الذكرى العاشرة؛ لأكبر عملية إرهابية في العصر الحديث، تأتي هذا العام على العالم وقد تغيرت ملامحه، وتبدلت معالم الساحة السياسية، فاندلعت احتجاجات عربية غيرت نظم تونس ومصر وليبيا، وزعزعت نظم سوريا واليمن وغيرها، وكان الحدث الأهم هو مقتل زعيم تنظيم القاعدة في أبوت أباد في 2 مايو (أيار) 2011، اخترنا لقراءنا هذه المواد، رأينا أنها تمنحه القدرة على مشاهدة الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من أيلول من زاوية مختلفة.
• تداعيات مقتل ابن لادن.
• علاقة الثورات بمستقبل الإرهاب.
تداعيات مقتل أسامة بن لادن
بعد مقتل أسامة ابن لادن في 2 مايو(أيار) الماضي؛ في أبوت أباد في باكستان، تناولت الكثير من مراكز الدراسات تداعيات مقتله وتأثيرها على تنظيم القاعدة؛ هذا الملف يضم ملخصات لأهم المقالات والتقارير المُنتقاة التي عالجت تداعيات مقتله، تناولت مقتله وتأثيره على الداخل الأمريكي، سواء على إدارة الرئيس أوباما أو على القوات الخاصة التي باشرت العملية، ورؤية المراكز البحثية للتدابير الضرورية التي يجب أن تعقب هذه العملية، وتأثير مقتله على القاعدة في جزيرة العرب، والقاعدة في المغرب الإسلامي، وعلاقته بالاحتجاجات العربية وختامًا تأثر تمويل الإرهاب بعد ابن لادن.
مقتل بن لادن وأثره على القاعدة: ماذا بعد ذلك؟ ”
بروس هوفمان – مجلة مكافحة الإرهاب لشهر مايو(أيار) 2011.
تطرّق المقال إلى أثر مقتل أسامة بن لادن على القاعدة، مشيرًا إلى أن تنظيم القاعدة سوف يحاول مواصلة تنفيذ أجندته الإستراتيجية، والقيام بهجمات مختلفة، ويتأكد هذا في تصريح القاعدة عقب مقتل ابن لادن في 6 مايو(أيار)2011 الذي قالت فيه “إن جنود الإسلام سوف يقاتلون ويستمرون في التخطيط دون تعب أو ملل أو كلل وبدون يأسٍ أو ركود حتى يأتي يوم يجعل الولدان شيبًا”، وبهذا فإن القاعدة ستكون وفيةً لقائدها وستعمل على الانتقام له بهجمات انتحارية، ونصح هوفمان الولايات المتحدة الأميركية أن ترفع درجة التأهب الأمني خلال وبعد أيام الحداد الأربعين، تحسبًا من أي عمل انتقامي قد ينفذه التنظيم.
مرّ هوفمان على الأحداث التي يراها تشابه الوضع الحالي، المُتمثل في مقتل زعيم كبير في جماعة مقاتلة وتوقع ردة فعل جماعته، يستحضر هوفمان ما حدث في 5 يناير(كانون الثاني)1996 عندما قامت الاستخبارات الإسرائيلية بقتل يحيى عياش، أحد القادة الميدانيين الكبار في حماس، إذ ساد بعد مقتله هدوء عميق ولكنه في حقيقة الأمر كان “خادعًا ” إذ قامت حماس بالانتقام بعد 40 يوماً من حدادها عليه، وتمثل الانتقام حينها في تفجير 4 حافلات خلال شهرين، مما أدى لمقتل أكثر من 60 شخصا، وكان لهذه الهجمات الدموية الأثر الكبير على الانتخابات الإسرائيلية العامة في شهر مارس (آذار) من ذلك العام. و قياسًا على ردة الفعل التي قامت بها حماس، توقع هوفمان قيام القاعدة بعمل انتقامي يثأر لقائدها، واعتبر هوفمان أن هذا الانتقام قد يُحدد قدر القاعدة فهل تقدر على البقاء والاستمرار بقوة بعد انتهاء زعيمها، أم أنَّ اندثارها ووفاتها مربوط بوفاة زعيمها.
يشير هوفمان إلى أن التاريخ يقفُ إلى جانب القاعدة، فمقتل قائدٍ أو زعيمٍ لحركة مقاتلة أو إرهابية لا يؤدي بالضرورة إلى نهايتها، و ضرب هوفمان مثلاً لذلك، إذ قام الفرنسيون في الخمسينيات باعتقال الهيئة القيادية المركزية في جبهة التحرير الوطنية الجزائرية خلال حرب الاستقلال الجزائرية، ولكنهم (الفرنسيين) سرعان ما اكتشفوا أن الجبهة متصلة ببعضها ومتماسكة بقدرٍ يفوق تصورهم، مما جعل تأثير اعتقال قيادتها عليها تأثيرًا يسيرًا.
يؤكد على ذلك الفرنسي ديفيد جالولا (ت: 1967)، مُنَظِّر مكافحة (التمرد/ المقاومة/التحرر)، والذي يَقول إن خمسة من كبار قادة (التمرد) بما فيهم أحمد بن بلا، تمّ القبض عليهم خلال رحلة جوية من الرباط (المغرب) إلى تونس إلا أن تأثير اعتقالهم كان قليلاً على الجبهة، فالجبهة كانت كبيرة، ومنظمة مما يحول دون انهيارها التنظيمي أو المنهجي، وقد أدى هذا التنظيم في وقت لاحق إلى انتصار الجبهة الجزائرية بعد 4 سنوات، هذا شاهدٌ أول.
في الشاهد الثاني، استحضر هوفمان قيام إسرائيل بتوجيه ضربة لحماس أدت إلى مقتل “أحمد ياسين” (تـ: 2004) مؤسس وقائد حركة حماس الفلسطينية، وبعدها بشهر قامت بقتل نائبه و خليفته عبدالعزيز الرنتيسي(تـ:2004)، وبالرغم من ذلك نجد أن حماس ما زالت مستمرة ضد إسرائيل، بذات الفعالية.
وفي نفس السياق، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003 بالقبض على صدام حسين (تـ: 2006) واعتقد العديد أن التمرد والعصيان في العراق سوف ينتهي باعتقاله ولكنه في الحقيقة تصاعد بعد الاعتقال، وكذلك قيام الولايات المتحدة بقتل زعيم القاعدة في العراق أبومصعب الزرقاوي عام 2006 والذي كان له أثر في إضعاف القاعدة في العراق ولكنه لم يؤد إلى نهايتها.
المتتبع لتاريخ القاعدة يتوقع ردها على مقتل أسامة بن لادن، ولذلك على الولايات المتحدة الأمريكية زيادة درجة التأهب و التحصن من هجمات متوقعة في المستقبل، وينبغي أن تكون خطة التأهب والتحصن على محاور منها:
– الاهتمام الاستخباراتي بخطط القاعدة وهجماتها التي يجرى الإعداد لها.
– الحذر من أن تستخدم القاعدة وسائل الاتصال الشعبية الاجتماعية (Facebook, Twitter، وغيرها) والتي ساهمت في اشتعال شرارة الثورات العربية.
– تحصين العلاقات الأميركية الباكستانية، إذ إن تنظيم القاعدة سوف يعمل على إضعاف العلاقات الأميركية – الباكستانية.
– التنبه لاحتمالية تجدد هجمة باكستانية (جهادية) في الهند بدفع و تحريض من القاعدة، لتوفير فرصة للتنظيم من أجل إعادة ترتيب أوراقه في ظل غياب زعيمه، ولذلك ربما تسعى إلى إشعال الفتنة الإقليمية.
– الحذر من القاعدة في شبه جزيرة العرب فالراجح أن لا تتأثر عملياتها بمقتل أسامة بن لادن، بل من الممكن أن تستغله إعلاميًا وتستغل الانتقام له للتجنيد.
قوات العمليات الخاصة وغارتها ضد ابن لادن : اهتمامات صانعي القرار السياسي في مكافحة الإرهاب”. ميشيل ل. مالفيتس و فرانسيس فراغوس تاونسند . المصدر: مجلة مكافحة الإرهاب الأمريكية لشهر مايو(أيار) 2011.
