دبي – «الحياة»
يعتقد الباحث المحاضر العراقي المتخصص في الفلسفة الإسلامية رشيد الخيون أن الاطلاع على التنوع الديني العراقي يخفف من التعصب ضد الآخر، «فالإنسان عدو ما يجهل». ولعل هذا ما حفزه على الاشتغال على موسوعة «الأديان والمذاهب بالعراق: ماضيها وحاضرها»، التي أصدرها قبل أيام مركز «المسبار للدراسات والبحوث» في دبي. وأتى الجزء الأول من الكتاب على خمس ديانات: الصَّابئة المندائية، والإيزيدية، واليهودية، والمسيحية، والبهائية، بداية من نشأة كلٍّ منها وتعايشها داخل العراق مع بقية الديانات، وتاريخها وعلاقاتها بالإسلام، كون الخلافة الإسلامية حكمت العراق منذ عام 16 مِن الهجرة، وحتى نهاية الدولة العثمانية، ثم الحكم الوطني، وخلال تلك الفترات تغيرت المعاملة، وانتهى عصر الذمة والجزية. في هذا الجزء من الكتاب يتأكد أن العراق، وعلى مدى تاريخه العريق، كان منشأً للأديان والمذاهب، وكأن تنوعه الدِّيني والمذهبي أتى انعكاساً لتنوعه الجغرافي أو البيئي. ويأتي الجزء الثاني من كتاب الأديان والمذاهب بالعراق حافلاً بالمذاهب الإسلامية العراقية الحيَّة؛ نشأة كل منها، ثم تطورها عبر التَّاريخ ومؤثرات السياسة عليها، وما بينها من تعايش وتكاره. جرى الحديث عن الوجود الشِّيعي في العراق، خلاصة 15 قرناً، وما هو دوره في السياسة، حتى تطورات ما بعد نيسان (أبريل) 2003. كما حفل هذا الجزء من الكتاب بدراسة المذهب الحنفي، منذ بداية ظهور مقالات أبي حنيفة الفقهية، والنزاع بين هذا المذهب وبقية المذاهب السُّنية. وأشار المؤلف إلى تميز المذهب الحنفي عن بقية المذاهب، من ناحية انفتاحه وتسامحه، تجاه أهل الأديان، ثم تعقبه دراسة المذهب الشَّافعي فالمذهب الحنبلي.
كذلك تضمن هذا الجزء بحثاً عن السلفية العراقية، وكيف انتعشت في ظل الحملة الإيمانية، مع التعمق في العلاقة بين المذاهب، في أوجه الإقصاء وأوجه اللقاء، منذ النشأة وحتى ما بعد 2003، جرت الدراسة من الجانب التاريخي التراثي والجانب الاجتماعي الماضي والحاضر. وتضمن الجزء الثالث من الكتاب فصولاً عن: الشَّيخية أو الأحسائية، والكاكائية، وحركة «حه قه»، ومشيخة بارزان، وطائفة الشَّبك. إذ ظهرت الشيخية في القرن الـ17 الميلادي، وهي وإن لم تختلف كثيراً عن الإمامية الاثني عشرية، لكنها أصبحت، بعد أن كثرت الخلافات وطول زمانها، فرقة قائمة بذاتها، يعبرون عن أنفسهم بحسينيات ومرجعيات خاصة بهم.
وهناك فروق بين الكاكائية، كون أحد أسمائها «أهل الحق» عن حركة «حه قه»، فالأولى تتضح فيها معالم دين مستقل (يارستانية)، بينما «حه قه» حركة اجتماعية صوفية انبثقت مِن الطَّريقة الصُّوفية النَّقشبندية نفسها، وكذلك مثلها مشيخة بارزان، التي غطى على توجهها الديني الخاص نشاطها السَّياسي، الذي استمر عقوداً طويلة، وهما يلتقيان ويختلفان، ضمهما رحم صوفي واحد وبيئة واحدة.
أما دراسة الشبك فجاءت توضيحاً لمَن اعتقد أنها نحلة دينية أو مذهبية قائمة بذاتها، صحيح هناك مؤثرات عليها، لكنَّ انتماءها الدِّيني كحال بقية المسلمين، الشِّيعة منهم والسُّنَّة.
الأحد، ٦ مارس/ آذار ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ – بتوقيت غرينتش)