مركز المسبار للدراسات والأبحاث يصدر كتابه الثامن والثلاثين حول الجامية
أصدر مركز “المسبار” للدراسات والأبحاث بدبي كتابه الثامن والثلاثين في فبراير (شباط) 2010 بعنوان: “الجامية”، والجامية هي التيار أو الاتجاه الذي يندرج أيضا تحت مسميات أخرى، مثل “سلفية المدينة”، أو “المدخلية”، وربما لا يعرفه الكثيرون من المهتمين بشأن الظاهرة الدينية والحركية الإسلامية خارج المملكة العربية السعودية، كما لم يخضع لدراسات معمقة حوله، على الرغم من أهميته على المستويين الفكري والعملي في فضاء الظاهرة الدينية في العالمين العربي والإسلامي.
لقد نجح الاتجاه الجامي في اقتسام المشهد الديني في المملكة العربية السعودية في النصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي، كما كان له ولا يزال حضور كبير في اليمن وأفغانستان والجزائر ومصر، التي يلاحظ فيها صعود كبير لهذا التيار داخلها في السنوات الأخيرة، وكذلك في أوساط بعض الجاليات المسلمة في الغرب.
وفكريا مثلت الجامية النقد السلفي والإسلامي الأكبر حجما والأكثر انتشارا لسائر الحركات الإسلامية، خاصة جماعات التبليغ والدعوة، والإخوان المسلمين، والتيار السروري أو الصحوي في منطقة الخليج، وسائر بلدان العالم الإسلامي، وبعد معرفة عميقة بالجامية يوفرها كتاب المسبار الثامن والثلاثون الذي بين أيدينا. ربما لا يستغرب القارئ مساواة الجامية هذه الجماعات المختلفة بالفرق الإسلامية الكلامية والعقدية القديمة، كما أن الجامية تماهي بين تيارها وبين دعوة الحق، أو أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث كما يتسمى ممثلوها ومنظروها الذين لا يرتضون أيّا من التسميات التي تطلق عليهم، وتعتبر الجامية الخلافات بينها وبين الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى خلافات تضاد في الأصول، وليست اختلاف تنوع، أو اختلافا في الفروع.
النشأة والرموز
في بداية هذا الكتاب يتتبع محمد سعيد في دراسة بعنوان “الجامية.. النشأة والرموز، النزعة الأيديولوجية والحكم العقائدي” نشأة الجامية وسياقات هذه النشأة، والمنحى الأيديولوجي للتيار الجامي وحكمه العقائدي على مخالفيه، كما يترجم الكاتب لرموز التيار الجامي وأهم أطروحاتهم.
ويقرأ الدكتور إدريس لكريني نشأة الاتجاه الجامي في المملكة العربية السعودية في دراسته المعنونة: “الاتجاه الجامي في السعودية.. ومبدأ الولاء للدولة”، عارضا وكاشفا السياق العام لظهور هذا “التيار”، وأهم المبادئ والأفكار التي قام عليها، والانتقادات الموجهة إليه وحدودها.
ثم يدرس الدكتور عبد الصمد بلحاج المفاهيم الحاكمة للاتجاه الجامي في دراسة بعنوان: “من العقيدة إلى القعود.. دراسة في بعض مفاهيم التيار الجامي” وهي خمسة مفاهيم رئيسية مثلت أركان النظام الفكري للاتجاه الجامي، وهذه المفاهيم هي: مفهوم اتباع الكتاب والسنة، ومفهوم السلف، ومفهوم طاعة ولي الأمر، ومفهوم محاربة الحزبية، ومفهوم التبديع والتضليل.
وهذه المفاهيم تحكم خطاب الجامية، كما تحكم علاقاتها مع الحركات الإسلامية الأخرى، وكذلك علاقاتها المتينة والعميقة بأيديولوجيا الطاعة لولي الأمر التي قد تكون أبرز مكوناتها؛ حيث تأتي دائما في الجانب الآخر من مفهوم الفتنة والخروج الذي تلتزمه الحركات الإسلامية السياسية أو القطبية، حسب توصيفها.
ويستعرض الباحث عباس المرشد في دراسته “الجامية والخريطة الدينية في السعودية.. الصراع على الصواب في فضاء أحادي”؛ حيث يحاول المرشد التعرف على الجذور الاجتماعية والثقافية لتأسيس التيار الجامي، أو بالأحرى تحليل الفعل الديني السعودي، ويخلص في دراسته إلى أن التيار الجامي هو نتاج صراع الفاعلين في الحقل الديني، الذين مثلتهم المؤسسة الدينية التقليدية من جهة، والسرورية الصاعدة من جهة أخرى، فخرجت الجامية من نتاج صراعاتهما، ضدا على الآخرين، وتأويلا متحيزا لأيديولوجيا الطاعة.
