جماعة الجهاد في مصر
أصدر مركز المسبار للدراسات والأبحاث بدبي كتابه الخامس والعشرين في يناير (كانون الثاني) 2009 بعنوان: “جماعة الجهاد في مصر”، وهو الكتاب الذي يفتتح به المركز عامه الثالث على التوالي، ليؤكد الحاجة إلى مواصلة البحث في الظاهرة الإسلامية من كل جوانبها، وليفتح مجالات جديدة لرؤية شاملة.يتميز تنظيم الجهاد المصري بأنه لم ينشأ تنظيماً واضح المعالم منذ البداية، شأن غيره من تنظيمات الحركة الإسلامية، ولكن كانت بدايته مجموعات متفرقة جمعت بينها المرجعية الجهادية ذات الأصول القطبية -نسبة لسيد قطب- والتيمية -نسبة لابن تيمية- في صيغة جديدة، تسعى لهدف واحد وبوسيلة واحدة، هو تغيير الأنظمة القائمة، وإقامة الدولة الإسلامية عبر القوة والقتال.
و على الرغم من اشتهار وتأثير عمليات تنظيم الجهاد وعمق تأثيره، إلاّ أن تاريخه ومساره يلفه قدر كبير من الضبابية والاختلاف، ولا يزال بحاجة لكثير من الاستجلاء والاكتشاف، سواء في جانبه الفكري أم الحركي؛ فبدءاً من نشأة التنظيم، نجد من يرى أن مجموعاته انطلقت مستقلة عن الإخوان المسلمين، بينما يؤكد آخرون على أنها خرجت من رحم الإخوان، وإن لم تلبس عباءتهم، والدليل الأوضح على ذلك، هو تنظيم صالح سرية، الذي عُرف إعلامياً بتنظيم الفنية العسكرية، ويُحسب على تنظيم الجهاد أو تنظيمات العنف الإسلامي!
لقد عاد تنظيم الجهاد إلى دائرة الضوء والإعلام بقوة بعد صدور مراجعات منظره وأميره السابق الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز الشهير بالدكتور فضل، والتي قسمت التنظيم وأعضاءه لأنصار للعنف وأنصار لإيقافه، وفتحت المجال لجدل صاخب وتبادل للاتهامات بين كلا الفريقين، لم تقف عند التبرئة كما كتب الظواهري، أو تعريتها بتبرئة مضادة كما رد عليه عبد القادر بن عبد العزيز، بل تجاوزتها لتهم التخوين والعمالة والسرقة وسفك دماء الرفقاء والوشاية بهم، بين الفريقين، وهو ما لم يكن يتصور أصحابها أنها ستصدر عنهم يوماً ما.في دراسته عن التأسيس يتناول الدكتور كمال حبيب- وهو القيادي السابق في جماعة الجهاد المصرية- تحت عنوان” تنظيم الجهاد: المسار والأفكار والرموز” مسيرة تنظيم الجهاد منذ نشأته الكبرى على يد محمد عبد السلام فرج أواخر السبعينيات، وكذلك الجذور الفكرية التي تأسس عليها، وأبرز العمليات التي تبناها، ومسيرة التحالفات والانشقاقات داخل التنظيم، ثم التحول الجوهري الذي طرأ على بنيته الفكرية والتنظيمية، من جماعة محلية تركز نشاطها في مصر، إلى جبهة عالمية تنخرط في تنظيم أوسع هو القاعدة.
وعن تطور مفهوم الجهاد ومشكلته تأتي دراسة هاني نسيره “مفهوم الجهاد من الإصلاح الإسلامي إلى الفريضة الغائبة” مبيناً موقعه في بنية الفكر الإسلامي، وروافد سوء فهمه، وسياقات صعوده وتأخره في بنية التصور الإسلامي، وما هي مكانته وتصوره في فكر المدارس الإسلامية المختلفة، منذ الإصلاح الإسلامي على يد محمد عبده، حتى محمد عبد السلام فرج صاحب الفريضة الغائبة.
ثم يتناول محمد فرج في دراسته “الفكر الجهادي وآليات توليد العنف”، قضية العنف وجذوره ومنابعه، وكيف تنظر التيارات الفكرية والسياسية والثقافية إليه، وقضية العنف حين ارتباطه بكلٍّ من الدين والسياسة، وقضية الخلط بين الدين والسياسة، وهي قضايا تُمَثِّلُ مقدمات ضرورية لبحث الفكر الجهادي نفسه، وبحث علاقته بكل من الدين والفكر والسياسة، وبالتالي علاقته بالعنف، كهدف نهائي لهذه الدراسة.وفي دراسته تناول الدكتور مصطفى لطفي تحولات تصور العدو في فكر تنظيم الجهاد المصري، وكيف كانت مرحلته الأولى تتبلور حول مواجهة العدو القريب، الذي يشير للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، وأن مواجهته هي الأوْلى من قتال العدو البعيد، والذي يشير إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب، حتى يؤكد محمد عبد السلام فرج أن مواجهة العدو القريب في الداخل أولى من الجهاد في فلسطين، وكيف حدث التحول لقتال العدو البعيد بعد انضمام أيمن الظواهري إلى القاعدة.
