تأليف: إبراهيم عبد الله
قراءة: هيئة التحرير
يقدم هذا الكتاب رؤية من داخل الحركة، لرجل يعد رمزاً مهماً من رموزها، على الرغم من انشقاقه عنها، ودخوله الكنيست الإسرائيلي، وهو الشيخ إبراهيم عبد الله، ويؤكد المؤلف أن الحركة الإسلامية في فلسطين 1948 رافد أصيل من روافد الأقلية العربية في إسرائيل، في ظل أنها ولدت فعلاً في أجواء بلغ التمييز والظلم أوجه ضد الأقلية العربية، كما جاء ميلادها متزامناً مع تعاظم الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي،
وسقوط أغلب الأطروحات على الساحة العربية، وفشلها في حماية الأرض والأمن والكرامة العربية.
يرى مؤلف الكتاب إبراهيم عبد الله أن هناك جملة من التحديات التي تؤثر حتماً في مستقبل الحركة الإسلامية في الداخل، سلباً أو إيجاباً، ومن أهمها:
1 – التحالف الأميركي الإسرائيلي، أو المسيحي المتصهين –على حد قوله- الذي اقتصرت حروبه على حركات الإسلام السياسي، على اعتبارها الخطر الحقيقي الذي يهدد غرائز السيطرة والهيمنة الأميركية الإسرائيلية، ولذلك لابد من القضاء عليها، وخلق الأسباب والذرائع لذلك، دون النظر لأي اعتبار مهما كان نوعه.
2 – الواقع العربي الرسمي والشعبي: خاصة في ضوء الصراع العنيف الجاري في بعض البلاد العربية، حول إصلاح النظم السياسية، وما تلا ذلك من حالة “التخويف” من الحركات الإسلامية، واحتمال سيطرتها على المؤسسات التشريعية، وهو ما يستخدم حجة رئيسية لتبرير قمع الحركة الديموقراطية، والحفاظ على الوضع القائم.
3 – الموقف الأوروبي الذي لا يختلف في جوهره عن الموقف الأميركي، وإن كان له بعض ملامحه المستقلة، بسبب التدافع الأميركي الأوروبي حول مناطق النفوذ، أو بسبب مصالح هذه الدول مع العرب والمسلمين، علماً أن موقف أوروبا من الصحوة الإسلامية لا يختلف كثيراً عن الموقف الأميركي والعربي الرسمي.
يخلص المؤلف إلى أن تلك التحديات، تقف حائلاً أمام قدرة الحركة الإسلامية في إسرائيل على التوفيق بين الالتزام بالدين الإسلامي من جهة، والالتزام بقانون دولة فرضت وجودها على الأرض والإنسان والحضارة بقوة السلاح.
لاسيما أن الكتاب يقرر حقيقة فحواها أن المسلمين في إسرائيل هم أكثر المتضررين من إقامة الدولة، مع الإقرار بأن أضراراً أصابت “الإخوة المسيحيين”، لكن الضرر الأكبر وقع على المسلمين بحكم أكثريتهم في البلاد، وعلى اعتبارهم المستهدفين أولاً وأخيراً، لا من حيث وجودهم البشري فقط، ولكن من حيث وجودهم الحضاري والديني والمؤسساتي.
حيث يورد الكتاب إحصائيات متعلقة بالعرب الفلسطينيين في إسرائيل، ويشير إلى أن الأغلبية المسلمة تصل نسبتها إلى 85% من العرب، يليها المسيحيون، ثم الدروز، ويرى أنهم البقية من الشعب الفلسطيني، التي بقيت في أرض الوطن بعد النكبة؛ لأسباب ذاتية وموضوعية، برغم الأثمان الباهظة التي دفعتها على مذبح الصمود والرباط.
ويؤكد المؤلف أن هذه الأقلية تحولت إلى جزء من الكيان الإسرائيلي شكلاً، إلا أنها بقيت خارج الحسابات الإسرائيلية، التكتيكية والاستراتيجية مضموناً، فكل ما استحدثته الدولة اليهودية من مستلزمات وجودها ورموزه؛ لا يمت إليها بصلة، إلا أنها آمنت بأنه مهما مارست عليها إسرائيل من سياسات ظالمة، ونفذت ضدها ممارسات عنصرية، فإن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئاً، وهي أنها صاحبة الأرض، وصاحبة الحق الشرعي فيها، وفي حضارتها وتراثها، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
ويعرض الكتاب سلسلة من الإجراءات الإسرائيلية، التي أثرت بدورها في نشأة وتطور الحركة الإسلامية، أبرزها:
1 – تدمير إسرائيل مئات القرى وأكثرية المدن العربية والإسلامية، كما دمرت ألفي مسجد تقريباً، وأزالت قدسية الباقي وحولته إلى كنس ومطاعم ونواد ليلية ومصانع ومتاحف وإسطبلات أغنام وأبقار… وغير ذلك.
