه يمكن النظر إلى حركة حقة على أنها تفسیر للدین الإسلامي، بثقافته وتاریخه الواسع، مع ظروف خاصة اجتماعیة وسیاسیة، والتي تتجسد في العصیان والتمییز مقابل الثقافة العلیا، وعن طریق سلوكها، ترید أن تصدر رسالة عدم رضائها وتمیزها. هذه الحركة غیر الراضیة والمتمیزة، وقعت تحت تأثیر الظروف السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة للحظة ولادتها. إنها تعاملت علی المستویین، ووقعت تحت التأثیر. لا أنظر إلى حقة لا من وجهة النظر الدینیة ولا الحداثیة: إنها لیست حكایة صغیرة في جوهر حكایة كبیرة، والتي هي الحداثة والإسلام. هذه الوسطیة، خلقت ظروفاً متوترة علی مستوی طبیعة الحركة، وكذلك علی مستوی استقبال الحركة وسط الناس وكذلك وسط أعدائها.
يطرح عزيز مجموعة من الأسئلة حول هذه الحركة وحول هويتها وطبيعتها وسلوكياتها، مؤكداً أن العصیان ورفض المألوف يعد طبیعة رئیسة في هذه الحركة، و”هذا النوع من السلوك لیس جدیداً وفریداً، ولكننا نبرز هنا فرضیتین اثنتین. الأولى: هل حقة أنموذج لما هو معروف بأن الإسلام كدین لم یستطع التغلب علی جذور العقیدة والثقافة والسلوكیات المحلیة لما قبل الإسلام؟ هذه الحجة تأخذنا إلى طبیعة العلاقة بین الكرد والإسلام. أم كالحجة الثانیة: هل الكرد كقاطني الجبال كانوا أصحاب عقائد مختلفة، أو لا يزال فیهم نوع من المقاومة تجاه الدین الإسلامي الذي جاءنا من الصحراء، خصوصاً عندما نأتي إلى موقع ودور المرأة؟”.
الخورشیدیون: حضور مسالم بین الأصالة والغموض
أجرى مراد الحكيم، الأستاذ في قسم الاجتماع في جامعة صلاح الدین بأربيل، مقابلة مع إبراهيم صادق ملازادة، سعى من خلالها إلى تسليط الضوء على جماعة الخورشیدیین، الذین لهم ممیزاتهم وخصوصیاتهم داخل عشیرة البارزان. وقد عرف القلیل عنهم، وقیل عنهم الكثیر بلا سند وأدلة علمیة.
تطرقت المقابلة إلى قضايا هامة حول هذه الجماعة من ناحية التعريف وعلاقتهم بالشيخ أحمد البارزاني وكيفية الانتماء إليها ومعتقداتها. إن اسم “الخورشيدیين” فرض علیهم، لأنهم لا یسمون أنفسهم خورشيدیين، بل یسمون أنفسهم تابعي شیخ بارزان، أو خودان بارزان. ولكن نتیجة لصراع بینه وبین بعض المجموعات الأخری، سمو بالخورشیدیين. وهذا الاسم جاء نسبة إلى اسم قائدهم الروحي «خورشید». وإنهم لا یذكرون اسم الشیخ خورشید، بل یسمونه (الوالد). وخورشید ینتمي إلی منطقة الشیروان الذین هم جزء من فیدرالیة عشیرة بارزان. وهو ظهر كخلیفة للشیخ أحمد البارزاني لفترة ما”.
يستند الخورشيديون على مجموعة من المعتقدات الباطنية فالعبادات –بالنسبة لهم- “أشیاء ظاهریة غیر ضروریة، ویعتقدون أنه إذا انتشرت السیئات، فلا فائدة من الصوم والصلوات ولا یقبلهما الله، وهذه الأفكار كانت موجودة منذ البدایة”. ويشدد ملازادة في إجابته عن طبيعة معتقداتهم على “أن هذه الأفكار جاءت متزامنة مع حركة حقة، التابعة للشیخ عبدالكریم شدلة، وأعتقد أنه كان هناك علاقة قویة تجمع الشیخ عبدالكریم شدلة وحركة حقة من جانب، والشیخ أحمد البارزاني من جانب آخر. وكلاهما یتبعان الطریقة النقشبندیة. وهم أي (حقة) كانوا تحت تأثیر بهاء الله مرشد البهائیة، الذي كان یقیم في منطقة شدلة موطن حركة حقة، عندما نفي الشیخ بهاء الله خان إلی شدلة”.
وبخصوص طقوس العبادة يشير ملازادة إلى بعض الخصائص التي تميزهم عن بقية المسلمين قائلاً: “عندهم تجمع خاص یسمونه (جماعت) أي الجماعة، ولا أعرف تسمیة المكان أو المعبد، ولكنهم في اجتماعاتهم مختلطون رجالا ونساء. وهم یبكون، ویذكرون أقوال الشیخ أحمد وخورشید. ولیس لدیهم أئمة، ولكن بعد الخورشید هناك الأشخاص الذین یحتفظون بأقوال خورشید ویتذاكرون فیما بینهم، وكذلك یقرؤون أشعار الشاعر الكردي المتصوف (ملا الجزیري) وأشعاراً أخری للمتصوفین. وبالمناسبة فإنهم یعتقدون أنهم الوحیدون الذین سیدخلون الجنة. وفي قریتنا، هناك رجل وامرأة والاثنان عندهم مجموعة من الإخوة والأخوات. في یوم من الأیام، كانوا یجلسون ویبكون ویقولون؛ مع الأسف لأخواتنا وإخواننا: إنهم بأدائهم للصلاة سوف یدخلون الجحیم، وحرموا أنفسهم من الجنة. وكذلك في قریتنا، امرأة تسمع القرآن، وهي لم تعرف أنه قرآن وقالت: لماذا لا تسكتون هذه العربیة. ولا یوجد قرآن في بیوتهم. وفي فترة من الفترات كان الأذان ممنوعا في مناطقهم”.
