يستعرض كتاب “الاتحاد الخليجي: وجهات نظر دولية” تحليلات معمقة واستشرافاً حول اتحاد خليجي محتمل. بدأ الكتاب بكلمة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض التي عقدت في مايو (أيار) 2012، ودعا فيها إلى الاتحاد الخليجي. تناولت وجهات النظر في الكتاب جملة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. شارك في الكتاب خبراء غربيون تخصصوا في دراسة المنطقة، وغطت دراساتهم مواقف دول الجوار، والمنظمات العالمية، وتصوراتهم للاتحاد، بدءًا بموقف الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي مرورًا بإيران وإسرائيل، وتركيا، بالإضافة لروسيا والصين، كما تناول دراسة نموذج تلافي الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي مشاكله، وختاماً دور الشباب الخليجي في دعم تأسيس الاتحاد.
تناول ديفيد شينكر David Schenker (مدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) مقالا حمل عنوان “الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الخليجي”، يقول فيه إن الرسالة الواضحة التي تضمنتها مساعي تحقيق اتحاد الخليج لم تلقَ صدى لدى إدارة أوباما آنذاك، فالولايات المتحدة لم ترحّب بالمقترح ولم ترفضْهُ، بل إنّ مجرد ذكر علني لـ”الاتحاد الخليجي” لم يجرِ على لسان أيّ مسؤول رسمي أمريكي رفيع المستوى، منذ كشف الستار عن المبادرة في قمّة الرياض التي عقدِتْ في مايو (أيار) 2012. ويربط ذلك بموقف أوباما وإدارته من كل ما يزعج إيران، وعد ذلك من المعطيات التي تجعل المخاوف الخليجية تجاه واشنطن مشروعة. ويضيف أن إدارة جمهورية تقليدية تقدّر العلاقة مع السعودية، وتنتهج سياسة أكثر صرامة تجاه طهران، سترحب بالاتحاد الخليجي باعتباره قوة تفرض الأمن والاستقرار في المنطقة.
“موقف الاتحاد الأوروبي من الاتحاد الخليجي” عنوان مقالة لورينزو فيدينو Lorenzo Vidino (باحث إيطالي مختص بالقضايا الأمنية والإسلام السياسي والعنف السياسي في أوروبا وأمريكا الشمالية)، يرى فيها أن الاتحاد الأوروبي يرحب بالاتحادات الاقتصادية والسياسية التي تتجاوز الأوطان، مثل منظمة شنغهاي للتعاون. ويقول أنه من المعقول أن الاتحاد الأوروبي سيرى في تجربة خليجية مماثلة تطوّراً إيجابياً يستقبله بالترحيب. ويضيف فيدينو عاملا آخر قد يدفع بالاتحاد الأوروبي إلى الترحيب بالاتحاد الخليجي، هو أنّ الأخير قد يدعم مفاوضاته التجارية في المنطقة حيث تشكّل دول الخليج خامس أكبر مستورد من أوروبا (95 مليار يورو صادرات سنة 2013)، كما أنّ أوروبا تحصل على حوالي 22% من نفطها من منطقة الخليج. ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يرى الخليج منطقةً له فيها نفوذ كافٍ لتغيير الأمور على أرض الواقع حيث يملك الأوروبيون سجلّاً تاريخياً شمال أفريقيا ومناطق أخرى من الشرق الأوسط، ولكن الخليج ينظر إليه كمنطقة وثيقة الصلة بالولايات المتحدة، لأسباب تاريخية وتجارية. ويتوقع أن الدول الأوروبية قد تؤجل قرارها بشأن الاتحاد الخليجي حتى يتضح الموقف الأمريكي. لذا، فإن موقف واشنطن لهُ تأثير كبير على الموقف الأوروبي.
علي الفونه Ali Alfoneh (باحث أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بواشنطن.)، يقول في وجهة نظره من خلال مقالته “إيران والاتحاد الخليجي”: إذا كان التاريخ خير دليل على استقراء المستقبل، فإنّه يخبرنا بأنّ إيران ستسعى إلى منع إقامة الاتحاد الخليجي، بل إلى العمل الجاد على تقويضه، فيما لو كانت هناك مساع جديّة لإقامة هذا الاتحاد. في مذكرات «أسدالله علم» وهو وزير المحكمة الملكية السابق، نجدُ أنّ هناك توثيقاً لمحاولات إيران تخريب المساعي البريطانية لتأسيس الإمارات العربية المتحدة في السبعينيات بالإضافة إلى المساعي الممنهجة التي بذلتها الجمهورية الإسلامية من أجل إفشال مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه سنة 1981. ويرى الفونه أن هناك عدّة لاعبين مركزيين في الجمهورية الإسلامية اليوم. وصحيح أنّ أغلب هذه الدوائر لنْ ترحب بالاتحاد الخليجي في منطقة الخليج العربي، إلّا أن ردود أفعالها قد تكون مختلفة عن بعضها حول نشوء مثل هذا الكيان. إنّ هذه المعطيات لا تحمل الكثير من البشرى السارة حول مستقبل العلاقة بين إيران والاتحاد الخليجي، ولكن الموقف العدائي لإيران الخمينية تجاه الاتحاد هو الذي قد يؤسس الاتحاد.