يبدأ المقال بالحديث عن قوات العمليات الخاصة الأمريكية وجهودها، في مختلف أنحاء العالم، و بعد أحداث سبتمبر 2001 كان لابد من نشوء تعاون بين قوات العمليات الخاصة والمخابرات من أجل الوصول إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المسئول عن هذه الأحداث. و عند إسناد الغارة الموجهة للقبض أو لقتل أسامة بن لادن لقوات العمليات الخاصة، قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما وفرق الأمن القومي بمراعاة عدة أمور سياسية وإجرائية وعملية ولأن استخدام قوات العمليات الخاصة في بلدان ليست في حرب مع أمريكا (مثل باكستان) وهو بمثابة التحدي الذي ظلّ يواجه جهود الولايات المتحدة الأمريكية في ظل محاربتها للإرهاب.
كان أمام أوباما وفِرقه الأمنية بحسب المثال تدارك أربعة محاور أساسية:
– أولاً: السيادة
تمثل سيادة الدولة أحد التحديات الكبرى التي تواجه صُنَّاع القرار عند تنفيذ عملية خارج الحدود الأمريكية، خاصة في دول قد تعتبر شريكة للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب. ويتم اتخاذ القرار بناء على أهلية الدولة التي ستتم فيها العملية وتنظيمها وقدرتها؛ على سبيل المثال قد يقوم مسئولو مكافحة الإرهاب بالتوجيه بتنفيذ عمليات في الصومال أكثر مما يقد يقومون بذلك في دولة مدعومة بسيادة القانون ولها القدرة على مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية جهودها في محاربة الإرهاب، ففي تلك الحالة قد تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإسناد المهمة لهذه الدولة للقيام بها داخل حدودها.
و بالرغم من أن الصومال دولة لا يوجد بها مؤسسات حكومية قادرة على القيام بمثل هذه المهمات المعقدة، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تتعرض لإدانة دولية في حال قيامها بمثل هذه العمليات في الصومال ، حتى وإن كانت هذه العمليات ضد الإرهاب.
يتمثل التحدي الكبير للولايات المتحدة الأمريكية في الدول التي ترعى الإرهاب مثل اليمن وباكستان حيث يصعب القيام بمثل هذه العمليات لما تتميز به من سرية قد تتعارض وطبيعة البيئة حيث تنفيذ العملية سوف يؤدي إلى معارضة داخلية، عوضاً عن إحراج رئيس الدولة خصوصاً لو لم يعلم فريقه من أعضاء الحكومة المعاونين.
هذه التداعيات تكون أكبر من ذلك إذا كانت الدولة لا ترغب في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما حدث في عملية قتل بن لادن. تنقسم الدول التي لا ترغب في تدخل أمريكا إلى قسمين:
الأول: دولة متعاونة في محاربة الإرهاب ولكن سياساتها غير فعّالة وغير مجدية .
الثاني: دول راعية للإرهاب وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية خصماً لها.
في حالة العملية الأخيرة، تخوّفت الولايات المتحدة الأمريكية من إسناد المهمة إلى الحكومة الباكستانية فقد يحدث تسرب للمعلومات يؤدي إلى فشل العملية وتعريض قوات العمليات الخاصة الأمريكية لخطر.
كان تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع باكستان متوقفًا، ولم يكن مجديًا، وعلى كل فتنفيذ العملية سيؤدي غالبًا إلى التأثير على العلاقات الأمريكية – الباكستانية في المستقبل.
– ثانيًا: الخسائر والإصابات البشرية و فشل العملية
أخذ الرئيس أوباما ومعاونوه بعين الاعتبار عدة مترتبات ونتائج متعلقة بإرسال قوات العمليات الخاصة إلى باكستان. كان أولها مقتل الأبرياء،الذي يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية وسياسية كبيرة، كما أخذوا أيضًا بعين الاعتبار سلامة أفراد قوات العمليات الخاصة.
نوقش أيضًا احتمال فشل العملية الذي كان سيضيف لأسامة بن لادن نفوذًا ويهز صورة أمريكا في العالم يضعف الروح المعنوية للشعب الأمريكي.
– ثالثًا تقييم الفعالية
قُيمت فعالية أو أهمية العملية بالإجابة عن التساؤل التالي: هل فائدة وقيمة هذه العملية حال نجاحها أكبر من خسائرها في حال فشلها؟
بالرغم من أن سمعة قوات العمليات الخاصة لم تكن جيدة في الفترة الأخيرة، إلا أن جهود التدريب المتواصلة لم تنقطع لعشرة أعوم، لتنفيذ مهمة القبض على أو قتل أسامة بن لادن، و لذلك تم إسناد المهمة إليها ونجحت فيها.
– رابعًا عدم المخاطرة
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير سياساتها في مجال مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 عبر عدة مجالات مثل: الضغط على تنظيم القاعدة في مختلف البلدان؛ و تدعيم خطط مكافحة الإرهاب دولياً؛ و ترقية التعاون الدولي والدخول في شراكات في مجال مكافحة الإرهاب؛ بالإضافة إلى زيادة وعي وتعليم أفراد الشعب الأمريكي بخطر التطرف.
قبل العملية قامت وكالة الاستخبارات بجمع المعلومات وزودت بها إدارة أوباما والتي قامت بتحليلها وإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ الغارة.
في نهاية التقرير ذكر المحرران عددًا من المحاور التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار في المستقبل، آخذًا في الاعتبار أنّ القاعدة لم تهزم إستراتيجياً:
– المحافظة على قوات العمليات الخاصة كقوات خاصة،لا تسند لها إلا المهمات الصعبة والخاصة التي تعجز عنها بقية القوات الأمنية.
– الاستفادة من هذه العملية في تعزيز التعاون بين الاستخبارات الأمريكية وقوات العمليات الخاصة بحيث تقوم الاستخبارات بدورها في جمع المعلومات وتحليلها وتقوم قوات العمليات الخاصة بتنفيذها.
– الاحتراس من الرضا عن النفس والاستمرار في أخذ المخاطر بحذر في داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
تأثير مقتل أسامة ابن لادن على القاعدة في شبه جزيرة العرب المتمركزة في اليمن”، غريغوري د . جونسن، مجلة مكافحة الإرهاب الأمريكية لشهر مايو(أيار) 2011
تعد القاعدة في جزيرة العرب أقوى الفروع التي تتشابه مع تنظيم القاعدة في أفغانستان في التنظيم. يقوم بقيادة التنظيم الفرعي ناصر الوحيشي، أحد المقربين من زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن والذي عمل سكرتيرا له ولم يفترقا إلا بعد معركة تورا بورا في أواخر عام 2001، قام ناصر الوحيشي في يناير (كانون الثاني) 2009 بدمج قيادة التنظيم مع مجموعة من السعوديين المنفيين الفارين من السعودية إلى اليمن و تمّ تسمية الجماعة باسم ” القاعدة في جزيرة العرب” وطلب الوحيشي من أفراد التنظيم أن يؤدوا له البيعة على غرار بيعتهم لأسامة بن لادن. و قد قامت الجماعة بسلسلة من الهجمات التي استهدفت مسئولين سعوديين بارزين، وقامت بمحاولات تفجيرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى عملياتها المستمرة داخل اليمن.
يعتقد صاحب التقرير أن أسامة بن لادن يحبذ المركزية في القرارات و اللامركزية في تنفيذها، ولذلك ترك للجماعة حرية التصرف والتخطيط والتنفيذ وبعد مقتل أبوعلي الحارثي عام 2002 عبر غارة جوية أمريكية وصل الوحيشي إلى قيادة الفرع واتبع إرشادات أسامة بن لادن.
يعتبر كاتب المقال أن الأهداف الإستراتيجية للقاعدة في جزيرة العرب لن تتأثر بشكل حقيقي بموت ابن لادن.
أشار المقال إلى أن رفض الرئيس اليمني علي عبدالله صالح التنحي عن السلطة في ظل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظامه؛ وانقسام أجهزته الأمنية بين مؤيد ومعارض، من الممكن أن يوفر بيئة خصبة للقاعدة في شبه جزيرة العرب لإعادة ترتيب صفوفها وتخطيط عمليات مستقبلية في ظل غياب الضغوطات الخارجية، وتفتت الوحدة الوطنية اليمنية، مما يضعف من عزيمة الدولة في محاربة الإرهاب.
” تأثير مقتل أسامة بن لادن على القاعدة في المغرب الإسلامي”، جيف د . بورتر مجلة مكافحة الإرهاب الأمريكية لشهر مايو(أيار) 2011
اتسمت العلاقة بين قيادة القاعدة المركزية والقيادة الفرعية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالضعف، لذلك فإن (كاتب المقال) يرجح أن لا تتأثر القيادة الإقليمية في المغرب بمقتل أسامة ابن لادن، ولا يستبعد تحسنها بعد تعيين الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة.