2 – مصادرتها الأوقاف على أنواعها، وعلى عظمة أملاكها، وإغلاقها مؤسسات المسلمين ومرجعياتهم، كالمجلس الإسلامي الأعلى، وتهجيرها قياداتهم الدينية والسياسية والاقتصادية، وقطعهم في النهاية بالكلية عن عمقهم البشري والثقافي والسياسي، بينما حافظ المسيحيون -إلى حد ما ولأسباب تاريخية بنيوية– على أغلب منجزاتهم ومكتسباتهم؛ من كنائس وأوقاف ومرجعيات كنسية محلية وعالمية.
3 – سوق العمل الإسرائيلي التي ارتكزت إلى سياسة عنصرية، قامت على أسس عرقية، ففي الوقت الذي عمل اليهود بالوظائف المرموقة، وتقاضوا الأجور المرتفعة، اشتغل العرب في الوظائف السوداء والموسمية في أغلب الأحيان، وتقاضوا أجوراً متدنية، كما حرموا الوظائف العامة التي ظلت بأيدي اليهود، أضف إلى ذلك الحرمان من حرية التنقل، التي كانت من أسوأ الممارسات الإسرائيلية ضد العرب، وشكلت عبئاً ثقيلاً حدَّ من قدرة الأفراد والجماعات على إدارة شؤونهم الخاصة والعامة.
ويقدم الكتاب تعريفاً موجزاً للحركة الإسلامية، على أنها “هذا العمل الشعبي الجماعي المنظم للمسلمين داخل إسرائيل، يهدف للعودة بالإسلام لقيادة المجتمع، وتوجيه الحياة، وحماية المنجزات، وصياغة الشخصية الإسلامية القادرة على مواجهة التحديات، في دولة تجمعت عند أبوابها، وتشابكت على ساحاتها، كل المتناقضات، والتقت على أرضها، والتحمت القوى المتنافرة في أجلى صورة عبر التاريخ الطويل”.
ولذلك يرى المؤلف أنه لا يبالغ إذا قال إن الحركة الإسلامية في الداخل شغلت –ولا تزال تشغل- بال الكثير من أهل الاختصاص من الباحثين والساسة، سواء كانوا في موقع صنع القرار أو المراقبة والاستشارة.
ويضيف: ودفع ذلك الاهتمام بالعشرات لتقديم الآلاف من الأوراق البحثية، كدراسات جامعية في البلاد، تتخصص بالحركة الإسلامية في محاولة لفهمها، ومئات التقارير واللقاءات الصحافية، التي وضعت تحت مجهر التحليل كل حدث أو إنجاز إسلامي، وبلغ هذا الاهتمام ذروته منذ الانتخابات المحلية العام 1989، التي حققت فيها الحركة الإسلامية إنجازاً رائعاً ما يزال يعطي ثماره إلى الآن.
ويعلق الكاتب على تقدم ونمو الحركة الإسلامية بالقول: نستطيع القول إن الموقع المرموق الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية في أوساط الجماهير، وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، وضعها أمام تحد كبير، ومسؤولية أكبر عن كل ما له صلة بحماية الوجود العربي والإسلامي داخل إسرائيل، مع التركيز على الخصوصيات الإسلامية والملفات الدينية، من غير تفريط بكل القضايا الأخرى، اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وتربوية وصحية وقومية ووطنية.
ويضيف: تسعى الحركة الإسلامية، من خلال حرصها على العمل العربي المشترك داخل إسرائيل، إلى مد جسور التعاون مع كل التيارات الناشطة على الساحة، في سبيل حمل الهم العام، والتعامل مع التحديات الواحدة التي تواجهنا كأقلية عربية؛ محلياً وإقليمياً وعالمياً.
يتطرق المؤلف إلى اهتمام الحركة، في مختلف مراحلها، بإنشاء البنية التحتية، المتمثلة في المعاهد الدينية والمؤسسات والنوادي والعيادات الطبية ورياض الأطفال، التي أصبحت مراكز دعوة إلى الدين، وغرس تعاليمه في نفوس الشبيبة العربية منذ نعومة أظفارهم، فنشأ جيل من الشباب الملتزم تجاه الحركة الإسلامية، الذي يرى أن حل القضية الفلسطينية يرتبط بمبدأ الحركة: “الإسلام هو الحل”، ويرى أن الحركة الإسلامية تؤمن بأن الإسلام هو الحل لمشكلات الجماعات البشرية والأفراد.
تطور الحركة الإسلامية
يتطرق الكاتب إلى تطور الحركة الإسلامية في إسرائيل، في سياقها التاريخي السياسي، من خلال:
1 – وضع متميِّز فريد: فلا شك أن العرب في إسرائيل هم أقلية فريدة من نوعها، ليس لها مثيل في أقليات العالم، من حيث وضعها المعقد والمتشابك، لذلك كثرت التعريفات لهذه الأقلية، كما تعددت التوصيفات لما يمثل هذه الهوية والشخصية من مركبات على الحقيقة، لكن هذه التعريفات في غالبها المطلق لا تعدو أن تكون تقديم مركب على آخر، بناء على ما يحمل صاحبه من فكر إسلامي أو قومي أو وطني أو اشتراكي شيوعي، إلا أن الكاتب يجزم بأن الجميع، ومن غير تنسيق مسبق، يضعون “الإسرائيلية” في آخر تعريفاتهم، وليس هذا من فراغ.