ثم يتناول إدريس هاني المنهج الجامي في الجرح والتعديل في دراسته “جدل التجريح والموازنة.. الجامية في مواجهة خصومها”، فقد اعتمدت الجامية في موقفها من معارضها آلية الجرح والتعديل، كما تقدم، بل التبديع والتضليل لهم، رافضة بشكل كبير آلية الإعذار أو الاعتذار أو الموازنة في الحكم عليها؛ وهو ما يتتبعه الكاتب عبر عدد من المواقف والقضايا التي يعرض لها.
الموقف من الجماعات الأخرى
ويقرأ الباحث فهد الشقيران في دراسته “جامية السعودية والموقف من الجماعات الأخرى” الجدل الساخن بين الاتجاهين الضدين: الجامية والسرورية في المملكة العربية السعودية، ونلاحظ خلالها مواكبة صعود كليهما معا، وكيف نشأ الأول وصعد كردة فعل على صعود الثاني المدوي في مقتبل التسعينيات، ويقرأ الباحث مرجعيات الجامية الفكرية والدينية في هذا الشأن، والمساحات الكبيرة التي استهدفت التيار السروري خلالها، وموقف هذا الأخير منها.
وفي دراسته المعنونة: “الجامية والأصول الوهابية.. اجتهاد فقهي أم تأويل سياسي؟” يفحص الدكتور بومدين بوزيد الجذور الأيديولوجية للتيار الجامي، وكيف تفاعلت فيه ثنائية العقدي والسياسي، فتجلى الولاء السياسي عقديا في وجه منتقديه، وتأسست أيديولوجيا الطاعة دينيا كما تتأسس دائما، وكذلك أيديولوجيا الخروج؛ وهو ما يجعلنا نطرح في هذا التقديم تساؤلا مهما: هل الطاعة تمثل معيارا أساسيا في السلفية، أم أن الخروج يمكن أن يكون بديلا عنها في أحيان أخرى
وفي دراسته المعنونة: “جدلية العقدي والسياسي في خطاب الإسلاميين.. الإخوان والجامية نموذجا”، يسبر محمد العواودة غور العلاقة بين العقدي والسياسي في خطاب كل من التيار الجامي والإخوان المسلمين، وكيف اختلفت التوجهات وصعدت الخصومات بالرغم من وحدة وتشابه المرجعيات، والانتماء للنص التأسيسي نفسه؛ وهو ما يمثل برأينا نموذجا جاذبا لحضور التأويل المستمر كمصدر للصراعات بين الإسلاميين في كل عصر من تاريخنا الإسلامي قديما وحديثا.
ثم يحلل الباحث محمد عبد الصمد الهجري انشقاقات الجامية في دراسته “الحدادية.. انشقاقات الجامية”، محاولا تفسير الانشقاقات الفكرية داخل الاتجاه الجامي، وأهم أسبابه وآثاره على التيار وعلى فكرته عموما.
ويقدم محمد أبو الخير قراءة في واحد من أهم كتب التيار الجامي، يكشف عن موقفه من المعارضين الذين يجمعهم جميعا في وصف “القطبية”، وهو كتاب “القطبية هي الفتنة فاعرفوها” لإبراهيم بن سلطان العدناني.
وتأتي الدراسة المستقلة لهذا الكتاب مكملة للدراسة السابقة للدكتور سيف الدين عبد الفتاح حول ثقافة السفينة وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كجزء ثانٍ للدراسة، ويتناول الكاتب في هذا الجزء قضية المشاركة والفاعلية، وعوائق وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اعتمادا على منهجه في العلوم البينية الذي يجمع فيه بين التأصيل والمعاصرة.
وكالعادة نقدم في خاتمة الكتاب ببليوغرافيا أهم المؤلفات العربية والأجنبية حول موضوع الجامية، وكذلك ذاكرة الكتاب التي تقدم أهم التواريخ الزمانية في تاريخ هذه الظاهرة، كما وردت في الكتاب.
ختاما.. نأمل أن يكون كتابنا عن الجامية قد ملأ فراغا بحثيا كان بحاجة للملء؛ حيث ظل هذا التيار الذي ينشط منظروه في المملكة العربية السعودية، كما نشط ممثلوه في أفغانستان مع جميل الرحمن وظل مع أتباعه بعد مقتله، كما ينشط دعاته في مصر والجزائر الآن بدرجة كبيرة، قد يكون تناولها ودرسها جزءا من الحالة السلفية في هذه البلاد، التي يتناولها بعض من كتبنا القادمة.