تمّ اندماج حركة الجهاد السلفي الجزائري مع القاعدة في عام 2004 عندما قام عبدالملك دروكل بأخذ زمام قيادة جماعة الوعظ والمكافحة الجزائرية. و خلق قنوات اتصال مع أبومصعب الزرقاوي (تـ2006) و الذي قام بربطه بأيمن الظواهري، تمّ الاعتراف الرسمي بالجماعة كفرع للقاعدة في شمال أفريقيا بعد غارة يونيو (حزيران) 2005، والتي استهدفت أحد المنشآت العسكرية الموريتانية، وكان ابن لادن قد أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ هذه العملية، كما أعلن أيمن الظواهري في الذكرى الخامسة لهجمات سبتمبر اندماج الجماعة مع القاعدة، وبعد ذلك قامت الجماعة بناءً على موافقة أسامة بن لادن بتنفيذ هجوم على إحدى الحافلات التي تقل عدداً من الموظفين الأجانب في ديسمبر(كانون الأول) 2006 وبعدها تم تشكيل القاعدة في المغرب الإسلامي في يناير (كانون الثاني) 2007، منذ ذلك الحين، قام التنظيم بسلسلة من الهجمات المختلفة ضد الجزائريين؛ والمبنى البرلماني الجزائري؛ والمقر الرئيسي للأمم المتحدة في الجزائر؛ والمحكمة الدستورية وبعض المنشآت العسكرية.
بالرغم من الانتماء الإيديولوجي تعد علاقة القاعدة في المغرب الإسلامي مشابهة لغيرها من فروع القاعدة في شبه جزيرة العرب والعراق مع القيادة المركزية للقاعدة ولكنها ليست شبيهة فيما يتعلق بالجانب العملي، حيث تسعى القاعدة في المغرب الإسلامي لتنفيذ علمياتها دون توجيهٍ من القيادة المركزية للقاعدة ولكنها تسعى لكي تعمل بطريقة مشابهة للقيادة المركزية.
حتى الآن، ليس هنالك دليل على تلقي جزائريين لتدريبات في معسكرات القاعدة في أفغانستان أو باكستان وتوجههم بعد ذلك للقتال في المغرب الإسلامي، وأيضاً لا توجد معلومات عن تلقي التنظيم مساعدات مالية من القيادة المركزية للقاعدة، وغالبًا ما تقوم (القاعدة في المغرب) بتوفير احتياجاتها المادية عبر خطف الرهائن وطلب الفديات لإطلاق سراحهم.
في الفترة بين 2008 إلى 2010 ضعفت العلاقات بين أسامة بن لادن والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقد يكون ذلك بسبب النقاش الحاد فيما يتعلق بنوعية الهجمات التي تقوم بها القاعدة وحلفاؤها وما تقوم به القاعدة في شبه جزيرة العرب من هجمات مختلفة، و التحولات الداخلية داخل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي نفسها.
وفي نفس الفترة كان هنالك عدة تحديات تواجه التنظيم من الداخل، مثل تضييق الخناق المستمر من الحكومة الجزائرية وحملات مكافحة الإرهاب، والصراع والمنافسة من الوحدات المختلفة في الصحارى مما أدى إلى إجبار الجماعة على إعادة توجيه أهدافها إقليمياً.
في حال وصول أيمن الظواهري إلى قيادة التنظيم فسوف تقوى الروابط والعلاقات بين القيادة المركزية للقاعدة والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فالظواهري هو من قام بإعلان اندماج الجماعة مع القاعدة وهو الذي تماشى مع رغبتها في توسيع رقعة الجهاد العالمي، إضافة إلى تماشي عداء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لفرنسا مع مشاعر الظواهري تجاه فرنسا. عرف عن الظواهري أنه جامع التبرعات المختلفة الموجهة للقاعدة لذلك يعتبر توليه لقيادة التنظيم مصدراً لتوفير المساعدات المالية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي .
محور الرئيس أوباما الدقيق: من أبوت أباد إلى ‘رياح التغيير’ العربية
روبرت ساتلوف ( المدير التنفيذي لمعهد واشنطن ومدير كرسي هوارد بي. بيركويتز حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط)
الأربعاء 18 أيار/مايو, 2011
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن ومدير كرسي هوارد بي. بيركويتز حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ نشر له موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى هذا المقال في أعقاب مقتل أسامة ابن لادن وقبيل الخطاب الذي وجهه الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العالم الإسلامي، حاول فيه إيجاد الرابط بين مقتل أسامة بن لادن وبين الاحتجاجات العربية أو ما أسماه (الربيع العربي).
لاحظ في الأيام الأخيرة رسم الإدارة الأمريكية رابطًا بين أبوت أباد و جوانب أخرى من سياستها في الشرق الأوسط. واستشهد بخطاب مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون الافتتاحي لمعهد واشنطن في 12مايو(أيار)، إذ رسم رابطًا مباشرًا بين البحث عن ابن لادن والتزام الإدارة الأمريكية طويل المدى بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. ومؤكدًا بعبارة حاسمة وجريئة “نحن نفعل ما نقول إننا سنفعله”، اعتبر ساتلوف أن دنيلون قدّم بذلك تذكيرًا مفيدًا بأن الإدارة تقدّر السياق الاستراتيجي للموقف الحالي حتى لو أدت الأحداث اليومية إلى دائرة جديدة. وفي غضون ذلك، فإن نوايا الرئيس الأمريكي الحسنة في قضية إيران قد استفادت من الانطباع الذي تركه حديث دونيلون بأنه في الحالات الخطيرة لن تتردد الولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية أو التصرف بشكل أحادي لتحقيق هدفها كما كان الحال مع ابن لادن.
يشير ستالوف في تحليله إلى الرابط الاستراتيجي بين موت ابن لادن وما أسماه بالصحوة الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ فيقول “الرسالة الوحيدة التي تربط بالفعل بين أبوت أباد والصحوة الديمقراطية العربية على المستوى الإستراتيجي” هي أن “أسلوب بن لادن كان قد انتهى وأصبح ميتاً قبل موت بن لادن نفسه بفترة طويلة.” ويُدلل على ذلك بـ” رفض الرأي العام العربي -والمسلم بشكل أوسع- أعنف أشكال العنف والتطرف العدمي منذ فترة طويلة.” وحول ردة فعل الرئيس أوباما يقول ” لكن مع شجاعة العرب في تحقيق هذه النقطة بأرواحهم في ليبيا وسوريا وغيرهما فإن الرئيس الأمريكي لا يحتاج في الواقع إلى خطاب كبير ليضيف صوته إلى الجوق.” ويُنبه ستالوف إلى أن الصورة ليست بهذا الإشراق الذي تبدو عليها منبهًا إلى بروز جديد للإسلاموية فيقول “ورغم أن “الربيع العربي” قد قدم فرصة لنهضة أشكال أخرى متنوعة من الإسلاموية التي ربما تكون أخف من أسلوب أسامة بن لادن لكنها ما تزال غير ليبرالية في جوهرها ومعادية للغرب وأمريكا، ومن المستبعد أن يكرّس الرئيس الأمريكي منبره المتميز للتحذير من الجانب الأسود لهذه اللحظة الواعدة.”
دعا ستالوف إلى التعلم من دروس الماضي؛ مُستذكرًا خطاب الرئيس الأمريكي للأمة الإسلامية من القاهرة في يونيو (حزيران) 2009؛ إذّاك طلب منهم بداية صفحة جديدة ولم يكن الحال معقدًا مثل ما يحدث الآن، فعندما ألقى الرئيس الأمريكي خطاب “البداية الجديدة” كان جمهوره المستهدف مليارا ونصفا من المسلمين في العالم فقال “لقد أتيت إلى القاهرة لأجل بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم على أن تكون هذه البداية مبنية على الاحترام والمصلحة المتبادلة وحقيقة أن الإسلام وأمريكا ليسا خصمين، ولا يستدعي الأمر أن يكونا في صراع.” ثم إنه بعد ذلك ناقش سبعة مواضيع (التطرف العنيف وعملية السلام؛ والحرية الدينية؛ والديمقراطية؛ ومنع انتشار السلاح النووي؛ وحقوق المرأة؛ والتنمية الاقتصادية)، وسلسلة من المبادرات الاقتصادية الصغيرة، ومبادرات من أشخاص إلى أشخاص.