2 – عوامل التميُّز: يمكن الإشارة إلى عاملين مركزيين حددا هذا التميز، الذي تتمتع به الأقلية العربية في إسرائيل:
أ – التعريف المعتمد للدولة على أنها دولة يهودية وديموقراطية.
ب – تميز الظروف التاريخية التي مرت بها الأقلية العربية.
فمادامت الدولة يهودية، أو هي دولة اليهود حسب تعريفها الرسمي، فلن تكون ديموقراطية أبداً، فهي -وبشكل شبه وراثي- تعطي لعرق الأغلبية اليهودي الأفضلية في كل شيء، بينما تبقى الأعراق الأخرى، خصوصاً العربية، في مكان بعيد يصعب تحديده بموازين ثابتة إنسانية وعالمية.
3 – سياسة فرق تسد: حاولت السلطة الإسرائيلية الدفع بطبقة من رؤساء العشائر والحمائل –والحمولة فرع من العشيرة- لواجهة العمل العام، كمقاولين ثانويين لها، إضافة إلى فرض تصنيف غريب لم يكن معروفاً بهذا الحجم؛ يقوم على أساس الطائفية والفئوية: عرب مسيحيون ومسلمون، دروز وبدو وشركس، ومع ذلك، يؤكد المؤلف أن هذه السياسة لم تنجح، بل أدت في كثير من الأحيان إلى عكس ما أريد منها، حيث لم تستطع هذه الوجاهات العشائرية إلا الالتحام مع النخبة المثقفة، التي ظهرت على الساحة.
4 – ظهور النكهات الإسلامية والوطنية: خصوصاً بعد هزيمة 1967، حيث كان لهذه الحرب وقعها الصاعق على كل الأطياف، وكانت في الوقت ذاته بداية عودة الوعي لدى الجماهير المسلمة، وبلورة التوجه الإسلامي الذي لم يكن غريباً على الأجواء الفلسطينية على امتداد سنوات الصراع، من الشيخ عز الدين القسام، مروراً بالمشاركة الفعالة “للإخوان المسلمين” في حرب فلسطين، وعلى كل الجبهات، وانتهاء بالشيخ أمين الحسيني ومؤتمرات بيت المقدس، ودورها في إدارة دفة الصراع.
5 – النشاط السياسي: الذي بلغ ذروته في أحداث يوم الأرض بتاريخ 30 آذار (مارس) 1976؛ حيث مثل هذا اليوم نقلة نوعية للأقلية العربية في تنظيم نفسها، ورفع مستوى نضالها ضد سياسات الدولة العنصرية، تحت قيادة لم تعد تتردد في الاندفاع لما قبل الهاوية، في تصديها لقوانين وممارسات إسرائيل ضد سكانها العرب.
6 – التلاحم الحقيقي بين الحركة الإسلامية والشعب الفلسطيني في انتفاضة 1987: وهو ما دفعها لاتخاذ مجموعة قرارات جريئة، حددت مجموعة نشاطات لدعم الانتفاضة سياسياً ومعنوياً وإنسانياً، ومنها الإضراب العام، وتلتها مجموعة من النشاطات تطورت مع تطور الأحداث، منها مثلاً: الإعلان في مناسبة عيد الاستقلال الخمسين لإسرائيل، أن هذا العيد بالنسبة لنا كفلسطينيين يساوي النكبة. وأحداث هدم البيوت في قرية أم السحالي، التي فجرت صدامات عنيفة بين المواطنين العرب والشرطة والحكومة الإسرائيلية. ومصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الخاصة من أراضي الروحة، قرب مدينة أم الفحم، العام 1998؛ مما فجر صدامات عنيفة، اعتدت فيها الشرطة بمنتهى الوحشية على المتظاهرين العرب.
7 – المرحلة الفارقة في انتفاضة الأقصى 2000: وهي واحدة من أخطر المراحل في العلاقة بين الدولة والمواطنين العرب، حيث استشهد 13 من خيرة الشباب من الجليل والمثلث والنقب، مما زاد في منسوب الوعي لدى الجماهير العربية، وشكل نقلة نوعية في العمل السياسي، اتخذت فيها الأقلية العربية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية، قرارها التاريخي بدعم الانتفاضة.
ويتخذ المؤلف موقفاً جريئاً بالقول إن هذه الظروف دفعت بالحركة، في ظروف معقدة، العام 1979، للقيام بـ”مغامرة غير محسوبة”، أوقعتها في مواجهة أمنية مع إسرائيل، انتهت باعتقال عدد زاد على السبعين من قادة وكوادر الحركة، فيما عرف حينها بـ”أسرة الجهاد”. حيث تحولت الحركة بعدها إلى ممارسة خدمتها للجماهير في إطار مؤسسي، استفادت في إقامته من التجارب السابقة، وترتب عليه استواء الجماعة التي أصبحت فاعلة في المجتمع؛ سدَّت الثغرات، وأثبتت مقدرتها على تسييس الناس، وأكدت مرجعيتها الرسالية لهم من جديد، في أسلوب حسن يصب في صالح الكسب الإسلامي، فبرزت ظاهرة المأسسة وأولويات العمل، في قضاياها الاجتماعية والإصلاحية والسياسية.
