زفّة فرح أسطورية، حالة من النشوة، والسكر، قراءة لسورة الفتح، تهليل وتداعٍ للاحتفاء، سادت كل الإسلامويين وجماعاتهم. بعد دخول حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية كابول. وانطلقت التأكيدات المتناغمة بين المثقفين المؤيدين لتؤكد: طالبان تحوّلت، تغيرت، والآن ستوائم العالم. ما الدليل؟ كيف تحولت؟ أين تراجعت؟ ما الأسس الفكرية والدينية والثقافية؟ هذا سؤال غير مرغوب به، ولا يمكن الإجابة عنه. فالواقعية السياسية منخرطة في خطابها عملياً!
انتشرت تشبيهات لما حدث بأنّه يوم “فتح مكة”. حتى كتب عاصم عبدالماجد من ساحل الخليج العربي، باسم الجماعة الإسلاموية: “أرأيتم كيف انتقلت السلطة لطالبان بهدوء وبلا مقاومة، لو امتلك إخوان مصر شجاعة وقوة طالبان وتحولوا إلى أسود، يوم أقسم مرسي اليمين لاستلموا السلطة حقاً وبهدوء وبلا أدنى مقاومة، لكنهم استمروا على ضعفهم حتى وهم في السلطة فتجرأت عليهم الذئاب -إنهم يدفعون اليوم ضريبة ترك الجهاد عندما تعين”[1].
يرصد هذا التقرير، الأجواء “الاحتفالية” للجماعات الإسلاموية، عبر قراءة لبياناتها بعد دخول طالبان إلى العاصمة كابول، كما يعرض وجهات نظر المتخصصين الغربيين في قضايا الإرهاب حول الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعياته وتأثيره على الظاهرة الإسلاموية الإرهابية في ضوء التحول الأفغاني، ويختتمه بخلاصات نهائية.
أفراح الإسلامويين.. سكرة السّلطة
تقاربت مواقف الحركات الإسلاموية، من القاعدة إلى حزب الله، في الفرح بالوضع الراهن، وأطلقت على ما تم بأنّه انتصار وطالبت “المنتصرين”، بأن يحكِّموا الشريعة. فأكدت بيانات وأفراد جماعة الإخوان أن “نجاح” تجربة طالبان نابع من تمسكها بـ”الجهاد”. بينما عاتب البعض من الإسلامويين قيادات جماعاته، على عدم انتهاجها نهج طالبان نفسه، باستخدام القوة المسلحة للسيطرة على السلطة.
وتحت وسم (#طالبان_تنتصر) و(#طالبان_تنتصر_وأمريكا_تنكسر)، قاد نشطاء الإخوان حملة دعائية للترويج للأنموذج الطالباني في الوصول إلى الحكم عبر القوة، محاولين منح الأمل لأتباعهم حول العالم العربي بأن “النصر” قريب.
قدمت الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية ذات الميول الإخوانية، “التهنئة” لحركة طالبان، متمنية أن تؤدي سيطرتها لفرض “نظام إسلامي” على كامل أفغانستان.
كانت “الجماعة الإسلامية” الأكثر وضوحًا في دعمها لاستخدام العنف والسلاح وسيلة للوصول إلى السلطة، وذلك عبر تغريدات، ومقالات عدة لقيادتها، والمحسوبين عليها. أما الصادق الغرياني: أحد رموز الإخوان في ليبيا، فبعد أن قدّم التهنئة الخاصة لطالبان، دعاها لتوحيد الصف لبناء دولة إسلامية قوية، تكون “ناصرة” لكل المسلمين في كل مكان بالعالم!
قدمت حركة حماس الإخوانية، التهنئة لطالبان، بمناسبة ما وصفته بـ”اندحار الاحتلال الأميركي من الأراضي الأفغانية”، بينما كان القيادي (موسى أبو مرزوق)، الأكثر صراحة ووضوحاً في تفسير موقف الإخوان تجاه الديمقراطية، وذلك بتغريدة قال فيها: “تنتصر طالبان اليوم بعد أن كانت تتهم بالتخلف والرجعية والإرهاب، وها هي الآن حركة أكثر ذكاءً وواقعية، وقد واجهت أميركا وعملاءها، رافضة الحلول الوسط معهم، ولم تُخدع بالعناوين البراقة كالديمقراطية والانتخابات، ولا بالوعود الزائفة. درس مرت به كل الشعوب المظلومة، فهل من متعظ؟”[2]. كذلك اتصل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، بالملا عبدالغني برادر، رئيس المكتب السياسي لحركة “طالبان”، مهنئاً “بزوال الاحتلال الأميركي عن أفغانستان”. وكلاهما كانا في بلدٍ واحد.
حركة الجهاد الإسلامي: كانت الأكثر حذرًا، حيث رحبت الحركة الفلسطينية بما وصفته بـ”تحرير” أفغانستان من الاحتلال الغربي والأميركي، وقالت في بيان: إن “الشعب الأفغاني المسلم سطّر أعظم البطولات الجهادية ضد كل الغزاة على مر تاريخه المشرّف”.
