Russian- Saudi Relations: From the Beginning and forward
بدأ التعامل المتعدد النواحي بين بلادنا والمملكة العربية السعودية منذ 92 عاما. وكان الاتحاد السوفياتي أول بلد في العالم اعترف في سنة 1926 بالمملكة السعودية، الشابة، وأقام العلاقات الدبلوماسية معها. ومن المفرح أنه لا يزال أصدقاؤنا السعوديون يتذكرون ذلك حتى الآن، ويعربون عن شكرهم لهذا القرار التاريخي.
كما يعلم كثير من قراء مجلة ”Russian View “، فإن العلاقات الثنائية بين موسكو والرياض شهدت مراحل من التقدم والتراجع نتيجة فترة طويلة من برود العلاقات، غير أنه تم التغلب في نهاية المطاف على ذلك، عبر سعي الطرفين لاستئناف تعاونٍ متبادلَ المنفعة في المجالات كافة، ما أدى إلى استعادة العلاقات الروسية السعودية بشكل كامل في العام 1991، كما تم فتح البعثة الدبلوماسية في كل من بلدينا؛ وتجديد تبادل الوفود على مستويات مختلفة.
تُبذَل منذ ذلك الحين الجهود المتتالية الرامية إلى تنمية الشراكة العملية، والعلاقات الانسانية بين البلدين، والحفاظ على الحوار السياسي المتواصل حول مسائل عديدة تهم الطرفين.
ويضع زعيما بلدينا فخامة الرئيس فلاديمير بوتين وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ نهجًا عامًا لهذا العمل الواسع النطاق. وإنهما يمدان بمعنى الكلمة: طريق العلاقات الروسية السعودية؛ ويحددان ويشرفان شخصيًا على تحقيق الأهداف ذات الأولوية من أجل تطويرها المتواصل.
وبهذا الصدد، أود أن اشير إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين أصبح أول زعيم -في تاريخ دولتنا- يقوم بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في فبراير(شباط) 2007، وهي الزيارة التي تم خلالها التوصل إلى اتفاقات مبدئية مهمة مع الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، مما خلق بوادر ضرورية للموافقة بعد ذلك على المشاريع المشتركة الكبرى.
وفي العام (2007) نفسه تعرف الرئيس بوتين على العاهل السعودي الحالي جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي كان آنذاك اميرا لمنطقة الرياض، وزار الرئيس بوتين وسط عاصمة المملكة حيث شارك في العرضة” الوطنية بالسيوف.
وقد تبلورت العلاقات التي أقيمت بين زعيمينا على أسس الحوار الوثيق والصريح، والذي تعتبر مكالماتهما الهاتفية الدورية وتبادل الرسائل جزأ لا يتجزأ منه. وبالمناسبة فقد جرى أول لقاء شخصي بين الرئيس بوتين والملك سلمان منذ توليه مبايعته ملكًا للسعودية على هامش مؤتمر قمة “مجموعة الـ 20” في اناطولية التركية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2015.
كانت زيارة الملك سلمان إلى موسكو في 4-8 اكتوبر 2017 لروسيا الأولى من نوعها، حيث لم يزر الملوك السعوديون دولتنا سابقًا. وكان برنامج زيارة الملك سلمان مكثفا للغاية وشمل إجراء مفاوضات القمة (الروسية-السعودية)، واللقاء مع رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف، ومباحثات مع عدد من رؤساء الجمهوريات لروسيا الاتحادية وأبرز رجال الدين الإسلامي في المجتمع الروسي.
ومن نتائج القمة الروسية السعودية في موسكو التوقيع على 14 اتفاقية بين الحكومتين والوزارات المعنية ومذكرات التفاهم والبروتوكولات والعقود التجارية الكبرى. فإن هذه الرزمة الكبيرة من الوثائق لم تشكل مجرد أطر قانونية ضرورية للتعامل في مجالات ذات الاهتمام المشترك فحسب، بل وسمحت بالارتقاء بالتعاون -المتعدد الأوجه بين موسكو والرياض- إلى مستوى نوعي جديد.
