على عكس الكثير من البلدان الأوروبيّة، احتفظت ألمانيا بالدروس الدينية في المؤسسات العمومية، وتتخذ هذه الدروس شكل مادة قائمة بذاتها، تحتسب في انتقال التلميذ إلى صفّ أعلى في نهاية السنة الدراسيّة. ويُقدم هذا الدرس مضمونا دينيا ومسائل تتعلق بالإيمان بمقتضى ما تقرّره المجموعات الدينية من خلال نصوص مرجعية تصاغ بينها وبين الدولة. كما ينبغي أن تخضع هذه الدروس إلى الأهداف البيداغوجية والعلمية المعتمدة. فالعديد من المجموعات الدينية تقدّم لأبنائها تربية دينية، بما في ذلك مجموعات مسيحية صغيرة والمجموعة اليهودية. ولئن كان التنظيم القانوني لهذه الدروس متميزا بالتعقّد فإنه يثير حاليا بعض المشكلات المحدودة. أمّا تنظيم دروس لتعليم الإسلام فيثير مشكلات أكبر بكثير.
قبل أن أعرض عليكم صورة موجزة وتأليفيّة حول قضية التعليم الديني للإسلام في المدارس العامة الألمانية والمشكلات القانونية المترتبة عليها، ينبغي أن نلاحظ أنّ التنوّع داخل الإسلام يمثل عاملا من عوامل تعقّد الوضع.
– إذا كان ممكنا اعتبار الإسلام دينا كونيا، فلا بدّ أن نقرّ بوجود تنوّع كبير داخله يجعل العالم الإسلامي مقسّما اليوم. وأعتبر شخصيا أنّه لا يمكن تجاوز هذا الوضع إلاّ بتأويل القرآن والسنة في ضوء السياقات التاريخية وإقحام ضوابط التفسير التاريخي والنقدي. فهذا النوع من التفسير يمكن أن يفتح آفاقا جديدة أمام الإسلام، كما أنّ ترسيخ مبدأ الحرية الدينية يجعل الخلافات بين المذاهب والفرق خلافات فكرية لا غير. وعلى هذا الأساس تقع محاصرة الدعوات التيوقراطية البارزة حاليا لدى بعض تيارات الإسلام السياسي وهي دعوات تسيء إلى الإسلام.
– لقد وقع إقرار مبدأ تقديم دروس دينية إسلامية منذ 1984 وذلك بمقتضى قرار ندوة وزراء التعليم للمقاطعات الألمانية. وفي ألمانيا، تعتبر السياسات التعليمية من صلاحيات المقاطعات. ويجتمع وزراء تعليم المقاطعات بصفة دورية ضمن ندوات كي يناقشوا كل المسائل التي تتطلب التعاون على المستوى الفدرالي. ومع ذلك فإن تطبيق هذا القرار لم يحصل إلى الآن بصفة كاملة وحسب مقتضيات الفصل السابع – الفقرة الثالثة من القانون الأساسي الألماني.
ولا توجد في مقاطعة ريناني الشمالية – وستفالي إلا مادة تقتصر على تقديم معطيات وضعية بحتة حول الدين لا تتضمن أبعادا إيمانية، وهذا وضع مخالف للتعليم الديني العادي القائم أيضا على التجربة الإيمانية. وتوجد عدّة مشاريع للتعليم الديني بالمعنى المتضمن في المادة السابعة في مدارس منتخبة من مقاطعات باد – وينتربرغ وباس- ساكس والبافيير. وسبب هذا الغياب للتعليم الإسلامي هو غياب مخاطب يحظى بالشرعية يمكن للدولة أن تتفاوض معه بخصوص التعليم الديني الإسلامي، ويكون ممثلا للمجموعة الإسلامية ويحظى بالشرعية القانونية من قبلها. ذلك أنّه يمنع على الدولة أن تتدخّل بنفسها في القضايا المذهبيّة داخل الدين الواحد أو بين الأديان، لذلك فإن وجود ممثل رسمي يفاوض الحكومة أمر مهمّ لا مناص منه لإدارة العلاقة بين الدولة والمجموعة الدينيّة بمقتضى القانون الألماني.
