ما إن أعلن عن مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، مساء أمس 4 ديسمبر (كانون الأول)، حتى بدأت التكهنات والاقتراحات بتسمية وتقديم خليفة يرث حمل صالح السياسي، المعروف ببنائه القائم على التناقضات في التحالفات، هذا ما برع به صالح لأكثر من ثلاثة عقود، واصفا ذلك بالرقص على رؤوس الأفاعي. صالح الذي دخل في حروب مع أصدقاء الأمس، كان قد أعلن بعد (3) سنوات من حرب اليمن عن فتح صفحة جديدة يحملها للمملكة العربية السعودية ولقوات التحالف العربي، إلا أنه وبعد يومين من إعلانه هذا الذي جاء في 2 ديسمبر (كانون الأول)، أجهزت عليه الأفعى الأخيرة حليفة الماضي برصاصة استقرت برأسه، بروايات عدة تلقفتها وسائل الإعلام ونشرتها عبر مختلف منصاتها، لكن كان مصيره واحداً.
عُرف صالح بتناقضاته في تحالفاته، مرة مع دول الجوار ومرة مع الحوثيين ومرة أخرى مع القاعدة، معتمدا على قاعدته القبلية “بني حاشد” في ذلك قبل أن تنخرها الانقسامات بين أبناء القبيلة الواحدة، وأبناء حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يرأسه.
لكن، ما مصير القاعدة في اليمن من هذه التحالفات بعد مقتل علي عبدالله صالح؟
بعد خسارة الحوثيين لحليف رئيس ولاعب أساسي في تغيير موازين القوى في اليمن، وقتلهم لحليف الأمس، وعلى الرغم من استعادة قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وقوات الشرعية بقيادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور (85%) من الأراضي اليمنية، كما أعلن في وقت سابق من نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على لسان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، الفريق أول ركن عبدالرحمن بن صالح البنيان، فهناك (4) سيناريوهات حول الدور الذي ستلعبه القاعدة في المنطقة بعد مقتل صالح:
السيناريو الأول:
أن يجد الحوثيون تنظيم القاعدة حلفاء لهم، فيمكّنوهم من مناطق تخضع تحت سيطرتهم، مقابل تنفيذ القاعدة عمليات تحاول فيها تشتيت القبائل التي تجد بعضا منها –أيضا- من القاعدة حليفة لها، بل وأحيانا أكثر ائتمانا على اليمن كما يرونها في مشهد شديد التعقيد. وبذلك يربكون عمليات حشد القبائل وقوات صالح وأنصار حزب المؤتمر خلف الشرعية في حربهم التي تتبدل فيها الولاءات والتحالفات بسرعة وفق ما يرتئي قادتها لمصالحهم العامة والخاصة.
السيناريو الثاني:
- أن يجد تنظيم القاعدة نفسه يلعب دور صالح في ازدواجية التعامل، وبذلك تعود القاعدة إلى استراتيجيتها في ازدواجية التعاطي مع الأيديولوجيا التي تدعو لها وتتبناها في خطابها، وبالوقت نفسه لا ترى في الطرف الآخر عدوا (الحوثيين) وإن اختلفوا فكرا، ما دام أنه يوفر الاحتياجات والمتطلبات لتشد من عوده، فيساعده هذا التحالف في النهوض من جديد، لتنفيذ المخططات والعمليات الإرهابية ليبسط نفوذه في مناطق كبيرة في اليمن. يعيدنا ذلك إلى مشهد استضافة إيران لعناصر تنظيم القاعدة بعد انهيار حكم طالبان عام 2001، ليتفرق قادة تنظيم القاعدة، ثم ضمنت إيران سفرا آمنا لهم ولعوائلهم فيها. لا ننسى أن نستحضر ما أعلن عنه ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” عن علاقة سابقة لقيادة القاعدة مع إيران عبر كلمة صوتية بعنوان (عُذراً أمير القاعدة)، قال المتحدث الرسمي آنذاك لتنظيم الدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني في 11 مايو (أيار) 2014 بأن تنظيم (الدولة الإسلامية) لم يضرب في إيران تلبية لطلب القاعدة للحفاظ على مصالحها –أي القاعدة– وخطوط إمدادها في إيران.
السيناريو الثالث:
- أن ينأى تنظيم القاعدة بنفسه ويعيد ترتيب صفوفه بعد خسارته مناطقه بتعرضه لضربات من قوات تحالف دعم الشرعية، الذي نجح في استعادة أجزاء كبيرة من منطقة الساحل الجنوبي، خاصة أبين وحضرموت وشبوه من سطوة التنظيمات الإرهابية، من جهة. ومن جهة ثانية، إن تنظيم القاعدة يمر بأسوأ أحواله مع مصرع العديد من قياداته، وسقوط الكثير من عناصره، بواسطة ما تعرض له من ضربات الطائرات الأمريكية. فحسب أرقام صادرة عن مكتب الصحافة الاستقصائية «TBIJ». ارتفع عدد الضربات الجوية الأمريكية السرية في اليمن إلى أكثر من الضعف عام 2017، ووصل إلى (93) مقارنة مع (40) في العام السابق.
السيناريو الرابع:
أن يتحالف وريث صالح السياسي مع تنظيم القاعدة، وإن كان باتفاق سري من خلال شبكة العلاقات القبلية المعقدة، للقضاء على خيارات الحوثيين التي تتمثل باحتمالية استخدامهم كطوق نجاة لهم، لا سيما بعد ما تم تداوله حول مزاعم ارتبطت برجل القاعدة الأول في اليمن باعتباره مخبرًا سابقًا لنظام صالح آنذك، يتلقى أموالاً ودعماً من جهاز الاستخبارات اليمني “الأمن القومي” بشكل مباشر. لكن يبقى هذا الخيار الأقل فرصة في التحقق بين ما ذكر من سيناريوهات، وإن ثبتت تلك العلاقة. وذلك لسبب نراه في خبر لموقع “إرم” الإماراتي عن تصريح لقيادي سابق في تنظيم القاعدة باليمن، أكد أن التنظيم لا يحتفظ بالأرض ويسعى إلى الحد من خسائره والانصهار في التجمعات القبلية، والعودة إلى المواقع ومراكز التدريب السرية. وهو ما يرفضه تحالف داعمي الشرعية وعلى رأسه قوات التحالف العربي.