وليس بالإمكان إغفال المساهمة الشخصية في هذا المجال لسمو ولي عهد خادم الحرمين الشريفين، الأمير محمد بن سلمان الذي زار روسيا الاتحادية عدة مرات والتقى مع الرئيس بوتين بما في ذلك في إطار افتتاح مونديال كرة القدم – 2018 في 14 يونيو(حزيران) الماضي. وفي 1 ديسمبر(كانون الأول) 2018 جرى لقاء جديد بين الرئيس الروسي وسمو الامير محمد وذلك على هامش قمة مجموعة العشرين في العاصمة الارجنتينية بوينس-ايرس.
يعتبر “ضبط الساعة” الصريح بشأن قضايا ملحة للأجندة الدولية والإقليمية من أهم عناصر العلاقات (الروسية- السعودية). وعلى الرغم من وجود خلافات وتباينات طفيفة، فإنّ مواقفنا تتطابق في النقاط الاستراتيجية. ومما يربط بين موسكو والرياض هو احترام القانون الدولي والميثاق الأممي بما فيه مبادئ احترام سيادة الدول واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما ندعو بالتضامن إلى تسوية النزاعات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بوسائل سلمية، وحوار وطني شامل، ومكافحة صارمة للإرهاب وأيديولوجية التطرف.
وهناك التنسيق المكثف حول هذه المواضيع الهامة، والأمور الأخرى بين وزارتي خارجية البلدين، ويواصل الوزير سيرغي لافروف والوزير عادل الجبير اتصالات دورية وفي أطر مختلفة، بما في ذلك على هامش منتديات متعددة الأطراف. وتم آخر لقاء بينهما في 29 اغسطس(آب) عام 2018 في العاصمة الروسية. وقبل ذلك – في 9-10 سبتمبر(أيلول) 2017 في إطار جولته الاقليمية زار السيد لافروف المملكة العربية السعودية حيث استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وأجرى الوزير الروسي المحادثات مع نظيره وزير الخارجية السعودي.
وتتطور العلاقات السياسية الثنائية التي حصلت على دفعة ملموسة بعد الزيارة الرسمية إلى المملكة لرئيسة مجلس الفيدرالية الروسي السيدة فالنتينا ماتفيينكو في أبريل(نيسان) 2017. وساهمت هذه الزيارة بلا شك في تمتين التعاون في هذا المجال المهم، عبر مشاركة وفد مجلس الشورى السعودي برئاسة رئيس المجلس عبد الله ال الشيخ، في الجمعية الـ 137 للاتحاد البرلماني الدولي في 14-18 اكتوبر(تشرين الأول) 2017 في سنكت-بطرسبورغ. وفي الصف نفسه تقف زيارة نائب رئيس مجلس الشوري السيد يحيى الصمعان الى موسكو في 4-7 مارس(آذار) 2018 ومشاركة الممثلين السعوديين في المؤتمر الدولي لتطوير البرلمانية في 4-5 يونيو الماضي ومقابلة ما بين السيد ايلياس اوماخانوف، نائب رئيس مجلس الفدرالية ووفد رئاسة مجلس الشورى في إطار المنتدى البرلماني لدول مجموعة ال20 في الفترة من 31 اكتوبر(تشرين الأول) إلى 2 نوفمبر(تشرين الثاني) 2018 في بوينس-ايرس.
نعطي اهتماماً كبيراً لتنمية التعاون العملي الثنائي بين البلدين. وقد قطع الطرفان شوطا كبيرًا: فبلغ حجم التبادل التجاري 915,2 مليون دولار في 2017 ما يفوق المؤشر نفسه لعام 2016 بمرتين. وعلى الرغم من أن هذا الوضع لا يتناسب مع قدرتنا الحقيقية بشكل كامل، لكننا نشهد التقدم الواضح. ويجب العمل بنشاط ليس من أجل الحفاظ على هذا الميل الإيجابي فحسب بل ومضاعفة النتائج المحققة.
ولأجل تنفيذ هذه المهمة توجد آلية فعالة اظهرت نفسها من الجانب الإيجابي وهي اللجنة الحكومية (الروسية – السعودية) المشتركة للتعاون التجاري الاقتصادي والتقني العلمي، وهي التي يترأسها السيد الكساندر نوفاك، وزير الطاقة لروسيا الاتحادية من الجانب الروسي ومعالي السيد ماجد القصبي، وزير التجارة والاستثمار للمملكة العربية السعودية من الجانب السعودي. وأجرت إلى حد الآن 5 جلساتمشتركة، حيث انعقدت جلستها الاخيرة في 31 اكتوبر(تشرين الأول) – 2 نوفمبر(تشرين الثاني) من العام 2017 في الرياض.