ويتناول الدكتور رفعت سيد أحمد موقف تنظيم الجهاد الإسلامي في مصر من الجماعات الإسلامية الأخرى، عبر رحلة التنظيم الممتدة منذ نشأته حتى الآن، وكيف تراوحت بين التكفير والرفض الكامل لأفكار ومواقف الآخرين وتسفيهها، إلى مواقف القبول الكامل ورفض التكفير والتعصب أو القتل على الهوية أو الجنس أو اللون.
وفي دراسة أخرى يطرح عبد الرحمن محمد الرحلة من الجهاد المصري إلى القاعدة، عبر تتبع سير عديد من أعضاء وكوادر التنظيم من الجهاد الأفغاني إلى القاعدة، ودور كل منهما، وتنطلق هذه الدراسة من فرضية رئيسة، هي أن تنظيم الجهاد كان مهيّأً منذ البداية للعولمة الجهادية والتحول للقاعدة.ويتناول علي طه شخصية زعيم مراجعات الجهاد الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز، وكيف ظل شخصية غامضة غير واضحة المعالم على المستوى الشخصي، حتى ظهور مراجعاته الأخيرة، ويتناول أهم مراحل حياته ودوره وكتبه، كما يتناول مراجعاته والجدل الذي تم حولها وموقفه منها، وأهم التهم التي وُجّهت إليه وتلك التي وجهها هو إلى الآخرين.أما عبد المنعم منيب، وهو قيادي سابق في جماعة الجهاد المصرية، فيطرح الجدل حول مراجعات الجهاد، والردود التي أثارتها، وتصوره لإمكانيات استمرار أو إدماج أعضاء التنظيم في المجال العام بعدها؛ فقد تسنى لكاتب هذا البحث مراقبة جميع أحداث المبادرة والمراجعات عن قرب، بسبب تصادف حدوثها مع وجوده في المعتقل، بالقرب من صانعيها.
ثم يتناول نزار غريب، قضية مهمة وهي: من يمثل تنظيم الجهاد الآن؟ إذ يطرح أبرز الأحداث التي أثّرت في مساره، ثم أهم تأثيرات رموزه، سواء بحضورها أم بغيابها، كما تتناول الدراسة أيضاً المراجعات التي بدأت تأخذ مسارها داخل بعض قيادات التنظيم.وتأتي دراسة الدكتور محمد الشرقاوي “الأفق السياسي لتنظيم الجهاد المصري”، باحثة في إمكانية اندماج أعضاء التنظيم وأنصار مراجعاته في الحياة السياسية في مصر، وهي تنطلق من فرضية مؤداها اتصاف الأفق السياسي لجماعة الجهاد المصرية على نحو خاص، ولسائر التيارات الجهادية في العالم العربي والإسلامي عموماً، بأفق محدود، يتمركز حول هدف واحد هو “إقامة الدولة الإسلامية”.أما دراسة العدد -في إطار سلسلة العقل الأصولي-فهي للأستاذ جمال البنا، وتتناول فريضة غائبة من نوع مختلف عن ذلك الذي طرحه تنظيم الجهاد وغيره من الأصوليين، فريضة غائبة عن التصور الأصولي بعمومه، وهي فريضة التنمية، وكيف تناساها الإسلاميون، وكيف يمكن أن يقدم الإسلام في تصوره المتسع والمتجدد إسهاماً في اتجاهها، وفي سيرها انطلاقا من الأزمة العالمية الراهنة.
ويضم هذا الإصدار قراءتين لكتابين، أولهما للقيادي الجهادي السابق طارق الزمر بعنوان “مراجعات لا تراجعات”عرض له مصطفى عاشور، وكتاب “وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم” للدكتور فضل، والتي تعد (مانيفستو) المراجعة الجهادية الأخيرة.ختاماً، فإننا في هذا الإصدار الخامس والعشرين، والذي افتتح به العام الثالث من عمر المركز، وكما هي جميع إصدارات المركز، فقد حرص على تنوع الآراء والاتجاهات في قراءة مسار تنظيم الجهاد المصري، ومحاولة الكشف عن تحوّلات وتطورات هذا المسار منذ بداياته في أواخر الخمسينيات، حتى الوصول إلى محطته “القاعدية” الأخيرة، آملين أن نكون قد فتحنا آفاقا جديدة للمعرفة، حول واحد من أهم التنظيمات الإسلامية العنيفة وأبرزها على الساحة
الاسلام اليوم 2009.01.06