درس الباحث العراقي الدكتور ياسر محمد ياسين البدري الحسيني “التكايا والطرق الصوفية وديالى حاضرا” ضمن كتاب “”التصوف في العراق”، العدد 72، ديسمبر (كانون الأول) 2015”.
ويرى أن الطرق الصوفية ظلت بوسطيتها المعروفة وبعدها عن التطرّف تمثل صمام الأمان للتعايش السلمي، ونبذ العنف في المجتمعات المسلمة، وبالذات تلك التي يتعايش فيها المسلمون مع أصحاب ديانات ومعتقدات أخرى، مما أسهم بصورة كبيرة في نشر الدين الإسلامي في أوساط هذه الطوائف نتيجة لحسن المعاملة التي وجدوها من المسلمين في تلك البلاد، والتي تجلت فيها سماحة الإسلام وحثه على التحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن العنف.
يرجع أصل التصوّف كسلوكٍ وتعبد وزهد في الدنيا، وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس، وكثرة لذكر الله إلى العد النبوي. وانتشاره في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري. بدأت كنزعات فردية وتطوّرت لتصبح جماعات عرفت بالطرق الصوفية، ويتوحد منهجها في الدعوة للعودة بالإسلام إلى عصره الزاهر وتزكية النفس بالزهد والرياضات التي تسمو بالروح إلى معرفة الذات الإلهية، وتعمل على تربية وتهذيب وتزكية أتباعه من (المريدين) بالعبادات والرياضات لمجاهدة النفس وصرفها عن اللهو والترف والتقيد بشرع الله.
وتنتشر الطرق الصوفية في كل بقاع العالم الإسلامي، ويتبعها أعداد كبيرة من المريدين، وتتعدد هذه الطرق بتعدد مشايخها وأماكن انتشارها، إلا أنها تجمّع على المنهج الصوفي، منها الطريقة القادرية نسبة إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني (بغداد) وهي من أكبر الطرق الصوفية وأكثرها انتشارًا، خصوصاً في العراق ومصر ودول شرق إفريقيا وآسيا، والطريقة الرفاعية نسبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي في العراق، وانتشرت في دول العالم الإسلامي والطريقة الشاذلية والدسوقية والبدوية، وغيرهما من الطرق، وتمتد معظم هذه الطرق في دول العالم العربي والإسلامي ويوجد مريدون لها في المدن المختلفة.
ويعتقد الباحث أن الطرق الصوفية لم تكن في يوم من الأيام بعيدة عن الهم الإسلامي كما يُحاول أعداؤها تصويرها كجماعة منعزلة ومنكفئة على ذاتها وغير منفعلة بهموم الأمة الإسلامية، بل كانت ولم تزل تقود التغيير في المجتمعات الإسلامية، وفي مرحلة الاستعمار الذي ظل جاثمًا على صدر الأمة الإسلامية لعقود من الزمان قاد المتصوّفة قوافل المجاهدين لقتال المستعمر حتى تحقق النصر في بلدان العالم الإسلامي.
ومع تنامي الحضارة المادية التي قادت المجتمعات نحو الخواء الروحي تقف بشدة لملء هذا الفراغ أوساط المجتمعات المسلمة بالدعوة والقدوة من أجل الحفاظ على المجتمع المسلم طاهرا من الرذائل والمنكرات.