في ظلّ التطوّرات الكبرى الصاعدة، والتعالي على الإنسان في بعض الممارسات، يبرز سؤال حقّ المرأة في التعليم، وفي الفردية، والريادة الإدارية، والقوّة المعنوية، والإنصاف القانوني والمجتمعي. فالتعليم والحيوية العملية لكامل المجتمع هما حقّ مؤصّل ولا يمكن التنازع حولهما أو التفكير ضدهما. إن الموضوع الاجتماعي أو «التعاقدي»، كما عبّر عنه جون لوك، هو أساس معياري لتنظيم التضابط المجتمعي، وهو أساس سائد وموضوعي في العالم، ومن دونه ستكون الفوضوية، وغياب تكافؤ الفرص.
ما أعادني إلى هذه النظرية الاطلاع على كتابٍ مهم نشره مركز المسبار للدراسات والبحوث، بعنوان:«مكانة المرأة في أفغانستان من عهد أمان الله خان إلى طالبان»، وفيه يتناول موضوع النساء في أفغانستان وأدوارهن في المجتمع والسياسة والتعليم، بدءاً من حقبة الملك أمان الله خان (1919-1929) و«جمهورية أفغانستان» (1973-1992)، بعهديها، مروراً بالسنوات المضطربة مع حكم «طالبان» الأول عام 1996 وبداية الألفية الجديدة التي استُهلت بالحرب الأميركية على الإرهاب، وصولاً إلى عودة «طالبان» الثانية إلى الحكم عام 2021.
ومن دراسات الكتاب ما ذكرته الباحثة والأكاديمية الأميركية ماكسين مارغوليس التي قدمت مادة تحليلية حول التأثير القوي لقانون «بشتونوالي»؛ أيّ العُرف القبلي المتَّبَع تقليديّاً في تنظيم شؤون الحياة في مناطق البشتون في أفغانستان – في حياة الفتيات والنساء الأفغانيات. يُعد هذا القانون قديماً، ويحمل أعرافاً عريقة، لذا فإن الصلابة القبلية التي تعامل بها النساء الواقعات تحت ضغطه، من ضمنها الموقف من التعليم والزواج والاختلاط والتنقل والحجاب والعيب والشرف لا ترتبط بالإسلام، وإنما بالأيديولوجية القبلية التي اشتد عودها مع انفجار التطرف في أفغانستان. بعدها، ولتعميق هذه الفكرة، ومحاولة ربط العادات بالتقاليد، قدم الباحث والأكاديمي سيد مهدي موسوي دراسة تمهيدية لمعاني الشرف والقيم والناموس، وتأثيرها ليس في النساء فحسب، بل والرجال، فحاول دراسة حالات منهم، واجهت العنف المرتبط بالشرف، في فترة ما بعد الصراع في أفغانستان. وسعى لاستكشاف هذا العنف في الحياة اليومية للرجال في المدينة. توضح الدراسة الضغوط التي يتعرض لها الرجال الأفغان بسبب التقاليد القبلية.
في بدايات القرن العشرين، بدأت الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والقضائية في العهد الملكي، مع بداية حكم أمان الله خان، الذي تطرقت إليه الباحثة الأفغانية (بي بي فاطمة حكمت)، وركزت على هذه الإصلاحات، ضمن المنهج التاريخي، وأبرزت انطلاقتها والمعطيات المؤدية إليها في المجتمع الأفغاني، وحددت العوامل المسببة إلى فشلها، لا سيما في منظومة حقوق النساء، فقد جرى تصويرها بأنّها جاءت خصماً لبنى المجتمع التقليدي وقبائله وأعرافه.
الخلاصة، أن الموضوعات الحاليّة بصراعاتها يجب ألا تعاد المرأة بسببها لغياهب التاريخ القديم، فهي محتوى المجتمع وأساسه، إن أي تبويب سلبي لها في المجال العام على المستوى التعليمي أو العملي فيه جناية على مفهوم المجتمع، وعليه فإن البدهية الرئيسية التي يجب البناء عليها هي فكرة التكامل.