أما الآن فإن الأحداث البركانية في المائة وخمسين يوماً الماضية جعلت تلك الكلمات تبدو في وقت لاحق غريبة بشكل مزعج وغير توافقية. فالعرب لم يهبوا في القاهرة أو درعا أو بنغازي أو صنعاء لأنهم يرون أنفسهم مسلمين، بل فعلوا ذلك لأنهم رأوا أنفسهم مصريين وسوريين وليبيين ويمنيين. كما أنهم لم يهبوا من دافع التشكي ضد أمريكا ولكن من دافع مظالم قادتِهم. يرى ساتلوف أن “الربيع العربي” هدم السياق الإسلامي العام الذي كان فيه الرئيس الأمريكي يتناول في البداية علاقته بمستمعيه.ويمضي ساتلوف قائلاً “وكما يؤكد البعض فإنه سواء كان وصول الرئيس أوباما للمسلمين قد نزع فتيل كراهية أمريكا في الشرق الأوسط ومهد الطريق للعرب ليركزوا على أمراضهم الداخلية أو سواء -وهذا هو الأرجح- كان هذا الوصول غير ذي صلة بوجه عام من موجة الاشمئزاز الشعبي ضد الفساد وسوء إدارة الأنظمة المحلية، فإن الواقع الحازم للعديد من الثورات ضد القادة العرب ينبغي أن يُنهي البحث العقيم عن بذور غضب المسلمين ضد أمريكا.
مهمة الرئيس الأمريكي في التاسع عشر من مايو(أيار) كانت أكثر تعقيداً بكثير مما أدَّاه في القاهرة منذ عامين. فقد كان المخاطَب في القاهرة مجموعة واحدة غير متبلورة ولا مميزة من المسلمين، وكان الهدف ببساطة هو فتح صفحة جديدة. والآن فإنه لو أراد أن يقول شيئاً جادًا فإنه لن يستطيع تجنب التنقيب في التعقيدات الرمادية والتناقضات المحبطة والضرورات الملحة للحظة الراهنة. ويصر ساتلوف أن خطاب أوباما يجب أن يضع الولايات المتحدة في صف أكثر الجوانب إيجابية في الثورات العربية ضد الاستبداد وأن يعكس التوازن بين الأمل والخوف المُثار في أجزاء متساوية من التغير السياسي الزلزالي، وأن يشير إلى الدعم الأمريكي لعملية الاختيار الديمقراطي بدون تأكيد اللامبالاة نحو محصلة انتخابات حرة ونزيهة.
يحتاج الرئيس الأمريكي إلى أن يتجاوز الملاحظات التافهة ليعرض مساعدة كبيرة وذات قيمة لأولئك العرب المتطلعين إلى مكافحة الجهود الخلفية التي يقوم بها ائتلاف الإسلاميين وأتباع الأنظمة القديمة الذين يسعون لوراثة فوائد الثورة. ويشمل هذا على الأرجح حزمة معونات كبيرة تركز على التخفيف من الديون وضمانات من “هيئة الاستثمارات الخاصة في الخارج” التي ستشكل ركناً لمساعدة دولية أكبر. وهنا نجد الوسيط هو الرسالة — ولكي يكون للمساعدة تأثير سياسي حقيقي فهي تحتاج أن تكون مرئية وتأتي في الوقت المناسب وألا تكون استنساخاً مخادعاً للمبادرات الحالية.
وخلاصة القول، أمريكا تحتاج إلى خطاب يغير بفعالية موضوع الحديث الدولي من النجاح الفردي للولايات المتحدة ضد أسامة بن لادن إلى تعدد السياسات الأمريكية فيما يخص “الربيع العربي”، يكون الرئيس أوباما قد اتخذ خطوة تشكل تحدياً كبيراً على المستوى الاستراتيجي والتحليلي والاتصالات. إن العرض الجاد سوف يتطلب منه أن يُضحي بالوضوح لأجل الفارق الدقيق مع الاستعاضة عن الاتساق بالمصلحة الذاتية، وأن يعرض تقديراً دقيقاً للأولويات الإستراتيجية الأمريكية.
الربيع العربي ومقتل زعيم “القاعدة”.. هل هي نهاية فورة الجهاد
ما بعد أسامة – مجلة المجلة مانيول ألميدا
تاريخ النشر: الثلاثاء 17 مايو 2011 في الأول من مايو (أيار) عام 2011،
قتل أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان، ولم تتمكن حتى أخبار الربيع العربي أن تلقي بظلالها على هذا الخبر. من واشنطن إلى إسلام آباد، ذهل أتباعه وأعداؤه على حد سواء.
تطرح حاليا العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بمستقبل تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن. ومن بين هذه السيناريوهات نهاية تنظيم لديه عدد هائل من الأتباع. وتأييدا لهذه الإمكانية، تأتي حقيقة أنه بالإضافة إلى مقتل زعيم التنظيم، فانه حتى الآن لم تلعب «القاعدة» أي دور في أحداث الربيع العربي. في الواقع لم تترك معظم المبادئ التي طالب بها المحتجون في شوارع مصر وتونس وصنعاء – من حريات وتمثيل سياسي ومحاسبة المسئولين – التي تجاوزت مطالب «الخبز» أية مساحة لـ«القاعدة» لكي تؤدي دورا ذا أهمية في المستقبل السياسي في المنطقة. وأصبح الربيع العربي يمثل بصورة غير مباشرة رفضا جماهيريا لرؤية «القاعدة» للمنطقة، كما يوضح هذا الرأي.
قبل الإسراع بالإعلان عن نهاية «القاعدة»، ومن أجل التنبؤ بالسيناريوهات المختلفة عن الاندثار المفاجئ للتنظيم، من الحكمة أن نحاول استيعاب ماهية «القاعدة» اليوم، بل وأيضا كيف كان دور بن لادن داخل «القاعدة»، وكيف أصبح السعودي الشاب، ابن الملياردير، متطرفا يخشاه العالم.
بين التكيف والانتشار
ويشير الخبراء إلى أن الحركة السلفية – الجهادية تعتمد إلى حد بعيد على الشخصيات الكاريزمية. وبالتالي فإن شخص بن لادن، أخذا في الاعتبار ثقله الأيديولوجي والرمزي والمالي في تنظيم القاعدة لا يمكن استبداله. ولكن المسار الذي اتخذه بن لادن، حتى أصبح بن لادن، يقتضي الحذر في الحديث عن أن وفاته تمثل ضربة قاضية لتنظيم القاعدة. فربما يكون هناك بن لادن واحد، ولكن قصة الشاب الذي اعتنق الأفكار الراديكالية واختار في النهاية السلفية – الجهادية التي تتسم بالعنف يمكن بسهولة أن تتكرر.
فربما يكون بن لادن قد ذهب ولكن الظواهري والعولقي وغيرهما ما زالوا موجودين. وسوف يستمرون في إلقاء الخطب ونشر بذور الراديكالية سواء على نحو مباشر أو عبر الإنترنت من القرى النائية في باكستان واليمن إلى العواصم الغربية محاولين ترويج قضية تنظيم القاعدة واستقطاب الشباب الصغير.
ومن جهة أخرى، ربما يكون تنظيم القاعدة كما كان من قبل (له قاعدة دائمة وبنية مركزية وقيادة واضحة) لم يعد موجودا. ولكن، وكما يقول الخبير في مواجهة الإرهاب بيتر بيرغن، ووفقا لتحليل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن تنظيم القاعدة «يرى نفسه دائما كقيادة حركية أيديولوجية وعسكرية تسعى للتأثير على الجماعات الجهادية وتدريبها». وسوف تستمر تلك الخاصية التي تميز أداء «القاعدة» في المستقبل القريب.
وبالإضافة إلى وجود شخصيات كاريزمية، فإن استمرار تنظيم القاعدة، وإن كان في شكل مختلف وأكثر تفككا، سوف يعتمد على إيجاد ملجأ آمن يستطيع أن يعيد فيه التنظيم نفسه ويمكن لأفكاره أن تزدهر فيه. ولدى التنظيم بالفعل مناطق عدة يمكنه الوجود فيها، منها العراق وباكستان والصومال واليمن.
كما أن الإشارة إلى الانتفاضات العربية باعتبارها الحدث الذي سوف يعمل على تهميش تنظيم القاعدة وإقصائه في النهاية تبدو افتراضا متعجلا حيث إننا في مرحلة ما زالت فيها أحداث المنطقة العربية في طور التطور. ومن السيناريوهات المحتملة، والذي يحمل قدرا من المعقولية، هو أن المنظمة سوف تستمر في الوجود وسوف تنفذ هجمات ثانوية ولكنها لن تصبح لاعبا أساسيا في المشهد الجيوسياسي في المنطقة كما كانت حتى وقت قريب. وفي النهاية، وكما أثبتت ردود الفعل تجاه هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فإن مدى ثقل «القاعدة» الاستراتيجي يعتمد إلى حد كبير على قدرة التنظيم على التكيف وإيجاد مؤيدين جدد، في ظل إصرار البعض، بخاصة الولايات المتحدة، على مطاردة أعضائها.
