تقرير: أحمد الزعبي
كتاب “المسبار” الثامن والأربعون “الإسلاميون في السودان”، ليس ملفاً وصفياً أو مؤلفاً فكرياً فحسب، بل هو إلى ذلك قراءة جديدة تضاف إلى الأعمال الجادّة التي قاربت الوضع في سودان ما بعد انقلاب 30 يونيو 1989، والتي سعت، بموضوعية وشمولية، لسبر أغوار هذا البلد الغني جداً، الذي يعتبر من أكثر البقاع تجسيداً لـ مجتمع – الأمة نظراً للتنوع الاثني والثقافي والعرقي التي يمتاز به.
وما يميز هذا الكتاب هو تجاوزه للأطر النظرية المجردة في المقاربات السوسيو – ثقافية، ليصوع قراءة تحليلية نقدية، ومليئة بالمعلومات، لأبرز الحركات الإسلامية الفاعلة في السودان منذ ثلاثينيات القرن الماضي، من دون إغفال التعقيدات والشروخ والتباينات التي تلفّ الواقع السوداني المعاصر؛ حيث الصراع محتدم على الهوية العربية والإسلامية والإفريقانية، وعلى السيادة والثروة والسلطة.
وفيما يمكن اعتباره شهادة على العصر، يقدم رئيس وزراء السودان السابق، الصادق المهدي مقاربة هامة في دراسته “مستقبل الحركة الإسلامية على ضوء المتغيرات الأخيرة”، وهو إذ يعتبر أن “للإسلام في السودان خصوصيةً، إذ دخل سلمياً عن طريق الطرق الصوفية، والعلماء، والهجرات، والتجارة”، يعتبر التصوف “أكثر مدارس الإسلام تسامحاً”، لافتاً إلى أن المدارس الإسلامية التي وفدت لاحقاً، وأهمها المدرسة الوهابية من السعودية، والإخوانية من مصر، اهتمت بمسائل أخرى، فالسلفية اتخذت طابعاً تربوياً ودعوياً، فيما أعطت الحركة الإخوانية أولوية للعنصر السياسي، وهو ما جذب حركة التحرير الإسلامي التي كوّنت مع الآخرين جبهة الميثاق الإسلامي التي اتخذت بدورها بقيادة أمينها العام حسن الترابي شكلاً جبهوياً شعبوياً مخالفاً لنهج الإخوان التقليدي.
الصادق المهدي يحدد الثغرات التي واجهت التجربة الانقلابية السودانية، التي سمّت نفسها “الإنقاذ” بالآتي: أنه في كافة الأنشطة السياسية التي يشترك فيها مدنيون وعسكريون ينشأ توتر، وأن الحركات الإسلامية تنجح في التعبئة والمعارضة من دون أن يصحب ذلك برامج محددة فإذا آلت إليهم المسؤولية انكشف هذا الضعف، وأن ادّعاء الإسلاميين حصرية التحدث باسم الاسلام أوجد استقطاباً حادّاً في الجسم الإسلامي في السودان، وأن الحرب الأهلية في الجنوب كانت أشبه بحركة مطلبية تطالب بنصيب عادل في السلطة وفي الثروة، وبالاستثناء من تطبيق الأحكام الإسلامية عليهم.
وإذ يقسّم المهدي مراحل التجرية “الانقاذية” إلى أربع، يخلص إلى طرح السؤال “هل يذوي الشعار الإسلامي في السودان؟ لكنه يسارع إلى التأكيد بأن “الإسلام ما زال في معظم البلدان الإسلامية يستأثر بالرأسمال الاجتماعي، وما زال يحتفظ بصفة البديل للأوضاع القائمة بصورة تلقائية بحيث يؤدي المزيد من الديمقراطية إلى المزيد من الأسلمة”، على اعتبار أن “للإسلام حيوية ذاتية تجعله يتوهج رغم تمسّح الفاشلين به. بل تجعله يتمدد في كل أنحاء العالم رغم ضعف وهوان المسلمين”.