قدم حزب التحرير المتمركز في الأردن وأوروبا ومصر نصائحه لطالبان، عبر فيديو أطلقه منظِّره أحمد الخطواني أبو حمزة. تمركزت نصائح الحزب في الدعوة لقيام نظام إسلامي “حقيقي”، والانتباه لمؤامرات القوى الإقليمية مثل باكستان.
رحب نشطاء وشيوخ حزب النور، ممثل السلفيين في مصر، وما يسمى “مجموعة الإسكندرية السلفية”؛ بدخول طالبان للعاصمة كابول، وفي فيديو له، عبَّر ياسر برهامي، المنظِّر الفكري للحزب والمجموعة عن فرحه بهذا النصر، واصفًا الغرب بالوقاحة، ومؤكدًا أن طالبان “لديها خير كثير”.
أصدرت جبهة تحرير الشام: الاسم المُستحدث لما تسمى “جبهة النصرة”، فرع القاعدة في سوريا، بيان تهنئة بانتصار “الإخوة” في طالبان على “الخونة”، معتبرة “انتصار” الحركة بمثابة “انتصار” لكل الأمة، ولأهل السنة، ولـ”جميع المظلومين حول العالم”.
أما حزب الله اللبناني، فقد قال أمينه العام حسن نصرالله: “إن مشهد انسحاب الأميركيين من أفغانستان كبير جداً ورسالة لها أبعادها الاستراتيجية”، مشيراً إلى أن الأميركيين خرجوا “أذلاء فاشلين مهزومين”، مما يعني أن كلمة الهزيمة توحي بنصر لجهة أخرى.
اكتفت جماعة العدل والإحسان، الجماعة المغربية المحظورة، بالتأكيد على “متابعتها لتطورات الأحداث في أفغانستان”، وتأييدها “استقلال الشعب الأفغاني”، بينما دعا محمد حمداوي (مسؤول العلاقات الخارجية) الأفغان إلى تدشين مرحلة جديدة من “التنوع واحترام الحقوق والحريات وتأسيس دولة عادلة دون عنف أو إقصاء أو تمييز”.
أما حزب الوحدة الإسلامي، فقد رحب محمد محقق، القيادي في الحزب الممثل لقومية الهزارة المتحالفة مع إيران، بسيطرة طالبان على العاصمة كابول، واصفًا هذا الحدث بأنه “أنقذ” الشعب الأفغاني من فساد حكومة أشرف غني[3].
لماذا كل هذا الاحتفاء؟
تعود أسباب هذه الحالة من الانتشاء، إلى رغبة التيارات الإسلاموية، بعد تعرضها للهزيمة نتيجة الرفض الشعبي العربي الواسع لسياساتها، لإعادة تقديم نفسها من جديد، وتثبيت همم أتباعها؛ خصوصاً أنّ الجماعات الإسلاموية كانت تبحث عن نصرٍ معنوي، ظنته في بداية السنة أتى على يدي الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، وأنّه سيقوم بالضغط على دول الاستقرار، للسماح للجماعات الإسلاموية بالعمل، تحت شعار الديمقراطية والحقوق. ولما فشلت هذه المحاولة تحول الاحتفاء آنذاك إلى علقم مسموم.
الآن، على المقلب الآخر، فإنّ الاحتفاء بما يتمّ في أفغانستان؛ وما تمّ من انتخاب رئيس محافظ “متشدد” في إيران، كله يوحي لهم بأنّ موجةً من التشدد يجدر بهم الاستثمار فيها، والدخول في مركبها، ولكن إلى أين تسير؟ لا يهم!
طالبان حذرة وتحت المراقبة.. ولكن الانشقاقات حل جيد
حاولت حركة طالبان أن تتمسّك بالخط الأساسي المرسوم، الذي عنوانه نحن حركة أفغانية، وسندعو للمصالحة، والشريعة خيار المجتمع، وهي ما يحدد عمل المرأة، وعلاقاتنا الخارجية. العبارات بشكلها العام مصاغة بدهاء، وأسلوب جدير بالإشادة، وإن كان ينهار عند أقرب محاكمة أيديولوجية، فما الشريعة، وما الدستور، وما المصالحة المقصودة؟
في السياق، ظهرت الإشارات إلى أن طالبان لن تسمح بلعب أي دور خارجي، فتخففت من التصريحات الواضحة المعادية. واندفع بالتزامن مع ذلك الحديث الغربي الرشيق عن: هل تستطيع طالبان التحوّل من حركة “تمرد” إلى بناء منظومة حكم إسلامي مخفف؟
في الوقت الذي يرفض البعض بقاء قوات أجنبية في أفغانستان، حتى لو كانت تركية، يتحدث رجل طالبان سهين شاهين من الصين مؤكدًا “الدعوة إلى الصداقة والدعم والتعاون مع تركيا أكثر من أي دولة أخرى” قائلاً: “نريد التعاون مع تركيا في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والاقتصاد” ، يأتي كلامه ربما تمهيداً مبكراً للحديث عن أن بقاء تركيا، التي ستحاور طالبان، سيكون من أجل ما يعرف بـ”الإعمار”.
المتفائلون على الدوام، والإيجابيون باستمرار، فتحوا دفتر العلامات، لملاحظة التطوّر والتغيير في إدارة طالبان لكل شيء، سماحها بخروج خصلة شعر مذيعة، وعدم إيقاف أميركيين في نقاط التفتيش.
