تزامناً مع زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، إلى الإمارات العربية المتحدة التي تستغرق ثلاثة أيام، تلبيةً لدعوة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ينشر مركز المسبار للدراسات والبحوث ملفاً يتضمن مقالة عن العلاقات الصينية – الإماراتية في بعدها الاقتصادي والسياسي والمتوجة بمستقبل طريق الحرير الجديد، الذي انخرطت فيه دولة الإمارات عبر التوقيع على معاهدة مبادرة “الحزام والطريق”. ويقدم الملف بانوراما أوسع حول العلاقات الصينية – العربية، آخذا بالاعتبار موقع الإسلام والمسلمين فيها، والتي تطال جملة من القضايا التاريخية المهمة، من بينها: “أثر الإسلام والمسلمين في الصين”، “نشاط الاستعراب في الصين”، “المؤسسات الإسلامية التقليدية في الصين”، وقراءة في كتاب “لمحة عن الثقافة في الصين” للبروفيسور الصيني تشنغ يوي تشن.
تأتي زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، إلى الإمارات العربية المتحدة التي تستغرق ثلاثة أيام، تلبيةً لدعوة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في ضوء تطور الروابط بين البلدين لا سيما على الصعيد الاقتصادي.
بدأت العلاقات الإماراتية – الصينية مع تأسيس دولة الإمارات العام 1971 واتخذت طابعاً رسمياً مؤسساتياً مع التبادل الدبلوماسي بين البلدين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1984، وافتتحت الإمارات سفارة لها في العاصمة الصينية بكين في 19 مارس (آذار) 1987. وقام الرئيس الصيني – آنذاك – يانغ شانغكون بأول زيارة للإمارات خلال شهر ديسمبر (كانون الثاني) العام 1989، وبعدها بعام زار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله) الصين لتوطيد العلاقات بين الدولتين في المجال الثقافي.
شهدت السنوات الأخيرة نمواً مضطرداً للتبادل التجاري والقطاع السياحي بين الإمارات والصين. وتشير الأرقام الصادرة عن دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي “دبي للسياحة” إلى تزايد أعداد الزوار من الصين بشكل كبير، حيث بلغت نسبة السواح منذ العام 2014 ولغاية مايو (أيار) 2018 حوالى 119%، بعدما كانت قد بلغت خلال العام الماضي 41.4% مقارنة مع العام 2016.
المصدر: الحساب الرسمي للمكتب الإعلامي لحكومة دبي
يسعى البلدان إلى توطيد الشراكات الاقتصادية عبر التعاون المشترك في مجالات الطاقة والنفط والبنى التحتية. “وبدأت هيئة كهرباء ومياه دبي بناء مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في نوفمبر 2016 وذلك ضمن مشروع مشترك مع شركة «أكوا باور هاربين» القابضة المكونة من شركة «أكوا باور» السعودية و«هاربين إلكتريك» الصينية، وتسعى هيئة كهرباء ومياه دبي إلى تحقيق استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، حيث يعد إنتاج الكهرباء باستخدام الفحم النظيف جزءاً من مزيج الطاقة في دبي”. (راجع: وائل نعيم، دبي تستهدف شراكات طويلة المدى مع هيئات صينية في الطاقة، جريدة البيان الإماراتية، 19 يوليو (تموز) 2018).
وكشف تقرير التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات والصين عن ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في نهاية العام 2017 إلى 53.3 مليار دولار (نحو 195.8 مليار درهم)، مقابل 46.3 مليار دولار (169 مليار درهم) بنهاية عام 2016 بمعدل نمو نسبته 15.1%.. وأوضح التقرير أن ذلك جاء نتيجة لارتفاع قيمة إعادة التصدير بنسبة 37.4% إلى 3.5 مليارات دولار (12.8 مليار درهم)، ونمو الواردات 14.7%، لتصل إلى 48.3 مليار دولار (177.4 مليار درهم). وبيّن أن التجارة الخارجية للدولة مع الصين، توزعت خلال العام الماضي بين التجارة المباشرة بقيمة 25.685 مليار دولار بنسبة 48% من إجمالي التجارة الخارجية مقابل 52% حصة المناطق الحرة والبالغة 101.5 مليار درهم. (راجع: جريدة الإمارات اليوم، 5 يوليو (تموز) 2018).
لقد أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ، عام 2013 مشروعاً ضخماً: “طريق الحرير الجديد” أو ما يُعرف رسمياً بـــ مبادرة “الحزام والطريق”، وتضمن انفاق الصين مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية. والمبادرة هي بالأساس استراتيجية تنموية طرحها الرئيس الصيني، تتمحور حول التواصل والتعاون بين الدول، وخصوصاً بين الصين ودول أوراسيا، تحتوي على فرعين رئيسين، وهما “حزام طريق الحرير الاقتصادي” البري و”طريق الحرير البحري.” وتنفق الصين حالياً حوالي 150 مليار دولار سنوياً في الدول الـ 68 التي وافقت على المشاركة في المبادرة. (راجع: مشروع “طريق الحرير” الصيني، موقع بي بي سي، عربي، 15 مايو (أيار) 2017).