– كانت المحكمة الإدارية الفدراليّة الألمانية قد قرّرت سنة 2005 أن المنتفعين بحقّ تقديم الدروس الدينية ليسوا أتباع الأديان فقط، بل أيضا الكنفدراليات المتكونة من أشخاص معنوية، التي يمكن أن تعتبر قانونا المعبّرة عن المجموعة الدينية بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة السابعة، وينبغي لهذه الكنفدراليات أن تتصف بمجموعة من الضوابط، منها القدرة على الاضطلاع بالمهام الموكولة إليها من قبل الأتباع، واحترام القانون الأساسي الألماني، وتقديم مبادئ واضحة في الدراسة الدينية في المدارس العمومية. كما طالبت المحكمة من الجمعيات ذات العضوية في هذه الكنفدراليات بأن تكون متكونة من أشخاص طبيعيين وليس فقط من أشخاص قانونيين؛ ذلك أنّ مبدأ الحرية الدينية ينبغي أن يتمتع به أشخاص حقيقيّون وليست هيئات قانونية يمكن أن تستغله لغايات سياسية أو اقتصادية. فقرار المحكمة الإدارية الفدرالية في ألمانيا هو قرار بالغ الأهمية؛ لأنّه يسمح بالأخذ بعين الاعتبار الخصائص التنظيمية للإسلام مع المحافظة على جوهر القانون الدستوري الألماني، كما تنصّ عليه المادة السابعة التي تقضي باستقلالية المجموعات الدينية عن الدولة. ولقد وفّقت المحكمة في اعتبار أنّ مبدأ التسامح ينبغي أن يكون مرفقا بمبدأ احترام الدستور، فالمجموعة الدينية التي ترغب في تقديم دروس دينية بمساعدة الدولة، مطالبة باحترام المبادئ الدستورية المتضمنة في المادة السابعة من القانون الأساسي الألماني. وقضت المحكمة بأنّ المجموعات الدينية التي يمكن أن تقدّم كفاءات في ضبط التعليم الديني ولا تلتزم باحترام المبادئ الأساسية الدستورية، تفقد الأهلية للمشاركة في التعاون مع الدولة بمقتضى المادة السابعة من القانون الأساسي.
وفيما يتعلّق بمقاطعة هانس، فإنّ المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا قرّرتا أنّ المجموعة الإسلامية بهانس لا توفّر كلّ الضوابط المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون الأساسي الألماني، والمادة 57 من دستور مقاطعة هانس؛ لأنّ الجمعية التي تقدّمت باسم المسلمين هناك لم تتكوّن من أشخاص يمثّلون تمثيلا تاما معتنقي الدين الإسلامي في المقاطعة، ولاحظتا أنّ تنظيم الجمعيّة وقوانينها الداخلية لا تتميّز بالشفافيّة، كما شككت المحكمتان في رغبتها الحقيقيّة في التعاون. وشككت أيضا في تلاؤم قوانينها الداخلية مع المبادئ الدستورية، والنتيجة أنّها رفضت اعتبارها شريكا يمكن اعتماده في مقاطعة هانس للتعاون مع السلطات العمومية قصد إرساء تعليم ديني للإسلام في المدارس الحكومية.
– بعد أن تحدثنا عن تطوّر الرؤية القانونية الألمانية في مسألة التدريس الديني للإسلام، ينبغي أن نتحدث عن العوائق التي تحول دون تطبيق هذا المشروع في الوضع الحالي. فالعائق الأول هو غياب طرف ممثل لكل المسلمين في المقاطعات الألمانية، مع أنّ السلطات المحليّة شجّعت على تنظيم دورات حوار تجمع الأطراف المعنية وممثلي الدولة وخبراء في الميدان، قصد تيسير عملية إطلاق مبادرات تستجيب للأهداف المعلنة وتقدّم مادّة خاصّة بتعليم الإسلام.
لكن هناك مشكلات أخرى تتصل بالشريعة الإسلامية في شكلها التقليدي، والقائمة على الدمج بين الدين والسياسة والمجتمع، والتي تتضمن أيضا أحكاما مثل المكانة الدونية للمرأة ومنع الحريّة الدينية داخل الإسلام ومشكلات الميراث، فتدريس هذه الأمور يمثّل مشكلة في بلد ديمقراطي؛ إذ إنّ التلاميذ المسلمين سيشعرون حينئذ بأنهم مختلفون عن بقية التلاميذ، وأنهم يُلقنون مبادئ مختلفة عن المبادئ الأساسية للدولة، فهذه المواد -إذا درّست بهذه الطريقة- ستكون مناقضة للدستور، ويمكن أن نفهم حينئذ أهمية الوصول إلى تدريس لإسلام يتماشى مع المبادئ الدستورية.
وفي مقابل هذا الوضع، فإنّ وجود دروس دينية تــنظمها جهات مجهولة ولا تراقبها الدولة، يمثل من جهته خطرا. وهناك مدينة برلين التي تتمتع بوضع دستوري خاص ناتج عن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ففيها تعليم إسلامي في المدارس لا يخضع لمراقبة الدولة، وتتهم المجموعة التي تشرف على هذا التعليم بأنها تنتمي إلى مجموعات الإسلام السياسي. وفي النمسا التي تعتمد وضعا قانونيا شبيها بوضع برلين، يشير سبر الآراء إلى أنّ 20٪ من مدرسي الإسلام يرفضون الديمقراطية و18٪ منهم يتفهمون أن يُقتل المسلم الذي يغيّر دينه.
– يوجد كثير من المسلمين، ومنهم علماء هاجروا إلى ألمانيا، يعملون على تجاوز هذه المصاعب. ولا بدّ أن تشجع الدّراسات التاريخيّة والنقديّة وأن تؤثّر في التصوّر السّائد للشريعة وتدفع إلى إعادة تعريف الضوابط. إنّ هذا المسعى هو من مسؤولية المسلمين قبل كلّ شيء، لكنّ نتيجته تؤثّر في الوضع القانوني للمجموعة ككلّ وتهمّ كلّ البشر.
ولفغونغ بوك رجل قانون وخبير في القانون الدستوري الألماني.