كما أن الأحداث في مصر وسوريا واليمن يمكن أن تتطور في كثير من الاتجاهات المختلفة وإذا ما كانت هناك أسباب تجعلنا نتفاءل بشأن بعض تلك الدول (تونس، على سبيل المثال)، فهناك أسباب عديدة تجعلنا قلقين بشأن غيرها، تحديدا اليمن التي يتمركز فيها تنظيم القاعدة. وحتى في مصر، التي كانت الفكرة العامة عن الإخوان المسلمين فيها، هي أن الجماعة تخلت عن الراديكالية وترحب بالحداثة، فإن التصريح الذي انتقدت فيه الجماعة بشدة الولايات المتحدة نظرا للعملية التي شنتها على «الشيخ أسامة»، ومن دون إدانة لأفعال تنظيم القاعدة، يعد تصريحا مقلقا في أفضل الأحوال. كما أنه يضع علامة استفهام حول موقف الإخوان من تنظيم القاعدة إذا ما استحوذوا على السلطة في مصر.
وفي ظل أنه لا يمكن التنبؤ بتطوراتها، فإن الانتفاضات العربية يمكنها أن تعمل ضد تنظيم القاعدة ويمكنها، في الوقت نفسه، توفير فرص لازدهاره. فربما تخلق الانتفاضات في العالم العربي حكومات غير قادرة أو غير مستعدة للتعاون في الصراع من أجل التخلص من تنظيم القاعدة سواء من حيث جمع المعلومات الاستخبارية أو من حيث المنحى الذي يوازيه في الأهمية وهو منع نشر الأفكار الراديكالية. وفي النهاية، ليس هناك من وُلد راديكاليا، ولا حتى أسامة بن لادن نفسه.
عمليات تمويل الجهاد : ماثيو ليفيت (مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن) فورين بوليسي.كوم, 11 أيار/مايو 2011
الأدلة الحيوية التي اكتُشفت بأبوت أباد في منزل زعيم تنظيم القاعدة المقتول أسامة بن لادن أماطت اللثام عن الكثير من الأسرار الغامضة أو على الأقل مهدت لذلك، وأهم الأسرار يتصل بعمليات تمويل الإرهاب، هذا ما تناوله ماثيو ليفيت في مقاله الذي نشرته الفورن بوليسي، في مايو (أيار) الماضي، يشير ماثيو إلى أن هذه المعلومات تضع من يمولون الإرهاب في وضع محرج، ويختار تسمية بعضهم فيقول بأن الكشف عن الأدلة” يضع أناسا مثل عبد الحميد المعجل في وضع صعب” ومثله كثيرون يشعرون الآن بالقلق من أن تظهر أسماؤهم أو حساباتهم المصرفية أو عناوينهم في أوراق ابن لادن الحسابية — أو “في الأوراق المبعثرة في جيبه”.
توقع ليفيت أن تشير هذه الملفات إلى أولئك الذين قاموا بتغطية نفقات بن لادن الشخصية، ويشير إلى أن أخبار غارة أبوت أباد وحدها ربما تثني الكثير من أولئك المانحين على المدى القريب من تقديم المزيد من التبرعات، كما أن المكسب الاستخباراتي الذي تحقق من هذه الغارة ربما يقود إلى المزيد من التعطيلات الملموسة لبعض قنوات المانحين. ويمكن أن يزيد ذلك من الضغط المالي الذي يمر به الجزء المركزي لـتنظيم القاعدة، لكن سيكون له أثر ضعيف، إن كان، على تمويل فروع تنظيم «القاعدة» الرئيسية مثل “تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية”، أو المجموعات المنتمية إليه مثل «عسكر طيبة»، أو شبكات تنظيم «القاعدة» الموجهة من الخارج مثل تلك التي تم القبض عليها مؤخراً في ألمانيا.
يشير المقال إلى أن التهديد الإرهابي اليوم أصبح لامركزياً بشكل كبير، وضرب مثالاً لذلك بتفجيرات “بالي” إذ كان على نشطاء “الجماعة الإسلامية” اللجوء إلى سرقة محلات المجوهرات لدفع فاتورة العمليات. و أيضًا لجوء القاعدة في شمال إفريقيا لعمليات الاختطافات وغيرها من أساليب الجريمة المنظمة. ولكونها غير مقيدة، لجأت خلايا الإرهاب الناشئة إلى النشاط الإجرامي لجمع الأموال للهجمات أو استخدمت الأموال الشخصية أو استحقاقات الرعاية الاجتماعية الحكومية. وبعض هذه الخلايا، مثل الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات على نظام المواصلات في لندن في 7 يونيو (حزيران) 2005، ربما لها ارتباطات بالقيادة العليا لتنظيم القاعدة لكن يتم تمويلها محلياً وبشكل مستقل.
يشير المقال إلى ملاحظة مهمة عن الفروع الإقليمية إذ هي من يمول القاعدة في المركز. ففي إسبانيا على سبيل المثال، شهدت السلطات جهاديين باكستانيين لا يمولون فقط أنشطتهم المحلية من خلال الجرائم الصغيرة مثل غسل الأموال أو تزوير بطاقات الائتمان ولكن أيضاً بإرسال ملايين الدولارات إلى وطنهم وبعضها، كما هو متوقع، يمول جماعات متطرفة هناك. وفي سنغافورة، قام زعيم خلية ذاتي التطرف بجمع التبرعات من أعضاء الخلية الآخرين بهدف إرسال المال لدعم أنشطة عنيفة في الخارج.
ويستحضر المقال أنه في بعض الأحيان، كان تنظيم «القاعدة» يطلب بصراحة من أتباعه بأن يقدموا له الدعم المالي. ففي عام 2005، أرسل نائب أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، رسالة إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي كان حينئذ زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق. وفي الرسالة التي اعترضتها الحكومة الأمريكية، ورُفعت السرية عنها في وقت لاحق، طلب الظواهري من الزرقاوي 100000 (دون تحديد نوع العملة) قائلاً إن “الكثير من خطوط [الدعم] قد تم قطعها.”
إن الملفات التي عُثر عليها في أبوت أباد قد تساعد المحللين على فهم أفضل للطبيعة الحالية للمركز المالي للتنظيم، وفروعه الإقليمية. وفضلاً عن الملفات نفسها، فإن قتل بن لادن ربما يكون له تأثير أيضاً. فعلى سبيل المثال، لو حدثت انشقاقات بين الظواهري وغيره من زعماء تنظيم القاعدة، فإن جامعي التبرعات المستقلين الذين جمعوا أموالاً لكل من الجزء المركزي لتنظيم القاعدة والجماعات المنتمية إليه ربما يبتعدون عن الظواهري باتجاه جماعات أخرى مثل “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، الذي تصفه السلطات الأمريكية بالإجماع بأنه أكبر تهديد إرهابي على الولايات المتحدة اليوم.
إن زعيم تنظيم القاعدة المقتول ربما يستمر وهجه في جلب تمويل لبعض الوقت، لا سيما وأن أشرطة الفيديو القديمة التي يظهر فيها تنتشر بوصفها “ذات شعبية وأثر كبير”. المعروف أن ابن لادن كرئيس صوري مُوحِّد لجماعته، إلا أن الظواهري شخصية خلافية ربما يسبب صعوده إلى قمة قيادة التنظيم، إلى إضرام النار في التوترات الحامية بالفعل بين الفصائل المصرية واليمنية في المنظمة. وعلاوة على ذلك فإن الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» — الذي يفتقر إلى قوة المال وحُرم من أيقونته المؤسِّسة – ربما يجد نفسه أقل قدرة على بسط نفوذه على فروعه المموَلة ذاتياً. إن موت بن لادن لا يعني نهاية تنظيم «القاعدة»، بل ربما يُنذر ببداية نهاية قيادته المركزية – وصعود أتباع تنظيم «القاعدة» والمتطرفين العنيفين المحليين.
كيف يمكن أن تساعد الانتفاضات العلمانية في ضرب الإرهاب. دانيال بايمان/ الفورن إفيرز عدد مايو-يونيو 2011.