نظرة غربية على مستقبل الحركات المتطرفة
كتب الصحفي البريطاني جايسون بيرك (Jason Burke)، المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، والذي قام بتغطية الحرب الأميركية في أفغانستان (2001)، وتواصل مع قادة طالبان، في الغارديان البريطانية، مقالاً تحت عنوان “ماذا تعني عودة طالبان بالنسبة للقاعدة في أفغانستان؟”، مفصلاً فيه مستقبل الحركات “الجهادية” بعد سيطرة طالبان، قائلاً: “ليس هناك شك في أن السرعة المذهلة لانتصار طالبان ستعطي دفعة هائلة للمتطرفين الإسلامويين في كل مكان -سواء القاعدة أو “الدولة الإسلامية” [داعش] أو المقاتلين في موزمبيق أو سوريا أو الجهاديين المعجبين بهم والكامنين في برمنغهام أو مانيلا”. يؤكد بيرك -حسب تقرير صدر الشهر الماضي- نشرته الأمم المتحدة مستندًا إلى معلومات استخباراتية وردت من الدول الأعضاء، بأن القاعدة: “موجودة في (15) مقاطعة أفغانية على الأقل”. وأن أكثر المقاطعات نشاطًا فيها “هلمند وقندهار ونيمروز”.
يرد بيرك، أنه: “ليس من الواضح كيف سيكون ردّ فعل القاعدة على الأحداث الأخيرة”. مؤكدًا أن هزيمة المجاهدين الأفغان للسوڤيت عام 1989، “قد تحولت لأسطورة أساسية ساهمت بشكل كبير في صعود “الحركة الجهادية ” العالمية المعاصرة بأكملها، على الرغم من أن القاعدة في الواقع لعبت دورًا ضئيلًا في الحرب”. ثم يكمل “إن هزيمة قوة عظمى ثانية على يد عصابة جديدة من المقاتلين الإسلامويين الأفغان بمثابة انقلاب دعائي هائل في وقت تحتاج فيه كل هذه الجماعات بشدة إلى رواية جديدة. القاعدة، مثل كل الآخرين، سوف تتشجع، ولكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل بالضبط؟”.
يعتقد بيرك، أن هناك سوء فهم غربياً وأميركياً على وجه الخصوص، للوضع في أفغانستان، ساهم في تفاقم الأحداث وصولاً لسيطرة طالبان على كابول، وصولاً إلى “عدم التفرقة الأميركية بين طالبان ذات الجذور العرقية والقومية التي تسعى عبر الدين لفرض نظام مركزي متشدد، والقاعدة التي تعمل لأجل زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، لإسقاط الأنظمة السياسية الحاكمة والسيطرة على السلطة”. يختتم بيرك، تحليله بأن طالبان قد طرأ عليها العديد من المتغيرات خلال العشرين عامًا الماضية، وأنها ستسعى للحصول على شرعية دولية كما حدث من قبل، ولكن “مدى قدرتها لضبط الأوضاع على الأرض أمر آخر، ستؤكده أو تنفيه الأيام المقبلة”، مع ترجيحه لعدم قدرة القاعدة على لعب دور كبير، نظرًا لمرض زعيمها أيمن الظواهري -حسب التقارير المخابراتية الغربية- والمواجهة في الشرق الأوسط مع الجماعات المتشددة[4].
لنا أن نتفهّم وجهة النظر هذه، وفي إطار التفاؤل الكبير والاحتفائية الإسلاموية المعجونة بالبحث عن أي انتصار. ولكن هل يصمد هذا التفهم أمام: إذا كانت القاعدة موجودة في عهد أميركا والناتو والجيوش، وباقية في (15) ولاية أفغانية، هل تذوب ببركات طالبان، إن لم ترد الأخيرة بقاءها؟!
في مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs)، وتحت عنوان “هل ستصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهابيين مرة أخرى؟”، عرض دانيال بايمان (Daniel Byman)، الأستاذ المساعد في كلية والش للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون، والمتخصص في قضايا الإرهاب العالمي، مخاوف عدد من النواب الجمهوريين، حيال الانسحاب الأميركي من أفغانستان، مثل النائب مايكل ماكول (Michael McCaul)، وهو جمهوري من تكساس، وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، حيث قال: “سنعود إلى دولة ما قبل 11 سبتمبر (أيلول) 2001 -أرضاً خصبة للإرهاب”، وكان الجنرال مارك ميلي (Mark Milley)، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قد حذر من أن: “القاعدة والدولة الإسلامية (المعروفة أيضًا باسم داعش) يمكن أن تعيد بناء شبكاتها في أفغانستان بسرعة”. ورأى أن: “خطر عودة القاعدة أمر حقيقي، لكن عودة أفغانستان إلى دورها قبل 11 سبتمبر (أيلول) كملاذ آمن للإرهاب الجهادي العالمي أمر غير مرجح”. وعلل رأيه هذا بالقول: “على الرغم من أن انتصار طالبان سيجعل -بلا شك- سياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها واشنطن أكثر صعوبة في التنفيذ، فإن ضعف القاعدة، والحوافز الخاصة التي تسعى طالبان للحصول عليها، والتحسينات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في التنسيق بين الاستخبارات الأميركية، والأمن الداخلي، والعمليات العسكرية عن بُعد، تؤدي كلها إلى التقليل من تهديدات الإرهاب”.