يختم الكاتب دراسته بذكر عدد من المحطات الرئيسية في مسيرة الحركة، أبرزها مرحلة الابتلاء الأولى، التي بدأت بحملة الاعتقالات التي طالت القيادة كلها، وبلغ عددهم السبعين تقريباً، مع بداية العام 1979، وانتهت فصولها الأخيرة العام 1985، بعد أن خرج آخر السجناء.
يقول الكاتب عن هذه المرحلة: قدر الله لي وللشيخ رائد صلاح، وآخرين من الذين نجوا من هذه المحنة، أن نقود الحركة في أكثر مراحلها تأزماً وضيقاً، بعد أن غيبت السجون قيادتها، وظللنا على العهد معها حتى تحرر الأسرى.
ويواصل على طريقة كتابة السيرة الذاتية: بدأت الحركة الإسلامية تشق طريقها بروح جديدة، اعتمدت العمل المؤسساتي، الذي اعتمد الروح العصامية والخدمة الذاتية، من أجل ملء الفراغ الذي أحدثته السياسة الإسرائيلية العنصرية، وكان إنجاز الحركة في هذه المرحلة مذهلاً؛ حيث امتد العمل الحركي بكل أشكاله، طولاً وعرضاً، أفقياً وعمودياً.
مرحلة العمل البلدي
وكانت المشاركة في الانتخابات البلدية التي بدأت العام 1983، وبلغت أوجها العام 1989، واعتبرت واحدة من العلامات الفارقة، التي وضعت الحركة الإسلامية كواحدة من القوى القيادية الأصيلة، التي يُحسب لها ألف حساب.
يرى المؤلف أن هذه المرحلة، التي استمرت حتى العام 1996، تميزت بالنشاط غير المحدود والامتداد الكبير، تحت قيادة واحدة وموحدة أثبتت جدارتها في كل مجال، وكان من ثمار هذه المرحلة وضع دستور الحركة الإسلامية، الذي تكفل بوضعه، إضافة إلى رئيس الحركة وقتها الشيخ عبد الله درويش؛ كل من الشيخ رائد صلاح وكمال خطيب، وبموجبه تم انتخاب مجلس شورى الحركة، الذي تشكل من سبعة وعشرين عضواً.
يغطي الكتاب مرحلة الانشقاق، الذي حل بالحركة الإسلامية، بشيء من النقد الذاتي؛ حيث يقول المؤلف ممهداً لهذه المرحلة: قلت سابقاً إن مرحلة العطاء الأكبر كانت في المرحلة الثانية؛ حيث نشطت الحركة في كل المجالات: التربوية والدعوية والإغاثية والإنسانية والحقوقية والصحية والرياضية وغيرها.
إضافة إلى المجال السياسي: محلياً من خلال الانتخابات البلدية، وبداية النقاش الجدي حول الملف البرلماني، وفلسطينياً من خلال الدعم الإنساني والسياسي للانتفاضة وللشعب الفلسطيني وقضايا المقدسات، وعلى رأسها القضية الأكبر، المسجد الأقصى المبارك، وعالمياً من خلال التواصل مع المسلمين في أوروبا وأميركا، إضافة إلى دعم المسلمين في مناطق النكبات؛ كالبوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها.
ملف الانتخابات البرلمانية
في هذه المرحلة وحتى العام 1996، بدأت الحركة تبحث في ملف الانتخابات البرلمانية، الذي كان يؤجل البحث فيه منذ العام 1989؛ حيث انتهى البحث بعقد اجتماع خاص لمؤتمر عام الحركة الإسلامية، حضرته قيادة الحركة وبضمنها الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب.
انتهت المداولات في هذه الاجتماع بإجراء التصويت، الذي اتفق على أن يكون الحكم الفصل في الموضوع وباتفاق الجميع، وخرجت النتيجة بفارق “بسيط” لمصلحة خوض الانتخابات البرلمانية في إطار قائمة موحدة؛ حيث اجتمعت القيادة كلها بعد ذلك في بيت الشيخ عبد الله درويش، وتعاهدنا على حمل القرار وتنفيذه، وبذلك صرَّح الأخوان رائد وكمال في مقابلات إذاعية صباح اليوم التالي. بعد ذلك بفترة وجيزة فاجأنا أربعة أعضاء من مجلس الشورى القطري للحركة، برئاسة الشيخ رائد صلاح بإعلان الانشقاق عن الحركة.
وبعيداً عن اقتناعنا بهذه الرواية من عدمه، لكن قرار الانشقاق -كما يقول المؤلف- وقع على الجميع وقع الصاعقة، حيث أصدر الإخوة الأربعة بياناً على صفحات جريدة “صوت الحق والحرية”، وهي جريدة الحركة الأم في حينه، يعلنون فيه “ثورة تصحيح”، سيطروا من خلالها على كل الجمعيات والمؤسسات الإغاثية والصحفية والعلمية والمالية، التي كلفوا بإدارتها بقرار من قيادة الحركة الإسلامية.
