مركز «المسبار» يفتح ملف «التصوف» والتيارات الدينية
الأربعاء – 22 شوال 1437 هـ – 27 يوليو 2016 مـ رقم العدد [13756]
حلّ موضوع «الإسلام الموازي في تركيا: البكتاشية وجدل التأسيس»، محور بحث عدد من الدارسين المختصين، لمركز «المسبار» للبحوث والدراسات، ونشر ضمن الإصدار رقم 113 للكتاب الشهري.
يتناول البحث تحديدًا موضوع «التصوف» والتيارات الدينية في العالم الإسلامي، حيث كانت النصوص التي أرّخت لممارسات الطرق الصوفية، محكومة بوجهة نظر يمكن الحديث عنها وفق محورين، الأول: محور سياسي يعتمد مسارًا رسميًا للسلطة الحاكمة آنذاك، ومذهبها الديني الذي اعتمدته في تسيير شؤون الجماعة التي تحكمها. أما الثاني: فمذهبي قد يصل إلى المستوى الطائفي، في وجهة النظر التي تكتب عن تاريخ الطرق الصوفية والمقولات العقدية التي تبنتها.
ويرى الباحث العراقي علاء حميد إدريس، أن الطريقة البكتاشية واحدة من الجماعات التي يمكن أن تنطبق عليها الإشكالية التي ذكرناها سابقًا، إذ ظلّ تاريخ تحديد النشأة والانتشار في البلدان التي عرفت فيها، لا سيما البلدان العربية (مصر والعراق)، يعيش أزمة بحثية وتاريخية أحيلت أسبابها على السمات الدينية التي حملتها «البكتاشية» ونظرة السلطة والمجتمع إليها.
في العراق، كان لـ«البكتاشية» تكايا تمارس فيها نشاطاتها الدينية والاجتماعية، إذ تذكر الأخبار التاريخية أن التكية البكتاشية في بغداد كانت عند مدخل سوق الهرج، وفي مدينة كربلاء كانت قريبة من مرقد الإمام الحسين عند جهة قبر الشاعر فضولي البغدادي.
لم يبق من آثار «البكتاشية» في كربلاء سوى بيت «ده ده» الذي تعود أصوله الاجتماعية والدينية إلى «البكتاشية»، إذ يذكر أن أحد أجدادهم قد تولى زعامة الطريقة البكتاشية وإدارة شؤون التكية في المدينة. مدينة النجف – أيضًا – أقيمت فيها تكية بكتاشي، لكن لم يبق من آثارها شيء معلوم.
أما في مدينة كركوك فتختلط أعراق وإثنيات جعلت من ثقافة المدينة تحتضن كثيرا من الطرق الصوفية، والجماعات الدينية، الإسلامية وغير الإسلامية. أقيمت التكية البكتاشية في منطقة طوزخورماتو التي تسكنها غالبية من التركمان.
«البكتاشية» بأنموذجها العراقي، وما أنتجته من شيوخ ودراويش، تمكنوا من تولي إدارة أهم تكية بكتاشية في البلقان «تكية سعيد سلطان أو تكية ديمقوطية» كان لها دور مشهود في نشر التعاليم البكتاشية في شبه جزيرة البلقان، لكن مع هذا لم تنتج «البكتاشية» أثرًا بيّنًا في العراق طوال مدة وجودها، إلا ما ظهر في التديّن والأدب الشعبي.
من جهته، يعالج الباحث المصري في التصوف الإسلامي، خالد محمد عبده، تاريخ البكتاشية في مصر. وقبل تفصيل الكلام عن حضورها في أرض الكنانة، يضع القارئ أمام دور هذه الفرقة في الدولة العثمانية. فقد وحّدت أغلب الفرق والطرق الصوفية، خصوصًا ذات الشكل الباطني عقائديًا مثل «القلندرية» و«الحيدرية»، وهضمت تعاليم السابقين في طريقتها، ووحدت – إلى حدّ كبير – الفكر الصوفي في تركيا، مما قوّى الكيان العثماني وقتها.
ارتبطت الطريقة البكتاشية في مصر باسم عبد الله المغاوري، وهو من أولياء «البكتاشية» ومشايخها الكبار. رحل من تركيا إلى مصر وصار شيخا للتكية التي أنشئت له في قصر العيني بالقاهرة عام 806هـ، وإن عُرف في الأدبيات التركية باسم «غيبي بك» أو «قايغوسز أبدال»، ففي القاهرة «سيدي المغاوري» وله فيها ضريح شهير، كان مقصد الزّائرين حتى وقت قريب.
الباحث المصري في التصوف الإسلامي خالد محمد عبده، يقدم شهادة الفنان المصري المعاصر عصمت داوستاشي، الذي اصطبغت أعماله – حسب روايته – بالحس الصوفي، نظرًا للجو الديني الذي كان محاطًا به في فترة طفولته وشبابه، وبدا هذا الأثر واضحًا في معرضه «المستنير دادا»، ثم في أعماله التالية له.
ويقول عصمت داوستاشي في شهادته: «رفضتُ اقتراح بابا سري بأن أصبح شيخا للدراويش، فلم يكن في الحقيقة أي دراويش على الإطلاق بعد سفر آخرهم الشيخ رجب، أو الشيخ لطفي إلى أميركا، حيث فتح تكية هناك، وكانت رغبة بابا سري هي استمرار وجود التكية بعد رحيله. كنت مرتبطًا بقوة برغبتي في دخول كلية الفنون الجميلة، لأن تكيتي الحقيقية هي الفن.. أسرد هنا ما تبقى في ذاكرتي مع ما جمعته عن البكتاشية وتكيتهم من وثائق وأوراق وموضوعات صحافية».
إصدار «المسبار» تضمن أيضا قراءة لكتاب «سبعة دراويش: جغرافيّة الصوفيّة الأناضوليّة»، أعدها عضو هيئة التحرير الباحث عمر الترابي. وهو الكتاب الذي كتبه الروائي التركي نديم غورسيل، الذي قام بزيارة لمقامات سبعة دراويش، واهتم باكتشاف عالمها الصوفي والشعري.