يؤكد ماكول، على وجود علاقة ممتدة ما زالت قائمة حتى اليوم بين طالبان والقاعدة، تعود أسبابها -حسب رأيه- إلى: “تفاني مقاتلي القاعدة، وشعور حركة طالبان بالواجب تجاههم بعدما صمدوا وقاتلوا معها لمدة (20) عاماً”، لكنه في الوقت نفسه يرى أن طالبان، لن تسمح للقاعدة بتحويل أفغانستان إلى مركز للإرهاب العالمي، وأنها “ربما تستخدم القاعدة لضرب عدوهما المشترك، تنظيم الدولة الإسلامية-داعش، الذي يرى في طالبان حركة قومية أفغانية تخلت عن الإسلام بطابعه الأممي، وهو ما سينهي العلامة التجارية للتنظيم بعد هزيمته في العراق وسوريا”.
يظل السؤال الأكثر أهمية بحسب ماكول: “ليس ما إذا كانت طالبان ستحافظ على علاقاتها مع القاعدة والجهاديين الأجانب الآخرين، ولكن ما إذا كانت طالبان ستسمح مرة أخرى للقاعدة باستخدام أفغانستان كقاعدة لهجمات إرهابية دولية؟”. فيجيب بالقول: “كان تنظيم القاعدة والجهاديون الأجانب الآخرون يديرون أرخبيلًا من المعسكرات في كامل أفغانستان. فيها تم تدريب الإرهابيين، كما كانت أفغانستان مكانًا مناسبًا للجهاديين الطموحين الذين ذهبوا للقتال في صراعات الجزائر وإندونيسيا وليبيا والصومال ودول أخرى. بالإضافة إلى توفير التدريب، تمكنت القاعدة أيضًا من إقامة اتصالات بين كبار أعضاء الجماعات الجهادية المختلفة وتلقين آلاف المتطوعين الذين تدفقوا إلى أفغانستان للتدريب. ووفقًا للمخابرات الأميركية، فقد مر ما بين (10,000) و(20,000) مجند عبر المعسكرات من 1996 إلى عام 2001، وبذلك تشارك هؤلاء المتطوعون وجهة نظر القاعدة العالمية والمعادية لأميركيا، وقاموا بتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية”. أما الآن -كما يلفت ماكول- فقد تغير كل هذا الوضع، على الرغم من نشوة “الانتصار” الذي ستشعر به التنظيمات الجهادية/ الإرهابية وعلى رأسها القاعدة، وستسعى للاستفادة من الوضع الحالي، ولكن: “من غير المحتمل وجود ملاذ آمن واسع يمكن مقارنته بفترة ما قبل 11 سبتمبر (أيلول). إن حوافز طالبان الخاصة لدعم الإرهاب الدولي ضد الغرب باتت منخفضة بشكل كبير، وبغض النظر عن الروابط التي ربطت قادة طالبان بالقاعدة. لكن في الواقع لم يتم التشاور مع طالبان بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولم يؤيدوا الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذتها القاعدة مثل تفجير السفارات عام 1998 في شرق أفريقيا. كما دفعت طالبان ثمناً باهظاً لأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، حيث خسرت السلطة لمدة (20) عاماً، ورأت الكثير من قياداتها الأساسية يموتون في القتال مع الولايات المتحدة”.
ويرى ماكول أن رعاة طالبان، قد تغيرت سياساتهم، عمّا كانت عليه قبل عام 2001، وفي المقدمة منهم باكستان: “لدى باكستان، راعية طالبان، سبب أيضًا لمعارضة هجمات القاعدة الإرهابية على الغرب. حيث جادل بروس ريدل (Bruce Riedel) -ضابط مخابرات أميركي كبير سابق- بأن هجوم طالبان الأخير اعتمد على الدعم الباكستاني، وأن طالبان تستخدم باكستان منذ فترة طويلة كملاذ آمن في معركتها ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية. بالنظر إلى فوز حليف باكستان، ليس لدى إسلام آباد، الآن سبب وجيه للمخاطرة بتشجيع عودة القوات الأميركية -وهو أمر يمكن أن يحدث في أعقاب هجوم للقاعدة على الغرب. مثل هذا العنف لا يخدم أياً من الأهداف الاستراتيجية لباكستان”. لكن وعلى الرغم من ذلك، لا يرجح ماكول أن الخطر الجهادي سينتهي بالكلية، وحجته بذلك، أن: “باكستان، لا يمكن الاعتماد عليها كشريك في مكافحة الإرهاب في أفغانستان. لأنها تفضل استخدام “الجهاديين الأجانب” لشن هجمات إرهابية في الهند وشن حرب في كشمير، كما فعلت في الماضي. لذلك قد ترغب طالبان في السماح للمقاتلين الأجانب بالتدريب وتحسين مهاراتهم بطريقة أخرى في أفغانستان، واللعب بالنار على أمل أن تتمكن باكستان من توجيه الحريق نحو نيودلهي. لذلك فإن الضغط على باكستان سيكون حيوياً”. ولحل هذه “المعضلة” الباكستانية -إن جاز القول- يقترح ماكول: “على واشنطن بدلاً من مغازلة عمران خان، كحليف. التأكيد على إسلام آباد، أنها ستدفع الثمن أيضًا إذا دعم حلفاؤها من حركة طالبان الإرهاب الدولي”.