في 17 ديسمبر (كانون الأول) قام محمد البوعزيزي وهو بائع في الشوارع التونسية بحرق نفسه بالنار احتجاجاً على اضطهاد الشرطة التونسية ومضايقتها له، وأدت وفاته لاشتعال موجة من الاضطرابات في جميع أنحاء تونس، و في أقل من شهر أدت هذه الاحتجاجات إلى الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وسرعان ما حذت حذوها مصر، وهي تعتبر من أكثر بلدان العالم العربي تأثيراً واكتظاظاً بالسكان.
تجاوب تنظيم القاعدة مع هذه الأحداث الدراماتيكية بشيء من الصمت حتى منتصف فبراير، حيث شهد تصريح نائب زعيم تنظيم القاعدة المصري أيمن الظواهري الذي لم يتطرق بشكل مباشر للثورات أو يشرح الطريقة التي ينبغي أن يستجيب عبرها الجهاديون، وبدلاً من ذلك ادعى أن الثورة التونسية حدثت “ضد عميل لأمريكا وفرنسا”. كان هذا التصريح بمثابة المحاولة لتصوير وتحويل صراع التونسيين ضد الفساد والقمع على أنه انتصار للجهاديين المعادين للغرب.
عرض الظواهري التاريخ الحديث لمصر ، ابتداء من نابليون إلى طغيان حكومة مبارك، وكان صدور بيانه في 18 فبراير، بعد أسبوعٍ من تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، حيث قدم من خلاله الكثير من التوجيه للأتباع المحتملين حول الكيفية التي ينبغي عليهم من خلالها النظر إلى الثورة وكيفية ردة فعلهم.
في الوقت الذي تستجيب القاعدة بالصمت تجاه الثورات والأحداث الجارية، يتحرك الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة في نضالهم ضد مكافحة الإرهاب، وخلال زيارته للقاهرة في 27 فبراير، أعلن السيناتور جون ماكين أن ” هذه الثورة هي بمثابة التنصل من تنظيم القاعدة”، وبالفعل بالنظر من خلال كهف بن لادن يبدو العالم العربي غير مبشر كما كان قبل بضع أشهر قليلة.
على الرغم من أن بن لادن وتنظيم القاعدة كانوا يحاولون إطاحة الحكومات العربية لأكثر من 20 عاماً إلا إن إسقاط الأنظمة الديكتاتورية التي كانت صلبة وشديدة القبضة في تونس ومصر جعلهم مكبلين وقوض رسالتهم المبنية على الجهاد العنيف، ومع ذلك يمكن للقاعدة وحلفائها أن تستفيد للغاية من هذه الاضطرابات والانتفاضات.
الآن للقاعدة قدر أكبر للعمل بحرية، وبن لادن وحلفاؤه سوف يسعون لاستغلال أي احتجاجات أوانتفاضات في الأشهر والسنوات المقبلة.
الرسالة المعلنة
تنظيم القاعدة يشكل خطراً ليس فقط لأن لديه المئات من المقاتلين الماهرين بالسلاح ولكن لأن عشرات الآلاف من المسلمين وجدوا دعوتهم للتغيير عن طريق العنف جذابة.
عندما حكم الطغاة وسيطروا على الأراضي العربية، كان يمكن لتنظيم القاعدة تسجيل نقاط عبر إدانة الاستبداد، حتى الظواهري كتب كتاباً يدين من خلاله جرائم مبارك. وعندما يسقط طغاة مثل مبارك نتيجة لضغوط من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، يخسر تنظيم القاعدة أحد أفضل ملاعب التجنيد .
قمع الحكومات العربية مواطنيها يؤدي إلى صعود قادة أقل قمعاً، مما يحرم تنظيم القاعدة من دعايته لحجته القيمة، والديمقراطية الحقيقية ستكون ضربة لأسامة بن لادن وأتباعه.
يقول أسامة رشدي وهو المتحدث الرسمي السابق للجماعة الإسلامية، أحد أبرز وأهم الجماعات الجهادية في مصر، “إذا كان لديك حرية فإن تنظيم القاعدة سوف يذهب بعيدا”، قد يكون رشدي متفائلاً جداً ، ولكن الحركة المتوقعة تجاه حرية الصحافة والانتخابات الحرة، والحريات المدنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط من شأنها أن تسلط الضوء على الجزء الأقل جاذبية في عقيدة تنظيم القاعدة : عداؤها نحو الديمقراطية.
على الرغم من أن كلمة “الديمقراطية” تعني أشياءً مختلفة للعديد من الجماهير، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنها مفهوم عام وله شعبية كبيرة في العالم العربي الذي يعرف عن كثب كيف يمكن أن يكون الاستبداد الوحشي. واستطلاع زغبي لعام 2010 وجد أن الغالبية من المصريين تفضل الديمقراطية والمسح الذي أجري في عام 2006 من قبل العلماء جون إسبوزيتو وداليا مجاهد وجد أن 93 % من المصريين يفضلون الدستور الذي يضمن حرية التعبير.
في الوقت نفسه، ومع ذلك وجد كل من إسبوزيتو ومجاهد أن الغالبية طالبت بالشريعة الإسلامية لتكون المصدر الوحيد للتشريع، وفي المقابل يرى تنظيم القاعدة أن الديمقراطية كفر، بحجة أنها تضع كلمة الرجل فوق كلمة الله.
إذاً فإن لم تُسلم حركة الديمقراطية الناشئة في تونس السلطة قريباً إلى رجال الدين ليقيموا دولة إسلامية فإنه وفقاً لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “إن مهمة المسلمين في تونس أن يكونوا على استعداد وأن لا يلقوا أسلحتهم “. رسالة القاعدة واضحة : الديمقراطية العلمانية مكروهة مثل الديكتاتورية العلمانية. والذي يزيد من تشاؤم تنظيم القاعدة، هوالطريقة التي أُسقط بها كل من زين العابدين بن علي ومبارك في ضوء إصرار زعماء القاعدة على أن العنف الذي ينفذ باسم الله هو السبيل الوحيد لفرض التغيير.
طالبَ الظواهري منذ وقتٍ طويل الشباب المصري، إما أن يرفع سلاحه ضد حكومة مبارك أو أن “يخرج إلى ساحات الجهاد المفتوحة مثل الصومال والعراق والجزائر وأفغانستان” إذا كان الخيار الأول مستحيلا .إلا أن الشباب في تونس ومصر تجاهل دعوته؛ حيث إن المتظاهرين كانوا مسالمين وعلمانيين إلى حد كبير في مطالبهم.
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت وهي تشير لتنظيم القاعدة :”آمل أنهم كانوا يشاهدون شاشات التلفاز والشباب المصري يثبت لهم أنهم مخطئون”. هناك عدد من العلماء الجهاديين البارزين مثل أبو بصير الطرطوسي وحامد العلي، حاكوا وزيرة الخارجية الأمريكية في إشادتها بشجاعة المحتجين وتأييدهم لمطالبهم على الرغم من أن الثورات علمانية إلى حد كبير.
الأكثر إيلاماً لتنظيم القاعدة أن التغيير الذي حدث في العالم العربي كان من دون ضربة موجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والتنظيم كان يصر منذ فترة طويلة أن على المسلمين أن يدمروا أولاً واشنطن ليحدث التغيير في تونس أو القاهرة.
أخيرا، فإن حقيقة قيادة الشباب للثورة يعد نبأً سيئاً بالنسبة لأسامة بن لادن، حيث أن الشباب هم مفتاح تنظيم القاعدة الديموغرافي وهم الذين تعول عليهم القاعدة لأن يحملوا السلاح، ولأكثر من عقد صور تنظيم القاعدة مقاتليه من الشباب بالمدافعين الشرفاء عن الأراضي المسلمة والأكثر جرأة في مواجهة العدوان الغربي.
الآن، الشباب في العالم العربي مشتعل بأفكارٍ مختلفة جداً في مجالات الحرية والعمل اللاعنفي، وقد أظهرت الأحداث الأخيرة مثالية الشباب العربي الذي يحلم بنظام سياسي جديد في الشرق الأوسط دون الحاجة للسفر إلى أفغانستان أو العراق للانخراط في الجهاد ، بل يمكنهم إنجاز المزيد من خلال البقاء في بلدانهم والتظاهر بسلم ضد حكامهم .
انقطاع السلسلة
أشادَ مسئولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون كثيراً ببلدان مثل تونس ومصر لجهودها الفعالة ضد الإرهاب وتعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولفترة طويلة منذ 11 سبتمبر، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع الجزائر ومالي وموريتانيا والمغرب لتحسين التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب ضد القاعدة في المغرب الإسلامي.
