تقديم
يسلط كتاب المسبار «الفرص والتحديات في دول الخليج العربي (2)» (الكتاب السادس عشر بعد المئة، أغسطس (آب) 2016) الضوء على أهم الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي باتت تُثار بوصفها تحدياً أمام دول مجلس التعاون الخليجي، متابعاً دراسة مجموعة من القضايا، عالج قسماً منها في الجزء الأول الصادر في أبريل (نيسان) 2015.
تمكنت دول الخليج العربي من تجاوز العواصف التي فرضتها الأحداث الإقليمية في السنوات الممتدة بين عامي 2011 و2016، لا سيما ما يرتبط بانهيار الأنظمة السياسية في الدول التي عمتها الاضطرابات.
يتناول الكتاب القضايا المعنية بالاقتصاد والسياسة والمجتمع والدين في دول الخليج، من زاوية رصد مسار السياسات الإصلاحية في المنظومة الخليجية، وهي تغطي جوانب اجتماعية: كقضية المرأة، واقتصادية: كمسألة الإصلاح الاقتصادي واقتصاد المعرفة، في ظل الأزمات السياسية وتباطؤ الاقتصاد العالمي، كما تشير إلى تحدي الإرهاب الذي يغطي على كل هذه الجوانب. تناقش الدراسات موضوعات على صلة مباشرة بالإصلاحات الناشئة والهيكلية، آخذة بالاعتبار المعوقات والعراقيل والتحولات والتبدلات الجارية دولياً وإقليمياً.
يُعد الإصلاح الديني ملفاً من الملفات التي تعالجها المجتمعات الخليجية لعوامل متباينة، لعل أبرزها تأثير خطاب رموز ما يعرف بــ«الصحوة» وجماعات الإسلام السياسي ودعاة السلفية، في التيّارات السلفية الجهادية والجماعات الإرهابية المنتشرة في الشرق الأوسط. ينطلق أحد المحاور من قناعة أنه لا يوجد شخصيات إصلاحية خارجة من الحركة الإسلامية على مختلف أطيافها في الخليج. وترى أنَّ ضمور أو غياب الإصلاح الديني خليجياً، له علاقة بأزمة الوعي المجتمعي والديني؛ فلم تبرز تيارات أو اتجاهات دينية إصلاحية تصل إلى حدود تكوين كتلة ضاغطة، فانحصرت أغلب المحاولات في المستوى الفردي.
يُعتبر محور التمكين السياسي للمرأة من المحاور التي تُطرح بشكل مستمر، وتشغل المراقبين والمتابعين لعملية التنمية العامة في الخليج. وقد اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات واضحة على المستوى الاقتصادي والتنموي والتعليمي. ويأتي الاهتمام بهذا الملف بخلفيته التاريخية والراهنة، في موازاة رصد وسائل الإعلام العالمية لأي متغير أو تطور مرتبط بحقوق المرأة الخليجية. يسجل هذا المحور التطور السياسي والنجاحات التي أحرزتها المرأة الخليجية، التي صارت وزيرة ورئيسة للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات.
يعرض الكتاب التحديات الاقتصادية الخليجية في ظل تراجع أسعار النفط وما ترتب عليه من خسائر، وإجراءات. وعلى الرغم من تمتع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي باحتياطات مالية ضخمة، فإن ذلك لا يجعلها بمعزل عن ما يحدث من أزمات عالمية. وقد تناولت إحدى الدراسات هذه التحديات الاقتصادية، التي ستحدد موقع دول مجلس التعاون في ميزان القوى الدولية، مثل أمن الطاقة وأسعار النفط، وفاتورة الدفاع عن الخليج ضد الإرهاب والتمرد الحوثي، ورفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
تبحث دول الخليج عن أسواق اقتصادية جديدة، وتمثل الصين، كقوة اقتصادية صاعدة، أحد أهم محركات العلاقات الاقتصادية الخليجية. لقد حلَّل الكتاب التحديات الكبرى المستمرة التي تواجه الاقتصادين الخليجي والصيني، مستعرضاً الفرص التي يمكن عبرها تعزيز التجارة الثنائية والتعاون الاقتصادي بينهما. إن أهمية تعزيز العلاقات الخليجية– الصينية لا تتعلق بالاقتصاد فحسب، فالسياسة لا تنفصل عن الاقتصاد؛ فكلاهما متلازمان داخلياً وخارجياً.
تناول الكتاب العلاقات الخليجية مع دول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا. تؤسس دول الخليج لعلاقات عالمية واسعة الأقطاب، وتبين الفترة الأخيرة أن هناك رغبة من جانب عدد من دول أمريكا اللاتينية ودول شرق آسيا، لتدعيم الحوار مع الدول الخليجية، وصولاً إلى تعميق العلاقات بين الجانبين، في ظل تطورات داخلية مهمة، لا سيما بعد ظهور مشاكل اقتصادية عالمية.
صادقت دول الخليج على مجموعة من التشريعات لمكافحة الإرهاب، في سبيل الحد من انتشاره وتجفيف منابعه. إن ظاهرة الجهاد المعولم المتمثلة بــ(داعش) وتنظيمات إرهابية أخرى، تشكل تهديداً للأمن العالمي، ودول الخليج ليست بمنأى عن هذا التهديد. وفي الوقت الذي تتسع فيه رقعة هذه التهديدات الإرهابية، إقليمياً وعالمياً، من المفيد رصد الاستراتيجيات الجديدة لمواجهة «داعش» على المستوى الداخلي وعلى الحدود السيادية.
من بين المخاطر التي تواجه دول الخليج، النمو الملحوظ للميليشيات المسلحة المنتشرة في مجالها الحيوي، لا سيما في العراق القريب جغرافياً من الكويت، والسعودية. وفي سبيل فهم تركيبة هذه المجموعات وطريقة تفكيرها وأهدافها النهائية، لا بد من العودة إلى تاريخ نشأتها. ناقشت إحدى الدراسات الظروف السياسية والعسكرية المرافقة لنشوء هذه الفرق العسكرية، ومسار توسعها حتى صارت لاعباً أساسياً في سياسات العراق الداخلية، بل وفي الساحة العسكرية في سوريا.
يأتي هذا الكتاب كجهد لتوثيق هذه القضايا ورصدها وملاحظة تفاعل الإعلام معها، على أمل أن يحفز هذا الجهد الباحثين الخليجيين لتقديم جهد ثقافي موازٍ. لقد أجرت دول الخليج سلسلة إصلاحات سمحت لها بتجاوز الأزمات المحيطة بها بأقل الأضرار. وهي تواصل السير بخطوات حثيثة لتفادي الانزلاقات، والعمل على الحد من الاضطرابات الدائرة في الجوار الإقليمي.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل إبراهيم أمين نمر، والزميلة رشا العقيدي، اللذين نسقا العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودهما وفريق العمل.
رئيس التحرير
أغسطس (آب) 2016