يقرر المؤلف أنه لم يكن هنالك ما يدعو للانشقاق، إلا أنه يعتقد أن هنالك من العناصر المتشددة خارج البلاد نفخت في “قربة” الانشقاق، وأشعلت النار تحت رمادها، بدل أن يكونوا حياديين يعملون على التقريب والتوحيد، في منطقة لا تحتمل إلا الوحدة بين الإسلاميين.
ويضيف: كانت خسارتنا كبيرة بسبب الانشقاق، سواء على صعيد العلاقات البينية بين أبناء الإسلام الواحد، أو على مستوى الرأي العام الذي لم يعد يرى في الصحوة المنشقة على نفسها القدوة والأسوة، أو على مستوى بعثرة الجهود والطاقات في نشاطات أغلبها الساحق نسخ مكررة، لا ينبغي أن تستمر إلا من خلال إطار واحد.
يشير الكاتب إلى أن الانتخابات المحلية ضاعفت شعبية الحركة الإسلامية، وجعلتها تفوز برئاسة عدد من السلطات المحلية، وحصلت على عضوية بعض المجالس البلدية الأخرى، حتى سيطرت على العديد من البلديات، أبرزها أم الفحم وكفر قاسم.
ويقدم نوعاً من “التبرير” المسبق لدخول انتخابات الكنيست بقوله: وسط هذا النجاح الكاسح للحركة الإسلامية، والشعور بالعجز عن القيام ببعض المسئوليات الأكبر التي تخص كافة فلسطينيي 48، الذين يشكلون قرابة 20% من سكان الدولة، بدأ قادة الحركة يفكرون في المشاركة في انتخابات الكنيست، بهدف السعي من خلالها لخدمة السكان العرب، والحفاظ على هويتهم بصورة أشمل وأعمق، بدلاً من الخدمات المحلية البسيطة، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تقلص المعونات المالية للبلديات العربية، وتفرق بينها وبين البلديات الإسرائيلية في المزايا.
حقيقة الانقسام
هنا لابد أن نقول كلمة، نعرض فيها بعض الوقائع التاريخية للوقوف فعلياً على حقيقة الانقسام الذي حصل: ففي الوقت الذي بدأت فيه الآراء الفقهية تتوالى حول إمكانية دخول الكنيست، وهل هو حلال أم حرام، وهل يساهم في “إضفاء الشرعية على دولة إسرائيل”، أم أنه مجرد وسيلة للهوية وجواز السفر الإسرائيلي وشعار الدولة الصهيونية وعملتها؛ بدأ يحدث نوع من الانقسام والشقاق الفقهي بين قادة الحركة الإسلامية، حول المشاركة في هذه الانتخابات.
وترسخ هذا الانقسام، حينما قام الشيخ عبد الله نمر درويش بخوض انتخابات الكنيست الرابعة عشرة العام 1996، في حين رفض قادة الحركة في مدينة أم الفحم وأبرزهم رائد صلاح وكمال خطيب، ومنذ ذلك الحين بات يشارك في انتخابات الكنيست ما يسمى الجناح الجنوبي، وظل الجناح الشمالي رافضاً للمشاركة حتى الآن.
ثم قررت الحركة الإسلامية -الجناح الشمالي- في مدينة أم الفحم، برئاسة الشيخ رائد صلاح، مقاطعة انتخابات الكنيست؛ حيث اتخذ القرار بعد أن اقتنعت الحركة أن الكنيست ليست هي السبيل الذي يصل من خلاله العرب في الأراضي المحتلة العام 1948 إلى حقوقهم، كما أنها ليست السبيل الذي يقود الشعب الفلسطيني إلى الحصول على حقوقه.
الجديد في قرار الحركة الإسلامية الشمالية، هو دعوته الجمهور إلى مقاطعة الانتخابات، بعد أن كانت تكتفي في ما مضى بالمقاطعة، من دون الاضطرار إلى توجيه مثل هذه الدعوة للجماهير العربية، ما أدى لانشقاق أوسع للحركة إلى جناحين، أحدهما يؤيد المشاركة، بحجة أنها وسيلة لتحصيل الحقوق الفلسطينية، وقاد هذا الجناح، الذي ضعف بصورة كبيرة، الشيخ عبد الله نمر درويش ثم إبراهيم صرصور. فيما كان الجناح الآخر والأكبر، بقيادة الشيخ رائد صلاح، يعارض بصورة مطلقة المشاركة في انتخابات الكنيست، واستقطب هذا الجناح غالبية كوادر الحركة.
وبلغ الأمر حد حصول قائمة الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة العربية الموحدة) على 200 صوت فقط من أصوات إسلاميي مدينة أم الفحم، بسبب قرار المقاطعة من الجناح الشمالي للتصويت وللانتخابات، وهي للغرابة ذات الأصوات التي حصل على مثلها حزب ميريتس الإسرائيلي في مدينة أم الفحم!