الزعيم الليبي معمر القذافي كان شريكا قَيِّما ضد تنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر، وفي مواجهة الاضطرابات في ليبيا وفي أعقاب الثورة في مصر، أعلن القذافي أن تنظيم القاعدة يقف وراء هذه الاحتجاجات ، محذرا الليبيين ، “لا تتأثروا ببن لادن”، على الأرجح كمحاولة لإكساب حملته ضد المتظاهرين الشرعية اللازمة.
لقد خدم الاستبداد والطغيان العربي في كثير من الأحيان مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل مسئولو الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب بشكل جيد مع القيادات الحاكمة، لأن أنظمتهم كانت بشكل عام ذات ميل للسجن والاعتقال.
كان يمكن للولايات المتحدة الأمريكية إرسال أحد المشتبهين الذين اعتقلوا في أوروبا إلى مصر والتأكد من أنه سيكون محتجزاً في السجن، وهذا الميل يعني أيضاً أن العديد من الأبرياء قد يعتقلون خلال الحملات الأمنية.
إن النظام المصري كان على استعدادٍ لتهديد عائلات المجاهدين ووضع ضغوط هائلة على المتشددين لجمع المعلومات منهم أو إجبارهم على الاستسلام أو التخلي عن الجهاد، وعلى افتراض أن حكومة ديمقراطية سوف تأتي إلى مصر، هذا يعني أن سهولة حبس المعارضين والتهديدات القاسية ضد المتشددين وأسرهم سوف تختفي.
في الواقع، إحدى مقاييس مدى تقدم الأنظمة العربية في جهودها التي تبذل نحو الديمقراطية سيكون في مدى طهارة أجهزتها الأمنية، حيث إن الأجهزة الأمنية التي حاربت تنظيم القاعدة وفروعها هي نفسها التي اعتقلت المدونين السلميين وهاجمت الإسلاميين لإرهابهم وفرضت الرقابة على الصحف المؤيدة للديمقراطية.
الأجهزة الأمنية التي سوف تحل محل القوات الأمنية الراهنة قد لا تكون بالضرورة صديقة لواشنطن والحكومات التي تعمل بها سوف تبحث عن علاقات مع الولايات المتحدة حتى لا تتضارب مصالحها، فإذا كانت الحكومات الجديدة آخذة بعين الاعتبار الرأي العام، كما يفعل القادة الديمقراطيون فلن يكون التعاون قريبا لما كان عليه في السابق حيث إن العديد من الناشطين السياسيين الجدد وخصوصاً الإسلاميين ينظرون إلى الولايات المتحدة كقوة قمعية تسعف وتخدم إسرائيل والأعداء الآخرين.
من الصعب تصور وجود جماعة الإخوان المسلمين في الحكومة المصرية، بحيث توجه تعليماتها لأجهزتها الأمنية للعمل بشكل وثيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كما فعلت قوات مبارك.
إن التعاون الإقليمي يعد مهماً لأن وجود القاعدة وحلفائها عبر حدود الدولة كان متقطعاً قبل الاضطرابات الأخيرة، والآن سوف يصبح الأمر أكثر صعوبة، في ظل الشك القائم بين الأنظمة القديمة والقادة الجدد.
مسار تنظيم القاعدة القادم
على الرغم من التحدي الذي شكلته الثورات العلمانية على تنظيم القاعدة، إلا أن هنالك فرصة أن تعود القاعدة وتصبح أقوى من الناحية العملية، حيث أن الديكتاتورية انهارت ولم تستبدل ببديل صلب حتى الآن
خلال الاضطرابات الأخيرة، أُفرغت بعض السجون في مصر وليبيا وعاد الجهاديون من ذوي الخبرة مجدداً إلى الشارع، وفي كلا البلدين تحول العديد من الجهاديين المحتجزين في السجون بعيداً عن العنف في العقد الأخير، بحجة أن نضال الجهاديين يمثل سوء فهم للإسلام، وقتل للأبرياء، وفشل في نهاية المطاف.
أنتج هذا التخلي عن الجهاد مهاترات وجدلا مريراً ضد تنظيم القاعدة (والذي بدوره قابل هذا العدوان بردود لاذعة )، ومع ذلك هنالك من بين المفرج عنهم بعض المتطرفين الذين هم غير نادمين على جهادهم وهم على استعداد ليعيثوا فساداً ضد أعدائهم. هؤلاء السجناء السابقون يهددون مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في وقتٍ تبدو فيه الحكومات العربية أقل رغبة أو قدرة على رصدهم وتقييدهم.
من ناحية أخرى، في البلدان التي ما زال المستبدون يتشبثون فيها بالسلطة سوف تصبح أجهزة الأمن ربما أقل فعالية ضد الجهاديين، ففي الجزائر والمغرب واليمن الآن من المرجح أن يكون المنشقون الديمقراطيون على رأس أولويات أجهزة الأمن، بدلاً من الإرهابيين المشتبه بهم.
إن بعض الدكتاتوريين مثل على عبدالله صالح في اليمن لديهم تاريخ طويل في العمل مع الجهاديين ضد أعداء مشتركين، وهو ما فعله بالفعل علي عبدالله صالح بتوظيفه للجهاديين بين صفوفه بهدف محاربة المتمردين الجنوبيين في الحرب الأهلية عام 1994.
في حقيقة الأمر، إن علي عبدالله صالح وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أعداء لهؤلاء الذين يتظاهرون من أجل الديمقراطية، ويمكن لهم أن يتعاونوا أو أن لا يعرقلوا جهود بعضهم البعض.حالياً.
من غير المرجح أن تستهدف الحكومات الديمقراطية الجديدة الحركات الجهادية أو أياً من عناصرها الظاهرة مثل الدعاة والمجندين وجامعي التبرعات، حيث إن هؤلاء الأفراد غالباً ما يكونوا أقل أهمية لصحة الحركة من المفجرين والقاتلين، ولكنهم في نفس الوقت قادرون على إخفاء أفعالهم تحت عباءة العمل السياسي الشرعي.
إن حرية التعبير تساعد على حماية بعض الأنشطة، ويرى الكثير من العرب أن النضال الجهادي في أفغانستان والعراق وغيرها من الأماكن مشروع. وبالإضافة إلى ذلك فإن للجهاديين ذكاء ودهاء إعلاميا، وسيحاولون استغلال أي حريات جديدة لتوسيع نطاق جهودهم الدعائية.
من ناحية أخرى، ثمة مسألة صعبة فيما يتعلق بدور الأحزاب الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومن منظور مكافحة الإرهاب فإن الدور الأكبر للإسلاميين قد يكون بمثابة الخبر الجيد.
على الرغم من أن منظري الإخوان المسلمين مثل سيد قطب ساعدوا على إلهام الحركة الجهادية الحديثة و أن العديد من كبار أعضاء القاعدة كانوا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قبل الانضمام إلى ابن لادن، إلا أن هنالك عداءً قديما بين المنظمتين.
في كتابه المعنون ب”الحصاد المر” ، انتقد الظواهري زعماء الإخوان بغضب؛ لرفضهم العنف ولمشاركتهم في الحياة السياسية، وانتقد أيضاً حركة حماس التي تستلهمها جماعة الإخوان المسلمين والتي لا تتوافق مع تنظيم القاعدة؛ لوقفها إطلاق النار على إسرائيل ولعدم تطبيق القانون الإسلامي في غزة والانحراف عن الإيمان التام بالجهادية، ولمنع هذه الأفكار من الحصول على قيمة، قمعت حماس بقسوة الجهاديين المؤيدين للقاعدة في قطاع غزة.
إذا كان للإخوان المسلمين نفوذ في الحكومة المصرية الجديدة، ويبدو ذلك مرجحاً؛ فإن الجماعة سوف تحمل هذا العداء معها، ولأن العديد من الجهاديين ترعرعوا في صفوفها، فإن الجماعة تعرف جيداً المجتمع الجهادي ويمكنها أن تقتلع وتزيل الشخصيات الجهادية الخطرة بشكل فعال.
كان من الحكمة أن تتجاهل كل من الإدارتين الديمقراطية والجمهورية الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية عندما كان لهم فرص ضئيلة لكسب السلطة. أما الآن، فلقد انقلبت الطاولة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تلحق بالركب، وعلى وجه الخصوص ينبغي على واشنطن أن توضح أنها لا تريد استبعاد هذه الحركات من الحكومة ولكنها تريد بدلاً من ذلك مشاركتها.
هذا سيؤدي إلى التوتر لأن الجماعات الإسلامية تسعى إلى سياسات لا تنسجم مع ما تفضله الولايات المتحدة الأمريكية، واستثناء جماعة الإخوان المسلمين من السلطة سيكون أسوأ، لأنه يشكل خطراً على الحملة الأمريكية ضد القاعدة.