وكانت البعثتان الصناعية والزراعية اللتان نظمناهما إلى العاصمة السعودية خلال عام 2017 مفيدتين جدا؛ من حيث إقامة وتنشيط الصلات المباشرة بين أوساط الأعمال الروسية والسعودية.
وتتطور الشراكة بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وصندوق الاستثمارات العامة السعودي بنجاح ، والأخير أعلن عن نيته استثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في تنفيذ المشاريع الكبرى في روسيا. وفي إطار المنصة المشتركة الخاصة، تتحقق الاستثمارات ذات الصلة، بقيمة حوالي ملياري دولار. تظهر هذه الاستثمارات الفائدة الإيجابية حاليًا. وهناك عدد من المقترحات والصفقات المعنية التي ما زالت قيد الدراسة، ويمكن الاتفاق عليها في القريب العاجل.
تجدر الإشارة إلى تعامل موسكو والرياض في سوق الهيدروكربونات الدولية. ليس سرا لأنَه تم وبدرجة كبيرة بفضل هذا التنسيق التوصل إلى الاتفاقات المعروفة في إطار “أوبك+” حول تقليص كميات انتاج النفط. وساعد تنفيذها الناجح في التغلب على الأزمة المتعلقة بالتقلبات غير المسيطر عليها في أسعار النفط الدولية، ومكّن ذلك من تمديد الاتفاقات المذكورة حتى نهاية عام 2018. ونأمل أنه من خلال هذه الجهود أن تكتسب عملية إعادة استقرار تسعير “الذهب الاسود” طابعًا ثابتا وغير قابل للمراجعة.
وتنوي روسيا والمملكة العربية السعودية تنفيذ المشاريع الثنائية في مجالات الطاقة والكيمياء النفطية وتناقشان بشكل نشط الفرص الكبيرة المتوفرة في هذا المجال. وفي ديسمبر(كانون الأول) عام 2017 حضر معالي السيد خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والموارد المعدنية السعودي مراسم إطلاق مشروع “يامال – الغاز الطبيعي المسال” في قرية سابيتا، حيث أتيح له الاجتماع المختصر بفخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما أن معالي السيد ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي زار المملكة مرتين في العام الحالي(2018)، وذلك في فبراير(شباط) حيث تشرف بالمقابلة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ثم مرةً ثانية في أبريل (نيسان).
اكتسبت الاتصالات المباشرة على مستوى الشركات طابعًا دوريًا متتاليًا. وتزور السعودية وفود شركات “روسنفط” و”غازبروم” و”غازبرومنفط” وأبرز الشركات الروسية الاخرى. وتشكل مذكرات التفاهم التي وقعتها “غازبروم” و”غازبرومنفط” مع شركة “أرامكو” السعودية واتفاقية التعاون بين “أرامكو” وشركة “سيبور” القابضة الروسية بشأن تنفيذ المشاريع في مجال تكرير النفط أساسا لهذا التعاون.
وخلال زيارته الى بلادنا في 6-14 نوفمبر(تشرين الثاني) 2018 وقع رئيس “ارامكو” السعودية السيد أمين الناصر مع رئيس جامعة موسكو الأكاديمي فيكتور سادوفنيتشي على اتفاقية التعاون في مجال الأبحاث العلمية والتي تنص على إقامة مركز الدراسات العلمية لدى الجامعة المذكورة.
إن الجانب الروسي جاهز لمساعدة الشركاء السعوديين في تطبيق برنامجهم الوطني للاستخدام السلمي للطاقة النووية الذي يخص بتأسيس المنشآت ذات الصلة في المملكة. ننطلق من أن الخبرة الفريدة والتكنولوجيات المتقدمة للخبراء النوويين الروس بما في ذلك أعلى معايير الأمن قد تكون مفيدة عند تنفيذ هذه الخطط المذكورة.
