تقديم
يتناول كتاب المسبار (الشرطة الدينية: الحسبة-الإخوان-داعش) (الكتاب العاشر بعد المئة، فبراير/ شباط 2016) قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، آخذاً بالاعتبار بداياتها التاريخية وإطارها الفقهي والديني. تأتي أهمية الموضوع المدروس في الوقت الراهن من تنامي الممارسات القمعية والرقابية، التي تلجأ إليها الحركات الإسلامية بأطرافها السياسية والسلفية والجهادية تحت شعار تطبيق «الحسبة الشرعية» التي تتعارض بشكل واضح مع مدنية الدولة الحديثة والقوانين الوضعية الناظمة للعلاقة بين الأفراد والجماعات.
هل تتضارب مؤسسات الشرطة الدينية، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الأنظمة السياسية الحديثة؟ وإلى أي مدى تندرج ضمن آليات الضبط الاجتماعي؟ وكيف تتفاعل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية معها؟ وهل القوانين والدساتير والتشريعات الدولية، وعلى رأسها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تتنافر مع الحسبة؟ هذه الأسئلة يتضافر الباحثون لتبيان جوانبها السياسية والدينية والاجتماعية.
حين يتم الحديث عن الحسبة راهناً في المجتمعات العربية والإسلامية، فالهدف رصد الظواهر الاحتسابية التي برزت في السنوات الأخيرة، نتيجة الاضطرابات الأمنية وغياب سيطرة الدولة على كامل التراب الوطني، مما دفع الجماعات المحسوبة على الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين إلى تأسيس هياكل تماثل الشرطة الدينية لتطبيق الشريعة الإسلامية. وقد ظهرت هذه الحالات في عدد من الدول العربية التي شهدت حركات شعبية احتجاجية في السنوات الأخيرة، ما لبثت أن تراجعت، وهي مرشحة للظهور إذا ضعفت القدرة الأمنية للدول. ومع ضرورة الإقرار بأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة الاجتماعية تكتسب شرعية سياسية ودينية في بعض الدول العربية، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، فمن المهم توضيح أن عديد الأصوات المرتفعة داخل هذه الدولة تطالب بالكفّ عن التدخل في حياة الناس، ووضع حد لتدخلات «الرقابة الدينية والاجتماعية» الصارمة.
يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -من وجهة نظر التيارات الإسلامية- أهم شعيرة دينية. فكيف تفاعلت معها؟
أبقت جماعة الإخوان المسلمين في مصر مصطلح «الحسبة» شحيح الوجود في أدبياتها، وتجنبت ذكره صراحة، لتميز نفسها عن بقية أطياف الإسلام السياسي والسلفي. ولا يعود ذلك إلى قناعة دينية، بقدر ما هو ترجمة لقيمة «التحايل» لدى قياداتها. بدليل ما تورّطت به عند أول اختبار في الدول التي تمكنت من حكمها.
وترى حركات إسلامية أكثر تطرفاً أن غياب مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو وضع القيود عليها، دليل على فساد المجتمعات الإسلامية وعلى عدم تطبيق الشريعة. في المقابل، يرى آخرون أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة أخلاقية يجب على الجميع التحلي بها. ولكن في الوقت نفسه فإن ممارستها على أرض الواقع يجب أن تُترك للدولة المدنية، بمؤسساتها الرقابية والأمنية والقضائية. وعليه، فلا حاجة لوجود كيان مستقل يقوم بهذا الواجب. إلى ذلك، يعتبر هؤلاء أن قضايا التدين الفردي يجب أن تبقى خارج الفعل الرقابي للدولة، وأن تكون ضمن الخيارات الشخصية الفردية في تنظيم العلاقة بين الفرد والله.
يستند من يطالب بتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. وبصرف النظر عن البعد العقدي أو الديني، تبقى الإشكالية: كيف يمكن إسقاط هذه الفريضة على واقعنا في ظل ظروف الدولة الحديثة بمؤسساتها التشريعية والقضائية؟
تاريخياً، كانت البداية لمأسسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد الخلفاء الراشدين، حيث تم تعيين محتسبين لمراقبة الأسواق وحماية الناس من الغش. ثم تطور الأمر في عهد الدولتين الأموية والعباسية، حيث تمّ تحديد صلاحيات المحتسبين حسب تطور المؤسسات وتقسيم الصلاحيات بين تلك المؤسسات.
يقدم الكتاب الذي سوف يكون من جزءين رؤية شاملة ونقدية حول قضية شائكة. وقد هدفت الدراسات إلى استجلاء هذه الظاهرة وتجلياتها وواقعها عند الجماعات الإسلامية التي تسعى إلى تطبيق «الحسبة الشرعية»، دون أن نغفل عن حقيقة أن هذه التطبيقات تتناقض مع أسس الدولة المدنية.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر: الزميل محمد الحدّاد الذي أشرف على العدد، والزميلة ريتا فرج التي نسقته، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودهما وفريق العمل.
رئيس التحرير
فبراير (شباط) 2016