في عام 1992، ألغت الحكومة الجزائرية الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون، مما أثار حرباً أهلية دامية أدت إلى تطرف الحركة الإسلامية الجزائرية وظهر الإسلاميون التكفيريون الذي ينظرون إلى المسلمين على أنهم مرتدون ، وجروا الجزائر إلى موجة من العنف غير المبرر الذي حشد الجهاديين الآخرين وبن لادن بسبب الهجمات المروعة على المسلمين. (بن لادن عمل مع فصيل من الجهاديين أقل تطرفاً في الجزائر، والذي أصبح فيما بعد نواة القاعدة في المغرب الإسلامي)
على الرغم من أن مثل هذا السيناريو يبدو مستبعداً في تونس أو مصر حيث إن كبح التطلعات السياسية للإخوان قد يؤدي إلى تنفير الإسلاميين الشباب الأقل صبراً، والذي بدوره قد يجد رسالة بن لادن جذابة ويرى أن الحكومة الجديدة معادية للإسلام . هنا يتعارض هدف مكافحة الإرهاب مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الأخرى، على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين تتحدث بشعارات صحيحة إلا أن التزامها بالديمقراطية الحقيقية غير مؤكد، وعلى أي حال فمن المرجح أن تسعى إلى فرض قيود على حقوق المرأة والأقليات في الحياة السياسية في مصر.
المنظمات الإسلامية بشكل عام تنتقد بشدة تدخل الولايات المتحدة الأمريكية العسكري في الشرق الأوسط وينتابها الشك في التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وتعارض بشدة أي شيء ينم عن علاقات طبيعية مع إسرائيل .
بشكل عام، فإن دعم دور قوي للإسلاميين في الحكومة قد يؤدي إلى نشوء نظام أقل صداقة للولايات المتحدة الأمريكية ويؤدي أيضاً إلى خلق فرص لتنظيم القاعدة إذا ما تحولت الاضطرابات والانتفاضات الحالية إلى حربٍ أهلية كما حدث في ليبيا.
في أفغانستان والشيشان والعراق والصومال واليمن بدأت الحروب الأهلية بشكل كبير لأسباب داخلية وبمشاركة جهادية قليلة، ومع الوقت دخلت القاعدة وغيرها من الجماعات، وكانوا أولاً أنصاراً للمعارضة ومن ثم نشروا انتقاداتهم اللاذعة، وذلك باستخدام مواردهم لاجتذاب مجندين جدد، في حين أن العنف المحيط ساعد على تطرف المعارضة.
لتنظيم القاعدة الآن وجود قوي في كل هذه البلدان، وبالفعل قامت القاعدة في المغرب الإسلامي بإصدار بيانات لدعم المقاتلين ضد القذافي، ومن المحتمل أن يحارب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمقاتلون الجهاديون عدواً واحداً في ليبيا.حدث هذا في منطقة البلقان في التسعينيات، عندما كانت واشنطن تساعد مسلمي البوسنة، مثلما كان المجاهدون العرب يسعون إلى مساعدة المسلمين ضد الصرب لتحويل البوسنة إلى أفغانستان جديدة.
بعد الثورة
يجب على إدارة أوباما منع القاعدة من استغلال حرية حركتها المتزايدة في العالم العربي، وفي الوقت نفسه الاستفادة من حقيقة أنَّ رسالة القاعدة فقدت مصداقيتها، وتسليط الجهود الدبلوماسية الأميركية الضوء على انتقادات القاعدة للديمقراطية، والتأكيد على فكرة أن الإصلاح يأتي من خلال التغيير السلمي.كما هو الحال دائماً، ينبغي نشر الرسالة عبر التلفزيون والراديو والتركيز على شبكة الإنترنت؛ نظراً لأهميتها في الوصول إلى الشباب، ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية أيضا أن تواصل حملتها العسكرية وغيرها من الوسائل؛ للضغط على القيادة العليا للقاعدة في باكستان على الرغم من تقلص الدعم المقدم للولايات المتحدة الأمريكية في باكستان في بعض الأوقات.
قد يكون جزءاً من تفسير الاستجابة البطيئة لتنظيم القاعدة، أن الاستجابة في ظل مثل هذا التغيير التاريخي تتطلب مشاورات مكثفة بين القادة وعقد جلسات واجتماعات مفتوحة قد تؤدي إلى شن الولايات المتحدة الأمريكية حملة عسكرية.
القاعدة سوف تقوم بتجميع صفوفها، وتنظيم تحركاتها، وتطوير رسالة متماسكة فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي على الجهاديين أن يستجيبوا بها للثورات، والهجمات والحملات العسكرية تعد أمراً حيوياً لإبعاد القاعدة عن وتيرة الأحداث ومنعها من تنسيق العمليات خارج قاعدتها في باكستان.
إن جعل استجابة تنظيم القاعدة بطيئة وغير متماسكة عبر تثبيط تواصلها، يجعل التنظيم بعيداً عن مواكبة ما تشهده الساحة من أحداث .
يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أيضاً مخاطر مكافحة الإرهاب في الحروب الأهلية التي تندلع لمقاومة الأنظمة المستبدة للديمقراطية، والخطر من ذلك يكمن في استغلال القاعدة لهذه الصراعات وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن توضح لشخصيات المعارضة مبكراً أنها ستنظر في تقديم المساعدات، والاعتراف وغيرها، إلا أن ذلك مرهون على إبقاء الجهاديين خارج صفوف المتمردين.
عندما أنشأ الجهاديون متجراً في منطقة البلقان خلال التسعينيات ساعدت الضغوط الأمريكية في إقناع قيادة تيار المسلمين البوسنيين لتطهيره، ولا يمكن لتنظيم القاعدة أن ينافس الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عندما يتعلق الأمر بالموارد أو منح الشرعية الدولية، وبالتالي فإن الاختيار بين واشنطن والقاعدة يجب أن يكون سهلاً لجماعات المعارضة.
الفشل في مساعدة المعارضين قد يؤدي باليائسين لطلب المساعدة من أي جهة، وتنظيم القاعدة سوف يحاول أن يكون تلك الجهة في حالتين: الأولى: عندما لا تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لوقف هجوم الأنظمة الاستبدادية على مواطنيها، فإن القاعدة سوف توجه الاتهام للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صديقاً للاستبداد.
والثانية: عندما تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن تنظيم القاعدة سوف يحاول التلاعب بعواطف الشعب لمناهضة الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعو لشنِّ هجمات على القوات الأمريكية وتصور التدخل على أنه جزء من خطة الولايات المتحدة الأمريكية الرئيسية لغزو الشرق الأوسط.
ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة هذا من خلال تشديد الدعم الذي تجده من المجتمع الإسلامي المحلي والدول العربية، ومع ذلك فإن صورة الجندي الأميركي بعتاد المعركة الكامل قد ينفر ولا يزال كذلك لكثيرٍ من المسلمين.
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبذل جهوداً في مجال تدريب قوات المخابرات والأمن للأنظمة الجديدة الناشئة، والخطوة الأولى في ذلك هي ببساطة كسب ثقة هذه الأنظمة، حيث من المرجح أن ينظر القادة الجدد لنظرائهم الأمريكيين كحصونٍ للنظام القديم ومصدر محتمل للثورة المضادة. والعديد من قادة الخدمة الأمنية سيكونون جدداً في مكافحة الإرهاب، بل والأهم من ذلك أنهم غير معتادين على المهمة الصعبة والمتمثلة في تحقيق التوازن بين الحريات المدنية والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب، وهذا هو المجال الذي يمكن أن يقدم فيه الكثير من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من أجهزة الاستخبارات الغربية المحلية.سيتطلب تطوير مثل هذا التعاون الوقت والصبر، ولكن يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعل من هذا الأمر أولوية.
الآن ، هنالك ما يدعو إلى الأمل في أن الثورات في العالم العربي سوف تفيد الجهود الأميركية المبذولة لمحاربة الإرهاب، ولكن ينبغي أن يتوازن هذا الأمل مع إدراك أنَّ القاعدة سوف تحصل على حرية عملية في المدى القصير، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إعادة صياغة رسالتهم والحفاظ على ضغط نواة القاعدة والاستعداد للتصدي لمحاولات القاعدة لاستغلال الحروب الأهلية، وتجديد التعاون مع المخابرات في المنطقة إذا ما كانوا يرغبون في منع القاعدة من جنْي فوائد طويلة الأمد عبر الاضطرابات التي تشهدها المنطقة.