الأكثر غرابة أن القوى الإسرائيلية الممثلة في الكنيست، تترصد الحركة الإسلامية وتتهمها بأنها تسعى لنشر الخلافة الإسلامية في إسرائيل، حتى إن أربع كتل انتخابية إسرائيلية تقدمت بطلب للجنة الانتخابات الإسرائيلية لمنع الشيخ إبراهيم عبد الله، مؤلف الكتاب، والقائمة التي يترأسها من المشاركة في انتخابات الكنيست، بحجة أنه دعا خلال مؤتمر صحافي لإقامة خلافة إسلامية في إسرائيل، وبالتالي زوالها.
علماً أن المؤلف كان قد أشار بالفعل في كلمته إلى الخلافة الإسلامية، لكنه عندما كان يشير إلى الوحدة بين التيارات العربية المختلفة في إسرائيل، بسبب تشرذم الصوت العربي، استحضر نموذج الوحدة في البلاد العربية، وازدهاره في ظل نظام الخلافة الإسلامية، وصورت الصحف الإسرائيلية الأمر على أنه بداية سيطرة حزب الحركة الإسلامية على إسرائيل، ونشر الخلافة!
تجديد الخطاب الإسلامي
ويقدم المؤلف في كتابه ما يطلق عليه “تجديد الخطاب الإسلامي”، بما يتلاءم والظرف العيني الذي تحياه الأقلية المسلمة والعربية في إسرائيل، ودعوة الناس إلى هذا الطرح الجديد؛ حيث فاقت استجابة الجماهير كل توقع، وتعد الحركة الإسلامية بهذا المعنى جزءاً من تيار “الإحياء والتجديد”، وليست جزءاً من تيار “التقليد والتغريب”، ويحدد بذلك أسس فهم الحركة للإحياء والتجديد في المحاور التالية:
1 – فهمنا التجديد على أنه فهم للواقع وللمتغيرات في الواقع السياسي والاجتماعي.
2 – كما فهمناه فقهاً للأولويات والموازنات، وعلى أنه “حركة العقل” في إطار من الضوابط والفهم العميق لمقاصد الشريعة العامة، وليس دعوة للانفلات والتسيب.
3 – فهمناه أيضاً على أنه التفاعل الإيجابي بين عقول المسلمين وأحكام الدين الأزلية، وهو تفاعل يتأثر بكمية المعارف في ضيقها واتساعها.
4 – فهمنا التجديد أخيراً على أنه رد الشأن الظرفي إلى محور الحق الثابت، ورد الفعل الزماني إلى المقصد اللانهائي.
إلى جانب هذه الأفهام، يرى المؤلف أن الحركة الإسلامية تدعو إلى إسلام القرآن والسنة، إسلام التبشير والرفق والتعارف والتسامح والجوهر والعمل والعطاء والاجتهاد والتجديد والانضباط والوسطية، إسلام الوحدة في الأمة، إسلام إطلاق الحريات وتعدد الآراء، الإسلام الذي ينكر الاستبداد ويرفض الدكتاتورية والتسلط، ويؤمن بالشورى وتداول السلطة، وحق الشعب في اختيار حاكمه، دون تزوير أو قهر وإرهاب.
إسلام يؤمن بأن الثروة ملك الأمة وليست ملكاً للحاكم، والحاكم خادم للأمة وليس ذاتاً مقدسة لا يرقى إليها النقد، ولا تحتمل الخلع والإبعاد مهما طغت وبغت وأفسدت في الأرض، إسلام يحض أهله على مقاومة المعتدين، وتخليص الأرض المسلوبة وحماية الكرامة، ويدعو للتنمية في كل مجال، والإبداع في كل اتجاه، الإسلام الذي لا يرضى بأقل من أن تأخذ الأمة دورها في صناعة الحياة، وصياغة العالم على الحقيقة.
واختتم الكتاب حديثه بتقديم قراءة موضوعية وحيادية لواقع الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني، لمحاولة فهم هذا الواقع وتحديد أسبابه، وما علاقة القوانين الإسرائيلية بنشوء هذا الوضع، وكيف تعمل الحركة الإسلامية على مواجهته، وما هي المشروعات المطروحة على الساحة العربية لمعالجة الوضع الناشئ.
واقع الأقلية العربية
تقدر الدراسة أن عدد السكان العرب تجاوز 1.1 مليون نسمة، يشكلون 18% من عدد السكان الإجمالي في الدولة، ومعدل ما يملكه الفرد من الأرض لا يتعدى 500 متر مربع، ومعظم أبنائها من العمال البسطاء والحرفيين، ويعملون في أغلبهم في المدن اليهودية، كما يفتقر الوسط العربي إلى البنية التحتية والاقتصادية والزراعية والتجارية والسياحية والصناعية والصحية؛ حيث لا يوجد أي مستشفى إلا الكنيسة في بعض المدن كالناصرة.
ولا توجد أية جامعة يمكن أن تشكل بديلاً عن الجامعات الإسرائيلية؛ حيث يعاني المجتمع مصادرة الأراضي المستمرة، ونهب الأوقاف والمقدسات الإسلامية، كما يتعرض إلى هجمة شرسة لهدم البيوت وإتلاف المزروعات، في الجليل والمثلث وخصوصاً في النقب، كما أن نسبة المتعلمين تزداد باستمرار، لكنها بطيئة لا تغطي احتياجات الوسط العربي في كل المجالات الحيوية؛ حيث يتعرض المجتمع العربي إلى هجمة شرسة تهدف لتحطيم الأسرة، وإشاعة ظواهر الفساد، وإغراقه بالمخدرات، وإسقاطه أخلاقياً، وزرع بذور الفتنة الطائفية، وإغواء الضعفاء للتجند للجيش والأجهزة الأمنية.
وتقدم الدراسة موقف الحركة الإسلامية من خلال الأطروحات التي تعالج الواقع العربي في فلسطين المحتلة، وترى أنها لا تخلو من جوانب إيجابية وأخرى سلبية، خصوصاً تلك الأطروحات التي تتضمن مطالبة بالتخلي عن الخصوصيات، لمصلحة هدف هلامي لا يمكن ضمان نتائجه، علماً أن إسرائيل –كما تقول الدراسة- لن تقبل بأي حل يفقدها سيطرتها الكاملة على الدولة شكلاً ومضموناً، وعليه فليس هنالك من جدوى إلا النظر إلى داخل البيت العربي مع الدفع، وبكل الوسائل المشروعة، باتجاه تحسين الوضع القائم من خلال سن قوانين، أو تعديل أخرى، أو التأثير في السياسات.
وبناء على ذلك، يشير المؤلف إلى أن الحركة الإسلامية بجناحيها طرحت مشروعين متكاملين:
الأول: المقاومة المدنية: ويدعو إلى اصطفاف عربي داخلي جديد للحماية والتطوير، والتركيز على عنصر “المقاومة” ليس بمعناها العسكري، ولكن بكل معانيها الأخرى، خصوصاً أن مصطلح “المقاومة” بدأ يمثل –وبجدارة- أسلوب المظلومين في الأرض من جهة، ونموذجاً لرفض الهيمنة والقهر والاضطهاد من جهة أخرى، وهذا هو طرحنا الذي نقدمه، ونعمل على تنفيذه في أجواء بالغة التعقيد والتركيب.
الثاني: المجتمع العصامي: الذي لا يختلف عن الأول إلا في بعض التفاصيل والمنطلقات، ويهدف لتحرير الوسط العربي قدر الإمكان من التعلق بالعجلة الإسرائيلية، من خلال استثمار الإمكانات المادية والبشرية والأرض في الوسط العربي، لتنفيذ مشروعات قومية.
مواجهة التحديات
يصل الكتاب أخيراً إلى عدد من التحديات التي تشكل خلاصة وضع الأقلية العربية، مع الإشارة المختصرة إلى معالجة الحركة الإسلامية لها، وهي:
التحدي الأول: الوضع الناشئ والمتراكم عبر سنوات إسرائيل الستين؛ من حيث التحدي الوجودي بسبب هوية الدولة، والنزعات العنصرية فيها، والقوانين الظالمة التي تحكمها، إضافة إلى الدعوات المستمرة لإقصائنا أو ترحيلنا، كل ذلك نواجهه بمزيد من التمسك بالأرض، شكلاً ومضموناً، بالإعمار والانتشار والبناء والتوسع في الجليل والمثلث والنقب، والعمل على تغيير القوانين العنصرية والمجحفة في حقنا، ومحاربة كل الدعوات والنزعات العنصرية بكل الطرق القانونية، من خلال المظاهرات والاعتصامات والأبحاث والدراسات، والوصول إلى ما أمكن من وسائل الإعلام المؤثرة، والمؤسسات الدولية، في سبيل التأثير في مجريات الأحداث.
التحدي الثاني: المتعلق أساساً بالهوية الإسلامية والقومية والوطنية، فنحن لن نقبل (الأسرلة) ولا (الصهينة)، سنبقى عرباً مسلمين ومسيحيين نعتز بإسلامنا وعروبتنا ووطنيتنا، ونعمل على تعزيز هذه الهوية بصقل الشخصية الإسلامية، وبنائها البناء السليم المعاصر، ومن خلال العمل على تغيير المناهج التعليمية التي لا تصب في صالح بناء الشخصية الإسلامية والعربية، كما نعمل على نفض غبار السنين عن وجه بلادنا الحضاري، من مساجد وكنائس ومؤسسات وأوقاف، إضافة إلى تعميق الصلة بإخواننا الفلسطينيين، على اعتبارنا جميعا شركاء في المسير والمصير، من خلال أعمال جمعياتنا المختلفة.
إلى جانب رعاية العمل الإعلامي، المتمثل بصحف أسبوعية ومجلات ونشرات وملصقات ومعارض كتب وغيرها، كما نرعى كليات للعلوم الشرعية والإنسانية، وننظم الدورات في كل مجال، ونرعى عملاً نسائياً جدياً من أجل النهوض بنصف المجتمع.
التحدي الثالث: الذي يتناول الحقوق المدنية والسياسية، لمواجهة كل القوانين العنصرية ومحاولة فضحها وتغييرها قدر الإمكان، من خلال النضال الجماهيري والقانوني لتحقيق الحقوق الفردية والجماعية، خصوصاً سجناء الحرية الذين حرموا حتى الآن أن يُشملوا في عفو أو تبادل؛ لأنهم من الأقلية العربية في إسرائيل.