يختتم ماكول مقاله، بالقول: “القاعدة ضعيفة، ولا تمتلك موارد مالية أو قيادة على اتصال بها، وغالب الظن أن أيمن الظواهري قد مات، وطالبان لا يمكن أن تضحي بمكاسبها لأجل خدمة أجندة الإرهاب العالمي، ولا من مصلحة باكستان ذلك أيضا، كما أن القاعدة لم يعد الغرب الآن هدفها بل البلدان الإسلامية، ولأميركا استراتيجية لمهاجمة بؤرهم عبر العمليات الخاصة والطائرات المسيرة”[5].
إذا فهمنا أبعاد هذا التحليل المثير، لن نستغرب أن يشير الرئيس بايدن، إلى حقيقة يعزز بها قراره “طالبان عدوّة لداعش”. هذه الشراكة التي عبرها، يثق الأميركيون أنّ طالبان “سياسياً” ستقف مع أميركا ضد داعش، لأنّ مصلحتها تبدو كذلك!
هذا التحوّل الذي اكتُشِف في طالبان، فجأة، حولها بين ليلة وضحاها، من عدوّ مطارد ومشرّد إلى شريك، وهو تسوّقه قنوات وصحف تابعة لطهران، وتضعه في النسخة العربية، مع بعض التوابل اليسارية. فمن هم طالبان الآن. من هم هؤلاء المتحولون؟
كتبت الكاتبة الأميركية، جين كيربي (Jen Kirby)، المتخصصة في الشؤون الخارجية والأمن القومي، حول التحولات المتصورة في تفكير طالبان، تحت عنوان “من هم طالبان الآن؟”، على شبكة ڤوكس ميديا، وأدارت حواراً مطولاً مع الخبير الإيراني- الأميركي، ولي رضا نصر (Vali R. Nasr). أشارت في مطلع المقال، لتصريح، شير جان أحمدزاي (Sher Jan Ahmadzai)، مدير مركز دراسات أفغانستان في مركز الدراسات الأفغانية، إن عملية التفاوض بين طالبان والولايات المتحدة، في الدوحة: “منحت الجماعة الإسلامية المسلحة المتشددة أيديولوجياً، نافذة عامة تُظهِر من خلالها أعضاءها على أنهم أشخاص يرتدون ملابس أنيقة، ولديهم هواتف ذكية، ويتحدثون بشكل دبلوماسي للغاية أمام وسائل الإعلام الدولية”. ثم تعقب بأن الشرعية الدولية، تمثل الآن عنصراً هاماً بالنسبة لطالبان، بعدما كانت تفتقدها منذ استولت على أفغانستان في التسعينيات.
ترصد كيربي، آراء الخبراء العالميين بشؤون أفغانستان وحركة طالبان، الذين يعتقدون أن حركة طالبان “قد تغيرت، حيث تعلمت قيادتها خلال العقود الماضية، من قصة صعودها وسقوطها وصعودها مرة أخرى، وأصبحت أكثر واقعية، وأفضل بكثير في إدارتها للعلاقات العامة. لكن هذا لا يعني أن طالبان قد غيرت نظرتها للعالم، أو أهدافها وانتصارها هذا الأسبوع قد يعزز ذلك”. حسب ولي رضا نصر، من نواحٍ عديدة: “تظل طالبان غامضة، ومن المحتمل أن تكون هناك انقسامات بين قيادتها والجنود في ساحة المعركة. وهذا يجعل من الصعب التكهن بما قد يبدو عليه مستقبل أفغانستان بالضبط في ظل حكم طالبان. لكن هناك أيضًا سبب وراء تشبث الأفغان بالطائرات العسكرية الأميركية، في محاولة يائسة للخروج من البلاد بأي ثمن”. أما أبرز التحولات التي حدثت حقًا لطالبان، منذ دخول القوات الأميركية، فيقول ولي: “لقد فر زعماء طالبان بعد هزيمتهم عام 2001، لكن الجماعة لم تتفكك. وبدلاً من ذلك، أعادت تنظيم صفوفها لشن تمرد استمر لعقود ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول. في ذلك الوقت، تغيرت طالبان بالفعل. أصبحوا أكثر اختبارًا للمعركة، ولذا بدؤوا في شن تمرد أكثر نجاحًا، بهجمات مدبرة بعناية وتنسيق أفضل، كما تعلموا تقنية جمع المعلومات الاستخباراتية، وأصبحوا أكثر ثراءً. كما أصبحوا أكثر براغماتية بعض الشيء، وهو ما يفسر سيطرة الحركة على المدن الكبرى في الأسابيع الأخيرة -بطريقة لم تكن كذلك في التسعينيات- لقد عقدوا صفقات مع الكثير من المسؤولين المحليين؛ وكانوا على استعداد لتقديم شيء مقابل شيء”. يكمل ولي: إن “الوصول إلى الحكم في أفغانستان، كما دخول القوات الغازية، لا يعد أمراً صعبًا، ولكن التحدي يكمن في القدرة على فرض السيطرة حتى في ظل حكم الملا عمر، لم تكن كل أفغانستان، تحت سيطرة طالبان. كما أن هناك أسئلة حول مدى توافق التيارات الداخلية بالحركة على فكرة واحدة، ومدى قدرة القيادة ممثلة في الملا هبة الله آخُند زاده، على ضبط عناصرها، وهو لا يُرى وقد يكون ميتاً”. يختتم ولي، تقييمه بالقول: “قد تكون طالبان تغيرت، ولكن قدرتها على السيطرة لا تمكنها من تحويل هذا التغيير لسيطرة حقيقية”[6].
