نشطاء المجتمع المدني في ليبيا تلقوا ضربة موجعة والمنظمات المعنية بالمرأة من أكثر المتضررين
الدباشي لـ “المسبار”: المؤسسات التعليمية والدينية مطالبة بترويج تفسير معتدل حول الشريعة الإسلامية
أجرى الحوار: جوزيف براودي
ترجمة: رشا العقيدي
تقترب ليبيا التي مزقتها الحرب الأهلية بسرعة من الدولة الفاشلة، وتوفّر ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية والإجرامية العابرة للأوطان. أعلن قائد أنصار الشريعة، وهي الجماعة الجهادية الأكبر في ليبيا، عن ولائه لـ”داعش”. وفي الوقت نفسه فإنّ الوجود الدولي في البلاد في أقلّ مستوياته، وتبدو فرص وحدة الحكومتين الليبيتين في بنغازي وطرابلس في ظل حكومة واحدة ضئيلة جداً. ولكنْ هناك أيضاً آمال جديدة للمصالحة الوطنية من خلال محادثات تتوسط فيها الأمم المتحدة، وهي تدخل الآن “مرحلة الحسم”.
التقينا إبراهيم الدباشي، مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، لمناقشة آمال إعادة بناء المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، ونشر ثقافة التسامح والاعتدال الديني.
- ما أفكارك بخصوص التحديات التي تواجهكم في إعادة بناء الحياة الفكرية والمجتمع المدني في ليبيا؟
_في مرحلة مبكرة من الثورة خلال (2011-2012) كان الليبيون يضعون الخطط لتأسيس دور نشر وسينما ومسارح. للأسف توقفت كل هذه الخطط بعد سيل الدماء التي أريقت بسبب عناصر متطرّفة وإرهابية بين الميليشيات الذين أطلقوا حملة إهانة للثقافة. هذا ينطبق على نشطاء المجتمع المدني الذين تلقوا ضربة موجعة أيضاً، حيث يعيش حوالى 90% من هؤلاء النشطاء في المنفى أو في حالة تخفٍّ، أمّا المنظمات التي كانت تسعى إلى تحسين وضع المرأة، فقد كانت أكثر المتضررين. أنا أؤمن بأنه إذا كنّا قادرين على تحقيق الاستقرار، فإن المفكرين الليبيين سيعودون خلال خمس إلى عشر سنوات إلى البروز في المنطقة العربية.
في هذه المجالات، فإن دور الجامعات بالتأكيد مهم جداً. وفي ليبيا ومعظم البلدان العربية، فإن التعليم العالي ضعيف نسبياً في المقاييس والمعايير الدولية. كانت الجامعات الليبية من بين الأفضل حتى عام 1975، وكانت تتمتع بسمعة طيبة في البلدان غير العربية. كلية الطب في جامعة بنغازي -على سبيل المثال- كانت لها شراكات مع نظيراتها في بريطانيا، وكان الطبيب الذي يتخرج من ليبيا يلقى الاحترام في الغرب. إقامة الشراكات الأكاديمية الجديدة طريقة أخرى نأمل أن يكون للولايات المتحدة دور فيها بعد أن يستقر وضع البلاد.
- أخبرنا أكثر عن وضع المرأة اليوم، وما الذي يمكن فعله لتحسينه؟
_ كما أشرتُ، تعتقد الميليشيات التي تحمل أجندة متطرفة بأن المرأة يجب ألّا تتمتع بأية حقوق، ويستعملون الإسلام لتبرير هذا الموقف. ولكن في الحقيقة، أنا أؤمن بأننا لو طبقنا تعاليم الإسلام بشكلها العقلاني والحرفي، فإن الحقوق التي ستتمتع بها النساء ستفوق حتى تلك الموجودة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حتى في مسألة الميراث، لو طبقنا القوانين كلها، وليس جزءاً منها فقط، سنجد أن للمرأة في بعض الحالات نصيباً أكبر في الميراث من الرجل.