وتطالب الدراسة بـ”فرض وجودنا على أجندة العرب في الجامعة العربية، والمسلمين في رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، من خلال تعميق التواصل حيثما أمكن ذلك، قانونياً وعملياً، إلى جانب الاستفادة من كل الإمكانات المادية والعلمية والتخصصية لتعزيز الصمود وحماية الوطن والكرامة، والحصول على الاعتراف والتعاون العربي، بعيداً عن شبح التطبيع”.
ويرى المؤلف أن تواصل الحركة الإسلامية مع تلك الأطراف، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
1 – المصالحة بين النظام العربي الرسمي والقوى الحيَّة في الوطن العربي والإسلامي، خصوصاً التيارات الإسلامية، من خلال إطلاق الحريات، واعتماد التعددية الحزبية، والابتعاد عن سياسة الإقصاء والاستئصال، الكفيلة بتخفيف الضغط عن العرب في الداخل الفلسطيني؛ فكثيراً ما تأخذ إسرائيل في تعاملها مع العرب النموذج العربي نفسه في التعامل مع شعوبه: القمع والقهر والسيطرة الكاملة.
2 – التواصل الإيجابي بين الدول العربية والأقلية العربية في إسرائيل، على المستوى الرسمي والشعبي، سيقف سداً منيعاً أمام “سياسة العزل” الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية.
3 – التواصل مع الأقلية العربية في إسرائيل، سيسد فراغاً كبيراً على جميع المستويات، خصوصاً أن إسرائيل تسعى دائماً لإبقاء الأقلية العربية عاجزة عن أي شكل من أشكال الاعتماد على الذات؛ لذلك فهي تعمل على بقاء الفجوة شاسعة بين وضع العرب من جهة، ووضع اليهود من جهة أخرى.
4 – في ظل غياب المشروع العربي والإسلامي النهضوي الشامل والموحد، وتمسك النظام العربي الرسمي -على الأقل- بالسلام كخيار استراتيجي، لابد أن يستثمر هذا التوجه إيجابياً في حماية وتطوير الأقلية العربية، من خلال التواصل الميداني، واستثمار التناقضات والانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، التي تتعاظم حدتها وتكبر، كلما كان الأمر متعلقاً بالمجال الديني والثقافي والمدني، أكثر منه على الصعيد السياسي.
ويضع المؤلف في خاتمة كتابه مقترحات ومشروعات عملية، لتواصل الحركة الإسلامية وممثلي العرب في إسرائيل، مع العرب والمسلمين في الخارج، من خلال:
1 – فتح أبواب الجامعات المصرية والعربية أمام الطالب العربي في إسرائيل، خصوصاً لنيل الدرجات العليا في الماجستير والدكتوراه.
2 – تعميق العلاقة مع مراكز الأبحاث والدراسات في الجانبين، لاستثمار المساحات البحثية، وتقديم الدراسات العلمية، التي تساعد في توضيح الحالة العربية داخل إسرائيل، وعرضها على الجهات المختصة إقليمياً وعالمياً.
3 – الاستفادة من خبرات منظمات المجتمع الأهلي العاملة على الساحة العربية، والاستفادة من إمكاناتها لدعم خطط ومشروعات الأقلية العربية داخل إسرائيل.
4 – التركيز في المرحلة الأولى على مجموعة أولويات ذات صبغة وحدوية وأقل إثارة للجدل، كقضية القدس والأقصى، لفحص القدرات والإمكانات وحيوية العمل والتنفيذ.
ويحدد الكتاب أخيراً مستويات التعامل الإسلامي مع الحركة الإسلامية في الداخل، وباقي قضايا الأقلية العربية برمتها، من خلال:
1 – المستوى الإيديولوجي الصرف: فهذه قضية تتجاوز دائرة الصراع في وضعه المدني والسياسي، إلى دائرة التحولات الكبرى المنتظرة على مستوى الأمة كلها، وإقامة الخلافة الإسلامية، التي ستنسخ كل الكيانات الموجودة وتستبدلها بكيان واحد.
2 – المستوى الإيديولوجي الواقعي: يأخذ بعين الاعتبار الواقع الموجود دون تنازل عن الثوابت، ويحاول أن يخرج منه بأقل ما يمكن من خسائر، وأكبر ما يمكن من إنجازات. وهي سياسة مرحلة الاستضعاف التي لها ما يبررها في السيرة النبوية؛ لأنها الشكل الأكثر مناسبة لنا كأقلية عربية داخل إسرائيل، التي تستحق أن نطلق عليها “الواقعية الشامخة”.
3 – المستوى الواقعي الصرف: وهي واقعية الاستسلام وعقلانية الخضوع والخنوع، وهذا أبعد ما يكون عن تطلعات الشرفاء من العرب والمسلمين، وهي بالضرورة أبعد ما تكون عن تفكيرنا ومنهج حياتنا، وأساليب تعاطينا مع قضيتنا.