خلاصة الكلام: إنّ طالبان تمرّست في فنون بناء الدولة، والتحكم فيها، ولكنّ أحدًا لا يتحدّث عما إذا كانت آمنت بها.
تحت عنوان “طالبان تريد نيل ثقة العالم”، كتب نعمة الله إبراهيمي (Niamatullah Ibrahimi)، المحاضر في جامعة لاتروب الأسترالية في قسم العلاقات الدولية، ووصفي الله تاي (Safiullah Taye)، الباحث والمحاضر في جامعة ديكن الأسترالية. في موقع (conversation (The: إن طالبان، سيكون عليها “اتخاذ خيارات صعبة” إن كانت حقًا جادة في رغبتها بالانفتاح على العالم، وأن “يثق العالم بها”، كما أعلن المتحدث باسمها. أما هذه الخيارات الصعبة، فيحددها الباحثون، على النحو الآتي:
أولاً: من المرجح أن تقوض محاولة استعادة الإمارة الإسلامية الاعتراف الدولي والشرعية والمساعدات. وهذا بدوره يضعف احتمالية توطيد قبضة طالبان، داخليًا ويحد من قدرتها على الحكم. حيث تواجه الحركة مجموعة من التحديات الهائلة. أفغانستان على شفا أزمة إنسانية، تفاقمت بسبب (كوفيد-19)، والجفاف الشديد، وأمام خطر مجاعة تلوح في الأفق. يقول برنامج الغذاء العالمي: “إن مستويات سوء التغذية آخذة في الارتفاع، وإن نحو مليوني طفل يحتاجون إلى علاج غذائي للبقاء على قيد الحياة”.
كما أن طالبان بحاجة إلى الإيرادات. كانت الحكومة الأفغانية السابقة تعتمد بشدة على المساعدات الخارجية. لكن وفقًا لتقرير حديث للأمم المتحدة، “تمول طالبان نفسها -إلى حد كبير- من خلال المشاريع الإجرامية، بما في ذلك تهريب المخدرات وإنتاج الأفيون والابتزاز والاختطاف من أجل الحصول على فدية”. تقدر الأمم المتحدة دخلها السنوي من خلف هذه الأنشطة، بما بين (300) مليون دولار أميركي و(1.6) مليار دولار أميركي. وقال المتحدث باسم طالبان في مؤتمر صحفي: “إن أفغانستان لن تكون دولة منتجة للأفيون بعد الآن”. ومع ذلك، بدون مساعدات خارجية كبيرة، يبقى السؤال: “كيف ستحافظ طالبان على إمارتها إذا تخلت عن مصدر دخلها الرئيس؟”
ثانيًا: إذا تبنت طالبان نظامًا سياسيًا أكثر تعددية وشمولية مع حقوق الإنسان الأساسية، لا سيما فيما يتعلق بالمرأة، فقد تواجه بمعارضة من الفصائل الأكثر تطرفاً داخلها، الذين أمضوا سنوات في القتال لاستعادة إمارتها.
تحدٍّ آخر مهم؛ ستخاطر طالبان بتنفير حلفائها الجهاديين الإقليميين والعالميين، إذا ما رفضت كما أعلنت تحويل أراضي أفغانستان، لمركز تجمع لهم ولأنشطتهم. “تحتفل هذه الجماعات الآن بانتصارها، لكنها قد تنقلب عليها وتدخل في صدام معها”. أخيراً، يقول الباحثون: “تجنبت الحركة حتى الآن التعامل مع هذه الأسئلة من خلال خطاب غامض. لكن هذه القضايا أصبحت الآن ملحة، ولا يمكن للحركة المراوغة بشأنها”[7].
أشار تقدير موقف، للمجلس الأطلسي، بعنوان “ماذا بعد، سيطرة طالبان على كابول؟”، شارك في كتابته (19) خبيراً من جهات مختلفة، وانتقد فيه السفير الأميركي السابق في أفغانستان جيمس كانينغهام (James B. Cunningham)، الرئيس بايدن، مؤكدًا أن حديثه عن عدم وجود خيارات: “لا يعبر عن حقيقة الأوضاع، كان هناك خيارات عديدة، منها الضغط الدبلوماسي مع مزيد من الوقت، الذي كان يمكن أن يؤدي لخروج آمن، وغير فوضوي يحفظ هيبة الولايات المتحدة، ويضمن انتقالاً سلساً للسلطة في أفغانستان”.