فهي لا تدفع أي شيء من مصاريف المنزل، بينما يكون الرجل مجبراً على تدبيرها جميعاً، وكذلك مصروف الأطفال والملابس والطعام وفواتير الكهرباء، وما إلى ذلك. إذا تمّ تطبيق بعض القوانين، فإن هناك مشكلة، ولكننا لو طبقناها جميعاً ستكون الترتيبات أفضل من القوانين العلمانية الحديثة.
- كيف يمكنك تحقيق ذلك؟
_ إنها مسألة مغروسة في الأذهان. يجب أن تتجرد المؤسسات التعليمية والدينية وتتأكد من أنها تقوم بترويج تفسير معتدل حول الشريعة الإسلامية.
- ما المؤسسات الإسلامية التي قد تستعين بها لإرشادك في هذه المساعي؟
_ أعتقد أننا نستفيد أكثر من المحاضرات الدينية في الأزهر، فلطالما كان الأزهر معتدلاً وذا تأثير إيجابي عبر القرون. المذهب المالكي والحنفي اللذان لهما أتباع في ليبيا مهمان أيضاً.
- هل هناك مصادر أو مراجع دينية أخرى في المنطقة؟
_ السعودية تعلم أنّ لديها مشاكل داخلية، لكنها بدأت في تقديم قادة دينيين معتدلين وعقلانيين. ولكن على الرغم من ذلك فإن بذرة التطرّف مغروسة بعمق هناك. لذا؛ فإن التغيير سيستغرق زمناً طويلاً. في جميع الأحوال لا يمكننا أن نعتمد على دولة عربية واحدة أو نهج واحد، فالليبيون لا يتابعون البرامج الدينية الليبية فقط، بل يشاهدون البرامج المغربية والعراقية والسعودية وغيرها. يجب أن تكون هناك إستراتيجية شاملة في الصراع ضد التطرّف الديني، وإستراتيجية لمكافحة ظاهرة الإرهاب من خلال المؤسسات الدينية.
- ما آمالك فيما يتعلق بدور المغتربين الليبيين في دعم التنمية السياسية وإعادة الإعمار؟
_ لسوء الحظ، فقد عاش الليبيون تجربة سلبية جداً مع بعض إخوتنا المغتربين الذين كانت لهم سلطة هائلة خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن -أخيراً- فإن ردّة الفعل ضدهم أصبحت قوية. مثلاً، معظم العائدين إلى ليبيا نالوا مناصب عليا في الدولة وتركوا أسرهم في الغربة، وما إنْ ساءت الأوضاع حتى تركوا ليبيا وعادوا إلى أسرهم. لم يعد الشعب يثق في هؤلاء المغتربين. في رأيي لا يزال بإمكانهم تقديم الكثير ونحن بحاجة إليهم، ولكن ليس كقادة سياسيين. نحتاج إليهم في مراكز الأبحاث والجامعات وما إلى ذلك. نحتاج للخبرات التي يمكنها إدارة مؤسسات الدولة وبناؤها بشكل عام. المواطن الليبي الذي عمل في الخدمات العامة في بلد آخر -على سبيل المثال- يمكنه أن يخدم بالمنصب نفسه في طرابلس. كان لدينا رجل ليبي يدير شركة كهربائية ناجحة جداً في الولايات المتحدة، عاد إلى البلد وأصبح وزيراً للكهرباء، وكان أداؤه متميزاً جداً على الرغم من صعوبة الظروف. لكن الذي لا نحتاجه هو أن يأتي أشخاص لا خبرة لهم لتأدية مهام سياسية. المثال الأبرز على ذلك هو رئيس الوزراء السابق “علي زيدان” الذي عاش في جنيف أكثر من ثلاثين عاماً واعتقدنا بأنه قد أتقن الممارسات الإدارية المتميزة لتلك البلاد، ولكنه لم يكن مطّلعاً على شؤون الدولة، لذا فإن ما قدمه لليبيا كان محدوداً جداً.