عن تاريخ ومجتمع الدروز في السويداء السورية
تتناول الكاتبة والطبيبة السورية نجاة عبدالصمد تاريخ الدروز في السويداء السورية، وقبل أن تدرس المجتمع الدرزي في هذه المنطقة تتطرق إلى تاريخ ظهور الدعوة إلى مذهب «التوحيد» الذي “كان بين عاميّ (1017 – 1043م) كتيارٍ عقائديّ منشقٍّ عن الإسماعيلية، وسُمّي أتباعُها (الموحّدون)، وغلب عليهم لقب (الدروز) نسبة إلى نشتكين الدَرَزيّ، أحدِ دعاتها الذي لا تحبّه الجماعة، وتفضّل عليه لقب (بنو معروف) الذي اشتُهرتْ به أيضاً. وتضيف: “كان أوائل معتنقيها من يمنيّة حلف تنوخ في بلاد الشام، ومنهم تنوخيو وادي التيم الذين حكموه منذ عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وهو ما تشير إليه مصادر تاريخية مختلفة، من بينها ما أورده محمد كامل حسين: «تعود أصول الدروز إلى القبائل العربية القيسية واليمنية التي هاجرت من الجزيرة العربية بعد انهيار سد مأرب في اليمن، واستوطنت جنوب بلاد الشام حول حوض الفرات، وكان منهم المناذرة اللخميون ملوك الحيرة. من هناك هاجرت بعض بطون هذه القبائل إلى منطقة حلب في شمال سوريا، وشاركتْ في الفتح الإسلاميّ لبلاد الشام ومصر، وفي حروب الأمويين ضد الروم. في عهد الدولة العباسية أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قبائل التنوخيين، التي برز رجالها كفرسان حربٍ ممتازين، بالانتقال من الفرات إلى سواحل لبنان وجباله لحمايتها من تعديات دولة الروم البيزنطيين والمردة ومن قطعهم لطرق السابلة. وبعد انتصارهم عليهم أقرّهم العباسيون على إمارة وادي التيم التي بقيت حوالي (800) سنة تحت حكمهم، وخلالها، ومع مطلع القرن الحادي عشر الميلادي اعتنقوا مذهب التوحيد”.
بعد عرضها للحراك العقائدي والتاريخي للجماعة تناقش مسألة عزلتها الدينية وإغلاق باب الدعوة فترى أنه “وعلى الرغم من صعوبة الجزم بأن الإغلاق النهائي لباب الدعوة إلى مذهب التوحيد، الذي أعلنه دعاتها عام 428هـ، 1043م، كان صارماً ونهائيّاً حقّاً بعد ذلك التاريخ (حين لم يكن توثيق هويات الأشخاص دقيقاً كما أصبح عليه في النُظم المعاصرة)، إلا أنّه لا ينفي أنّ انغلاق الجماعة وإنهاء مرحلة الدعوة إليها كان أول مظاهر العزل الثقافي لأتباعها”.
ينتشر الموحدون الدروز اليوم في سوريا ولبنان وفلسطين وكان لهم في القرن الماضي أدوار مؤثرة في مجتمعاتهم وما زالوا لا سيما في مقاومة المستعمر والمحتل. وعلى الرغم من أن دروز سوريا لم يضطلعوا بدور قوي في المجال السياسي في التاريخ المعاصر كما هو حال دروز لبنان، فإنهم لم يبتعدوا أبداً عن الحراك السياسي والاجتماعي.
يشكّل الدروز نسبة (2,7%) من تعداد سكان سوريا، ويتركّز ثقلهم السكاني في محافظة السويداء في جبل العرب التي تبدأ حدودها على بعد (50) كم جنوبي دمشق حتى حدود الأردن. أما بقية الدروز فهم موزعون بين ريف دمشق والقنيطرة وإدلب. ولم يكن دروز السويداء بمنأى عن التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة، فمع بدء الحراك السوريّ عام 2011 اتخذت الشريحة العظمى من الدروز موقف الحياد في صراعٍ لا ترى نفسها جزءاً منه. و”مع طول أمد النزاع المسلّح على مختلف الجبهات السوريّة، وظهور الكتائب الإسلامية المتطرفة وإعلانها تكفيرَ الآخر (ومن ضمنه الدروز) وتحليل قتله واستباحة مقدساته كجزءٍ من عقيدتها القتالية؛ استعادت غالبية الدروز ذاكرتها الجمعية عن سنوات المحن القديمة في تاريخها، كما بالغ الإعلام في إذكاء رعبها من محنٍ قادمة، أو من حرب إبادةٍ على خلفيّةٍ مذهبية، مما زاد في خوفها من محيطها وانكماشها على نفسها، واستجرّ ردود فعلٍ معقدة داخل مجتمع الدروز؛ شكّلتْ بعض المرجعيات (حكومية ودينية) جماعاتٍ مسلحةً تابعة لها من أجل (حفظ أمن المجتمع والدفاع عن النفس والأرض)، لكنّ غالبية من تسلحوا كانوا من المحرومين من التعليم، ومن فرص العمل اللائق والحياة الكريمة ومن ذوي السلوك غير الأخلاقيّ عموماً، فلم يطل الأمر بهؤلاء حتى استخدموا سلطة السلاح في أعمال التهريب، وتجارة السلاح والحواجز، وخطف رهائن من النازحين لمبادلتها بمخطوفين دروز لدى جماعات مسلّحة في مناطق سيطرتها، أو لخطف دروزٍ من أبناء السويداء نفسها لمقايضتهم بفديةٍ مالية”.