أكد الباحث الأول المشارك في التقرير، الكاتب الباكستاني شجاع نواز (Shuja Nawaz)، أن الرئيس بايدن، كان على حق: “لقد حققت الحرب أهدافها الرئيسة، وأصبح الوجود الأميركي بلا معنى، لكن في المقابل كانت لدى بايدن خيارات عدة، يمكن من خلالها استخدام طاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان، لتسهيل عبور المتعاونين وخلق انسحاب منظم، ولكنه لم يفعل ذلك”. ختم نواز، حديثه بالقول: “تحتاج أمريكا إلى الوقوف إلى جانب شعب ذلك البلد، وتكريم التضحيات التي قدموها، وكذلك الجنود الأميركيين وحلفائهم، على مدى العقدين الماضيين، لمساعدتهم على إعادة بناء وطنهم الممزق”.
تساءلت، صفية غوري أحمد (Safiya Ghori-Ahmad)، الباحثة، والموظفة السابقة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، عن نظرة الحلفاء والخصوم للولايات المتحدة، بعد هذا الشكل الذي ظهرت عليه عملية الانسحاب، قائلة: “السؤال الذي لا تزال إجابته غير واضحة، ولم يتطرق إليه الرئيس بايدن: (هل أميركا أضعف أم أقوى مما كانت عليه قبل أسبوع؟) تتمثل مهمة الإدارة في الأيام المقبلة في أن تثبت لأصدقائنا وحلفائنا وخصومنا أن الولايات المتحدة، مستعدة وقادرة على الوقوف إلى جانب شركائها العالميين”.
قارنت شاميلا إن تشودري (Shamila N. Chaudhary)، الباحثة ورئيسة المؤسسة الأميركية- الباكستانية، بين خطاب طالبان “التصالحي”، وانفتاحهم على المفاوضات لتشكيل حكومة، والحوثيين في اليمن، وحذرت الإدارة الأميركية من “الانخداع” بخطاب طالبان، وبررت ذلك، بالقول: “لقد رأينا نسخة من هذا الفيلم الخاص بالمفاوضات من قبل في اليمن. حدثت مفاوضات مطولة حول تقاسم السلطة، وتوزيع الضرائب والموارد، والحقائب الوزارية، ولكن ماذا حدث في النهاية؟ تسعى طالبان، للشيء نفسه، أي أن تظل منخرطة في المحادثات حول تشكيل الحكومة من أجل تأجيل عقوبات الأمم المتحدة ضدهم بسبب، ولتزيد من تمكينها على السيطرة، ولا ينبغي توقع شيء آخر”.
التهديد الآن، أكثر وأكبر مما كان قبل 11 سبتمبر (أيلول)، هكذا يعتقد، باري بافيل (Barry Pavel)، مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن في المجلس الأطلسي. يبني بافيل، رؤيته التي تبدو تشاؤمية على معطيات عدة فـــــ: “في ظل أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان -يمكن أن تكون أكثر خطورة مما كانت عليه في التسعينيات. إن أفغانستان بقيادة طالبان، يمكن أن توفر ملاذًا آمنًا للإرهابيين العالميين البارعين في مجال التكنولوجيا لتجنيد أتباع جدد عن بُعد، وهذا الخطر يشكل مستوى مختلفاً من التهديد الأمني عما كان عليه في السابق”. في البُعد الجيوسياسي، يقترح بافيل، أنه على الولايات المتحدة استخدام أفغانستان عبر طالبان كورقة ضغط على الصين قائلاً: “يجب على الولايات المتحدة إجراء مراجعة عاجلة لسياستها، بما يمكنها من التأثير في أفغانستان بقيادة طالبان، بما يخدم الولايات المتحدة في منافستها مع الصين، ثم تطوير سياسات محددة من شأنها أن تغطي مجموعة واسعة من القضايا ذات الصلة؛ من الوصول إلى معادن الأرض النادرة إلى النفوذ الإقليمي. لا ينبغي الاستهانة بتأثيرات سيطرة طالبان على التحالفات الأمنية الأميركية والشراكة على الصعيد العالمي”.
فرضية تحول أفغانستان، من جديد لمركز لتجمع الحركات الإسلاموية المتطرفة، تبدو مبالغة كبرى لا سند لها، هكذا صرح كريستوفر إيه بريبل (Christopher A. Preble)، المدير المشارك لمبادرة المشاركة الأميركية الجديدة في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن (Scowcroft Center for Strategy and Security ). مؤكدًا أن كل ما يتم ترويجه في هذا الشأن، يدخل في نطاق الانقسام السياسي الداخلي في أميركا، وأن قرار الرئيس كان عين الصواب، ويشرح وجهة نظره هذه، بالقول: “مع اقترابنا من الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، سيتذرع النقاد بشبح الأعمال الإرهابية المستقبلية المخطط لها من أفغانستان لتشويه سمعة قرار الرئيس بايدن. هذه الحجة فقدت كل مبرراتها. إن الادعاء بأن الإرهابيين يحتاجون إلى ملاذ مادي آمن من أجل التخطيط لهجمات، وإن أفغانستان مؤهلة بشكل فريد لتكون ذلك المنبر، تدحضه الحقائق. ولكن على نطاق أوسع، ومع الاستفادة من الإدراك المتأخر، يمكننا الآن أن نرى أن مخاوفنا من الإرهاب تجاوزت بشكل كبير الخطر الفعلي -وتقاس تكاليف رد فعلنا المفرط بتريليونات الدولارات التي أُنفقت وفقدت أو تعطل أرواح عدة ملايين. أدت الحرب العسكرية على الإرهاب إلى تحويل الانتباه والموارد الثمينة بعيدًا عن التهديدات الأكثر قربًا لحياة الإنسان، من الأوبئة العالمية إلى تغير المناخ إلى الإرهاب المحلي والاضطرابات السياسية. هناك حاجة ماسة الآن للمشاركة العالمية النشطة مع الحلفاء والشركاء لمواجهة هذه التحديات الأخرى.
