يؤمن التحالف العربي في اليمن بقيمة الجهود غير العسكرية في ترجيح كفة ميزان النصر أو الهزيمة على الأرض، لضمان استقرار اليمن وتحقيق الأمن الإقليمي؛ إذ اكتسبت دول التحالف من سيرتها في مكافحة الإرهاب خبرةً تجعل اهتمامها بالتماسك المجتمعي وتحقيق الرضا الشعبي وحراسة الدولة، أولوية تمضي باتساق مع الجهود العسكرية لدحر هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك.
الحركات الإرهابية تنمو في الدول الفاشلة… فلنمنح المواطن خدمات ناجحة
باختصار، حينما لا يجد الطفل التعليم، ويعوز المريض العلاج، ولا يسمع سوى صوت الرصاص، فإن حوافز الغضب تصل به إلى الحد الذي يسهل معه استمالته من قبل الجهات الإرهابية. فهي غالبًا ما تبني فكرتها في مناطق النزاع على السخرية من إيمان المواطن بدولةٍ لا تؤمِّن له التعليم ولا العلاج ولا تأبه لأمنه، فعلام يؤمن بقيمتها أصلاً؟. ولذا فإنّ أُولى خطوات مكافحة الإرهاب على الميدان؛ تشجيع المجتمع الدولي ليدعم “الدول” على أداء دورها الطبيعي، وتشجيع رجال الخير على البذل، لوقف الأوضاع المأساوية التي تُغذي حنق الناس وتسهل استماعهم للأصوات الخبيثة. وكل ذلك لتحصين إيمان المجتمع بمؤسسة الدولة.
مثلاً، قبل انطلاق حركة بوكو حرام، قال مثقفون: إنّ الولايات الشمالية في نيجيريا بها مناطق لا يتلقى من أطفالها التعليمَ سوى(4%)، وهم يعيشون في فقر مدقع، وكان السؤال: حينما نترك البقية دون تعليم، وفي وسطٍ من الفقر، ومع وجود الاحتقان الشعبي، ألن يكونوا لقمة سائغة لأي حركة عنفية ترتدي رداء الاحتجاج، أيًا كان توجهها دينيًا أم سياسيًا؟ هذا ما تمّ حينما انتمى آلاف من المراهقين لبوكو حرام؛ يتسلحون بالجهل والضغينة تجاه الدولة وتسكنهم شعارات لا يفهمونها.
في بعض اليمن، الوضع لا يختلف كثيرًا عن تلك المناطق الشمالية في نيجيريا، وبالفعل استغلته القاعدة لإنشاء فرعها الأقوى، وهو الفرع الذي حاول استهداف أميركا عبر طالب نيجيري (عمر فاروق عبدالمطلب)، عشية أحد أعياد الميلاد.
كان هذا في الماضي القريب، ونتج عنه انتشار كبير للقاعدة. وليس غرضنا هنا تجاهل التحالفات القبَلية وانتشار السلاح، والتواطؤ داخل الأجهزة في اليمن، ولكن الإشارة تقتضي التركيز على بواعث العنف الهيكلي، وما يمَكِّننا من إيقافه. ولو اتسع المجال فإن ظروفًا عديدة أسهمت في تعقيد ملف نشوء القاعدة من جهة، والحوثي من جهة أخرى في اليمن. ولما جاء التدخل العربي في اليمن، وَجد أنه أمام مشكلة مُركّبة؛ إذا رأى الانتظار لحلها، سيصير أمام آلاف من عمر النيجيري ومئات من ذئاب العولقي.
لذا بدا من الواضح أنه استجاب لواجب محاولة العمل على تحسين البيئة، وتخفيف معاناة المواطنين، ومد يد العون، وتوفير البدائل الإنسانية. فبذا يصير صمام أمانٍ لأهل اليمن من الإرهاب ودماره.
إعادة الأمل: تفكيك البنية الهيكلية للإرهاب
انطلقت مبادرات كبيرة في الجنوب اليمني، وفي بعض الجزر السياحية. والموانئ، والمدارس، والمنح، كلها محطات خُلقت عبرها وظائف ومصادر للأمل. أغلب هذه المبادرات انطلق من رؤية عروبية ومبادرات أخلاقية صرفة. وأيضًا اتّسق مع استراتيجية تقليل الغضب الشعبي، وتفكيك مصادر الاحتقان، ومنح الأمل للشباب، وتقديم ما يمنعهم من الانسياق وراء التيارات العنفية.