والتعاون الروسي السعودي يصب في عدد من الاتجاهات الواعدة للعمل المشترك من أجل زيادة التعاون التجاري أيضًا. بالطبع من الممكن ومن الضروري إضافة مجالات اخرى إليها مثل الصناعة ومشاريع البنية التحتية والنقل والزراعة. وتقوم الهيئات البيطرية لبلدينا بتنظيم توريدات القمح ومنتجات تربية المواشي الروسية إلى المملكة العربية السعودية.
وتتعاون بشكل نشيط حكومات الجمهوريات ضمن روسيا الاتحادية مع الشركاء السعوديين. وفي الفترة من 19 الى 22 اغسطس(آب) الماضي زار المملكة رئيس جمهورية الشيشان السيد رمضان قديروف الذي نقل أثناء مقابلته مع سمو ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان رسالة شفهية من فخامة الرئيس بوتين الى خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان. كما زار المملكة العربية السعودية قبل ذلك كل من رئيس جمهورية تاتارستان السيد رستم مينيخانوف، ورئيس جمهورية انغوشيا السيد يونس-بك يفكوروف، ورئيس جمهورية باشكورتوستان السيد روستم حاميتوف.
وتُتخذ خطوات لتنشيط التعامل مع المملكة عبر هيئات البلدين المعنية بتقديم الإغاثة وإجراء العمليات الإنسانية الاخرى. وفي هذا الصدد كانت مشاركة ممثلي وزارة الطوارئ الروسية في المؤتمر الإنساني الدولي الاول الذي جرى في الرياض في الفترة ما بين 25 و27 فبراير(شباط) عام 2018 مثمرة حيث تم التوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة مع الشركاء السعوديين.
وأخذنا بعين الاعتبار الدور المحوري السعودي في العالم العربي الاسلامي ونعطي أهمية كبيرة للحفاظ على الحوار الدائم مع الرياض حول: التعاون بين الحضارات والأديان؛ وترويج مبادئ التسامح والاعتدال واحترام ممثلي الديانات العالمية الاساسية. وفي هذا السياق نتواصل مع الشركاء السعوديين بشأن تنظيم أحد الاجتماعات الدورية لمجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا – العالم الاسلامي” في أراضي المملكة.
ونقدر حسن تعامل السلطات السعودية مع الحجاج الروس الذين يزورون كل سنة الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم يعودون إلى أرض وطنهم بأطيب وأجمل الانطباعات والذكريات.
هذا وشهد العام الجاري عدداً من الفعاليات الثقافية البارزة. تزامنا مع افتتاح بطولة كرة القدم العالمية، تم تنظيم أيام الثقافة السعودية بمتحف موسكو. كما أُجريت بنجاح كبير في 16-17 يوليو(تموز) 2018 بمدينة الظهران السعودية، حفلات الجوقة الموسيقية السمفونية التابعة للمسرح الماريينسكي بادارة السيد فلاديمير غيرغييف وذلك لأول مرة في تاريخ علاقاتنا الثنائية. وحضرت مراسم افتتاحها معالي السيدة اولغا غولوديتس، نائبة رئيس حكومة روسيا الاتحادية. كما أثار اهتمامًا بالغًا لدى السعوديين عرض لوحات أبرز الرسامين الروس بما فيهم فاسيلي كاندينسكي وبافيل فيلونوف والذي تم تنظيمه في إطار منتدى الاستثمار الدولي “Future Investment Forum” او “دافوس في الصحراء” بالرياض في الفترة من 22 إلى 25 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي. وشارك في مؤتمر سانكت-بطرسبرغ الثقافي الدولي السابع سمو الامير بدر بن عبد الله بن محمد الفرحان ال سعود، وزير الثقاففة السعودي الذي التقى بزميله الروسي معالي السيد فلاديمير ميدينسكي.
وبشكل عام ننظر بثقة إلى مستقبل العلاقات (الروسية-السعودية) التي تعتمد على أساس متين من الاحترام المتبادل، والحرص المشترك على مواصلة التنسيق بين موسكو والرياض، في سياستهما الخارجية، وتعميق التعاون الثنائي في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية وغيرها من المجالات. وننطلق دائمًا من أن التقدم الناجح في هذا الاتجاه يتفق مع مصالح طويلة الأمد لبلدينا وشعبينا ويخدم لصالح تعزيز الاستقرار الاقليمي والعالمي.
نشرت المادة في مجلة “رؤية روسية” Russian Viewفي عدد (يناير- فبراير) 2019.