يختلف ناثان ساليس (Nathan Sales)، سفير الولايات المتحدة المتجول السابق ومنسق مكافحة الإرهاب، مع رؤية بريبل، إذ يؤكد أن عودة طالبان للسلطة، تمثل الخبر “الأسعد” للقاعدة”، فيقول: “انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان هو أفضل خبر للقاعدة منذ عقود. مع عودة طالبان إلى السلطة في البلاد، فمن المؤكد تقريبًا أنها ستعيد إنشاء ملاذ آمن في أفغانستان وتستخدمه للتخطيط لشن هجمات على الولايات المتحدة. سوف تجد الجماعة الإرهابية المسؤولة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) نفسها قريباً ممتلئة بالنقود المنهوبة من البنك المركزي الأفغاني، والأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من الجيش الأفغاني المهزوم، والمقاتلين المحررين من السجون، كل هذا سيتجلى في الوقت الذي تتدهور فيه القدرات الاستخباراتية للولايات المتحدة في أفغانستان بشدة. مع عدم وجود عسكري أو دبلوماسي على الأرض، سيكون من الأصعب بكثير مراقبة القاعدة عندما تعيد تشكيل نفسها، وتدرب وتخطط لهجمات جديدة، ومع وجود الطائرات الأميركية بدون طيار والمقاتلين الآن على بعد مئات الأميال في الخليج، سيكون من الأصعب بكثير إخراج الإرهابيين من ساحة المعركة حتى عندما يمكن تحديد مواقعهم”.
ركز، آرون آير (Arun Iyer)، الباحث في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن. على ما يمكن أن يخلقه الوضع الحالي في أفغانستان، من نفوذ لموسكو وبكين، والتصدي لدعاياتهما، بأنهما: “الشريك المثالي الموثوق فيه لبقية العالم أكثر من واشنطن”[8].
الخاتمة
إن القراءة الأولية ربما تدفع إلى القول: إن ثمة رهاناً أميركياً على حركة طالبان يحولها بقدرة قادر، إلى شريك في مكافحة الإرهاب! وقتال داعش، بحجة اختلاف أجندة الإسلامويين المتطرفين.
يرى مراقبو الإرهاب، أنّه حتى المفاضلة بين الإرهاب الوسطي، والإرهاب المتشدد، لا تجوز في هذه الحالة. ويضيف آخرون أن سقوط أكبر حزب إسلاموي يدعي التنوير قبل شهر في تونس، أثبت أن الإسلاموية متحجرة ولا تتطور، فهل ستتطور طالبان التي لم تجرّب يومًا الحكم بلا سلاح يقصي الآخر!
التفسير الأقرب للواقعية، والذي يقف بين التفاؤل والتشاؤم، يجتهد في تقصي الوقت الذي ستنهار فيه الحكاية، كيف سيبرر المندفعون إلى التسويات الكسولة موقفهم. هل سيقولون: إنّ هؤلاء انشقوا، عن التنظيم الطالباني المحكم؟ يومها هل نسأل الأفغان العرب: من انشق عن من؟
[1]– Asem Abdel Majed – twitter – Aug 15, 2021, https://twitter.com/AsemAbdelMajed/status/1426947642576281601
[2]– Mosa abu Marzook – twitter – Aug 15, 2021, https://twitter.com/mosa_abumarzook/status/1426948149617307656
[3]– Natsecjeff – twitter – Aug 19, 2021, https://twitter.com/Natsecjeff/status/1428429151321698318
[4]– By: Jason Burke – the Guardian – What does the Taliban’s return mean for al-Qaida in Afghanistan? – 15 Aug 2021, https://www.theguardian.com/world/2021/aug/15/what-does-the-talibans-return-mean-for-al-qaida-in-afghanistan
[5]– By: Daniel Byman – Foreign Affairs – Will Afghanistan Become a Terrorist Safe Haven Again? – August 18, 2021, https://www.foreignaffairs.com/articles/afghanistan/2021-08-18/afghanistan-become-terrorist-safe-haven-again-taliban
[6]– By: Jen Kirby – vox – Who are the Taliban now? – Aug 17, 2021, https://www.vox.com/22626240/taliban-afganistan-baradar
[7]– Niamatullah Ibrahimi and Safiullah Taye – The Conversation – The Taliban wants the world’s trust. To achieve this, it will need to make some difficult choices – August 18, 2021, https://theconversation.com/the-taliban-wants-the-worlds-trust-to-achieve-this-it-will-need-to-make-some-difficult-choices-166191
[8]– Experts react: The Taliban has taken Kabul. Now what? – The Atlantic Council – SUN, AUG 15, 2021, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/experts-react-the-taliban-has-taken-kabul-now-what/