التجربة التي دخلها العالم لمكافحة داعش، ضمن التحالف الدولي، منحت الخبراء فرصة لاختبار الفرضيات، وطرح الأفكار، فكانت الفكرة الأبرز أن العمل العسكري وحده لا يمكنه حسم المعركة، وكانت هذه هي لبنة من لبنات رؤية الإمارات، التي عبّر عنها رئيس الوزراء وحاكم دبي: الشيخ محمد بن راشد، فقال في مقاله “داعش وحّدت العالم” ما نصه: “أما بالنسبة إلى مواجهة هذا الخطر، فبالإضافة إلى العمل العسكري، والحصار المالي والإعلامي، وقطع الموارد، وإغلاق المنافذ، وضرب مراكزه وقياداته، يمكن التغلب على «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية عبر ثلاثة محاور إضافية: أولًا: لا بد من مواجهة هذا الفكر الخبيث بفكر مستنير، منفتح، يقبل الآخر ويتعايش معه، ثانيًا: الحكومات القوية المستقرة الجامعة التي تركز على تقديم خدمات حقيقية لشعوبها دون تفرقة، هي أيضًا أحد الحلول المهمة. ثالثًا: لا يمكن للعالم تجاهل الإخفاقات التنموية في العديد من مناطق الشرق الأوسط”.
هذه الرؤية مبناها ومعناها يؤمنان بأن اليد الطولى هي الوصول لقلب المجتمع وعقله، وتحصينه بفكرة الدولة، وذلك لا يتم إلا عبر دعم “الاستقرار”. ويتحصل بتأمين الاحتياجات الأساسية. ويمكن أن تكون الإمارات قد استفادت من تجربتها في التحالف الدولي لمكافحة داعش.
تجربة داعش: لجنة العمل الخاصة بدعم الاستقرار
في ذلك التحالف لمكافحة داعش، ترأسَت الإمارات مجموعة العمل الخاصة بالاستقرار، وشاركتها ألمانيا. الرؤية الألمانية عبر عنها وزير الخارجية الألماني فرانك فايتر شتاينماير، حينما قال: “يجب بذل جهد دبلوماسي وعلى المستوى المدني من أجل تحقيق السلام والاستقرار في العراق، عقب انتهاء العمليات العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي”. وأضاف: “ألمانيا تقدم المعدات والمساعدات والتعليم العسكري في أربيل من أجل مكافحة التنظيم الإرهابي”. مضيفًا: “نجتمع اليوم من أجل إعادة بناء حكومة وطنية عراقية، وتحقيق استقرار دائم في المنطقة”. وكان من الواضح أن هدف المجموعة هو التفكير في ما بعد الانتهاء من تنظيم “داعش” الإرهابي وعدم التركيز فقط على تقديم المساعدات، وتفكيك الألغام المزروعة، وتقديم خدم شرطية، بل يجب التركيز أيضًا على إعادة الهيكلة في المنطقة. عقّب الوزير الإماراتي على الاجتماع الثاني لمجموعة العمل بقوله عن الحاجة لـ«البديل: المشروع الوطني».
المشروع الوطني البديل؛ هي الجملة المفتاحية التي حملتها الإمارات ومعها دول التحالف في اليمن، بناء المجتمع على أسس تحرم الجماعات الإرهابية من الوصول إلى استغلال الثغرات. دعم التنمية وتحصين العقول، والنأي عن الخطاب التحريضي، وتشجيع التعليم، وفتح أبواب الاستثمار. وتشجيع الشرعية على التعامل مع كل الأفكار الوطنية على خلافاتها ما دامت تؤمن بسقف الدولة.
خلاصة
يحتاج اليمن لمساعدات عاجلة، وأي جهود تصب في اتجاه تخفيف عناء الإنسان هناك يجب دعمها وتسهيلها وتقديمها في إطارها المناسب. ولا يوجد أهم من مجالات الصحة والتعليم والغذاء، وهي المجالات التي سارعت الإمارات إليها، فوجدت الإشادة والتقدير. ما يمكن إدراكه من هذه الرحلة أنّ كل الجهود العسكرية وغير العسكرية للإمارات، تتلاقى في نيتها وسلامة طويتها مع طموحات المواطن اليمني الذي يأمل الخلاص من سهام الواقع المزري وجماعات الإرهاب القاعدي والحوثي.