يمر الطريق بأكثر من 100 دولة، ويشمل 63% من سكان العالم، و 29 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وربع مبيعات الصين في العالم من السلع والخدمات. ويفتح هذا الطريق آفاقاً جديدة للتعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط، وقد وقعت خمس دول عربية معاهدة طريق الحرير مع الصين وانضمت 7 دول عربية (السعودية، الإمارات، الكويت، عُمان، قطر، الأردن، ومصر) إلى البنك الآسيوي للاستثمار الذي أنشأته الصين ضمن منظومة مالية من أجل تمويل المشروع. (راجع: نهلة جبر، طريق الحرير، استراتيجية القوة الناعمة، ورقة منشورة على موقع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة). ولكن ما هي الفرص المتاحة أمام الإمارات للإفادة من هذا المشروع الضخم؟ تلفت الخبيرة الاقتصادية نيفين حسين إلى مجموعة المعطيات الاقتصادية التي من شأنها تعزيز هذه الفرص، “فالإمارات تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري مع الصين وأكبر سوق للتصدير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعدد من السنوات حتى أصبحت السوق الرئيسة للمنتجات الصينية (…) لا يقتصر التعاون فقط على المجال الاقتصادي فقد شهدت العلاقات الثقافية تطوراً لافتاً من خلال البعثات والحوارات الثقافية التي كانت تقام في كلا البلدين، وأظهرت البيانات أن في عام 2015 يعمل في دولة الإمارات أكثر من 200000 صيني تربطهم علاقات صداقة وثيقة مع الشعب الإماراتي”. وتبين حسين “أن تجاوب دولة الإمارات لبناء مشروع “طريق الحرير الجديد” ودعمها له سوف ينعكس ايجابياً على الإمارات بالإفادة من خبرات الصين وصناعاتها. ومن بينها الصناعات ذات التكنولوجيا الفائقة سواء فنياً أو هندسياً، بأسعار وسياسات تفضيلية في إطار مشروع “الحزام والطريق” وبمساعدة صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية”. وتوضح حسين: ” أن تعزيز العلاقات مع الصين سوف يتيح للإمارات فرصاً كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستمر على المدى البعيد. علماً أن تطوير العلاقات مع الصين جاء كأمر طبيعي عبر طريق الحرير بشقيه البري والبحري. علاوة على ذلك فإن طريق الحرير الجديد سوف يزيد حجم التبادل التجاري والاسثتماري بين دولة الإمارات مع الدول المشاركة في الطريق وسيتعدى هذه الدول إلى الدول الأخرى القريبة من هذا المشروع يعظم آفاق التجارة والاستثمار معها، بالأضافة إلى خلق آلاف الوظائف في الدول التي سيمر بها طريق الحرير الجديد” (راجع: طريق الحرير الجديد وأثره على دولة الإمارات العربية المتحدة، الربع الأول لعام 2016، إعداد: نيفين حسين، 2016، الإمارات العربية المتحدة وزارة الاقتصاد، ص 11-12).
طريق الحرير الجديد أو مبادرة “الحزام والطريق”
تعتمد الصين على إستراتيجيات التسوية الهادئة في تعاملها مع الملفات السياسية المعقدة في مجالها الجيواستراتيجي وأزمات الشرق الأوسط. وفي إطار الصعود الكبير الذي حققته خلال العقود الثلاثة السابقة، تلاحظ ماجدة صالح (مدير مركز الدراسات الآسيوية ـ جامعة القاهرة) أنه صعود اقتصادي تميز بالسلمية، وقام على مبادئ أساسية تعد ركائز ثابتة طالما استندت إليها سياسة الصين الخارجية في المجالين الإقليمي والدولي منذ استقلالها الحديث عام 1949، تتمثل هذه المبادئ في مبادئ خمسة: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، وعدم الاعتداء على دولة أخرى، أو التدخل في شؤونها الداخلية، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة بين الدول، والحفاظ على التعايش السلمي والاستقرار على المستوى العالمي. حيث استمدت الصين من هذه المبادئ أهدافاً متعددة سعت لتحقيقها بما يتوافق مع اعتبارات المصلحة القومية العليا لها.
إن زيارة الرئيس الصيني تتوج مسيرة من العلاقات الإيجابية بين الدولتين التي شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وأتت لتؤكد المكانة المهمة التي احتلتها الإمارات لدى بكين المرشحة مستقبلاً للقيادة العالمية. لقد استشرف المؤرخ والفيلسوف الأميركي ويل ديورانت مستقبل الصين قائلاً: «وأكبر الظن أن الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى أمريكا نفسها، وأن الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مراراً في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة».