جمانة مناصرة- باحثة في العلاقات الدولية تعمل في مركز المسبار للدراسات والبحوث
في الوقت الذي تكافح فيه الدول في جميع أنحاء العالم لإدارة تداعيات انتشار فيروس “كوفيد -19” تثار مخاوف بشأن تأثير الوباء على العنف القائم على نوع الجنس (GBV) والعنف المنزلي[1]. وتتمحور في أن دفع تدابير مكافحة الوباء المتمثلة بتقييد الحركة والعزل المنزلي، تزيد من احتمالية التأثر بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
اقترن عدم المساواة بين الجنسين والمعايير المنحازة الموجودة مسبقًا مع زيادة التعرض للمسيئين في المنزل، وأدى في ظل الصدمات الاقتصادية إلى خلق مزيج قوي: دفع لتنامي العنف. ومع تصاعد الأزمة الصحية، التي تستلزم زيادة الاستثمار في الرعاية الصحية، تنامت أخطار أخرى، نتيجة صعوبة تحقيق الخدمات المتعلقة بالعنف نتيجة للتحول في الأولوليات.
من المتوقع أن يكون للقيود المفروضة بسبب الوباء نتائج سلبية على النساء والأطفال الذين يعيشون مع شخص مسيء أو مسيطر، في ضوء تقييد الحركة والقدرة على الوصول إلى خدمات الدعم بشكل كبير؛ جراء تحويل الاهتمام والموارد بعيدًا عن النظم القضائية نحو تدابير الصحة العامة الأكثر إلحاحًا. ناهيك عن تقليص الخطوط الساخنة ومراكز الأزمات والملاجئ، وكذلك المساعدة القانونية الحيوية والخدمات الاجتماعية بسبب تدابير مكافحة العدوى.
ومع قيام (90) دولة في العالم بتبني تدابير الإغلاق العام في الشهرين الماضيين من عام 2010. حجر (4) مليارات شخصٍ أنفسهم داخل بيوتهم. وترى الأمم المتحدة أن الوباء حفز تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة. إذ تظهر أحدث التقارير زيادة العنف ضد المرأة بنسبة (30%) بالمتوسط في أوروبا. شهدت فرنسا ارتفاعا بنسبة (30%)، وفي الأرجنتين (25%) وفي سنغافورة (25%)، كما شهدت إسبانيا زيادة بنسبة (270%) في الاتصالات للحصول على المشورة للنساء المحصورات في المنازل منذ بدء إجراءات العزل العام[2]. وفي الأرجنتين قتلت (18) امرأة على أيدي أزواجهن أو شركائهن السابقين خلال الأيام الـ(20) الأولى من العزل التي بدأت في 20 مارس (آذار). كما ارتفعت نسبة الاتصالات بأرقام الطوارئ طلبًا للمساعدة بنسبة (39%). وبشكل عام، سجلت أمريكا اللاتينية (3800) جريمة قتل طالت نساء عام 2019. وتمّ تسجيل (200) جريمة قتل تطال النساء ارتكبت منذ 24 مارس (آذار) 2020، تزامنا مع تدابير الإغلاق[3].
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 5 أبريل (نيسان) 2020، نتيجة لتدهور الأوضاع في عدد من الدول جراء انتشار الوباء، وخطورة الموقف على الصعيد العالمي، إلى حماية النساء والفتيات من العنف الأسري، وسط تقارير تنامي حالات العنف المنزلي خلال الإغلاق. وقال غوتيريش: إن “العنف لا يقتصر على ساحات المعارك”، وأضاف: “بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، فإن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يفترض به أن يكون واحة أمان لهنّ، إنه المنزل”. لذا فإنّني أوجّه نداء جديدًا اليوم من أجل السلام في المنازل في جميع أنحاء العالم”[4]. وعبرت فيكتوريا آغيري من منظمة “مومالا” الأرجنتينية غير الحكومية التي تحارب العنف ضد النساء عن الموقف بقولها: “إن العزل يغرق آلاف النساء في الجحيم، وهن محاصرات مع مهاجمين يخافون منهم أكثر مما يخافون من فيروس كورونا”[5]. وطبقًا لأماندا بايرون، مديرة منظمة “ذا نتوورك” للتصدي للعنف، تكمن المشكلة الأكبر في ظل الظروف الحالية في وجوب بقاء كل من المسيء وضحيته في مسرح الجريمة”، وهو ما يجعل المنزل مكاناً غير آمن بالضرورة[6].
أكدت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا سيمونوفيتش، أنه “من المرجح جدا أن تزيد معدلات العنف المنزلي المنتشرة” حسبما توضح لنا “تقارير الشرطة الأولية وخطوط الإبلاغ الساخنة”. وأشارت السيدة سيمونوفيتش إلى أن الأمر يسوء لأن القيود على الحركة والقيود المالية والإحساس العام بعدم اليقين، كلها “تشجع الجناة وتزودهم بسلطات وسيطرة إضافية”. وأعربت سيمونوفيتش عن مخاوف خاصة بشأن النساء الأكثر تعرضا لخطر العنف المنزلي، مثل من يتعايشن مع الإعاقة، والمهاجرات دون أوراق وثائقية وضحايا الاتجار بالبشر[7].
وتأتي دعوات غوتيريش والدعوات المماثلة في ضوء تنامي مخاوف الأفراد وفقدان الإحساس بالأمان على صعد عدة، في ضوء تقييد الحركة وتزايد الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن القلق الأساسي المتعلق بوجود مهدد لحياتهم ومن يحبون جراء انتشار الفيروس.
توقع بتنامي معدلات العنف
رجح بحث صادر عن صندوق الأمم المتحدة للإسكان، الوكالة الأممية المعنية بتعزيز الصحة والحقوق الإنجابية، أن الحالة الصحية العامة الطارئة بسبب انتشار فيروس كورونا، والتي فرضت قيودا على الحركة وتعطل سلاسل الإمداد، تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات، ويعرضهن للعنف القائم على الجنس وغيرها من الممارسات الضارة، وتوقع البحث الذي تم إعداده بمساهمة من جامعة جون هوبكينز في الولايات المتحدة وجامعة فيكتوريا في أستراليا ومنظمة آفنير هيلث Avenir Health أن تتنامى هذه الأخطار بشكل أكبر خلال الأشهر المقبلة في حال استمرار القيود المفروضة[8].
ووفقًا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للإسكان من المتوقع حدوث (31) مليون حالة إضافية من العنف القائم على نوع الجنس إذا استمر الإغلاق لمدة (6) أشهر أخرى. ومع كل (3) أشهر إغلاق، من المتوقع حدوث (15) مليون حالة إضافية من العنف القائم على الجنس. وقالت الدكتورة ناتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: إن المعطيات الجديدة تلقي الضوء على التأثير الكارثي لـ(كوفيد -19) الذي ستظهر تداعياته قريبا على النساء والفتيات حول العالم. وأشارت إلى أن الجائحة تعمّق انعدام المساواة، مع خطر فقدان ملايين أكثر من النساء والفتيات القدرة على تنظيم الأسرة وحماية أجسادهنّ وصحتهنّ. وأضافت: “يجب صون الصحة الإنجابية للنساء وحقوقهنّ بأي ثمن، ويجب الاستمرار بتقديم الخدمات وتسليم الإمدادات، وينبغي حماية الضعيفات ودعمهنّ”[9].
مبادرات مصممة لتخفيف الأزمة وأخرى منتظرة
حثت منظمة الأمم المتحدة جميع الحكومات على جعل منع العنف ضد المرأة، وجبر الضرر الواقع من جراء هذا العنف، جزءا رئيسا من خطط الاستجابة الوطنية الخاصة بـ(كوفيد -19)، وحددت العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين الوضع، بما فيها: زيادة الاستثمار في الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدني. والتأكد من استمرار الأنظمة القضائية في مقاضاة المعتدين. إنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليات والمتاجر. وإعلان إدراج الملاجئ في فئة مرافق الخدمات أساسية. وإيجاد طرق آمنة للنساء لالتماس الدعم، دون تنبيه المعتدين عليهن. تجنب إطلاق سراح السجناء المدانين بالعنف ضد المرأة، بأي شكل من الأشكال. وتكثيف حملات التوعية العامة، وخاصة تلك التي تستهدف الرجال والفتيان[10].
حلول مبتكرة لإجراءات الحماية
دعت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا سيمونوفيتش الحكومات إلى “عدم تعليق إجراءات حماية الضحايا” وحثتها على مواصلة مكافحة العنف المنزلي في زمن انتشار الفيروس. وأضافت: “يجب أن تظل تدابير حماية الضحايا متاحة، أو يتم تبنيها أثناء الأزمة”، كما “يجب على الشرطة زيادة جهودها للعمل السريع”. وأشارت إلى أن الاتصال هاتفيا لطلب المساعدة قد يكون خطرا في سياق ظروف الحجز المنزلي الشائعة اليوم، وطالبت بتوفير خدمات المساعدة عبر الدردشات عبر الإنترنت وخدمات الرسائل النصية للضحايا، داعية الدول إلى “التوصل إلى حلول جديدة ومبتكرة” لدعم الضحايا.
وقالت سيمونوفيتش: “يجب على الحكومات ألا تسمح للظروف الاستثنائية والتدابير التقييدية ضد (كوفيد -19) بأن تؤدي إلى انتهاك حق المرأة في حياة خالية من العنف”[11].
المكالمة الصامتة
وفي إطار هذه الجهود، قامت جهات مختصة في بعض الدول بإتاحة إمكانية القيام بالمكالمة الصامتة على خط الطوارئ في حال عدم القدرة على التحدث بصوت عال. يمكن الاتصال والاستماع إلى التعليمات والضغط على أرقام معينة لتأكيد وجود حالة طوارئ[12]. وبالرغم من توافر هذه الخاصية، يجب ألا تكون هذه الطريقة هي طريقة الخدمة الوحيدة، أو أن يُنظر إليها على أنها حل لكل المواقف. يجب إيجاد حلول بديلة لتكملة خدمات الخط الساخن، وتوسيع الخدمات المقدمة للأشخاص الذين قد لا يتمكنون، لأي سبب من الأسباب من الوصول إلى الخدمات المقدمة عبر الوسائل المذكورة أعلاه[13].
الخلاصة
في الختام، أدى انتشار فيروس “كوفيد -19” إلى تنامي العنف وجرائم القتل ضد النساء في دول عدة، والتي كرستها ظروف الحجر المنزلي وتفاقم الظروف الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ومثلما حذرت تقارير عدة، من المتوقع أن يؤدي الاستمرار أو تمديد تدابير الإغلاق إلى تفاقم ظاهرة العنف المنزلي عالميًا. ومن منظور آخر، يعد تنامي العنف القائم على الجنس خلال تدابير الإغلاق في دول عدة، فرصة لإلقاء المزيد من الضوء على خطورة الحدث، ويمثل دعوة جديدة للزوم إصلاح نظم العدالة لمحاربة جميع أشكال العنف.
[1]– Dorcas Erskine, “Not just hotlines and mobile phones: GBV services provision during COVID- 19,” https://www.unicef.org/media/68086/file/GBV%20Service%20Provision%20During%20COVID-19.pdf
[2]– “ماهي الحلول الممكنة للتغلب على تنامي العنف الأسري خلال الحجر المنزلي” https://arabic.euronews.com/2020/04/08/women-on-frontline-need-to-be-included-in-pandemic-response
[3]– “كورونا كورونا… العنف ضد النساء (وباء) آخر يجتاح أمريكا اللاتينية” https://arabic.euronews.com/2020/04/21/after-coronavirus-violence-against-women-another-pandemic-spreading-latin-america
[4]– “الأمين العام للأمم المتحدة يدعو لحماية النساء حول العالم من العنف المنزلي خلال الحجر الصحي” https://www.france24.com/ar/20200406-الأمين-العام-للأمم-المتحدة-يدعو-لحماية-النساء-في-العالم-من-العنف-المنزلي-خلال-الحجر-الصحي
[5]– “كورونا كورونا… العنف ضد النساء (وباء) آخر يجتاح أمريكا اللاتينية” https://arabic.euronews.com/2020/04/21/after-coronavirus-violence-against-women-another-pandemic-spreading-latin-america
[6]– “المنزل ليس آمنا”: مخاوف من ارتفاع حالات العنف الأسري وسط عزل كورونا، https://arabic.euronews.com/2020/03/26/fears-of-spikes-in-domestic-violence-amid-coronavirus-confinement
[7]– “خبيرة أممية تحذر من “ارتفاع معدلات العنف المنزلي” في ظل إجراءات “الطوارئ والإغلاق” بسبب (كوفيد –19)، https://news.un.org/ar/story/2020/03/1052212
[8]– “صندوق الأمم المتحدة للسكان: توقعات بفقدان ملايين النساء لوسائل تنظيم الأسرة وارتفاع نسب العنف المنزلي وزواج الأطفال” https://news.un.org/ar/story/2020/04/1053942
[9]– المرجع السابق.
[10]– “الأمين العام يدعو إلى اتخاذ تدابير للتصدي للزيادة المرعبة في العنف الأسري في ظل طفرة كورونا العالمية” https://news.un.org/ar/story/2020/04/1052702
[11]– مرجع سابق، “خبيرة أممية تحذر من “ارتفاع معدلات العنف المنزلي” في ظل إجراءات “الطوارئ والإغلاق” بسبب (كوفيد –19)، https://news.un.org/ar/story/2020/03/1052212
[12]– “ملايين النساء في خطر بسبب عمليات الإغلاق للحد من تفشي كورونا” https://www.infomigrants.net/ar/post/24148/ملايين-النساء-في-خطر-بسبب-عمليات-الإغلاق-للحد-من-تفشي-كورونا
[13]– Dorcas Erskine, “Not just hotlines and mobile phones: GBV services provision during COVID- 19,” https://www.unicef.org