يقول براندون فريدمان Brandon Friedman، الأكاديمي والمختص في تاريخ الخليج العربي، في مقالته “عن إسرائيل والاتحاد الخليجي” إنه من المرجّح أن يرى المجتمع السياسي الإسرائيلي إقامة الاتحاد الخليجي فرصةً لبناء الجسور الدبلوماسية في المنطقة على أسس مفاهيم الأخطار الإقليمية المشتركة. ويضيف أنّ هناك ريبة مشتركة تجمع الطرفين بخصوص الطموح الإقليمي الإيراني وعملائها، بالإضافة إلى انعدام الثقة بالجماعات الموالية للإخوان المسلمين –التنظيم الذي يتبنّى الأيديولوجيات المتطرّفة. ويرى أنّ هذه المفاهيم المشتركة المتمثلة بالتهديدات الإقليمية سيتم قراءتها في إسرائيل على أنها مصالح أمنية تقرّب بين الطرفين، ويمكنها أن تكون الأرضية التي يبنى عليها تعاون وتنسيق سياسي وتجاري وثقافي أوسع.
آلان ماكوفسكي Alan Makovsky (محلل سياسي مستقل، وعضو خبير سابق في لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس النواب الأمريكي)، يرى في مقالته التي حملت عنوان: “النهج المتوقع لتركيا تجاه الاتحاد الخليجي”، أنه من المتوقع أن ترحّبَ تركيا باتحادٍ خليجي طوعي بين الدول الخليجية لعدّة أسباب، لعلّ أبرزها المصالح الاقتصادية التركية في المنطقة في الخليج، بالإضافة إلى مصلحة مهمة أخرى، وإنْ كانت ثانوية، متمثلة بالتوجّه الاستراتيجي للخليج الموالي للسنّة والموالي للغرب (خاصة الولايات المتحدة). وفي حالة ميل الأتراك إلى معارضة مساعي الاتحاد، فإنّ أنقرة ليس لها نفوذ يذكر قادر على منع تأسيسهِ.
بيث نوبيل Dr. Beth Knobel (أستاذة في قسم الصحافة بجامعة فوردهام، تحمل شهادة دكتوراه في الدراسات الروسية من جامعة هارفرد)، تقول في ورقتها المعنونة بـ “روسيا والاتحاد الخليجي”، إنّ روسيا متحمسة لتحسين علاقتها بالمنظمات الدولية التي لا تشمل الولايات المتحدة والقوى الأوروبية منذ أنْ تمّ إقصاؤها من مجموعة الدول الثماني العظمى بسبب التدخّل في شؤون شبه جزيرة القرم، ممّا يعني أنّ روسيا على استعداد لاستقبال الاتحاد الخليجي بشكل إيجابي. وتضيف أنّ روسيا اليوم -وهي أكثر جرأة- متحمسة لتوسيع رقعة نفوذها في العالم، ومن البديهي أن تكون منطقة الخليج محطة جيدة لروسيا كي تستعرض عضلاتها الدبلوماسية والاقتصادية.
كريس زامبيلاس Chris Zambelis (محلل وخبير استراتيجي يركز في عملهِ على تحليل واقع الأسواق العالمية والمناخ السياسي والاجتماعي لتحديد فرص إقامة الأعمال والحرف الجديدة)، تناول موضوع “تقييم الصين لاتحاد خليجي محتمل”، حيث يرى أن تأسيس الاتحاد الخليجي قدْ يعود بالفرص الكبيرة على الصين نظراً لكثرة مصالحها في المنطقة، كما أنّ النهج المرن البراغماتيكي الذي تتبعهُ الصين سيرحّب بالاتحاد الخليجي. في الوقت ذاته فإنّ الصين سوف تواجه سلسلة من التحديات المعقدة التي تنتج من نشوء هذا الكيان الجديد وسعيه لإعادة تحديد الشؤون الإقليمية.
أما رولاند فرويدستاين Roland Freudstein (نائب مدير ورئيس الأبحاث في مركز مارتينز للدراسات الأوروبية في بلجيكا)، فكتب عن “كيف تلافى الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي مشاكلهم”، فيعتقد أنه من منظور القرن الحادي والعشرين، يصعب فهم العقلية التي استند عليها القادة الأوروبيون الذين وقفوا على بقايا الخراب الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية، وقرروا فوراً أنّ القارة الأوروبية بحاجة إلى تغيير. ويضيف أن الكثيرين قد فقدوا الأمل بالتقدّم والمستقبل، كما أنّ بعض الدول كانت قد فقدت الثقة بألمانيا، الدولة التي أشعلتْ فتيل الحرب، وبقيت الدول الأخرى منقسمة بين أيديولوجيات الحرب الباردة التي انطلقت بين الاتحاد السوفيتي والغرب. جاء التغيير من ثلاث جهات: من جهة كان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا يدركون ضرورة تكوين مفهوم جديد وجذري عن التعاون بين الشعوب الأوروبية، ومن جهة ثانية جاء جيل جديد يؤمن بتجاوز الوطن، وشعرَ بالانتماء للهوية الأوروبية أكثر منه انتماءً لهوية بلده (فرنسا أو ألمانيا… إلخ)، أمّا الجهة الأخيرة فكانت تتمثل بالولايات المتحدة التي كانت لها مصلحة كبيرة في تعاون وثيق بين دول غرب أوروبا من أجل مواجهة الاتحاد السوفيتي.
جوزيف براودي Joseph Braude (باحث أمريكي، في مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي)، تناول في دراسته “دور الشباب الخليجي في دعم تأسيس الاتحاد”، حيث رأى أن عملية تحويل الاتحاد من مجرد حبر على ورق إلى واقع سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي، تتطلب دعم ومشاركة جميع سكّان الخليج وفئاتهِ المختلفة. ويعتقد أنّ الخطوة الأولى تكمن في تقييم شعور الشباب حول فكرة الاتحاد. وأنّ هذه الأحكام والقرارات تتطلب إجراء بحثٍ عن الآراء. يخلص في مقالته إلى أنّ البوابة التي ستضمن للمشروع النجاح؛ تكمن في جعله “مشروع الشباب”.